
منقول من موقع
ghobrialrizkallah.org
خروفٌ قائمٌ كأنه مذبوح
(رؤ 5 : 4و6 اقرأ 1 – 6)
“ورأيت فإذا في وسط العرش والحيوانات الأربعة وفي وسط الشيوخ خروفٌ قائمٌ كأنه مذبوح”.
يوحنا يبكي في السماء أمام العرش وأمام الجالس على العرش، أمام البهاء والمجد في أجمل المناظر وفي أبهى الأماكن يبكي، يرى الجالس على العرش ويرى الشيوخ على الأربعة والعشرين عرشاً، ويرى الحيوانات الأربعة حول العرش، ويسمع ترنيمات فرحٍ وابتهاجٍ، ولكنه يبكي، يرى الله ويرى ممثل الكنيسة المفتداة ويرى ممثل الخليقة في مجدها، ويسمع ترانيم مبهجةٍ، ولكنه يبكي.
نعم يبكي لأن موضوع البهجة والفرح في السماء لم يكن قد ظهر له، يبكي فيأتي واحدٌ من الشيوخ ويقول له: “لا تبك هوذا قد غلب الأسد الذي من سبط يهوذا أصل داود ليفتح السفر ويفك ختومه السبعة”، ولا يستطيع أن يكفكف الدمع حتى يرى فإذا في وسط العرش وفي وسط الحيوانات الأربعة وفي وسط الشيوخ “خروفٌ قائمٌ كأنه مذبوحٌ”، إذاً فليكفكف الدمع فقد ظهرت بهجة السماء وفرحة الأرض، “خروفٌ قائمٌ كأنه مذبوحٌ”.
هل نراه؟ هل عيوننا مفتوحةٌ؟ أرجو أن يفتح الرب أذهاننا فنرى ثلاث مناظر لثلاث وظائف لهذا الخروف:
1) منظرٌ كهنوتيٌّ:
خروفٌ قائمٌ، والكلمة خروف يحسن أن نستبدلها بكلمة حمل، وهذا هو الأصل خروفٌ صعيرٌ، هذا هو الحمل الذي رآه يوحنا قبل هذا الوقت بسنواتٍ عديدةٍ وهو على الأرض فقال: “هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم”، هذا الحمل نراه مذبوحاً، وقد رآه يوحنا كأنه مذبوح، فيه علامات الدم والذبح، فهو الذبيح المقدم لأجل خطايا العالم، قائمٌ في ذبيحته أمام العرش في وسط الشيوخ الذين يمثلون الكنيسة المفتداة في العهد القديم والجديد، في وسط الخليقة، الحيوانات الأربعة التي تمثل جميع الكائنات الحية في الوجود، خروفٌ قائمٌ، حمل الله الذي يرفع خطية هؤلاء جميعاً، وكأني به قائمٌ أمام العرش يقدم ذاته “فديةً عن كثيرين”.
وهذا يذكرنا بقول الرسول: “بدم نفسه دخل مرةً واحدةً ألى الأقداس فوجد فداءً أبدياً”، وإذ يظهر في هذه الصورة، في صورة الذبيح لأجل الخطايا، تُطرح الأكاليل وعند قدميه يسجد الجميع ويقولون: “مستحقٌ هو الخروف المذبوح أن يأخذ القدرة والغِنى والحكمة والقوة والكرامة والمجد والبركة”، كيف لا وهم هناك بفضل هذا الدم أمام العرش، وقد وُجدوا في هذا المقام الرفيع بفضل هذه الذبيحة المقدمة.
هو قائمٌ أمام العرش، لا ذبيحةٍ فحسب بل كاهناً حياً إلى الأبد في قُدس أقداس السماء يكهن لأجلنا ويشفع فينا، هو الذي قدم الذبيحة كما أنه هو الذبيحة، لذلك كان لا بد أن يقوم من الأموات إلى أبد الآبدين، وحالما ظهر ليوحنا في أول الأمر في ملابسه الكهنوتية سقط يوحنا إلى الأرض فقال له: “لا تخف … أنا الحي وكنت ميتاً وها أنا حيٌّ إلى أبد الآبدين”، كان رئيس الكهنة الأعظم في العهد القديم يدخل مرةً واحدةً إلى الأقداس ليقدم ذبيحةً عن خطية نفسه وخطايا الشعب، وما كان أرهب دخوله إلى الأقداس بقلبٍ مرتجفٍ ويدٍ مرتعشةٍ، يدخل ليرش الدم على كرسي الرحمة بين الكروبين ويُسرع في الخروج لئلا يُقتل.
أما رئيس كهنتنا الأعظم فهو قائمٌ في قدس الأقداس إلى الأبد أمام العرش، وهو على الأرض أدَّى كهنوته في وظيفته حينما قال: “سمعان سمعان هوذا الشيطان قد طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة، ولكني طلبت من أجلك لكي لا يفنى إيمانك”، وكما قال: “يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ما يفعلون”، وهناك الحي إلى الأبد يشفع في المؤمنين ليًحفظوا في الإيمان وليثبتوا في وسط التجارب أمناء إلى أن يصلوا معه إلى فدس الأقداس العليا في السماء.
2) منظر ملكي:
وهذا نراه في مقابلة بين أسدٍ وحملٍ، إذ كان يبكي قال له أحد الشيوخ: “لا تبك هوذا قد غلب الأسد الذي من سبط يهوذا أصل داود ليفتح السفر ويفك ختومه السبعة”، وإذ كان ينتظر أن يرى أسداً إذا به يرى حملاً، لكن للحمل سبعة قرونٍ إشارةً إلى القدرة، وظيفته الملكية ليست في وحشية الأسد المفترس بل في قوة الحمل الوديع، وظيفته الملكية لا تقوم بالذرّة التي تُخرب الأرض وتهدم المساكن وتقلب الممالك، بل في روح الوداعة والسلام كحملٍ وديعٍ متواضعٍ.
بهذه القوة يغلب العالم، وقد غلب، كيف استطاع أن يهزم الشيطان وأن يقسم قوته؟ يقول جرَّد الرؤساء والسلاطين ظافراً بهم في الصليب، وإذ وضع نفسه كإنسانٍ وأخلى نفسه كعبدٍ “وأطاع حتى الموت موت الصليب، لذلك رفعه الله أيضاً وأعطاه اسماً فوق كل اسمٍ لكي تجثو باسم يسوع كل ركبةٍ ممن في السماء من فوق ومن على الأرض ومن تحت الأرض، ويعترف كل لسانٍ أن يسوع المسيح هو ربٌ لمجد الله الآب”.
طريق رفعته طريق الخدمة، طريق مجد ملكه طريق الآلام، وهلا نسمعه يقول: “وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إلىّ الجميع”، مشيراً إلى الميتة التي كان مزمعاً أن يموتها، الارتفاع فوق الصليب، إذاً أساس ملكه لا القوة الوحشية الأسدية مع أنه أسد، لكنها قوة الحمل، هو أسدٌ في كونه حملٌ لا في كونه وحشاً مفترساً، كيف استطاع المسيح أن يُخضع جميع ممالك العالم لنفسه؟ كيف انتشر اسمه وساد الأرض ولا بد أن ينتصر ويسود، ليتعلم سكان الأرض وليتعلم الذين يدرسون الذرَّة، ليتعلموا جميعاً أن السيادة والمُلك والقوة لا في قوة التخريب بل في سيادة المحبة وسلطانها لتنجذب القلوب، وهل تعلم أن أكبر عدو هو القلب وهو نجسٌ وأخدع من كل شيء من يعرفه؟ والجسد يمكن أن يتلاشى ويتغير أما تغيير القلب وامتلاكه والسيادة عليه أصعب ما في الوجود، والمسيح ملكٌ لا على رقاب الناس وأجسادهم بل في القلوب، وهذا لا يمكن أن يكون إلا بتأثير المحبة الفعالة التي إذ تتربع يملك المسيح، هذه هي قوته في قرونه السبعة كمال القدرة.
3) منظرٌ نبوي:
وهذا واضحٌ في علاقة الحمل بالسفر المختوم، رأى يوحنا سفراً على يمين الجالس على العرش “مكتوباً من داخلٍ ومن وراء مختوماً بسبعة ختومٍ”، أسرارٌ مكنونةٌ مختومةٌ وهو يشتاق أن يعرف هذه الأسرار، فيها ما لا بد أن يكون، فيها مستقبل الكنيسة وعناية الله بشعبه، وكلها أسرارٌ مختومةٌ، وسمع صوتاً ينادي: “من هو مستحقٌ أن يفتح السفر ويفك ختومه، فلم يستطع أحدٌ في السماء ولا على الأرض ولا تحت الأرض أن يفتح السفر ولا أن ينظر إليه”، ومن يستطيع أن يعرف فكر الله؟ ومن يقدر أن يدرك أسرار العناية الأزلية في السفر المكتوب والسر المكنون؟ ومن دخل إلى منصة القضاء فيعرف مكنونات القضاء؟ لا أحد، لا ملاك ولا إنسان، لا فلسفة ولا حكمة، ولا أحدٌ من عظماء العالم، لهذا صار يوحنا يبكي لأنه لم يتجاسر أحدٌ أن يفتح السفر إلى أن ظهر الحمل ووصل إلى العرش وتقدم بقدمٍ ثابتةٍ وبقلبٍ مطمئنٍ وباستحقاقٍ وأخذ السفر من يمين الجالس على العرش ليفك ختومه ويفتحه مكشوفاً أمام عين الرائي، وهذا ما ظهر في سفر الرؤيا.
ومن يعلن لنا سر الآب إلا الابن؟ “ومن يعرف الآب إلا الابن”؟ هذا هو الكلمة المتجسد، وقد كان عند الله وكان هو الله بسر كونه الحمل المذبوح يستطيع أن يتقدم.
إذاً ذبيحته هي سر وظائفه الثلاث، سر الكهنوت سر الملك سر النبوة، في الذبيحة والدم المسفوك على الصليب، هذا هو الحمل الوحيد وهو المخلص الأمين “وليس اسمٌ آخر قد أُعطيَ بين الناس به ينبغي أن نخلص” غير اسم يسوع، عبثاً نذبح الضحايا وعبثاً نأتي بالخراف الكثيرة.
هذا هو الحمل المذبوح القائم في وسط العرش، الآب ينظر إليه، والأربعة والعشرون شيخاً هو موضوع فرحهم، والأربعة الحيوانات هو موضوع ترنيمهم، هو نقطة الارتكاز، فما هو موقفنا إزاء الحمل المذبوح القائم في وسط العرش؟