
منقول من موقع
ghobrialrizkallah.org
الخاطيء – البار – الصالح
(رو 5 : 1 – 8)
“فإنه بالجَهد يموت أحدٌ لأجل بارٍّ، ….. ولكن الله بيَّن محبته لنا ونحن بعد خطاةٌ مات المسيح لأجلنا”.
ثلاث شخصيات في هاتين الآيتين تحت عنوان: الخاطيء والخطاة، البار، الصالح.
أما الخاطيء فهو الذي أشار إليه في جماعة الفجار في العدد السادس الذي يعيش في الفجور لا يتقي الله، الله بعيدٌ عنه “وليس خوف الله أمام عينيه”.
أما البار فهو الإنسان المستقيم في حياته، العادل في تصرفاته، الذي يتبع النصح المبارك المقدس: اعطوا الجميع حقوقهم، يعطي كل إنسان حقه، يقول لجاره أو لقريبه ما لي هو لي، وما لك هو لك، قليس شيءٌ مما لي لك ولا شيءٌ مما لك لي، كلٌ له ما له، يعطي الإنسان حقه ويحفظ لنفسه حق نفسه.
أما الصالح فهو الإنسان الذي يصنع الخير ويوزع البركات ويعيش لأجل الغير، “لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا “بالروح القدس المُعطى لنا”، يعمل الإحسان ويذكر الإنسان المتعب، يسلك بحسب الأمر الإلهي: “لا يسرق السارق فيما بعد بل بالحريِّ يتعب عاملاً الصالح بيديه”، فلايعيش لنفسه، لا يقول ما لي هو لي، وما لك هو لك، بل يقول ما لك هو لك وما لي هو لك، يعيش لأجل الآخرين.
عن البار يقول الرسول بولس هنا: “بالجهد يموت أحدٌ لأجل بارٍّ” لأنه لا يشعر بأي إحسانٍ له ولا بأي فضلٍ عليه، أما لأجل الصالح فيقول ربما يجد أحدٌ يموت لأجل الصالح شاعراً بفضله وبمحبته، ويفضله على شخصه، فيموت لأجل ذلك الصالح، ربما يجسُر، أما المسيح فقد مات لا لأجل البار لأن الأصحاء لا يحتاجون إلى طبيب، ولا لأجل الصالح، ولكن مات لأجل الخاطيء، هكذا “بيَّن الله محبته لنا لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا”، والجميع خطاة، الجميع مات المسيح لأجلهم.
الصالح الحقيقي هو شخص السيد المسيح الذي بذل حياته لأجل الآخرين الأثمة، وُضع كل إثمٍ عليه، وجعله الله “الذي لم يعرف خطيةً خطيةً لأجلنا”.
أما الشخص الذي هو موضوع مناسبتنا في هذه الفرصة هو الصالح الذي افتداه المسيح ومات لأجله وانسكبت محبة الله بالروح القدس في قلبه ففاض خيره بالنعمة السماوية التي ملأت قلبه وعاش لأجل الآخرين، وأعطى مما له للغير، ينطبق عليه تلك الوصية المباركة: “أوصِ الأغنياء في الدهر الحاضر أن لا يستكبروا ولا يلقوا رجاءهم على غير يقينية الغنى (الغنى غير اليقيني) بل على الله الحي الذي يمنحنا كل شيءٍ بغنىً للتمتع”، وما أمتع أن نسمع القول: “مدخرين لأنفسهم أساساً حسناً للمستقبل (وفي المستقبل) جاعلين كنزهم في السماء” لأن قلبهم في السماء، “مدَّخرين لأنفسهم أساساً حسناً للمستقبل”، وهنا يحسن أن نتحاشى الأمر لئلا يكون الادخار هو كل الباعث والدافع بطريقةٍ اجتماعية كما يظن البعض.
لماذا نُعطي؟ لماذا نعيش في الصلاح؟ لماذا يكون لنا الفضل والخير على الآخرين؟ هل لندخر لأنفسنا أساساً حسناً للمستقبل؟ فالمسألة تكون تجارةً يجب أن نبتعد عنها كل البعد ونغض النظر عنها كل الغض لنتجنب العمل التجاري.
لماذا؟ تلميذةٌ اسمها طابيثا كانت تعمل أعمالاً صالحةً، بيديها تشتغل تعطي الأرامل والفقراء، ولكنها ماتت فذُرفت الدموع عليها، ودُعيَ بطرس ليقيمها، والأرامل وقفن أمام بطرس يرينه أعمال يديها الصالحة، فقد كانت ممتلئةً أعمالاً صالحةً، وكن يبكين، فكم كان فرحهن عظيماً إذ أقامها بطرس بنعمة المسيح وقوته من الأموات لتعود إلى أعمالها الصالحة، كل هذا لأنها كانت تلميذة للسيد المسيح الذي عاش لأجل الآخرين، والذي مات لأجل الآخرين، والذي قدم نفسه قرباناً وذبيحةً عن الآخرين.
ولكن هل ننسى؟ ولم ننسى! لماذا فعل المسيح ذلك؟ هل تمجيداً لنفسه؟ هل ليدَّخر لنفسه مجداً أسمى؟ لماذا فعل المسيح ذلك؟ مجداً لله الآب، “لم يحسب خلسةً أن يكون معادلاً لله، لكنه أخلى نفسه آخذاً صورة عبد … وإذ وجد في الهيئة كإنسان أطاع (أباه) حتى الموت موت الصليب”، أطاع، من أطاع؟ الله الآب، أطاع أباه حتى الموت موت الصليب “لمجد الله الآب”، نعم قد تمجد ونال مجداً لذلك رفعه الله أباه وأعطاه مجداً “لكي تجثو باسم يسوع كل ركبةٍ ممن في السماء ومن على الأرض وما تحت الأرض” لماذا؟ لمجد الله الآب، الكل يرجع إليه وهو الذي لم يعرفه العالم، والعالم أجمع كما قال السيد المسيح في صلاته الكهنوتية: “أيها الآب إن العالم لم يعرفك”، وأخشى أن يكون إلى الآن، فإننا لا نرى اسمه ولا ذكره في جميع أديان الأرض إلا في الكتاب المقدس، ولكن هل نذكره نحن في الكتب المقدسة؟ هل نعرف أنه الآب “الذي لم يشفق على ابنه بل بذله لأجلنا “.
“أيها الآب أشكرك لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للأطفال”، لأن “ليس أحد يعرف الابن إلا الآب، ولا أحد يعرف الآب إلا الابن” فلنرحع إلى الآب.
الأزبكية – الخميس 10 / 4 / 1975