
منقول من موقع
ghobrialrizkallah.org
الناموس والنعمة والحق
(يو 1 : 1 – 18 ، 15 : 26 ، 16 : 13)
“ومتى جاء المعزي … روح الحق الذي من عند الآب ينبثق هو يشهد لي”، “لأن الناموس بموسى أُعطيَ أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا”، “وأما متى جاء ذاك روح الحق هو يرشدكم إلى جميع الحق”.
“لأن الناموس بموسى أُعطيَ أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا”، وأيهما أسبق أهو الناموس أم النعمة والحق؟ أيهما أسبق النعمة والحق اللذين بيسوع صارا أم الناموس الذي بموسى أُعطيَ؟
بحسب ترتيب الآية كأن الناموس أسبق وكأن النعمة والحق تلحقان، أما الحقيقة الكتابية فهي أن النعمة والحق أسبق من الناموس وأن البشارة – الخبر الجيد، الإنجيل – بُشِّر به قبل أن يولد موسى وقبل أن يأخذ الشريعة، والكتاب كما يقول بولس آتياً بالشاهدين من الكتاب، مستشهداً بالكتاب، “والكتاب إذ سبق فرأى أن الله بالإيمان يبرر الأمم سبق فبشر إبراهيم (بالبشارة العظيمة) أن فيك وفي نسلك )يتبرر جميع الأمم) تتبارك جميع الأمم”، هذه هي البشارة، هذا هو الإنجيل، هذا هو الوعد الذي أُعطيَ لإبراهيم قبل أن يكون ناموس موسى بأربعمئة وثلاثين سنةٍ، فالأسبق النعمة والحق واللاحق هو الناموس، والرسول بولس يرينا أن الوعد بالنعمة والحق هما ذات السيد المسيح “فإن المواعيد قيلت في إبراهيم وفي نسله لا يقول وفي الأنسال كأنه عن كثيرين بل كأنه عن واحدٍ وفي نسلك الذي هو المسيح”.
“والنعمة والحق بيسوع المسيح صارا”، النعمة والحق اللذان بيسوع المسيح صارا أسبق في الوعد والبشارة من الناموس، صار الوعد بالنعمة والحق بيسوع المسيح قبل الناموس بأربعمئة وثلاثون سنةٍ، إذاً فلماذا الناموس مادام الوعد قد أتى، ما دامت البشارة واضحة، مادام الوعد ببركة كل الأمم في المسيح – في نسل إبراهيم، “فلماذا الناموس” الذي كتبه موسى؟ يقول الرسول: “فلماذا الناموس، قد زيد بسبب التعديات”، فالناموس مختص بالتعديات، وما أعظم الفرق بين الناموس المختص بالتعديات والدينونة وبين النعمة والحق، لذلك نركز كلامنا عن: “النعمة والحق اللذين بيسوع المسيح صارا”، وإذا نظرنا إلى هذه الجملة القصيرة نرى فيها الثالوث الأقدس: الآب في النعمة، والحق في الروح، والنعمة والحق بيسوع المسيح الابن.
الأقنوم الأول: الآب في النعمة:- نرى الآب الذي أنعم علينا في المحبوب يسوع، أنعم علينا إذ تبنانا لنفسه، اتخذنا أبناء له، جعلنا أبناء، نعمة التبني، نعمة الخلاص: “بالنعمة أنتم مخلصون بالإيمان”، الخلاص بالإيمان الذي هو الوعد لإبراهيم قبل أن يأتي الناموس بمئات السنين، فالنعمة تأتي بنا إلى الآب المُنعم الذي أنعم علينا بنعمة التبني والتبرير في المسيح يسوع وبنعمة الخلاص في روح الحق الذي أرسله الابن من السماء منبثقاً من الآب الذي قال عنه أنه ينبوع الماء الحي الذي يجري في بطون المؤمنين كأنهارٍ، الآب في النعمة.
الأقنوم الثالث: الروح في الحق:- لأنه روح الحق، الأقنوم الأول في النعمة، الأقنوم الثالث في الحق لأنه روح الحق “لأن الله (الآب) روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا” بروح الحق، فالروح والحق هو روح الحق. والنعمة في الحق، نعمة الآب المنعم وروح الحق. الروح القدس نعمة الآب.
الأقنوم الثاني: نعمة الآب والحق الذي هو الروح القدس صارا بيسوع المسيح – الأقنوم الثاني في اللاهوت بين الآب والروح وهو الذي قال: أنا ذاهبٌ إلى الآب وأرسل إليكم “روح الحق الذي من عند الآب ينبثق”، ولم يكن ممكناً غير ذلك، كيف يمكن أن ينعم الآب على بشرٍ تحت الناموس أمام الدينونة، مدانون بلا شفقةٍ ولا رحمةٍ لأن القاتل يُقتل، والشاهد الزور يُرجم، والعابد التمثال يخزى ويخجل ويُرجم ويُقتل، كيف يمكن أن ينعم الآب على مثل هؤلاء والعالم فاسد والطبيعة فاسدة، “بالإثم صورت وبالخطية حبلت بي أمي”، “ليس ساكنٌ فيَّ أي في جسدي شيءٌ صالحٌ”، هذه هي حالة البشر، كيف يتبنى الآب مثل هؤلاء؟ هل يصفح عن الخطايا التي تصدر كل يومٍ؟ هل يصفح عن الآثام التي تُفعل كل دقيقة؟ هل يصفح عن الأفكار الشريرة التي تملأ النفس والقلب؟ إنها نعمةٌ، بالنعمة، ولا يمكن أن تكون هذه النعمة إلا بيسوع المسيح بالدم الأزلي دم ابن الله العجيب الذي قدم نفسه لأبيه عن البشر الخطاة قبل كل الدهور.
فلا عجب إذا سمعنا: “بالإيمان قدم هابيل لله ذبيحةً أفضل من قايين فبه (أي بالإيمان) شُهد له أنه بار إذ شهد الله لقرابينه” ليس لأنه قدم الذبيحة بل لأن الذبيحة لله المرموز لها بذبيحة الغنم، “إذ افتديتم لا بأشياءٍ تفنى بفضةٍ أوذهبٍ …. بل (افتديتم) بدمٍ كريمٍ كما من حملٍ بلا عيبٍ ولا دنسٍ دم المسيح”، فلنرفع عيوننا عن الجلجثة لترتفع أفكارنا ونرى الذبيحة الأبدية أمام العرش، الذبيحة الكاملة التي فيها كان معداً أزلاً وأبداً قبل كل الدهور.
ولكن ماذا نستطيع أن نفعل في شهوات الجسد، الطبيعة الفاسدة؟ ماذا نقدر أن نفعل فيها؟ إنها الإنسان الداخلي المملوء بكل فساد وشر “ليس ساكنٌ فيَّ أي في جسدي شيءٌ صالحٌ”، أي في الطبيعة الفاسدة في الجسد في الطبيعة، لا في الجسد الترابي الذي يصير تراباً بل في طبيعة الجسد، هنا يأتي فعل روح الحق الذي من عند الآب ينبثق ويرسله المسيح بشفاعته العظمى عند الآب فيأتي روح الحق ليشهد للحق ويغير الفساد الطبيعي بالولادة الجديدة من فوق لأن المولود من جسد أي طبيعة الفساد جسدٌ هو أي فساد وأما المولود من الروح فهو روح بغسل الميلاد الثاني وتتغير الطبيعة الفاسدة بالميلاد الجديد، بنعمة الآب، بذبيحة الابن ودمه، بفعل الروح القدس، بعملية الفداء المقدس يولد الإنسان ثانيةً بعد أن يتبرر وبعد أن يتبناه الآب، في ذات الوقت الذي يتم معه التبني يتم التبرير بالروح والفداء بالابن إلى أن يتم التمجيد الإلهي “لأننا نعلم أن كل الأشياء تعمل معاً للخير”.
ولو وقفنا عند هذا الحد لزال الرجاء ولكنه قال: “الذين هم مدعون حسب قصده (قصد الله) لأن الذين سبق فعرفهم (أي اختارهم أي عينهم وأقامهم) سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه”، هنا نعمة الآب في المعرفة وفعل الروح القدس في أنه عينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه بنعمة التجديد “والذين دعاهم فهؤلاء بررهم أيضاً (بدم ابنه) والذين بررهم فهؤلاء مجدهم أيضاً” إلى المجد “لأنه لاق بذاك أن يكمل رئيس خلاصهم (رب المجد) بالآلام”.
الثالوث الأقدس الآب والنعمة والروح القدس. روح الحق ليشهد للحق ولتأسيس الحق بالولادة الجديدة بفضل دم المسيح الأقنوم الثاني، هل نستطيع أن ندرك ونتأمل في عظمة هذا الفضل للثالوث الأقدس ولاشتراكه في الوصول بالإنسان إلى المجد وهل نسلم نفوسنا لعمل الروح القدس شاكرين الآب في ابنه يسوع بالنعمة.
“أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا”.
الأزبكية – الأحد 10 / 7 / 1977