
الكاتب
القس حنا مجلي
راعى الكنيسة الإنجيلية بالسنبلاوين
سنودس النيل الإنجيلي
الكنيسة الإنجيلية المشيخية بمصر
إنَّ مهمة التشكيل الروحي، أنْ يُعَلِّم الأسبق في مسيرته مع الله أخيه الأحدث. مَنْ سبق واجتاز في الطريق الضيق، مَنْ تسمَّر مع المسيح على الصليب، ومَنْ أختبر قوة قيامته؛ هؤلاء فقط هم الذين يستطيعون أن يقوموا بعملية التشكيل الروحي لمبتدئي وحديثي الإيمان. وعندما تخلو الكنائس مِنْ هؤلاء، تصاب الكنيسة بالضعف الروحي، ويصاب مؤمنيها وأعضاءها بأمراض التدين، ويفشلون في تمثيل حضور الله في العالم. وعندما تخلو كليات اللاهوت مِنْ هؤلاء، يخرج الإيمان المسيحي من حيز الاختبار إلى حيز النظرية ويصبح مجرد كلمات جوفاء لا معنى له في قلوب طلبة اللاهوت. وبالتالي، لا يحدثون أي فرق في كنائسهم عندما يتخرجون.
مَنْ اجتازَ طريق الله وسلكَ الدرب الضيق، وأتعبه بابه، وحمل صليب سيده، ومات معه وتسمَّرَ بصليبه على الجلجثة، قد خاضَ حروبًا روحيَّة وآلام كثيرة تسببت له في جراح، لكن هذه الجراح هي جراح المحاربين. جراح مَنْ تدربت أيديهم وأصابعهم على القتال. قتال الباطل، قتال الشر في نفوسهم. هؤلاء يعلمون جيدًا أسرار تلك الحرب، واستراتيجياتها. فيجب على هؤلاء أن ينقلوا معرفتهم الاختبارية إلى إخوتهم، وأنْ يؤكدوا على وجود تلك الحرب غير المرئية، التي لا تستخدم فيها أيًّا من أسلحة هذا العالم، بل أسلحة أشد فتكًا وأكثر قتلًا من القنابل النووية.
يجب أن يؤكدوا على وجود العدو الأكبر إبليس في عالمنا حتى وإنْ كانَ غير منظور لكن فعله منظور لمَنْ كشف الله عن بصيرتهم الروحيَّة. يصف الكتاب المقدس هذا العدو وقوته بالأسد الذي يزأر ويجول ملتمسًا مَنْ يبتلعه ويفترسه. ويطلب منا الكتاب المقدس أن نصْحُوا ونستعد ونتيقظ لهذا العدو.
8اُصْحُوا وَاسْهَرُوا. لأَنَّ إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ. 9فَقَاوِمُوهُ، رَاسِخِينَ فِي الإِيمَانِ، عَالِمِينَ أَنَّ نَفْسَ هذِهِ الآلاَمِ تُجْرَى عَلَى إِخْوَتِكُمُ الَّذِينَ فِي الْعَالَمِ. (1بط 5: 8-9)
وحتى المسيح نفسه قد جُرِّبَ من إبليس (مت 4: 1-11) ولا يستثنى مؤمنًا واحدًا لا يُحارب من إبليس ولا من أولاد إبليس. لأن إبليس قد زرع زوانه، أي أولاده، في العالم. وعندما يصف المسيح أولاد إبليس بالزوان، فهذا معناه إنهم الأشد فتكًا لأنهم يشبهون الحنطة في كل شيء، في المظهر، في الكلام، وفي الرسالة (لكن غايتها تصب في مصلحة امتداد ملكوت إبليس، أما رسالة أولاد الله فغايتها يصب في امتداد ملكوت الله). أولاد الله يقولون هكذا قال الرب، وأولاد إبليس يقولون هكذا قال الرب أيضًا. هؤلاء يقولون للناس نحنُ خدام الله، وأبناء الله يقولون للناس نحنُ خدام الله.
الجميع يحمل كلام الله في فمه، لكن أبناء إبليس يغشون كلام الله، كما يغش التاجر الجشع اللبن. ويُغش اللبن بطريقتين: إما إضافة ماء إليه، أو نزع الدسم منه. وبنفس الطريقة، يغش الشيطان وأبناءه كلمة الله بنفس الأسلوب الذي يُغش به اللبن. إما نزع حق منه، أو إضافة تعاليم كاذبة إليه.
لذا وجب على أبناء الله أن يبينوا للناس زيف رسالة أولاد إبليس. أنْ يوضحوا نزع الحق من الكتاب المقدس، وأيضا أن يوضحوا إضافات الناس وعقائد الناس إلى حق الله.
بالطبع، ستكتشفون أن الباطل لابسًا ثياب الحق، والحق عاري بلا ثياب. ستجدون الباطل سايرًا في جميع شوارعها وكنائسها قائلا للناس أنا الحق فاتبعوني. وستتبع معظم الناس الباطل ويكرهون الحق الذي يتنافى مع طبيعتهم. إنَّ الباطل محبب إلى قلوب الناس أكثر كثيرًا من الحق. إنه مريحٌ وجميل ومتدين ولابسًا ثياب فاخرة. أما الحق فمجروح وخدامه أيضَا مجروحون، وجروحهم برهان صدق نبوتهم.
إنْ مَنْ يخوض حرب كهذه، لا يجني سوى الجراح. الجراح التي يجرح بها في بيت أحبائه، سيضرب من أقرباءه ومن أصدقاءه ويقولون له لماذا تكلمت لنا بكلام الله بالكذب؟ لا تعود تتكلم بمثل هذا الكلام مرة أخرى؟ المهذبون سيقولون له: أنت متعصب. والقساة سيقولون له: أنتَ شيطان وابن إبليس. ويختلط الحابل بالنابل على الناس. ولا يعرفون مَنْ معه الحق ولا مَنْ معه الباطل. وسيكون هذا عقاب وغضب من الله؛ لأن الله سيترك الناس إلى عمل الضلال الذي سُروا به، ولا يعود يرسل عبيده إليهم مرة أخرى.