
منقول من موقع
ghobrialrizkallah.org
تنور الدخان ومصباح النار
(تك 1 : 17 ، 15 : 1 – 17) ، (خر 19 : 1 – 24)
“ثم غابت الشمس وصارت العتمة وإذا تنور دخانٍ ومصباح نارٍ يجوز بين تلك القطع”.
أما القطع فقد سمعنا الآن ما هي؟ إنها قطعٌ حيوانيةٌ من بهائم وطيور، عجلةٌ ثلاثيةٌ، عنزٌ ثلاثيةٌ، كبشٌ ثلاثيٌّ، يمامةٌ وحمامةٌ، وقد أمر الرب أبرام أن يأخذ هذه الحيوانات ويشطر العجلة ويشطر العنز إلى شطرين ويشطر الكبش إلى شطرين طولاً، أما الحمامة واليمامة فيبقيان في كمالهما، ثم يضع كل شطرٍ مقابل شطره من العجلة والعنز والكبش ويضع اليمامة مقابل الحمامة وبين الشطرين طريقٌ يُجاز فيها، وهي صورةٌ تمثيليةٌ نبويةٌ لأبرام تنبؤه بنسلٍ له يرث هذه الأرض، أرض كنعان، من نهر مصر إلى نهر الفرات، وفي طريق هذا الوعد يصل النهار إلى النهاية، غابت الشمس، صارت العتمة، وإذا تنور دخان ومصباح نار يجوز- التنور والمصباح معاً- بين تلك القطع كما لو كانا شيئاً واحداً، التنور دخانٌ مشتعلٌ بنارٍ، نارٌ في تنور دخان.
وهل نرى تمثيلاً نبوياً لمصير هذا النسل الموعود به إبراهيم أو أبرام؟ على أنه يجب أن ندرك قبل كل شيء أن هذا النسل هو نسل إبراهيم حسب الجسد والذي هو النسل الذي قيل له فيه: “في نسلك تتبارك جميع قبائل الأرض”، ووعده أن يكون هو ونسله وارثاً للعالم أجمع، وقد رأينا أن هذا الوعد هو الوعد بالسيد المسيح الذي قال عنه بولس الرسول: “وأما المواعيد فقيلت في إبراهيم وفي نسله، لا يقول في الأنسال كأنه عن كثيرين بل كأنه عن واحدٍ وفي نسلك الذي هو المسيح”.
أما الكلام هنا فهو ليس عن هذا النسل المبارك الذي يرث العالم أجمع، السيد المسيح الذي قيل له: “أنت ابني … اسألني فأعطيك الأمم ميراثاً لك”، بل هو نسله بحسب الجسد، الإثنى عشر أولاد يعقوب بحسب الجسد، هؤلاء هم الذين يظهر مصيرهم ممثلاً بتنور دخانٍ ومصباح نارٍ يجوز بين تلك القطعع عندما جاءت العتمة وغابت الشمس في ليلٍ مظلمٍ، وهل نرى هذه كلها وقد تمثلت في أبرام عند مغيب الشمس، وقد وقعت عليه رعبةٌ عظيمةٌ فارتعب واضطرب في ظلام الليل عند مغيب الشمس، وكأنه بهذه الصورة أراه الرب ما سيكون مصير نسله، بل إننا نرى هذا النسل وقد أعطاه فكرةً خاصةً عنه وأنه سيكون غريباً في أرضٍ ليست له وفي أمةٍ يأتي وقتٌ خطيرٌ جداً فيستعبدون لها عبوديةً قاسيةً مُرةً ويذلونهم مذلةً لا تطاق، ولكن يأتي الخلاص بعد هذه المذلة، وهذه المذلة وهذه العبودية عندما يتخذ رب هذه الأمة خاصةً له ويقطع معهم عهداً: “تكونون لي خاصةً من بين الأمم” فإن الأرض لي “وأنتم تكونون لي مملكة كهنةٍ” شعباً خاصاً إذا سلكتم في طريقي وحفظتم عهدي ووصاياي، وقد تمم الرب عهده لهذه الأمة في مُلك سليمان، ومن الغريب أن سليمان وُلد بعد أن أعلنت السماء ما يروع ويلهب، عندما قال النبي لدود: “لا يفارق السيف بيتك إلى الأبد”، ولكن بعد هذا وُلد سليمان، وممن وُلد سليمان؟ بثشبع امرأة أوريا الحثي التي اتخذها داود قهراً بعد ما قتل رجلها.
ويقول البشير متي: “وداود ولد سليمان من (بثشبع) التي لأوريا الحثي” التي اغتصبها لنفسه بعد ما قتل رجلها، الذي بسبب هذه الحادثة لا يفارق السيف بيته إلى الأبد، ولكن الرب تمم وعده لتلك الأمة وأعطاها مَلكاً الذي وعد به مرات، ومن نهر مصر إلى نهر الفرات أتم الرب وعده في أيام سليمان وأنه دعاه سليمان أي ملك السلام ليكون رمزاً للذي قال عنه إشعياء: “يولد لنا ولد ونُعطى ابناً …. ويُدعى اسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام، وللسلام (ولملكه) لا نهاية”.
في تلك الأيام وُلد الرمز، والتمثيل واضحٌ في سليمان الذي في أيامه يكون سلاماً، وقد بنى بيت الرب وكان سلاماً في كل مُلكه من حدود مصر، من نهر مصر إلى نهر الفرات كما يظهر في (1 مل : 4)، إنه تم الأمر، ومن العجيب أن سليمان هذا دعاه الرب باسمٍ خاصٍ وهو يديديا أي حبيب الرب، الذي فيه يتمثل ذلك الابن الحبيب الذي أعلنت السماء ذلك الاسم: “أنت ابني الحبيب اسألني فأعطيك الأمم ميراثاً وأقاصي الأرض مُلكاً لك”، وقد تم هذا الوعد.
ولكن قال لأبرام مصير هذا الشعب في تلك الرعبة التي وقعت عليه وفي تنور الدخان ومصباح النار الذي يمر بين القطع، وهل نعرف معنى القطع؟ كانت في أيامٍ يتم فيها قطع العهد ومن هذه القطع يُسَن العهد، قطعاً يُقطع العهد بين طرفين يمر كل منهما بعد إعلان العهد بينهما بين تلك القطع، بين قطعتي عجلةٍ أو كبشٍ أو عنزةٍ، والعلامة في ذلك أن كل من يخالف هذا العهد يُقطع قطعاً، هكذا كان مصير هذا الشعب، وقد سمعنا القول عند جبل سيناء: “كل ما قاله الرب نفعل”، قطعوا العهد معه على ذبائح، على محرقاتٍ وذبائح سلامةٍ متعهدين مع الرب: “كل ما قاله الرب نفعل”، وهل تمموا العهد؟ هنا يمر مصباح النار في تنور الدخان إشارةً إلى مصير ذلك الشعب، وهي صورةٌ واضحةٌ تظهر على جبل سيناء يوم قطع العهد مع هذا الشعب.
الجبل يدخِّن، النار تتقد مشتعلةٍ البروق تومض، الرعود تقصف، الجبل يتزلزل لأن الرب قد نزل عليه بجلال مجده مع ألوفٍ وربوات ملائكةٍ يضربون بالبوق، والبوق يشتد والشعب يصرخ قائلاً: الموت لنا لا نعود نسمع صوت الرب، واستعفى الذين سمعوه لئلا يموتوا حتى قال موسى: “أنا مرتعبٌ ومرتعدٌ”، وهكذا كان الأمر أن الرب تمم وعده إلى النهاية في أيام سليمان الذي بنى بيت الرب، وحل الرب في وسط الشعب في البيت المقدس، وحل السلام في الأرض وصار مُلك سليمان من حدود مصر إلى نهر الفرات، ولكن بسبب هذا الرئيس ملك السلام انقسمت المملكة وتمزق الشعب وبقيَ سبط يهوذا فقط، والعشرة أسباط قرروا مصيرهم، “فلما رأى كل إسرائيل أن الملك لم يسمع لهم جاوب الشعب الملك قائلين أيُّ قسمٍ لنا في داود ولا نصيبٌ لنا في ابن يسَّي” (2 أخ 10 : 16)، ولا قسمٌ في إسرائيل، “إلى خيامك يا إسرائيل”، إلى أن انتهت أسباطهم العشرة وتبددوا في كل الأرض بيد الأشوريين ولم يبقَ إلا سبط يهوذا من أجل الوعد لإبراهيم، فلم يبقَ إلا سبط يهوذا الذي منه يأتي المسيح.
“ومثل (شبه) ابن الإنسان (آتياً) أتى الى القديم الأيام فقربوه قدامه فأعطى سلطاناً ومجداً وملكوتاً لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة، سلطانه سلطانٌ أبديٌّ ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض”، ملكوته لا ينتهي وسلطانه ما لا ينتهي.
هذه هي الصورة التمثيلية في تلك القطع، ويمكن أن نراها بوضوحٍ أكثر في هذا الذي فيه تم الوعد، ذبيحةً على الصليب ممزقاً يحل فيه كل الغضب على تلك الأمة، وقد ظهر غضب الله بصورةٍ خاصةٍ عندما دخل هذا الابن في ظلام الليل على الصليب، ثلاث ساعاتٍ يصارع أبواب الجحيم حتى صرخ: “إلهي إلهي لماذا تركتني” إلى أن ظهر النور فقال: يا أبتاه “في يديك أستودع روحي”، وانشق حجاب الهيكل وظهرت الحقيقة وبان النور في صباح اليوم الثالث بالقيامة من الأموات، وكلنا نعلم أن تنور الدخان ومصباح النار وجبل سيناء، أو كما حدث فهي الصورة التمثيلية.
نحن في حرية الحق ولنا إله الحق الذي هو الذبيحة الحقيقية، نور العالم.
الأحد 17 / 10 / 1976