
منقول من موقع
ghobrialrizkallah.org
الكنيسة
(مت 16 : 13 – 19 ، 18 : 18)
“وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي”.
الموضوع خاص بالكنيسة، والكنيسة جسد، والكنيسة جسد المسيح، الكنيسة جسد، الكنيسة جسد المسيح.
ما هي الكنيسة؟ تعودنا أن نسمي الأبنية كنائس، وهذا هو الراسخ في الأذهان، أذهب إلى الكنيسة أي إلى المبنى في الفجالة، في ألأزبكية، في شبرا، وهكذا….. ، تعودنا، العادة قويةٌ وراسخةٌ في الأذهان، الكنيسة هي المبنى، لا مبنى، لا مكان، إذا رجعنا إلى الكتب المقدسة وأقصد بها ما قصده المسيح الذي تتنبأ عنه وتتكلم عنه، كتب العهد القديم كما يقولون وليس هو العهد القديم هي الكتب المقدسة، الكتب المقدسة التي قال عنها الرسول لتيموثاوس: “وأنك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة”، من سفر التكوين إلى سفر نبوة ملاخي، “ناموس موسى والأنبياء والمزامير”، ثلاثة أقسام، والأنبياء يقسمون قسمين، أنبياء أولون وأنبياء آخرون.
من سفر التكوين إلى ملاخي وهذا يسميه الكتب المقدسة، وفي لغة الرسول بطرس: “الكلمة النبوية”، فالسيد المسيح يقول عن هذه الكتب للفريسيين: “فتشوا الكتب … وهي التي تشهد لي”، فتشوا الكتب، وكانت الكتب التي بين أيديهم ناموس موسى والأنبياء والمزامير، “فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية” ويقول الرسول لتيموثاوس: “وأنك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة القادرة أن تحكمك للخلاص”، هي هذه الكتب التي نقول عنها قديمة وهي أزلية أبدية لا قديمة، هي “الكلمة النبوية”، “لأن كل الكتاب هو موحي به من الله ونافعٌ للتعليم والتوبيخ والتأديب الذي في البر لكي يكون إنسان الله كاملاً متأهباً لكل عملٍ صالحٍ”، والرسول بطرس في هذا الصدد يتكلم عن جبل التجلي حيث ظهر السيد المسيح متجلياً في مجدٍ فائقٍ، مجد السماء، وتجلى موسى وإيليا بمجدٍ وظهر المجد في أسناه، والرسول بطرس يقول: على الجبل، “كنا معه في الجبل المقدس” ورأينا مجده، ويقول يوحنا: “رأينا مجده مجداً كما لوحيدٍ من الآب”، ولكن بطرس يقول ليست هذه هي الكتب، ليست الرؤى والأحلام والرسالات التي تأتي للبشر اليوم، إنما هذه التي نحن بصددها “الكلمة النبوية”، “وعندنا الكلمة النبوية وهي أثبت”، أثبت من كل رؤية رجل، أثبت من كل رسالة بشرية، “التي تفعلون حسناً إن انتبهتم إليها كما إلى سراجٍ منيرٍ في موضعٍ مظلمٍ إلى أن ينفجر النهار”، ينفجر النور الكامل، في مطالعة هذه الكتب ينفجر في القلوب “ويطلع كوكب الصبح المنير” الذي هو المسيح لأن هذه الكتب تشهد عنه لأنها “ليست من تفسيرٍ خاصِّ (عبثاً كل تفسير بشر) .. بل تكلم أناس الله القديسون (الأنبياء قديماً) مسوقين من الروح القدس”.
وقد جاء السيد المسيح مفسراً لكل ما جاء في ناموس موسى والأنبياء والمزامير، وجاء الرسل يقتبسون من هذه الكتب ويفسرون لنا، على هذا الأساس الراسخ نبني الكنيسة، على أساس الكتب المقدسة، الكلمة النبوية القادرة أن تحكمنا للخلاص، بغير هذا الأساس كل بناءٍ باطلٍ، وماذا نبني على هذا الأساس؟ أبنية فخمة، أبنية، البناء الحديث، متشامخة؟ ليست هذه هي الكنيسة، “على هذه الصخرة أبني كنيستي” يقول المسيح لبطرس، وما هي هذه الصخرة؟ أهي صخرةٌ جبليةٌ؟ أهي صخرةٌ أرضيةٌ لا تتزعزع؟ هل نعرف هذه الصخرة؟ هي ذلك الإيمان الأقدس، من تظنون في المسيح؟ “من تظنون أني أنا؟” يقول السيد يسأل تلاميذه فيقول بطرس بالروح القدس وبالوحي: “أنت هو المسيح ابن الله الحي”، “إن دماً ولحماً (يا بطرس) لم يُعلن لك لكن أبي الذي في السموات” لا إنسان، أبي الذي في السموات “لأن ليس أحدٌ يعرف الابن إلا الآب ولا أحدٌ يعرف الآب إلا الابن ومن أراد الابن أن يعلن له”، بالإعلان السماوي، باطلٌ كل تفكير البشر، إعلانٌ إلهيٌّ، أتى بقومٍ معينين، بأنبياءٍ معينين مرسلين من السماء، وكل رسالةٍ غير هؤلاء إدعاءٌ باطلٌ، “على هذه الصخرة (هذا الأساس) أبني كنيستي”، لابناء بالحجارة ولا بناء بالأسمنت المسلح، بناء بالروح القدس، فالكنيسة ليست بناءٌ مسلحٌ قويٌّ أرضيٌّ.
في الكتب المقدسة الكلمة المترجمة كنيسة في الأناجيل والرسائل هي الكلمة التي وردت في المزامير “الجماعة” كما قيل والقول قول السيد الرب يسوع والذي نطق به المرنم ونطق الرب على فم المرنم قائلاً مخاطباً الآب: “أخبر باسمك إخوتي في وسط الكنيسة أسبحك”، “في وسط الجماعة أسبحك”، وتُرجمت في العهد الجديد في وسط الكنيسة، فالكنيسة هي الجماعة لا الأبنية ولا الزخارف، الجماعة. “إذا اجتمع إثنان أو ثلاثة باسمي هناك أكون في وسطهم”، هذه الجماعة أينما اجتمعوا لا مكان معين، فإذا عنينا المكان فلمجرد التنظيم لا ليكون هو الكنيسة، لنصرف الفكر، فالجماعة هي الكنيسة والكنيسة هي الجماعة حيث يكون الرب في وسطهم، هذه هي الكنيسة هل نعرفها؟ هل نصرف النظر؟ هل نخلي من الفكر كل التصورات عن بناءٍ ما بيد بشر؟.
إن العهد الأول في عهد موسى، عهد جبل سيناء، الجبل المضطرم بالنار، جبل الزوابع والرعود والبرق الذي يقصف والجبل يرتجف ويرتعد، والشعب يصرخ نموت، وموسى يقول: “أنا مرتعبٌ ومرتعدٌ”، عهد جبل سيناء عتق وشاخ واضمحل، أما عهد الإنجيل الذي بشر به السيد المسيح بعد أن أُسلم يوحنا ووضع في السجن وانتهى عهد جبل سيناء واضمحل جاء الإنجيل، جاء الرب يسوع يكرز بملكوت السموات ويبشر بذلك الملكوت، وقد ختم يوحنا العهد الذي يقول: “توبوا”، “الآن قد وضعت الفأس على أصل الشجرة فكل شجرةٍ لا (تأتي بثمرٍ) تصنع ثمراً تُقطع وتُلقى في النار”.
بعد أن أُسلم يوحنا وانتهى عهد جبل سيناء جاء الإنجيل وجاء السيد المسيح يبشر قائلاً: “توبوا وآمنوا بالإنجيل”، وما هو الإنجيل الذي تؤسس عليه الكنيسة؟، هذه الجماعة، إيمان هذه الجماعة الذين يؤمنون بالإنجيل؟ ماهو الإنجيل ومتى بدأ؟ المقرر في الأذهان أنه بدأ عندما جاء السيد المسيح يكرز متجسداً على الأرض، ألم يظهر السيد المسيح كارزاً قبل جبل سيناء وقبل موسى، كارزاً بالوعد لا بالناموس؟ لا بالقول: لاتقتل فتُقتل بل بالقول: آمن فتحيا فتتبرر، فقد ظهر لأبرام ليعد نجوم السماء: “انظر إلى السماء وعد النجوم إن استطعت .. هكذا يكون نسلك”، با أبرام إلى أرض الموعد، وأخذ الوعد، “هكذا يكون نسلك”، “وتتبارك فيك وفي نسلك جميع أمم الأرض”، “فآمن إبراهيم فحُسب له براً”، حسب له الله الإيمان براً لا بأعمال الناموس.
“إذا فلماذا الناموس؟” ومادام الإنجيل قبل الناموس وعليه تتأسس الكنيسة، يؤسس المؤمنون إيمانهم على هذه الصخرة، صخرة الوعد الإلهي، لماذا جاء الناموس؟ بسبب التعدي، للإدانة، لتظهر عدالة الله في الشريعة إلى أن يأتي النسل الموعود به الذي وعد به أبرام، إلى أن يأتي نسل إبراهيم، هذا هو أساس الكنيسة الإيمان بالوعد والتبرير، فلم يأتي الناموس ليبطل الوعد بل ليحقق أنه لا بر بالناموس لأن التبرير بالوعد، بالنعمة، “بالنعمة أنتم مخلصون … ليس من أعمالٍ”، منذ الأزل أُعد هذا الوعد وأُعد هذا الإنجيل، “والكتاب إذ سبق ورأى أن الله بالإيمان يبرر الأمم”، يبرر الإنسان، سبق فوعد أبرام قائلاً: “وفي نسلك تتبارك جميع قبائل الأرض”، أما نسل إبراهيم فقد قال عنه الرسول: الموعد هو هذا “في نسلك (نسل إبراهيم) لا يقول وفي الأنسال كأنه عن كثيرين بل كأنه عن واحدٍ الذي هو المسيح”، كما يقول الرسول: في المسيح تتبارك جميع قبائل الأرض.
الوعد لإبراهيم كالوعد لآدم عن الحية والشيطان وهو يتكلم عن النسل الذي سيسحق رأس الحية وهو الذي يسحق الشيطان تحت أرجلكم بمقتضى الوعد لإبراهيم، هنا الأساس الراسخ الذي نبني عليه الكنيسة، يبني عليه جميع المؤمنين كنيسة الله التي اقتناها بدمه، هذه هي الكنيسة، الجماعة الموعودة، المؤمنة بالوعد، المتبررة بالإيمان، المخلصة بالنعمة، لا المباني ولا الأحجار بل الأحجار الحية، أنتم مبنيون هيكلاً روحياً، “مبنيين كحجارةٍ حيةٍ بيتاً روحياً كهنوتاً مقدساً”، حجارةً حيةً مقدسةً في بيت الرب، راسخةً، لا الأبنية التي يصنعها البشر. هذه هي الكنيسة.
هم إخوة المسيح، هم للمسيح إخوةً، المرنم يرنم وللأسف لا مرنم بالإعلانات السماوية، المرنم يرنم: “أخبر باسمك إخوتي وفي وسط الكنيسة أسبحك”، أين هؤلاء الإخوة؟ أين الأخ البكر؟ كيف نتعبد؟ ولمن نسبح ونرنم؟ أين الآب الذي أرسل ابنه والذي جعل له إخوةً “أخبر باسمك إخوتي”، هل السيد المسيح الآن في وسط الكنيسة يسبح؟ وبماذا يسبح؟ هم إخوة السيد المسيح، يا مريم اذهبي إلى إخوتي، إلى تلاميذي وقولي لهم: إني أمضي إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم، هذه هي الكنيسة، إخوة السيد المسيح .. أنا أمضي إلى أبي وأبيكم وإن سألتم شيئاً من الآب باسمي يُعطى، لأني ماضٍ إلى أبي وأبيكم، هو أبوكم وإلهي وإلهكم، هو أبي وأبيكم، سرٌّ عجيبٌ.
لماذا وكيف صار هذا الأمر العجيب؟ كيف تكونت هذه الكنيسة من إخوة السيد المسيح ليكونوا جميعاً أولاداً للآب؟ كيف أصبح ذلك؟ نحن نعلم أن “كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله الذين هم مدعوون حسب قصده” لأنه سبق فعرفهم الله الآب، “هؤلاء عينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه ليكون هو بكراً (هو الابن، هذا الابن ابن الآب ليكون هو بكراً) بين إخوةٍ كثيرين، والذين سبق فعينهم فهؤلاء دعاهم أيضاً (الآب)، والذين دعاهم فهؤلاء بررهم أيضاً، والذين بررهم فهؤلاء مجدهم أيضاً” ليكونوا إخوةً لابنه البكر وليكونوا ورثة مع ابنه المسيح، “فإن كنا (أبناء) أولاد (فنحن) فإننا ورثة الله ووارثون مع المسيح” الوارث كل شيء، لأنه لاق بذاك الآب الذي من أجله الكل، كل هذا النظام الفدائي من أجل الآب، الذي من أجله الكل وبه الكل الله الآب وهو آتٍ بأبناءٍ كثيرين، لاق به أن يكمِّل هذا الآب السماوي الذي أتى بأبناءٍ إلى المجد أن يكمِّل رئيس خلاصهم الذي هو ابنه الوحيد بالآلام، عمل الله من البدء إلى النهاية، ومن هو الذي بذل ابنه ولم “يشفق على ابنه الوحيد بل بذله لأجلنا أجمعين” غير الله.
هذه هي الكنيسة التي اقتناها بدمه لذلك يقول الرسول لجماعة الرعاة والمسئولية خطيرة على الرعاة: “أن ترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه”، واحذروا في مسئوليتكم أيها الرعاة والمسئولية خطيرة على كل فرد من أجل نفسه ليعرف الآب الذي أرسل ابنه لفدائه والذي اختاره حسب قصده الأزلي ليكون أخاً لابنه البكر.
المسئولية خطيرة في عباداتنا وفي ترنيماتنا، في تسبيحاتنا.
لمن نتعبد وهل ندري ما نرنمه وما يأتينا من البشر؟ لنفحص جيداً فالمسئولية خطيرة وعلى الرعاة أشد خطراً.
الأحد 27 / 10 / 1977