
منقول من موقع
ghobrialrizkallah.org
جبل باشان وجبل صهيون
(مز 68 : 16 ، 87 ، 132 : 13) ، (عب 12 : 22)
“لماذا أيتها الجبال المسنمة، (لماذا) ترصدن الجبل الذي اشتهاه الله لسكنه، بل الرب يسكن فيه إلى الأبد”.
الجبال المسنمة فيها سنمات كسنمات الجمال، جبالٌ غير مستقيمة، غير مسطحة كلها سنمات، جبالٌ مشعبةٌ لا تصلح للسكن ولا تصلح للسير، هذه الجبال في العدد الخامس عشر: “جبل الله جبل باشان، جبل أسنمة جبل باشان”، وموقع الجبلين شرق الأردن وغرب الأردن.
جبل باشان، عوج ملك باشان وشمعون ملك الأموريين، عند وصول موسى إلى شاطيء الأردن أخذ بلاد سنهور ملك الأموريين وعوج ملك باشان شرق الأردن وسكن فيها أسباط إسرائيل الاثنى عشر، أما جبل الله، وكلمة جبل الله جبل باشان هو تعبير عبري ليس بمعنى نسبته إلى الله بل باعتبار أنه جبلٌ عظيمٌ شاهقُ في العلو ومسنمٌ إلى درجة عالية، أما صهيون وهو الجبل الذي اشتهاه الله لسكنه وهو في أورشليم غرب الأردن، هذا هو الموقع الطبيعي. وهنا المرنم ينظر بعينٍ أبعد ويرى صهيون الجبل الذي اشتهاه الله لسكنه كما هو واضحٌ في المزمور الثاني والثلاثون: “لأن الرب قد اختار صهيون اشتهاها مسكناً له، يسكن فيها، هذه هي راحتي .. ههنا أسكن”، البيت الذي اشتهاه الرب، الجبل الذي اتخذه مسكناً له، اشتهاه.
أما جبل صهيون فكان أصلاً يبوس أو أورشليم أو صهيون سلسلة جبال شاهقة عظيمة قوية، كانت للقبيلة التي تُدعى قبيلة اليبوسيين من القبائل السبع الذين طردهم الله من أمام أسباط شعبه، ووقع هذا الجبل وكل ما يحيط به في نصيب يهوذا السبط الملكي، على أن يبوس نصيب اليبوسيين. قبيلة اليبوسيين بقيت في وسط هذا النصيب الذي ليهوذا حصناً قوياً ثابتاً جبلاً لا يتزعزع إلى أن جاء داود. من أيام يشوع إلى أيام داود كان حصن صهيون، يبوس، أورشليم، لقبيلة اليبوسيين في وسط نصيب يهوذا جبلاً عظيماً قوياً لم يستطع داود أن يأخذه، ولما جاء داود لكي يسكن ويجعل كرسي عرشه فى أورشليم، في صهيون، في يبوس هذه أرسل إلى اليبوسيين فاستهزأوا به ولكنه غلب استهزاؤهم وأخذ هذا الحصن العظيم جبل صهيون وجعله كرسي العرش لمملكة أورشليم ودُعيَ حصن داود أو قلعة داود، أورشليم، صهيون.
وهنا يرى النبي جبل باشان والجبال الأخرى ترصد هذا الجبل غيرةً، تعظماً، مَقتاً، يريدون لو يتلاشى أولئك الذين يحتلونه ليكون لهم حصناً ويدوسون أولئك الذين يسكنونه تحت الأقدام، فالنبي ينظر إلى جبل باشان جبل الله العظيم الشاهق ويراه جبل أسنمةٍ متشعبٍ ليس جبلاً مستقيماً، فيه فجواتٌ، فيه رؤوسٌ متعددة، ويقول: “لماذا أيتها الجبال المسنمة ترصدن الجبل الذي اشتهاه الله لسكنه، بل الرب يسكن فيه إلى الأبد”، وفي مكانٍ آخر يقول: “لأن الرب اختار صهيون اشتهاها مسكناً له”، وهل نسمعه يقول: “هذه هي راحتي إلى الأبد ههنا أسكن لأني اشتهيتها”، أية صهيون، أي جبلٍ الذي اشتهاه الله مسكناً له والذي قال فيه: “هذه هي راحتي .. أسكن فيها إلى الأبد” حيث أستريح، أي جبلٍ هو؟ مع العلم بأن معنى الجبل هو دليل السمو والعلو والارتفاع، والله يسكن في الأعالي وعرشه في السماء وفوق كل العروش وكرسيه أعظم من جميع الكراسي، جبل الله الحقيقي راحة الله الأبدية.
أيُّ جبلٍ هو؟ أية راحةٍ هي؟ في أي مكان؟ هذا هو السؤال الذي يجيب عنه رسول الأمم: “بل قد أتيتم إلى جبل صهيون وإلى مدينة الله الحي أورشليم السماوية”، لا جبل في الأرض لأن جبال الأرض تتغير وتتزعزع كما تزلزل جبل سيناء عندما نزل عليه الله بالنار وبالبوق فكان الجبل وكل جبال الأرض ترتجف ومهما سمت جبال الأرض فإنها ستنقلب “وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها”، وتُقلب الأرض إلى قلب البحار وتغوص الجبال التي فيها أما جبل الله جبل صهيون، أرشليم السماوية هي فوق الجبال هي جبلٌ ثابتٌ إلى الأبد.
أيُّ جبلٍ هو؟ جبل صهيون مدينة الله الحي، أورشليم السماوية، مقابل جبل سيناء، في المقابلة في العبرانيين إلى الجبلين: “لم تأتوا إلى جبلٍ ملموسٍ مضطرمٍ بالنار وإلى (سحابٍ) ضبابٍ وظلامٍ وزوبعةٍ (ورعودٍ) وهتاف بوقٍ (اهتز له الجبل) وصوت كلماتٍ (وصرخ الذين يسمعون) استعفى الذين سمعوه من أن تزاد لهم كلمة”، ومن مسَّ الجبل يُرجم، وكان الجبل يرتجف حتى قال موسىى: “أنا مرتعبٌ ومرتعدٌ”، “بل أتيتم إلى جبل صهيون وإلى مدينة الله الحي أورشليم السماوية وإلى ربواتٍ هم محفل ملائكةٍ”، جبل أعظم ليس ناتئاً ولا ناشئاً من الأرض، لا يتزلزل ولا يتزعزع، تتزعزع جبال الأرض بجملتها تنقلب ممالكها فكل ملكوتٍ أرضيٍّ يزول، تمضي الجبال إلى بطن الأرض وتُطبق الأرض عليها، وكل ملكوتٍ يرتفع وكل علوٍّ يرتفع يسقط، وأما ملكوت الله فيبقى إلى الأبد ملكوتاً لا يتزعزع.
وأيُّ ملكوتٍ هو؟ هل نعرف ماهو ملكوت الله؟ جبل صهيون، مدينة الله الحي أورشليم السماوية، أورشليم العليا، أين المملكة الفرعونية التي سبت شعب الله واستعبدته كثيراً وداست كل كلام الله في عنادٍ وكبرياءٍ فرعونيين، أين ملكوت الفرس، مملكة بابل، ذلك الملك العاتي ملك ملوك الأرض الذي مضى إلى بابل وقال: “هذه بابل العظيمة التي بنيتها لبيت المُلك (لافتخاري) بقوة اقتداري ولجلال مجدي”، كُتب عليه أن يعيش حيواناً بهيمياً يأكل العشب كالثيران سبع سنوات حتى عرف أن ملكوت الله فوق الجميع وأن ملكه يسود على الجميع.
أين مملكة بابل؟ وأين مملكة مادي وفارس؟ وأين الأسكندر الذي ملك العالم بأجمعه؟ أين تلك الجبال العظيمة الشاهقة أين هي؟ وكل الممالك تزول ولا تبقى إلا مملكة الله، ملكوت الله، وهل نعرفه ما هو؟ أهو عروش وسيادات كما ظن التلاميذ حتى جاءت أم يوحنا ويعقوب إلى السيد المسيح طالبةً أن يجلس ابناها واحد عن يمينه والآخر عن يساره في ملكوته، وحتى ظن بطرس أنه يكون الوزير الأكبر، وقد سألوه: “هل في هذا الوقت ترد المُلك إلى إسرائيل”، ولم يعرفوا أن مملكة إسرائيل كانت هي الملكوت المتزعزع عند جبل سيناء حتى استعفوا من المتكلم وخافوا أن تأكلهم النار.
العبودية لا الحرية، وهل تعود الحرية؟ وهل ملكوت الله ملكوت العبودية؟ وإذا كان قد جاء يحررنا هذا الملك العظيم، جاء ليحررنا، فما هو الذي يحررنا؟ ألم نسمع: “وتعرفون الحق والحق يحرركم”، هذا هو ملكوت المجد ملكوت الحق أن تعرفوا الحق، فإذا سأله بيلاطس: “أأنت إذا ملك؟ أجاب يسوع أنت تقول، لهذا (جئت) ولدت أنا ولهذا أتيت إلى العالم (لماذا؟) لأشهد للحق، كل من هو من الحق يسمع صوتي (كلامي)”.
هذا هو الملكوت: “هوذا عبدي الذي أعضده مختاري الذي سُرت به نفسي”، مختاري الذي اخترته وأقمته ليؤسس الحق في الأرض منتظراً الجزائر سريعاً، ويخرج الحق منتصراً، هذا هو ملكوته، الجبل الذي لا يتزعزع، جبل صهيون الأبدي، الحق الذي يلتقي كما قيل: “الرحمة والحق التقيا، البر والسلام تلاثما، الحق من الأرض ينبت”، وهنا المُلك الأبدي الذي لا يتزعزع.
“فلماذا أيتها الجبال المسنمة، (لماذا الخطية مهما ارتفعتِ وعلوتِ؟) لماذا ترصدن الجبل الذي اشتهاه الله لسكنه، بل الرب يسكن فيه إلى الأبد”.
الأحد 16 / 10 / 1977