
منقول من موقع
ghobrialrizkallah.org
الكائن
(يو 1 : 10 اقرأ 9و10)
“كان في العالم، وكُوِّن به العالم، ولم يعرفه العالم”.
شخصٌ عجيبٌ في ثلاثة مواقف بالنسبة إلى العالم، كان في العالم، كون به العالم، لم يعرفه العالم، ثلاثة مواضيع تختص بهذا الشخص العجيب في نسبته إلى العالم، كان، كون، لم يعرفه.
كان كائناً في العالم، كان مكوِّناً للعالم، كان مكنوناً عن العالم. كان في العالم كائناً، كان للعالم مكوِّناً، كان عن العالم مكنوناً أي مخفياً مستوراً عن العيون، غير معروف، غير مكشوف، شخصٌ عجيبٌ. ويمكن أن نأخذ هذه المواضيع الثلاثة كلاً على حدته في نسبة هذا الشخص العجيب إلى العالم.
كان في العالم كائناً، وهل نعرفه، “كان النور الحقيقي الذي ينير كل إنسانٍ آتياً إلى العالم”، كان في العالم، هذا النور الحقيقي الذي شهد له يوحنا المعمدان، لم يكن يوحنا هو النور بل كان هو “السراج الموقد المنير” ولكنه جاء ليشهد للنور، سراج الكلمة التي قال عنها المرنم: “سراجٌ لرجلي كلامك ونورٌ لسبيلي”، هذه الكلمة، كان هو “السراج الموقد المنير” والنور لأرجل المؤمنين القديسين. وقال السيد عن هذه الكلمة، “السراج الموقد المنير”: “فتشوا الكتب وهي التي تشهد لي”، هنالك السراج الموقد المنير. وقال عنها الرسول بطرس: ” الكلمة النبوية التي تفعلون حسنا إن انتبهتم إليها كما إلى سراجٍ منيرٍ في موضعٍ مظلم إلى أن ينفجر النهار (النور الحقيقي) ويطلع كوكب الصبح (النور الحقيقي) في قلوبكم”.
هذا هو النور “كان النور الحقيقي آتياً إلى العالم”، كان في العالم كائناً، هذا هو الكلمة: “في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله، هذا كان في البدء عند الله” وكان هو الله، كان كائناً منذ الأزل عند الله، كان النور وكان الكلمة، كان في العالم كائناً، والكلمة كان نلتقي بها في أول خبر من أخبار الخليقة حيث قال: “وقال الله ليكن نور فكان نور”، والكلمة كان هو فعل يعتبره رجال اللغة وعلماؤها فعل الكينونة من الكيان، والكينونة والكائن، فهو الكائن الذي كان في العالم كائناً في البدء، فكما قيل: “في البدء خلق الله السموات والأرض”، قيل: “في البدء كان الكلمة”. “كان الله”.
والعلاقة هنا في البدء خلق الله، وفي البدء كان الكلمة “كل شيءٍ به كان” الأمر الذي سنراه في الموضوع التالي مكوِّناً للعالم، أما هنا فإننا نراه الكائن في العالم في البدء، والكلمة في أصلها العبري فعل من الهوية، هاياه في الفعل الماضي ويمكن أن تكون هاء من الهيئة والهوية، وقد ظهر لموسى في فعل المضارع لا ها ياه في الماضي بل أهيه في المضارع، في الحاضر يبدأ بالألف، أنيت، ألف، ياء، نون، تاء، أهيه فعل المضارع المتكلم ويكون المعنى أكون، وإذا رفعنا الألف ووضعنا الياء التي في أنيت يصير يهوه أويهيه، أكون، يكون، كان، ويمكن أن تنتقل الهوية من الهوية أنا هو في أهيه إلى هو هو في يهوه، فإذ كان ماشياً على البحر ورآه التلاميذ ظنوه خيالاً فاضطربوا وانزعجوا فقال لهم: “لاتخافوا أنا هو (أهيه)” أنا هو، وكما قال لليهود الذين كانوا لا يستطيعون أن ينطقوا بالاسم يهوه أو أهيه يعتبرونه اسماً فوق القداسة العليا ومن ينطق به يخشى أن يُخطيء فلا يبرأ بالنسبة إلى الوصية: “لا تنطق باسم (يهوه) إلهك باطلاً” لأن يهوه لا يبريء من ينطق باسم يهوه باطلاً، فكانوا يتحاشون هذا الاسم يهوه وغيروه إلى أدوناي، ولكن السيد المسيح كان ينطق بهذا الاسم لأنه اسمه وكانوا يعتبرون أن كل القوات التي يعمل كانت قائمة على استطاعته النطق بهذا الاسم يهوه أهيه “أنا هو لا تخافوا”، وكم قال لليهود: “إن لم تؤمنوا أني أنا هو (أهيه) تموتون في خطاياكم” كما قال لهم أيضاً: “متى رفعتم ابن الإنسان فحينئذٍ تفهمون (تعلمون) أني أنا هو (أهيه)”.
على أن الرسول بولس في رسالته إلى العبرانيين يأتي بالفعل المضارع الغائب لا الحاضر لا في أهيه في الحاضر بل في المتكلم الغائب يهوه: “هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد”، وهذا هو معنى الاسم “الكائن والذي كان والذي يأتي”: “هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد”.
أمساً الذي كان، واليوم الكائن، وإلى الأبد الذي يأتي، وبهذا المعنى أراد أن يعرِّف اليهود الذين رفضوه ولم يقبلوه، قال لهم: “أبوكم إبراهيم تهلل أن يرى يومي فرأى وفرح” فقالوا له: حسنا قلنا أن بك شيطانٌ أرأيت إبراهيم ليس لك أكثر من خمسون سنة فقال لهم: “قبل أن يكون إبراهيم أنا كائنٌ”، يهوه أهيه، فـأخذوا حجارةً ليرجموه كمجدفٍ ولذلك لم يستطيعوا قط أن يدركوا حقيقته، وهذا ما سنراه في الموقف الثالث والعالم لم يعرفه.
بهذا الاسم “الكائن” ظهر لموسى في العليقة بوصفه الذي كان والكائن والذي يأتي أما لإبراهيم فظهر باسمٍ آخر، وما أجمل أن نعرف أسماء العزة الإلهية.
لإبراهيم لم يظهر باسم يهوه ولا أهيه لكن ظهر باسمٍ آخر هو إيل شدَّاي وترجمته الله القدير قال له: “أنا إيل شدَّاي سر أمامي وكن كاملاً” أي أنا الله القدير وتعريبها أنا الله الشديد من الشدة والقدرة، إبل شدَّاي، وهكذا قال لموسى أنه ظهر لإبراهيم باسم إيل شداي أنا الله الشديد القدير، أما لموسى فظهر باسم أنا يهوه الكائن والذي كان حافظ العهد، حافظاً للعهد آتياً لإتمام العهد، كائناً نوراً، وهو الكلمة الكائن من الأزل قبل أن يكون إبراهيم وقبل أن يكون أي كائن، لذلك كان مكوناً للعالم، كان في العالم كائناً في البدء في الأزل قبل أن يكون إبراهيم، إله العهد الأمين لأنه مهما كانت مواعيد الله فهو المعلم الأمين.
الشاهد الأمين الصادق، نثق بمواعيده، نتمسك بكلمته، نحتفظ بها، لأنه قال كلمتي التي تخرج مني لا ترجع.
هل نثق بهذا الكائن الذي كان والذي يأتي إله العهد القدوس!.
الجمعة 10 / 1 / 1975