
منقول من موقع
ghobrialrizkallah.org
الآب والابن والروح القدس
(الثالوث الأقدس)
(تك 1 : 1 – 3) ، (تث 6 : 9) ، (يو 1 : 1 – 10، 16 : 13 – 15) ، (1 يو 1 : 1 – 5)
“الرب إلهنا ربٌ واحدٌ”. هذا هو قانون الإيمان الإسرائيلي.
وفي العبرية يهوه ألهيتو يهوه آحاد، يهوه إلهنا يهوه واحدٌ، والكلمة إلهنا في العبرية في صيغة الجمع لا المفرد، ففي هذه الآية يجمع التعدد مع الوحدة، الكلمة ألهيتو هي ألوهيم والياء والميم في الآخر علامة الجمع في العبرية ، وترجمتها الحقيقية الآلهة، ولكن المترجمون ترجموها الله عندما تشير إلى الإله الحي الواحد، وترجموها آلهة عندما تشير إلى آلهة الوثنيين الكثيرة، ولكن اللفظ واحدٌ جمعٌ في وحدةٍ، وحدةٌ في جمعٍ، هذا أعلنه السيد المسيح فيما أعطاه لتلاميذه قبل صعوده إلى السماء: أن يكرزوا وأن يعمِّدوا باسم الآب والابن والروح القدس، ثلاثة، ولذلك قال علماء اللاهوت أنها وحدةٌ في ثلاثةٍ، واحدٌ في ثلاثةٍ، ثلاثةٌ في واحدٍ، الآب والابن والروح القدس، وحدةٌ متعددةٌ لا وحدةٌ مطلقةٌ، وبهذه الوحدة المتعددة، الأقانيم الثلاثة في واحدٍ، علّم السيد وأعلن الحق السماوي، حقيقةٌ لا تُعرف إلا في هذا التعليم وفي الكتاب المقدس وحده.
هذه الثلاثة تظهر في الخلق، قرأنا الآن “في البدء خلق الله” والإنجيلي يوحنا البشير يقول: “في البدء كان الكلمة وكان الكلمة الله”، الله الذي كان في البدء هو أيضاً الكلمة الذي كان، هو الله وكان عند الله، ولذلك يقول البشير: “كل شيءٍ به كان وبغيره لم يكن شيءٌ مما كان” الله الكلمة، ثم نرى في سفر التكوين أيضاً: “روح الله يرف على وجه المياه” روح الله يرف على وجه المياه، الله، الكلمة، روح الله، الله الآب، الله الكلمة، الله الروح، الآب والكلمة والروح.
والرسول يوحنا كما جاء في بعض التراجم في الأصحاح الخامس من رسالته الأولى يقول: “والذين يشهدون في السماء هم ثلاثة”، نقرأ الكلمة هو الله، الابن، الآب والابن والروح القدس، هو الكلمة الابن الذي به كل شيءٍ كان، قال فكان أو فصار (مز 33 : 9): “لأنه قال فكان هو أمر فصار”، يقول المرنم: الكلمة الذي “به كل شيءٍ كان وبغيره لم يكن شيءٌ مما كان”، “في البدء كان عند الله وكان الكلمة الله”، الآب والكلمة والروح في الخلق. في التجسد.
في التجسد بشارة الملاك للعذراء: “الروح القدس يحل عليك”، هذا هو الأقنوم الثالث في اللاهوت الذي حُبل به فيها. في (مت 1 : 20)، (لو 1 : 35) يقول للعذراء: “الروح يحل عليك”، الروح القدس، ما هو مكان الآب في هذا التجسد، في الرسالة إلى العبرانيين (عب 10 : 5) ماذا يُقال عن الآب في التجسد: “هيأت لي جسداً” من هو المتكلم؟ ومن هو المخاطَب؟ “هيأت لي جسداً”، هذا اقتباس من (مز 40 : 6 – 8) المخاطَب هو الله الآب: “أن أفعل مشيئتك يا إلهي سررت”، المخاطِب هو الله الابن، فالجسد الذي كونه الروح القدس في أحشاء العذراء كما رأينا هيأه الآب أزلاً قبل كل الدهور في قصده الأزليّ لأن المسيح قدم ذبيحةً أزليةً لا على الصليب ولا في الجلجثة (عب 9 : 3و14): “يقدس إلى طهارة الجسد” حسب شريعة موسى، “فكم بالحري يكون دم المسيح الذي بروحٍ أزلي قدم نفسه لله”، بروحٍ أزلي، لا على الصليب ولا في الجلجثة، بروحٍ أزليّ هو ذبيحةٌ أزليةٌ منذ الأزل.
هكذا يقول الرسول بطرس في (1 بط 1 : 18 – 20): “بل بدمٍ كريمٍ كما من حملٍ بلا عيبٍ ولا دنسٍ دم المسيح، معروفاً سابقاً قبل تأسيس العالم” في قصد الآب منذ الأزل، ففي الأزل، في القصد الإلهي، قصد الآب، تهيأ جسد السيد المسيح ليكون ذبيحةً: “هيأت لي جسداً” منذ الأزل أيها الآب، هكذا يقول الابن الذي هو الكلمة “والكلمة صار جسداً وحل بيننا”، فهو الابن منذ الأزل كما يقول في (يو 1 : 18): “الابن الذي هو في حضن الآب هو خبَّر”، ففي التجسد الآب هيأ لابنه الوحيد، ابن أحضانه الإلهية جسداً في قصده الأزلي، والروح الفدس كوَّن هذا الجسد في أحشاء العذراء، وكما يقول في متى ولوقا والابن نفسه اتخذ هذا الجسد لنفسه ناسوتاً إطاعةً لأبيه وتحت قيادة الروح القدس كما قيل في (في 2 : 5): “لم يحسب خلسةً أن يكون معادلاً لله (للآب) لكنه أخلى نفسه آخذاً صورة عبد” بإرادته “أن أفعل مشيئتك يا إلهي سررت” بمسرته، “طعامي أن أفعل مشيئة الذي أرسلني وأُتمم عمله”، سررت “أخلى نفسه … صائراً في شبه الناس …. وأطاع حتى الموت (أطاع الآب حتى الموت) موت الصليب”.
ففي الخلق عمل الآب والابن والروح القدس الذي “خلق” كل شيء “والذي كل شيءٍ به كان”، “والذي كان يرف على وجه المياه”، الآب والابن والروح القدس.
وفي التجسد الآب هيأ للابن جسداً منذ الأزل، والابن أطاع واتخذ هذا الجسد، وتكون بالروح “الذي بروحٍ أزليٍّ”، والابن أخلى نفسه، تجسد صار إنساناً عبداً “وجد في الهيئة كإنسان”، “وضع نفسه آخذا صورة عبد”.
فالثالوث الأقدس اشترك في الخلق معاً واشترك الآب في تهيئة جسد المسيح، الآب هيأ الجسد، الروح كون الجسد في العذراء، والابن اتخذ الجسد ناسوتاً، وهذا سرٌّ آخر، الفداء.
في الخلق اشترك الثلاثة معاً، وفي الفداء، وفي التجسد اشترك الثلاثة معاً، وفي الكرازة بسر الفداء ماذا يقول؟ قرأنا اليوم في إنجيل يوحنا (16 : 13و14) عن الروح القدس يقول السيد المسيح لتلاميذه: “ذاك يخبركم” بكل شيء، “يأخذ (أي الروح القدس) مما لي (للابن) ويخبركم”، “ذاك يمجدني” (يمجد الابن) يأخذ مما لي ويخبركم، وقد قلت لكم مما لي ليس لأني وحدي لأن ما لي هو للآب وما للآب هو ما للابن، والروح القدس يأخذ ما للآب، ما للابن، ويمجد الآب والابن، والآن في عمل الكرازة بالإخبار بأمورٍ لا يمكن أن يعرفها بشرٌ، لا يمكن. وكل كرازةٍ تبتعد ولو أُنملةٍ صغيرةٍ عن ما للآب الذي هو ما للابن والذي يخبر به الروح القدس، كرازةٌ كاذبةٌ وباطلةٌ، وكل عظةٍ وكل تعليمٍ يبتعد ولو أنملة صغيرة عن ما أعلنه الروح القدس عما للآب وعما للابن، لهذا الثالوث، هو تعليمٌ كاذبٌ وفاسدٌ.
لذلك يقول “فتشوا الكتب” لأنها إعلان الروح القدس عن ما هو للابن الذي هو ما للآب، فالآب والابن والروح القدس الجميع يشتركون في الكرازة عن طريق الروح القدس كما أُعلن في الكتب المقدسة، لذلك يقول الرسول بطرس في (2 بط 1 : 19 – 21): “وعندنا الكلمة النبوية” أسفار العهد القديم، الكلمة النبوية، لا الخرافات المصنعة ولا الرؤية، الكلمة النبوية، “فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياةٌ أبديةٌ”.
“وعندنا الكلمة النبوية وهي أثبت التي تفعلون حسناً إن انتبهتم إليها كما إلى سراجٍ منيرٍ في موضعٍ مظلم إلى أن ينفجر النهار ويطلع كوكب الصبح (الرب يسوع) في قلوبكم عالمين هذا أولاً أن كل نبوة الكتاب ليست من تفسيرٍ خاصٍ (ليست من إنسانٍ بشريٍّ) لأنه لم تأتِ نبوةٍ قط بمشيئة إنسان”، مسوقين والروح يأخذ ما للابن الذي هو ما للآب الذي لا يعرفه أحدٌ إلا الآب والابن، ولا يقدر أن يعلنه إلا الروح القدس، وأعلنه للرسل من الكتب النبوية قديماً (عب 1 : 1) في ابنه، والروح يأخذ مما لهذا الابن والذي هو للآب ويخبر ويعلن “الذي جعله وارثاً” للكل “الذي به عمل العالمين وهو حاملٌ كل الأشياء بكلمة قدرته”، “بهاء مجد الآب ورسم جوهره”، هذا هو الثالوث الأقدس في سر الفداء، في الخلق.
لذلك نستطيع أن نقترب باسم الآب والابن من هذا التعليم النبوي، تعليم الروح القدس بالإعلان مما للآب ومما للابن.
الآب واجب الوجود بمعنى موجود بذاته، يضاف إليها أزليٌّ أبديٌّ، الابن إلهٌ حيٌّ مولود من الآب، “الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب”، الروح القدس إلهٌ حيٌّ حقيقي معبود، روحٌ غير محدود كائنٌ قبل كل الوجود، واجب الوجود من الآب والابن، منبثق كتعليم الآب، والمسيح مُرسل من عند الآب، والابن والآب واحد فالروح منبثق من الآب والابن معاً أزليٌّ أبديٌّ، الآب والابن والروح القدس في إلهٍ واحدٍ، جوهرٌ واحدٌ متساوون في القدرة والمجد والعظمة والسلطان، متساوون في الأزلية والأبدية المعلن في الكتب المفدسة.
فماذا علينا إذاً؟ كيف نتقدم إلى هذا الثالوث الواحد؟ بأي قدومٍ نأتي إليه؟ ونختم بهذا السؤال وبالجواب عليه في (أف 2 : 17و18): “فجاء وبشركم بسلامٍ أنتم البعيدين والقريبين (أي اليهود والأمم) لأن به لنا كلينا قدوماً في روحٍ واحدٍ إلى الآب”.
في روحٍ واحدٍ فلنتقدم إلى الآب في المسيح بالابن بالروح القدس، نتقدم إلى الآب في الابن بالروح القدس، وهذه هي العبادة الحقيقية للثالوث المقدس، إلى الآب في الابن بالروح، لأن الذين يسجدون كما قال السيد المسيح للمرأة السامرية: “الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا”، يسجدون للآب في الابن بالروح القدس حسب الكتاب المعلن.
الرب يعطينا النور لنرى الآب بابنه في روحه ونتقدم إليه متعبدين وأنتم آخذون ملكوتاً لا يتزعزع.
“ونحن قابلون ملكوتاً لا يتزعزع ليكن عندنا شكرٌ به نخدم الله” الآب والابن والروح القدس خدمةً مرضية “لأن إلهنا نارٌ آكلةٌ”.
الجمعة 11 / 4 / 1975