
منقول من موقع
ghobrialrizkallah.org
طريق قايين وصورة التقوى
(يهو 5 : 11)
“ويلٌ لهم لأنهم سلكوا طريق قايين وانصبُّوا إلى ضلالة بلعام لأجل أجرةٍ وهلكوا في مشاجرة قورح”.
في رسالة بولس الرسول إلى تلميذه تيطس (2 : 11): “لأنه قد ظهرت نعمة الله المخلصة لجميع الناس”، هنا يوجد التباس في القراءة، في الفهم، هل المقصود نعمة الله المخلصة لجميع الناس أو ظهرت لجميع الناس؟ الأحق ظهرت لجميع الناس نعمة الله المخلصة، “معلمةً إيانا أن ننكر الفجور والشهوات العالمية ونعيش بالتعقل والبر والتقوى”.
التعقُل هو العيشة الشخصية التي يعيشها الإنسان في ذاته ولأجل ذاته، تعقل، والبر هو علاقة الإنسان بأخيه الإنسان، أعطوا الجميع حقوقهم، هذا هو البار الذي يعطي لكل إنسان حقه، والتقوى هي مخافة الله، الحياة في العبادة لله.
وإذا بحثنا سلوك قايين في نور هذه المعاني الثلاثة: بالنسبة إلى نفسه، وبالنسبة إلى أخيه، وبالنسبة لله تبين لنا طريق قايين، ونبدأ بالنسبة إلى الله:
بالنسبة إلى الله: في نور الكلمة الإلهية في الأصحاح الرابع من سفر التكوين نجد هنالك تاريخ قايين وحياته، فنجد أنه بالنسبة لعلاقة قايين بالله: “قدم قايين من أثمار الأرض قرباناً للرب”، ولكن لا يجب أن ننسى أن التقوى لها صورة ولها قوة. قال الرسول: “لهم صورة التقوى ولكنهم منكرون قوتها”، مظهر خارجي شكلي، تقدم قايين إلى الله، صورة من صور التقوى، مخافة الرب العبادة، كان يعبد الله فأتى إلى الرب بقربانٍ من أثمار الأرض ليقدم للرب، لكن هذا القربان لم يُقبل عند الرب، نظر الرب إلى قربان هابيل ولكنه إلى قربان قايين وثماره لم ينظر، أي أن الله أظهر علامة قبل بها قربان هابيل فقط. في الرسالة إلى العبرانيين الأصحاح الحادي عشر نقرأ: “بالإيمان قدم هابيل لله ذبيحةً أفضل من قايين فبه شُهد له أنه بارٌّ إذ شهد الله لقرابينه”، ونجد في التكوين الأصحاح الرابع: “ولكن إلى قايين وقربانه لم ينظر”.
هنا طريقين بالنسبة إلى الله: تقدم قايين إلى الله بطريقة غير مقبولة عند الله، صورة التقوى لكن بلا قوة، هذه أول طريقة أن قايين عبد الله، صورة لا حقيقية،.يقدسون العشور، يصومون، ولكن كل ذلك غير مقبول عند الله كما ظهر في مثل السيد عن الفريسي والعشار، الفريسي يظن في نفسه أنه بار وينظر في نفسه أنه بار ويحتقر العشارين، وقف ليصلي في نفسه هكذا: “اللهم أنا أشكرك أني لست مثل باقي الناس الخاطفين الظالمين الزناة، ولا مثل هذا العشار”، “أقول لكم إن هذا نزل إلى بيته مبرراً دون ذاك”، لم يُقبَل، تقدم إلى الله بأعماله واثقاً بنفسه، تقدم إلى الله محتقراً الآخرين مفتخراً من قبل ذهنه، متكلاً على الجسد، تقدم إلى الله بأعماله واثقاً بذاته، فريسي ابن فريسي حافظٌ الناموس، مختونٌ في اليوم الثامن، يهودي من اليهود، من شعب الله، ولكن كل ذلك لم ينفعه.
لذلك يقول بولس في الرسالة إلى أهل فيلبي الأصحاح الثالث: “إن ظن واحدٌ آخر أن يتكل على الجسد فأنا بالأولى، من جهة الختان مختونٌ في اليوم الثامن، من جنس إسرائيل، من سبط بنيامين، عبرانيٌّ من العبرانيين، من جهة الناموس فريسي، من جهو الغيرة مضطهد الكنيسة، من جهة البر الذي في الناموس بلا لومٍ، لكن ما كان لي ربحاً فقد حسبته من أجل المسيح خسارةً من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي، الذي من أجله خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفايةً لكي أربح المسيح”.
وهذه هي الفكرة الإنسانية، أن يتقدم الإنسان إلى الله بما يوحي عليه عقله وليس بما أعلمه الله، الله عرفناه بالعقل؟ لا، “الآب طالبٌ مثل هؤلاء الساجدين الحقيقيين”، “الله روح والذين يسجدون لله الآب فبالروح والحق، (بإرشاد الروح وبالحق المُعلن) ينبغي أن يسجدوا”، إذاً كل تقاليد الآباء والشيوخ تعاليم الناس لا نقدر أن نتقدم بها إلى الله: “باطلاً يعبدونني وهم يعلِّمون تعاليم هي وصايا الناس”، “هذا الشعب يُكرمني بشفتيه أما قلبه فمبتعدٌ عني بعيداً”، “أبطلتم وصية الله بسبب تقليدكم”.
عبادةٌ باطلةٌ غير مقبولة، فكرةٌ طارئة للإنسان خطر في ذهن آدم وحواء لما أكلا من الشجرة وعلما أنهما عريانان، يريدان غطاءً يستر عورتهما بفكرة خطرت لهما، أوراق تين تُخاط ويصنعان مآزر، لم تفلح كذلك، كل من يتقدم لله بحسب تفكير نفسه وقلبه وتعليم الناس وأفكار البشر له صورة التقوى لا قوتها، والله لا ينظر إلى هذا.
هذه هي طريق قايين، لا علامة للإيمان، عمل أيدي الناس، أفكار البشر، عبادةٌ باطلةٌ لا قيمة لها، أصوامٌ، صلواتٌ، زكاةٌ، حجٌ، تقديسٌ، مثل هذه الأشياء كلها لا تفيد شيئاً. هذا من جهة التقوى، لم ينظر الله إلى قايين.
من جهة أخيه: بارٌّ، البر، عيشة التعقل والبر والتقوى، البر نحو الأخ، ما هو موقف قايين إزاء هابيل؟ وصفه يوحنا الرسول في رسالته الأولى الأصحاح الثالث: “ليس كما كان قايين من الشرير وذبح أخاه، ولماذا ذبحه لأن أعماله كانت شريرة وأعمال أخيه بارة”، اغتاظ لأن الله قبل قربان أخيه: “نظر إلى هابيل وقربانه وأما إلى قايين وقربانه لم ينظر”، اشتعل الغيظ في قلبه بلا سبب، غيظه من الله، قام على أخيه وذبحه وليس لأخيه ذنب.
النظر إلى الآخرين نظرة الحسد والبغضة، وتكمن البغضة في القلب ويشتد الغيظ ويصل إلى حد الذبح: “إن قال أحد إني أحب الله وأبغض أخاه فهو كاذب”، لأنه كيف يمكن للإنسان الذي لا يحب أخاه الذي يبصره أن يحب الله الذي لا يبصره، كاذب.
نحن نحبه، نحن نحب الله، إذا أحببنا الإخوة، من يحب الله فقد انتقل من الموت إلى الحياة لأننا أحببنا الإخوة وليس كما كان قايين، ذبح أخاه حسداً، وأشد حسد نظرة الإنسان إلى الآخر تؤدي إلى الغيظ. الله أنعم عليه، الله قبل قربانه، لم يعمل شراً في أخيه.
في سفر التكوين الأصحاح الرابع يقول الرب له: “لماذا اغتظت ولماذا سقط وجهك”، يمكن أن ترفع وجهك، إن أحسنت إلى الرب يرتفع وجهك، لماذا تحسد أخاك، كانت النتيجة أنه ذبح أخاه وسفك دمه، والرسول يوحنا يقول: “إن كل من يبغض أخاه فهو قاتل نفسٍ” لم يتمم نعمة الله المعلمة: “أن نعيش بالبر والتقوى مع الله والناس”.
بالنسبة إلى نفسه: قتل قايين أخاه وكذب على الله وتنصل من القتل: “أحارسٌ أنا لأخي” الطريق التي سلكها، الآن طريقه لأجل نفسه، ماذا فعل عندما قال له الرب: “هوذا صوت دم أخيك صارخٌ إليَّ من الأرض” التي فتحت فاها لتبتلع دمه، لم يعترف بذنبه، لم يندم على خطيته.
خرج قايين من لدن الرب، ترك الرب، قطع كل علاقةً بينه وبين الرب، لم يتب ولم يندم، لوندم ولو تاب وندم لغُفرت خطيته لكنه خرج من لدن الرب، هذا الخروج يذكرنا بشخص هرب، خرج من جماعة الرب: “فذاك لما أخذ اللقمة خرج للوقت”، خرج ليتمم عمل الشيطان، مع كل الطرق التي استعملها السيد لرده عن فكره، وفي آخر الليل غسل رجليه وغمس المسيح اللقمة وأعطاه ليغير قلبه، ولكنه خرج ليخنق نفسه، هذا ما فعله بنفسه، لم يتمم نعمة التعقل في نفسه، هذا أيضاً ما فعله قايين.
هل ننظر نحن إلى هذا الأمر، “ظهرت نعمة الله المخلصة، لجميع الناس، (لنخلص بالإيمان) معلمةً إيانا أن ننكر الفجور والشهوات العالمية ونعيش بالتعقل والبر والتقوى”، ونعيش بالتعقل الشخصي والبر نحو الآخرين والإخوة، والتقوى نحو الله فماذا نحن فاعلون!
21 / 8 / 1970