تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » الأرشيف » النسل الجسدي والنسل الروحي والميراث الأبدي – عظة مكتوبة – الدكتور القس غبريال رزق الله

النسل الجسدي والنسل الروحي والميراث الأبدي – عظة مكتوبة – الدكتور القس غبريال رزق الله

منقول من موقع

ghobrialrizkallah.org

 

النسل الجسدي والنسل الروحي

والميراث الأبدي

(تك 22 : 1 – 18) ، (يو 8 : 30 – 56) ، (غل 4 : 22 – 31)

“أبوكم تهلل بأن يرى يومي فرأى وفرح”، هكذا يقول المسيح لجماعة اليهود، شخصيةٌ فريدةٌ ممتازةٌ في التاريخ النبوي، ولا عجب أن يقول عنه الرسول: “أبينا إبراهيم”، وفي هذه الآية اعتبر نقطة مركزية في ثلاث دوائر تدور حوله كل النقط المركزية لكلٍ منها.

الدائرة الأولى: دائرة النسل الجسدي: اليهود “أنا عالمٌ أنكم ذرية إبراهبم”، “أبوكم إبراهيم”. يقول السيد المسيح لليهود: “أبوكم إبراهيم” من نسلٍ جسديٍّ.

 الدائرة الثانية: دائرة النسل الروحي: تدور حول هذه الدائرة “تهلل بأن يرى يومي”.

الدائرة الثالثة: دائرة الميراث الأبدي: القول “فرأى وفرح”.

أما الدائرة الأولى: إبراهيم واليهود فهي واضحةٌ في القول الصريح الذي نطق به السيد المسيح في قوله لليهود: “أبوكم إبراهيم” وينطق بهذا السيد المسيح اعتباراً لما يدَّعي به اليهود، اليهود يدّعون أنهم نسل إبراهيم والسيد نفسه قال لهم أنا عالمٌ أنكم أولاد إبراهيم، ذرية إبراهيم، أنا عالمٌ، ولكنه عاد فقال: “لو كنتم أولاد إبراهيم لكنتم تعملون أعمال إبراهيم”، أنتم لا تعملون أعمال إبراهيم، أنتم تريدون أن تقتلوني، هذا لم يعمله إبراهيم، فكيف يمكن أن تكونوا أولاد إبراهيم وتعملون أعمالاً رديةً شيطانيةً لم يعملها إبراهيم؟ لا يمكن أن يكون ذلك، إذاً لستم في الحقيقة أولاد إبراهيم. وإذ امتزجت بهم الكبرياء والانتفاخ قالوا نحن أولاد الله، قال لهم: أنتم أولاد إبليس “ذاك كان قتَّالاً للناس من البدء” وقد بدأ بسفك الدم والقتل هذا ما تريدون أن تعملوه معي، تريدون أن تقتلوني، هذا لم يعمله إبراهيم، “أنتم من أبٍ هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا”.

إذاً أولاد إبراهيم حسب الجسد ليسوا هم أولاد الله كما قال الرسول بولس، وكما تنبأ لهم يوحنا المعمدان حين قال لهم: “لا تفتكروا أن تقولوا في أنفسكم لنا إبراهيم أباً .. لأن الله قادرٌ أن يقيم من هذه الحجارة أولاداً لإبراهيم” (مت 3 : 7 – 9)، “لا تبتدئوا تقولون في أنفسكم لنا إبراهيم أباً لأني أقول لكم إن الله قادرٌ أن يقيم من هذه الحجارة أولاداً لإبراهيم” (لو 3 : 7و9)، “لا تبتدئوا تقولون في أنفسكم لنا إبراهيم أباً لأني أقول لكم إن الله قادرٌ أن يقيم من هذه الحجارة أولاد لإبراهيم”، لا بالميلاد الجسدي لأن الميلاد الجسدي ليس هو الميلاد الروحي “والمولود من الجسد جسدٌ هو”، هو بعيدٌ عن الحياة الروحية. وكان المعمدان يقول: “يا أولاد الأفاعي من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي … والآن قد وُضعت الفأس على أصل الشجرة، فكل شجرةٍ لا تصنع ثمراً جيداً تقطع وتلقى في النار”. وبغض النظر عن القول أنكم أولاد إبراهيم لا يشفع فيكم  إبراهيم.

وما أشد الغضب في كلمات المسيح لهم: “أيها الحيات أولاد الأفاعي كيف تهربون من دينونة جهنم، لذلك ها أنا أرسل إليكم أنبياء وحكماء وكتبة، فمنهم تقتلون وتصلبون ومنهم تجلدون في مجامعكم وتطردون من مدينةٍ إلى مدينةٍ” (مت 23 : 33و34)، وفي كل ذلك تقديمات لكل هؤلاء الذين يدَّعون أنهم أولاد إبراهيم، ليسوا بالمرة، ليسوا قط أولاد إبراهيم، هم بعيدون جداُ عن هذا النسل المقدس. إذاً قوله لهم أبوكم إبراهيم لا اعترافاً منه بأنهم أولاد إبراهيم أو أن إبراهيم أباهم، لكن بحسب ادعائهم، كأنه يريد أن يقول لهم هل تعرفوا علاقة إبراهيم بي؟ “أبوكم إبراهيم تهلل بأن يرى يومي فرأى وفرح”، وهذا يأتي بنا إلى الكلمة الثانية:

  الدائرة الثانية: النسل الروحي: تهلل بأن يرى، وما أشد ما تحمله هذه الكلمة من سمو المعاني، تهلل، ماذا يكون المعنى تهلل؟ تمنَّى، تمنَّى من كل القلب، رفع قلبه إلى الله، تكلم بكل شوقٍ ورغبةٍ، فاض قلبه بالشوق إلى أمرٍ يتمناه، قلبه ينبض ناظراً وراجياً.

وهل نسمعه يقول: (تك 15 : 2) “ماذا تعطيني وأنا ماضٍ عقيماً ومالك بيتي هو أليعازر الدمشقي”، شوق قلبه، تهليل نفسه، قلبه ينبض وروحه تشتاق وترتفع بالصلاة والتهليل بأن يرى، ماذا كان يريد أن يرى؟ يريد أن يرى نسلاً، كان ينتظر البركة التي باركه بها الرب واعداً إياه (تك 12 : 1 – 3): “اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الآرض التي أريك، فأجعلك أمةً عظيمةً، وأباركك، وأعظم اسمك، وتكون بركةً، وأبارك مباركيك، ولاعنك ألعنه، وتتبارك فيك جميع قبائل الآرض”، هذا كان شوق قلب إبراهيم، مبنِّياً على هذه المواعيد العظمى، أن يكون بركةً لكل الأرض، أن يكون أمةً عظيمةً، أن يكون أباً لكل الأمم، أباً لجمهورٍ من الأمم، أن ملوك منه يخرجون، وأن يكون بركةً لكل الأرض. كيف لا يشتاق قلبه؟ كيف لا يتهلل بأن يرى هذه المواعيد؟ وكأن قلبه في هذه المواعيد ينتظر وهو غريبٌ في أرض الموعد، ساكناً في خيامٍ كأنها غريبة، وينطبق عليه القول: “من بعيدٍ نظروها”.

“تهلل بأن يرى”، ولكن ما أعجب بأن يقول السيد المسيح بأن يرى يومي، وما علاقة يوم هذا الابن المبارك بما كان ينتظره إبراهيم؟ يتهلل بأن يراه؟ أية علاقة ترى؟ وما هي علاقة هذا اليوم؟ ومن هذا الذي يقول يومي؟ هذا نسل إبراهيم الذي ينفي أن اليهود أولاد إبراهيم وينفي عنهم كلهم كل النفي أنهم أولاد إبراهيم، محققا أنه هو النسل المقدس الذي وعده به.

هل نقدر أن ندرك سعة هذا الوعد؟ هل نخرج معه إلى جنح الليل ونرفع قلوبنا معه إلى السماء ونسمع معه القول: (تك 15 : 5): “انظر إلى السماء وعُد النجوم إن استطعت أن تعُدها، وقال له هكذا يكون نسلك فآمن بالرب”، (تك17 : 1 – 10): “أنا الله القدير سر أمامي وكن كاملاً فأجعل عهدي بيني وبينك…. أما أنا فهوذا عهدي معك وتكون أباً لجمهورٍ من الأمم …. وأثمرك وأجعلك أمما، وملوكٌ منك يخرجون …. هذا هو عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم”. يقول له السيد الذي ظهر له في المجد هذا عهدي معك، يقول له السيد الذي وهب له العهد هذا يومي هو العهد.

وهل يلد ابن مئة سنةٍ وهل تلد سارة وهي بنت تسعون سنةٍ؟ الوعد لا بد أن يتم، العهد المقدس ثابتٌ إلى الأبد، ماذا قالت سارة؟ “أبعد فنائي يكون لي تنعم وسيدي قد شاخ”، فالمسألة ليست مسألة الجسد ولا الكثرة الجسدية، هي أعلى من كل ذلك وأسمى من كل ذلك، هذا الوعد: في مثل هذا الوقت أنا آتي ويكون لسارة ابنٌ، ابن الضحك لأن إبرام ضحك، وضحكت سارة، وعندما ولدت قالت: قد جعل الرب كل من يسمع بي يضحك، وهذا هو الاسم العبري يضحك، ضحك، هو اسم إسحق، وهكذا يقول الرسول: (عب 11 : 11و12): “بالإيمان سارة نفسها أيضاً أخذت قدرةً على إنشاء نسلٍ وبعد وقت السن ولدت إذ حسِبت الذي وعد صادقاً، لذلك وُلد أيضاً من واحدٍ وذلك من مماتٍ مثل نجوم السماء في الكثرة وكالرمل الذي على شاطيء البحر الذي لا يُعدّْ”، ليس هو شعب اليهود، إن إبراهيم صار أباً لجميع المؤمنين وارثاً لكل العالم كما يقول الرسول بولس: (غل 3 : 16):  “وأما المواعيد فقيلت في إبراهيم وفي نسله (وليس في أنساله) لا يقول وفي الأنسال كأنه عن كثيرين بل كأنه عن واحدٍ وفي نسلك الذي هو المسيح”، لا يقول في الأنسال فقد كان لإبراهيم أنسالٌ كثيرةٌ، في نسلك تتبارك أمم الأرض، ثم يفسر ذلك قائلاً: “وفي نسلك الذي هو المسيح”، هكذا إبراهيم بالمسيح رأى المواعيد فيقول: “رأى يومي”.

 ولكن ما أسمى أن يرى رؤيا أعجب لا في الوعد فحسب بل في الصورة الواضحة الجلية، وفي الاسم المبارك الذي سمعناه عنه الآن في الكتاب المقدس: يهوه يرأه، حتى دُعيَ هذا الجبل جبل المُريا، يهوه، إنه جبل الرب يرى، يهوه يرأه، هذا هو الجبل، هنا تم التدبير، هناك أُعلن لإبراهيم ما لم يُعلن لإنسانٍ، وماذا أُعلن؟ أُعلن ما رأى وفرح، أعلن لإبراهيم ما رأى وفرح.

الدائرة الثالثة: الميراث الأبدي، أين الميراث الأبدي؟ السر عجيب، هل قرأتم: بنى إبراهيم المذبح، رتب الحطب، وفي الطريق قال له إسحق: يا أبي هوذا السكين وهوذا الحطب “أبن الخروف للمحرقة”؟ قال له يا بني الله يرى. يهوه يرأه، الرب يرى، يهوه يرى، وهل رأى إبراهيم؟ هل رأى ما دبره الرب وما رآه؟ هل رأى يهوه يرى في ذلك الجبل؟ كيف رأى وكيف فرح؟ بنى المذبح، رتب الحطب، ربط إسحق، وضعه على الحطب، مد يده بالسكين ليذبح، لتأتي نار الرب من السماء وتصعد المحرقة إلى السماء، إلى هنا النقطة الدقيقة، اللحظة الحرجة، السكين ممدودة للذبح وللتقطيع، هنا يهوه يرأه، هنا جبل الرب يرى، جبل يهوه يرأه، هنا جاء الصوت من السماء: “لا تمد يدك إلى الغلام ولا تفعل به شيئاً”، والرسول يعلق على هذا الأمر بقوله (عب 1 : 17 – 19): “بالإيمان قدَّم إبراهيم إسحق وهو مجرَّبٌ…. إذ حسب أن الله قادرٌ على الإقامة من الأموات الذين منهم أيضاً أخذه أيضاً في مثال”.

وضع إسحق بين الأموات، أصبح في عداد الأموات، السكين مشهرة، والمذبح مُعد، في عداد الأموات، أليست هذه هي القيامة في صورةٍ مصغرةٍ، قيامة من؟ أهي قيامة إسحق؟ من هو هذه الذبيحة أهو إسحق الابن؟ من هو هذا الذبيح؟ وهو الابن الوحيد للآب “الذي لم يُشفق على ابنه بل بذله لأجلنا” لأجل العالم، لأجلنا أجمعين.

هذا هو الذبيح الممثل في تلك الصورة على المذبح. وهل نرى الكبش في تلك الرؤيا، لقد رأى إبراهيم ابنه قائماً من الأموات وقد أخذ ابنه من عداد الأموات، فرأى وفرح، لكن أين الخروف للمحرقة؟ هنالك الكبش، وقد يخطيء من يظن أن الكبش فدية إسحق، كلا، إسحق قُدم فعلاً بحسب أمر الله وبطاعة إبراهيم وطاعة إسحق، قُدم فعلاً، أما الكبش فكان رمزاً، فالكبش هو الذبيح فوق الصليب، الابن المتجسد على الصليب والمعلق هو ابن الله الحي القائم من الأموات وفي إسحق ذُبح الكبش لتكميل العمل. يطلعنا الرسول بطرس في (1 بط 1 : 3 – 5): “مباركٌ الله أبو ربنا يسوع المسيح الذي … ولدنا ثانيةً لرجاءٍ حيّ بقيامة يسوع المسيح من الأموات (وما هو هذا الرجاء) لميراثٍ لا يفنى … محفوظٌ في السموات لأجلكم أنتم الذين بقوة الله محروسون بإيمانٍ لخلاصٍ مستعدٍ أن يُعلن في الزمان الأخير”.

فلنخش لئلا نتعثر بالقول خلُص، خلُصنا، لنخش، “مستعدٌ أن يُعلن في الزمان الأخير”، لذلك يقول الرسول بطرس أيضاً: (1 بط 1 : 13): “لذلك منطقوا أحقاء ذهنكم صاحين فألقوا رجاءكم بالتمام على النعمة التي يؤتى بها إليكم عند استعلان يسوع المسيح”، ألقوا برجائكم بالتمام، فهل نعرف على أي شيءٍ نُلقي رجاؤنا؟ “على النعمة التي يؤتى بها إليكم” أو إلينا منذ استعلان يسوع المسيح، “فالرجاء المنظور ليس رجاءً، لأن ما ينظره أحدٌ كيف يرجوه أيضاً، لكن إن كنا نرجو ما ليس ننظره فإننا نتوقعه بالصبر”، “بل نحن الذين لنا باكورة الروح نحن أنفسنا أيضاً نئن في أنفسنا متوقعين التبني فداء أجسادنا” (رو 8 : 23 – 25)، إن كنا ننظر ما نرجوه فكيف نرجوه متوقعين التبني فداء أجسادنا، عملٌ لا يستطيعه بشر، عملٌ إلهيٌّ لا يستطيعه بشر.

ألقوا برجاء ذهنكم بالتمام ومنطقوا أحقاء ذهنكم صاحين وألقوا رجاءكم على النعمة له المجد.

  الشرابية – الأحد  17 / 8 / 1975

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *