
منقول من موقع
ghobrialrizkallah.org
الآب والابن والكلمة
(2 بط 1 : 19 – 21)
“عالمين هذا أن كل نبوة الكتاب ليست من تفسيرٍ خاصٍ، لأنه لم تأت نبوةٌ قط بمشيئة إنسانٍ بل تكلم أُناس الله مسوقين من الروح القدس”.
الكتاب المقدس هو كتابٌ لتفسير مقاصد الله وإعلان الحق الإلهي المقدس، والعهد الجديد هو تفسيرٌ للعهد القديم، والعهد القديم هو تفسيرٌ لإعلانات الله، وهو إعلانٌ للوحي المقدس على لسان الأنبياء والرسل، وبانتهاء الوحي المكتوب ليس هناك أية إعلاناتٍ جديدةٍ أو وحيٍ آخر بأية صورة ٍما.
والكتاب المقدس ليس له أي تفسيرٍ خاص من صنع بشر ولا بمواعظ واجتهادات إنسان، مهما كان ذلك الإنسان، بل إن الكتاب يفسر نفسه ويفصِّل مقاصد الله وإعلانات الله الأزلية التي قصدها في نفسه من الأزل حسب مسرة مشيئته “عالمين هذا أولاً أن كل نبوة الكتاب ليست من تفسيرٍ خاصٍ”، والمسيح لم يتكلم بشيءٍ جديدٍ ولم يأتِ بتعاليمٍ جديدةٍ أو إعلاناتٍ حديثةٍ، بل إن كل ما تكلم وعلم به كان تحقيقاً لنبواتٍ سابقةٍ، وكان المسيح يتكلم بأمثالٍ، وبغير أمثالٍ لم يكن يعلمهم ويكلمهم، “فتقدم إليه التلاميذ وقالوا له لماذا تكلمهم بأمثالٍ”، ونجد أن الأصحاح الثالث عشر من إنجيل متى هو الأصحاح الذي قيل فيه أكبر عدد من الأمثال، فهو يبدأ بمثل الزارع، ثم مثل الزرع الجيد والزوان وهو عن ملكوت الله، ثم مثل الخميرة والكنز المخفي، هذا كله كلم به يسوع الجموع، بأمثالٍ، “وبدون مثلٍ لم يكن يكلمهم”، لكي يتم ما قيل بالنبي القائل: “سأفتح بمثلٍ فمي وأنطق بمكتوماتٍ منذ تأسيس العالم”، وهذه النبوة موجودة في سفر المزامير (مز 78 : 2) “أفتح بمثلٍ فمي، أذيع ألغازاً منذ القدم”، فالمسيح هنا ينطق بمكتوماتٍ منذ تأسيس العالم، موجودةٌ وقائمة وليست جديدةٌ، بل كل الإعلانات والمواعيد موجودة منذ القدم، وقد تُرجمت كلمة “منذ القدم” في العهد القديم في المزامير بكلمة “منذ تأسيس العالم”.
وإعلانات الله يتحدث بها المسيح وينطق بها منذ القديم، وهي ليست غير ظاهرةٍ للإنسان بل هي معلنةٌ، مكشوفةٌ، واضحةٌ ولا تحتاج إلى شخصٍ يفسرها أو يوضحها لأن الله أظهرها والمسيح يخبر بها منذ القدم، منذ تأسيس العالم، ذلك أن “السموات تحدث بمجد الله، والفلك يخبر بعمل يديه، يومٍ إلى يومٍ يذيع كلاماً ليلٍ إلى ليلٍ يبدي علماً” (مز 19 : 1و2) فكل يوم يمضي يعلن الله فيه مقاصد، وكل ليل ينقضي يخرج الله فيه علماً وحكمةً.
كما أن الرسول بولس أوضح هذه الحقيقة وهي: أن الإنسان يجب أن يعرف الله ويستطيع أن يرى ويدرك مجد الله وعظمته بدون تفسيرٍ أو شرحٍ وبدون كتابٍ أيضاً، في كل مكان وفي كل وقت يستطيع الإنسان أن يعرف ويهتدي إلى عظمة الله ومجده فيقول الرسول: “لأن غضب الله معلنٌ من السماء على جميع فجور الناس وإثمهم الذين يحجزون الحق بالإثم، إذ معرفة الله ظاهرةٌ فيهم لأن الله أظهرها لهم، لأن أموره غير المنظورة تُرى منذ خلق العالم مدركةٌ بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته حتى أنهم بلا عذر”.
والآن الكتاب موجود يجب أن نقرأه ويجب أن نحفظه، ليس نقرأه فقط بل ونفهمه أيضاً، ولكن ما يحدث الآن هو أن الناس تقرأ الكتاب سطوراً من كلامٍ يمر به مروراً سريعاً ولا تعي ولا تفهم شيئاً من الكتاب، يجب أن نهتم بالكتاب ونفهمه، وبولس الرسول يوصي تلميذه تيموثاوس بالفهم فيقول له: “افهم ما أقول فليعطك الرب فهماً في كل شيء”، والكتاب المقدس هو كلام الله الثابت والراسخ، هو الكلمة النبوية التي هي أثبت “لأننا لم نتبع خرافاتٍ مصنعةٍ إذ عرفناكم بقوة ربنا يسوع المسيح ومجيئه بل قد كنا معاينين عظمته، لأنه أخذ من الآب كرامةً ومجداً إذ أقبل عليه صوتٌ كهذا من المجد الأسنى هذا هو ابني الحبيب الذي أنا سررت به، ونحن سمعنا هذا الصوت مقبلاً من السماء إذ كنا معه في الجبل المقدس، وعندنا الكلمة النبوية وهي أثبت التي تفعلون حسناً إن انتبهتم إليها كما إلى سراجٍ منير في موضعٍ مظلمٍ إلى أن ينفجر النهار ويطلع كوكب الصبح في قلوبكم”.
والرسول يقول: إذ عرفناكم يقوة ربنا وليس بواسطة خرافاتٍ مصنعة وأفكار البشر، قد كنا معاينين عظمته، إذ رأى الرسل الثلاثة على جبل التجلي مجد المسيح، ويؤكد الرسول كل هذا كشهود عيانٍ، فقد كانوا معاينين عظمته، ومع كل ذلك والرسول نفسه كشاهد عيان يقول: “وعندنا الكلمة النبوية وهي أثبت”، أثبت من كل شهادة أو إعلان أو رؤى أو مناظر أو مظاهر نورانية للملائكة والقديسين، فهي أثبت، وهل هي أثبت عندنا هل نعرفها ونحفظها؟ بل هل نفهمها؟.
وعند قبر لعازر جاء المسيح، لقد أمره الآب بالروح القدس بالذهاب إلى قبر لعازر وقاده إلى المغارة، كما اقتاده أيضاً بالروح إلى البرية ليجرب من إبليس، وكان الابن يطيع الآب وكان الآب يحب الابن ويسمع له، وهناك عند القبر رفعوا الحجر حيث كان الميت موضوعاً ورفع يسوع عينيه إلى فوق وقال: “أشكرك أيها الآب لأنك سمعت لي، وأنا علمت أنك في كل حين تسمع لي .. ولكن لأجل الجمع الواقف قلت ليؤمنوا أنك أرسلتني” أشكرك أيها الآب، المسيح يشكر الآب لأنه استجاب له، بل لأن الآب في كل حينٍ يسمع له منذ القدم، ومنذ تأسيس العالم، الآب يسمع للابن وذلك لأن الابن يحب الآب ويفعل مشيئته، والابن لا يفعل شيئاً من ذاته، ولكن يفعل إرادة أبيه، وهو موضوع سروره ومحبته، فيقول المسيح بلسان الوحي: “أن أفعل مشيئتك يا إلهي سُررت وشريعتك في وسط أحشائي”، ويؤكد المسيح تلك الحقيقة العظمى فيقول: “لأني لم أتكلم من نفسي لكن الآب الذي أرسلني هو أعطاني وصيةً ماذا أقول وبماذا أتكلم. وأنا أعلم أن وصيته هي حياةٌ أبديةٌ فما أتكلم أنا به فكما قال لي الآب هكذا أتكلم”، ونرى تلك الحقيقة واضحة أكثر حين قال لهم يسوع: “طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله”.
وما معنى القول: “لماذا كنتما تطلبانني ألم تعلما أنه ينبغي أن أكون فيما لأبي”، وحين قال المسيح لتلاميذه وللواقفين أنه لا يتكلم من ذاته ولا يفعل مشيئته وكان يكلمهم بأمثال “قال له تلاميذه هوذا الآن تتكلم علانية ولست تقول مثلاً واحداً”.
هذا ما حدث في اليوم الأخير العظيم من العيد، وحين وقف المسيح يعلم الجموع ويلقي خطاب الوداع تكلم المسيح بكل صراحةٍ ووضوحٍ ولم يتحدث معهم بأمثالٍ ولكن أصبح يتكلم عن الآب علانيةً، وقبل ذلك لم يكن يكلمهم إلا بأمثالٍ، لذا لم يكونوا فاهمين أو عالمين بتلك المكتومات الأزلية، فقالوا له من أنت؟ فقال لهم يسوع: “أنا من البدء ما أكلمكم أيضاً به”، إن لي أشياء كثيرة أتكلم بها وأحكم بها من نحوكم لكن الذي أرسلني هو حقٌ وأنا ما سمعته منه (منذ البدء) فهذا أقوله للعالم، ولم يفهموا أنه كان يقول لهم عن الآب.
إذاً لنقرأ الكتاب ولنفهمه ولنحفظه حتى يكون سراجٌ لأرجلنا، حتى نعرف المواعيد والعطايا والهبات المعطاة لنا لكي نعرف ما هي مقاصد الله وما هو سر مشيئته. يجب أن نكون حافظين لوصاياه.
“عالمين هذا أولاً أن كل نبوة الكتاب لسيت من تفسيرٍ خاصٍ. لأنه لم تأتِ نبوةٌ قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله مسوقين من الروح القدس”.
م. الأربعاء 7 / 3 / 1974