
منقول من موقع
ghobrialrizkallah.org
الغلبة
(1 كو 15 : 35 – 58)
“شكراً لله الذي يعطينا الغلبة بربنا يسوع المسيح”.
الغلبة هي ابتلاع الموت والانتصار عليه، بوصف كونه العدو، بل آخر عدوٍّ يبطل، فالمؤمنون أمام الموت يواجهونه كعدوٍّ في صراعٍ عنيف، وماذا تكون النتيجة؟ النتيجة غلبة المؤمنون وابتلاع الموت إلى غلبة، وانتصار المؤمنون عليه، أمام الموت، ألد أعداء الإنسان، ننتصر ونغلب ونظفر “شكراً لله الذي يعطينا الغلبة” إذ “ابتُلع الموت إلى غلبة” بربنا يسوع المسيح، أمام الموت نقف ونرى قوته ونشعر بشوكته، ونقشعر أمام سلطانه، قوته، شوكته، في القوة نقف أمام الناموس، في الشوكة نقف أمام الخطية، في السلطان نقف أمام إبليس، عدو مثلث: الناموس، الخطية، إبليس. أمام هذا العدو المثلث ماذا نستطيع أن نفعل؟ إننا عبيدٌ مقيدون، وأمواتٌ لا حراك لنا تحت سلطانٍ لا نستطيعه، لذلك يُقال: “شكراً لله الذي يعطينا الغلبة”.
وفي نور هذه الكلمات نتقدم إلى نقطة القيامة من الأموات، والتي هي نقطة الغلبة التي فيها “ابتُلع الموت إلى غلبة”، لذلك يقول: “هوذا سرٌّ أقوله لكم لا نرقد كلنا ولكننا كلنا نتغير في لحظةٍ في طرفةِ عينٍ، عند البوق الأخير، فإنه سيبوق فيقام الأموات عديمي فساد …. فيلبس المائت عدم موت”، لأن الجسد لا بد أن يلبس عدم فساد، والمائت عدم موت، وهذا الجسم الحيوانيّ، اللحم والدم، الذي لا يمكن أن يرث ملكوت السموات إلا إذا تغير ولبس الفاسد عدم فساد والمائت عدم موت، وحينئذٍ تصير الكلمة: “ابتُلع الموت” ويرتفع صوت الهتاف: “شكراً لله الذي يعطينا الغلبة”.
هذا يصل بنا إلى الموت، وقد انغلب على أمره أمام جسمٍ لا قوةً له عليه هو الجسم الروحانيّ الذي سيكون على شكل جسد المسيح الممجد للآب “لأن سيرتنا – كمؤمنين ووطنيتنا كمؤمنين مواطنين – هي في السموات”، ونحن مواطنو السماء وسيرتنا ووطنيتنا في السما، التي ننتظر منها مخلصنا وقد قام من الأموات وظفر بالموت وصعد إلى السموات في جسدٍ روحانيٍّ ممجدٍ، من هناك ننتظره نحن إذا كنا قد قمنا معه وجلسنا معه في السموات، ننتظره آتياً من السماء لكي يغير شكل جسد تواضعنا إلى شكل جسد مجده، وقد لبس هذا الفاسد عدم فساد وهذا المائت عدم موت، ومتى تغير تغييراً كاملاً إلى جسمٍ روحانيٍّ ممجدٍ، حينئذٍ تصير الكلمة المكتوبة: “ابتُلع الموت إلى غلبة”، ويتم الهتاف: “شكراً لله الذي يعطينا الغلبة”.
أمام هذا الجسد الروحانيّ لا قوة للناموس ولا قوة لشوكة الموت، ولا قوة للخطية، وقد انتُزعت الخطية، قد زال الفساد وتمجد الجسد وتغير من الحالة الحيوانية إلى الروحانية.
شوكة الموت إذاً لا تضرب في هذا الجسد لأنه جسدٌ أبديٌّ، لا قوة لشوكة الموت عليه لأنه خالٍ من الخطية ويقول الرسول بولس: “إن كان المسيح فيكم”، والمسيح فينا رجاء المجد، ولكن طالما نحن في هذا الجسد ومادام المسيح فيكم فالجسد ميت بسبب الخطية، أما الروح فحياة بسبب الجسد، أما إذا انفصلت الروح عن هذا الجسد المائت صعدت الروح إلى المجد وعلت إلى السماء واستوطنت في مجدها الأبديّ على الرجاء، وبقيامة هذا الجسد الفاسد يتغير إلى جسدٍ ممجد، “يزرع في هوان ويقام في مجدٍ، يزرع في ضعفٍ ويقام في قوة، يزرع في فساد ويقام في عدم فساد، يزرع جسماً حيوانياً ويقام جسماً روحانياً” ممجداً لا دم ولا لحم يرث في ملكوت السموات، حينئذٍ تصير الكلمة المكتوبة: “ابتلع الموت” وتهتف القلوب: “شكرا لله الذي يعطينا الغلبة”.
هنا نصل إلى سر الغلبة “المسيح فيكم رجاء المجد” والمسيح الذي فينا وهو رجاء المجد قد غلب الموت بقوة القيامة منتصراً على سلطان الموت، أمام الناموس وقف المسيح وقال: “من منكم يبكتني على خطية”، فقد أكمل كل الناموس وأتم بره، وقد قال بفمه الطاهر في خطاب العرش: “إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرفٌ واحدٌ أو نقطةٌ واحدةٌ من الناموس حتى يكون الكل”، إذ وُجد إنسانٌ استطاع أن يكمِّل الناموس بالحرف الواحد والنقطة الواحدة، لأنه إذا عثُر إنسانٌ في واحدة أو نقطةٍ واحدةٍ عثُر في الكل، لأنه “لا يزول حرفٌ واحدٌ أو نقطةٌ واحدةٌ حتى يكون الكل”.
وأين هي الخطية، قد أكمل الرب الناموس بلا خطية، ولم يفعل خطية، لا فِعل ولا مجرد معرفة “إذ شُتم لم يكن يشتم عوضاً، وإذ تألم (ضُرب) لم يكن يهدد، بل كان يسلِّم لمن يقضي بعدلٍ”، كان هو البار القدوس الذي شهدت له الأعداء وغسل بيلاطس يديه أمام دمه قائلاً: “إني بريءٌ من دم هذا البار”، وصرخ قائد المئة عند الصليب عندما استودع المسيح روحه في يدي الله، صرخ قائلاً: “حقاً كان هذا الإنسان باراً” وزوجة بيلاطس تألمت في حلمٍ طول الليل من أجله وبعثت برسالةٍ إلى زوجها قائلةً: “إياك وهذا البار” فقد أكمل كل برٍّ وكسر قوة الناموس وسلطان الخطية، فلا مطالبة للناموس الآن و”لا دينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع” إذ لا قوة للموت، وإذ يموت المؤمن لا يموت بشوكة الموت التي هي الخطية، إنما يموت كزرعٍ مقدسٍ هو زرع هذا الجسد، يُزرع لكي يُحيا، كما شبه المسيح موته بحبة الحنطة إذا أُلقيت في الأرض وماتت تأتي بثمرٍ كثيرٍ، تحيا بل تُحيا بقوة حياةٍ فائقةٍ، وإذ تتم قوة الحياة يبطُل الناموس وتُنزع شوكة الموت وهي الخطية وتبطل شوكة الموت وهي الناموس، حينئذٍ تكون الكلمة المكتوبة: “ابتلع الموت إلى غلبة” ونهتف: “شكراً لله الذ يعطينا الغلبة بربنا يسوع المسيح”.
نأتي أخيراً إلى سلطان الموت، “إله هذا الدهر رئيس سلطان الهواء، الروح الذي يعمل الآن في أبناء المعصية، إبليس الذي له سلطان الموت” وقد أُعطيَ هذا السلطان بقوة الخطية التي هي الناموس، وبشوكة الموت الذي هو الخطية، أعطيَ هذا السلطان ليقتل ويميت ولكن لا تخافوا من الذي له سلطانٌ على الجسد فقط، بل خافوا بالحري من الذي له سلطانٌ أن يُلقي الجسد والروح معاً في عذاب الجحيم فليس لإبليس سلطانٌ سوى على هذا الجسد الفاسد، ليعود إلى التراب، ويقوم إلى المجد بهذا الرجاء، رجاء المجد، في المسيح تنتزع شوكة الموت، لا قوةً لها، فيُسمع صوت الهتاف على فراش الموت: “لي اشتهاءٌ أن أنطلق وأكون مع المسيح” وتظهر نغمة الغلبة “الآن تطلق عبك يا سيد بسلامٍ لأن عينيَّ قد أبصرتا خلاصك”.
إذا “أين شوكتك يا موت أين غلبتك يا هاوية” شوكة الموت هي الخطية وقوته هي الناموس “وشكراً لله الذي يعطينا الغلبة”.
“وضع قليلاً عن الملائكة” أي صار إنساناً، لماذا؟ لكي يذوق بنعمة الله الموت لأجل كل إنسان من مختاريه الأمناء، يذوق الموت لأجل كل واحدٍ منهم، وعن طريق الموت تكلل بالمجد، عن طريق القبر سار إلى العرش السماوي، “لأنه بقربانٍ واحدٍ أكمل إلى الأبد المقدسين” إذ جلس في يمين العظمة، “اشترك في اللحم والدم مع الأولاد لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت أي إبليس، ويعتق هؤلاء الذين خوفاً من الموت كانوا كل حياتهم تحت العبودية”، تحت الخطية، أباد بالموت سلطان الموت.
بالموت كسر شركة الموت، بالموت ظفر بالموت، وبالقيامة تكلل بالمجد، “وإن كان روح المسيح ساكناً فيكم، فالذي أقام المسيح من الأموات سيُحيي أجسادكم المائتة” بروحه الساكن فيكم.
حينئذٍ تصير الكلمة المكتوبة: “أين شوكتك يا موت أين غلبتك يا هاوية” ونهتف: “شكراً لله الذي يعطينا الغلبة بربنا يسوع المسيح”، له المجد إلى الأبد، آمين.
1 / 3 / 1969