
الكاتب
القس ثروت ثابت
راعى الكنيسة الإنجيلية بالعباسية
سنودس النيل الإنجيلي
الكنيسة الإنجيلية المشيخية بمصر
ضبط النفس
رغم الفوضى والانفلات
في عصر القضاة قبل صموئيل النبي”لم يكن هناك ملك في إسرائيل فكان كل واحد يفعل ما يحسن في عينيه” قض 17: 6 وما أشبه اليوم بالبارحة حيث الفوضى، والإنفلات، والفهم الخاطىء للحرية، وكل واحد يفعل ما يحسن في عينيه، لذا ما احوجنا إلى ان ننضبط في كل شىء، فما هو المفهوم الصحيح للإنضباط؟ وهل هو نوع جديد من الكبت؟ وما أهميته لحياتنا؟ وما مجالاته، وكيف نحققه؟
أولاً-المفهوم المسيحي لضبط النفس:
جاءت الكلمة في غل 5: 22 أثناء حديث الرسول بولس عن ثمر الروح، الكلمة اليونانية paraptona المترجمة تعفف أو ضبط النفس، وتعني يُمسك، أويحكم قبضته على، أو يمتنع عن (العفة) وتُستخدم للتعبير عن السيادة على النفس والتحكم فيها.
لذا فضبط النفس في المفهوم المسيحي ثمرة من ثمر روح الله القدوس في المؤمن، الذي عندما يسكن فينا ينتج قدرة جديدة داخلية على التحكم في الذات والشهوات، ولا سيما وقت الغضب، والمصاعب، والضيقات والتجارب المرة فلا نخطىء لأنفسنا أو غيرنا بقول أو فعل، كما إن روح الله يُعيننا لنكتشف ونصحح كل خلل وفوضى في حياتنا، كما إنه يمنحنا الحكمة اللازمة فندير حياتنا بشكل صحيح وجيد.
-ضبط النفس في الفكر المسيحي أسلوب حياة وليس مواقف معينة، يجعل المؤمن بمعونة الروح القدس معتدلاً في كل شيء ومتزناً، ومُسيطراً على ذاته وشهواته سيطرة تامة، أينما كان سواء في البيت، أوالشارع، أوالعمل، وفي كل زمان سواء في الأفراح، أو الأطراح.
ثانيًا- هل يتعارض ضبط النفس مع الحرية؟
هل ضبط النفس هو الكبت أو العبودية؟ هل ضبط النفس نوعًا جديداً من القمع للعواطف والمشاعر الإنسانيه والتي أوجدها الله فينا؟
عندما نتحدث عن ضبط النفس نحن لا نقصد كبت أوقمع للغرائز الإنسانية، وذلك لأن الكبت معناه إنكار للواقع، ودفعه إلى اللاشعور، بينما ضبط النفس هو إقرار بالواقع، واعتراف بوجود الغريزة، وعدم انكار لقوة الشهوة، وفي نفس الوقت توجيه وادارة هذه الغرائز للخير والصواب وليس العكس.
ضبط النفس لا يتعارض مع الحرية المسؤلة، إنه ضد الفوضى، وضد أن أقول أو أفعل ما أريد وقتما أريد، وبالطريقة التي أريد.
ثالثًا- الاساس الكتابي واللاهوتي للإنضباط
عندما نعود للفكر الكتابي اللاهوتي نجد عدة اسس كتابية لاهوتية لضبط النفس منها:
-العهد:
طبقا لخروج 19 : 5، 6، مت 26 : 28 نحن في عهد وشركة مع الله الذي أخرج الشعب القديم من عبودية مصر بعبور البحر الأحمر، وأخرجنا نحن من عبودية الشيطان بعمل الصليب لذا صرنا شعب العهد وهذا العهد المبني على محبة ونعمة الله، يلزمنا بالعبادة والطاعة له وحده، فلا نعبد آلهة أخرى، ولا نشترك في ممارسات أخرى تغضبه، نفس الأمر ينطبق على الزواج كعهد، عندما يدرك الزوجان إنهما في عهد يلتزما ويبنضبطا ببعضهما فقط.
السلطان:
طبقا ليوحنا1: 12 فالمؤمن الذي قبل المسيح صار ابنًا لله له سلطان البنوة، وفي نفس الوقت صار له سلطان على نفسه يتحكم فيها ولا تتحكم فيه، وسلطان على الأشياء فلا تسود عليه بل يسود عليها، ولا يتسلط علي شىء. هكذا قال الرسول بولس 1كو6: 12 .لأنه شخص حر من الداخل.
المسئولية–
بحسب تك 1: 27 ، تك4: 9 لكوني مخلوق على صورة الله فأنا مسؤل عن غيري فأحبهم، وأرعاهم، وأطلب سلامتهم”، عندما قتل قايين أخاه ساله الله اين هابيل اخوك؟ كذلك عندما اختار الله شعب اسرائيل ودخل معهم في عهد كان ليصل من خلالهم لبقية الشعوب وهنا نرى مصدر المسؤلية. ونفس الكلام واكثر نراه في العهد الجديد خاصة في الإرسالية العظمى مت 28: 19
رابعًا-أهمية ضبط النفس؟
ضبط النفس امر هام كما سنرى حالا في حياة أي انسان، خاصة المؤمن والخادم فعندما لا يتحكم الشخص في ذاته فان أتفه الأسباب تزعجه، وأبسط الإغراءات تجرفه، وأقل مشكلة تُغضبه، وبالتالي تضعف حياته وخدمته، عندما لا نسيطر على نفوسنا نؤذيها، ونؤذي الآخرين أيضاً. كما حدث في حياة داود، وشمشون، إن ضبط النفس هام وضروري لعدة أسباب دعني أذكر بعضاً منها:
1- لأجل تحقيق هدفنا: “وكل من يجاهد يضبط نفسه في كل شىء أما اولئك فلكي يأخذوا إكليلاً يفنى وأما نحن فإكليلاً لا يفنى” 1كو 9: 25 .
2- لأجل حمايتنا: “مدينه مُنهدمة بلا سور الرجل الذي ليس له سلطان على روحه” أم 25: 28
3– لأجل قدوتنا: “كن قدوة” 1تي4: 12 بدون ضبط للنفس نصبح عثرة لا بركة، ونفقد دورنا ونخسر رسالتنا كقدوة لمن حولنا تي1: 6- 9، 2: 7
4- حتى لا تتحول البركات إلى لعنات: فالخطية “طرحت كثيرين جرحى وكل قتلاها أقوياء”أم 7: 26. القوة بركة لكن بسبب عدم ضبط النفس تحولت الى موت ولعنة في حياة شمشون ، وصارت عار في حياة اخاب الذي اشتهى حقل نابوت. اغضب فهذا حقك، ولا تُخطىء فهذا حق الآخرين عليك اف 4: 26 لأنه ان لم تنضبط وقت الغضب تدمر نفسك وربما اقرب الناس اليك.
خامسًا- مجالات ضبط النفس:
“وكل من يجاهد يضبط نفسة في كل شيء”1كو 9: 25.من الآية السابقة نفهم إنه على كل من يُجاهد في هذه الحياة أن يكون منضبطًا في كل الجوانب منها:
1-الأفكار والاتجاهات: فالفكر ابو السلوك” لتكن اقوال فمي وفكر قلبي مرضية امامك يارب صخرتي وولي” مز19: 14 ،مت15: 19 ارجو كما نهتم بنظافة الطعام الداخل الى جوفنا حتى لا يؤذي اجسادنا أن نهتم بنظافة الأفكار التي تدخل عقولنا حتى لا تُدمر حياتنا وتفسدها.
2- اللسان والكلام : ” كثرة الكلام لا تخلو من معصية أما الضابط شفتيه فعاقل” أم 10: 19 ، أم 13: 3 ، أم 18: 21 ، يع 3: 2 إذا استطعت ضبط لسانك استطعت أن تضبط جسدك كله “إن كان احد لا يعثر في الكلام فذاك رجل كامل قادر أن يُلجم كل الجسد أيضًا” يع 3: 2 ولكي تتعلم ضبط اللسان وألا تخطىء أثناء الكلام إليك هذا التدريب الهام: لا للإندفاع والتسرع، اصغ جيد، فكر مرتين قلقبل ان تنتطق كلمة واحدة، اسأل نفسك قبل أن تتكلم هذه الأسئله:-ماذا أقول؟ هل ما أقوله صدق وحق؟ وهل ما أقوله ضروري؟ هل يرضي الله؟ كيف ومتى أقوله؟
3-الوقت والمواعيد: “مفتدين الوقت لأن الأيام شريرة”أف 5: 16
لقد جعل الله لكل شىء تحت السموات وقت، وقد أعطى الله البشر في كل مكان وزمان 24 ساعة بالتساوي، وعلينا ان نتدرب في صرفهم بحكمة بين انشطة الحياة المختلفة، وللعلم فتنظيم الوقت يضاعفه، كما أنه يساعد على الإنجاز. الانضباط في المواعيد علامة من علامات التحضر، والتأدب، والإيمان الصحيح.
4- الشهوات والغرائز:- لدى كل إنسان منا شهوات كثيرة لذا من المفيد أن نتعلم منذ الصغر أن نأخذ من كل شيء ما يلزمنا فقط ليس أكثر أو أقل، ما أكثر ما نكون مولعين بالأخذ، وحب تملك كل شيء، وبكميات تفوق ما نحتاجه فعلياً( طمع) مرات نشتري رغم أن لدينا مما إشترينا الكثير، وعندما نسأل أنفسنا لماذا إشترينا؟ لانجد إجابه مقنعه إنها مجرد شهوة، ورغبه في التملك، أو تقليد الآخرين.
الشهوات والغرائز كثيرة لكنني آخذ بعضها:
أ- شهوة الأكل: أم 25: 16 تعلم عند الأكل أن تاخذ ما يفيدك، ويبني جسدك، ابتعد عن ما يضرك مهما كانت لذته، تعلم أن تاكل اكلا صحيًا، وفي المواعيد المضبوطة حتى لا تضر نفسك وتتحول الى عبدًا للأكل او مدمنًا له، إن الافراط في الأكل له مضار كثيرة على الحياة بجملتها كما تعلمون.
ب- شهوه الشراء والإمتلاك : 1مل 21: 1 كيف ننضبط أمام شهوة الشراء؟ إليك هذا التدريب الهام اسال نفسك هذه الأسئلة:
-هل ما سأشتريه لازم، ويمثل احتياج حقيقي أم يمكن توجيه المال لعمل آخر؟–هل ما سأشتريه ولا سيما الملابس يتفق في ذوقه،ومودته، وألوانه مع كوني ابن أو ابنة للمسيح، أم تقليد أعمي، وخضوع لذوق مصممي الأزياء. –هل يمكن العيش سعيدًا فرحًا بدون هذا المنتج أم لا؟ لا تصدق كل الاعلانات.
جـ – شهوه الإنتقام :عندما نتعرض لمواقف مُحرجة أو أفعال مؤذية تتولد فينا رغبة قوية في الإنتقام، والأخذ بالثأر، معتقدين إنه هكذا تنشفى ، أو نسترد كرامتنا، أو نُثبت قوتنا، وهذا ليس صحيحًا بالمرة.
لدينا نماذج مباركة لأناس استطاعوا رغم عمق الجراح وسخونتها ضبط أنفسهم ولم ينتقموا، يوسف لم ينتقم من اخوته لأنه ادرك ان النقمة ليست له بل لله القاضي العادل تك 50 : 15 -21 ايضًا موسى لم ينتقم من اخوته عد 12: 13 كذلك استطاع استفانوس الشهيد الأول ان يغفر ويسامح راجميه تمثلا بسيده الرب يسوع :- أع 7: 60 “باركوا لاعنيكم.وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم” لو6: 28 .
.
ء-الشهوة الجنسية تك 38 ، 39 اثنين اخوات الكبير يهوذا لم ينتبه او ينضبط فسقط ، أما الصغير وهو يوسف الشاب الغريب في بيت فوطيفار انتبه فلم يسقط، إذا النصرة على خطايا الجنس تبدأ بالحزم من الداخل، ولا علاقة لها بالعمر. ولكي تغلب هذه الخطية إليك هذه التدريبات الهامة:
ابتعد عن كل ما يثير ويوقظ هذه الشهوة داخلك، أرفض وبإباء شديد كل ما لا يتفق وعهد تكريسك ونذرك كابن لله، ابتعد عن النظرات والمُعاشرات والمحادثات الردية (الشات) التي لا تمجد الله ، تذكر إن خطية الزنا تهين الله، ونفسك كابن له، ومن تشاركه هذه الفعل المشين.
–دع الروح القدس يمتلكك كل وقت “كن في الروح دومًا” كن ممنطقًا أحقاء ذهنك صاحيًا مصليًا- كن حازما مع نفسك ولا تلتمس لها الأعذار، أو تبحث لها عن شماعات، وحاسب نفسك قبلما يحاسبها غيرك. “دا 1: 8 ، أى 27: 5 .
الختام
آة لو كل منا فكر في فكر جيداً في عمل الله في حياته، آه لو كل منا فكر في محبة الله، ورحمته وطول أناته! آه لو فكرنا أيضًا في مشاعر الله التي تًجرح وتهان بسبب تهورنا! لتعلمنا كيف نكون أكثر صبراً، وطول أناه، وانضباطاً مع انفسنا ومع البشر الذين نتعامل معهم.
إن معاملات الله الجميلة معنا أكبر دافع ومشجع لنا لأن نعيش منضبطي النفس، حتى لا نكون عثرة لأحد، أو عائق في طريق قبولهم للإنجيل “بل نحتمل كل شيء لئلا نجعل عائقاً لإنجيل المسيح ” كو 9: 12. والرب معكم .
القس ثروت ثابت
23/ 3/ 2021