
منقول من موقع
ghobrialrizkallah.org
قضاء الله
قضاء الله هو قصده الأزلي الذي به سبق فعين لأجل مجده كل ما يحدث، إن جميع مجريات الكون وكل حوادث العالم، خلق وعناية وفداء، كل الأشياء في الأرض، داخلة ضمن قضاء الله، إلا الله نفسه.
سبق فقضى سبق فعَلِم:
من الخطأ الشائع اعتقاد البعض أن أساس قضاء الله هو علمه، أي سبق فعَلم بكل ما يحدث فقضى به، كأن الأمور جارية من طبيعتها والله سبق فعلم بها، إن هذا لا يعتبر قضاء، بل ينفي القضاء نفياً باتاً، إذاً لماذا تتم هذه الأشياء كلها؟ وما هو سر حدوثها؟ إنها تجري لأن الله سبق فقضى بها فلا بد أن تجري ولا يمكن إلا أن تجري، لذلك يكون عِلم الله بهذه المجريات مبني على كون الله قضى بها.
هكذا قصد الله فعين جميع الأشياء في الكون من البدء إلى النهاية، كلها معلومةٌ عنده، “معلومةٌ عند الرب منذ الأزل جميع أعماله”، ولماذا هي معلومةٌ؟ لأنه مقضيٌّ بها، فقد سبق الله فقضى فسبق فعلم، علم بما قضى وليس قضى بما علم، وقضاء الله كاملٌ لأن الله كاملٌ.
قضاء بحسب مشيئته:
إنه لا قضاءٌ إلا بحسب قصد الله الأزلي حسب رأي مشيئته: “أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للأطفال، نعم أيها الآب لأنه هكذا صارت المسرة أمامك”.
هل الشر ضمن قضاء الله؟
ويتساءل الناس هل الشرور الجارية في العالم تدخل ضمن قضاء الله؟ أم هل يوجد إلهان كما يقولون، إله الخير وإله الشر؟ إنه إلهٌ واحدٌ له وجهان في قضائه، وجهٌ إيجابيّ ووجهٌ سلبيّ، وهذان يدخلان معاً في دائرة القضاء الإلهي، “من الذي يقول ففيكون والرب لم يأمر، من فم العلي ألا تخرج الشرور والخير”؟ وهذا دليلٌ على أنه لا يوجد إلا إلهٌ واحدٌ مصور النور وخالق الظلمة، كما قال: “أنا الرب مصور النور وخالق الظلمة، صانع السلام وخالق الشر، أنا الرب صانع كل هذه” وقد قضى بكل حوادث الكون، وهل تسقط شعرة من رؤسكم بدون أبيكم؟ وهل يسقط عصفورٌ بلا ثمنٍ بدونه؟ كما أن هذا دليلٌ على أن لقضاء الله وجهين، وجه الخير ووجه الشر.
الدائرة السلبية (الشر):
أما الشر فليس من طبيعة الله، “فلا يقل أحدٌ إذا جُرب أني أُجرب من قبل الله، لأن الله غير مجربٍ بالشرور وهو لا يجرب أحداً”، لذلك يقول بولس: “أُعطيت شوكةً في الجسد ملاك الشيطان ليلطمني”، ولكنه إذ يتضرع إلى الله ثلاث مرات من أجل تلك الشوكة يسمع الإجابة: “تكفيك نعمتي” أي إبقاء تلك الشوكة التي هي ملاك الشيطان، أي ضربته، ولكنها بالسماح الإلهي اعتُبرت من الله، هكذا اعتبر أيوب كل ما أصابه من يد الله فقال: “الرب أعطى والرب أخذ”، هذه كلها تدخل في دائرة السماح وهي الدائرة السلبية.
لماذا يسمح الله بالشر؟
هذا يعطي فرصةً لتمجيده، كما يتمجد في الخير كذلك يتمجد في الشر، وقد قيل لفرعون: “لهذا بعينه أقمتك لكي أُظهر فيك قوتي”، ليعرف المصريون الرب، وهكذا قيل عن المولود أعمى: “لا هذا أخطأ ولا أبواه ولكن لتظهر أعمال الله فيه”، أي أن الله يستطيع أن يُخرج من الآكل أُكلاً ومن الجافي حلاوةً.
الدائرة الإيجابية (الخير):
أما الخير فهو طبيعة الله، “وكل عطيةٍ صالحةٍ وكل موهبةٍ تامةٍ هي من فوق نازلةٌ من عند أبي الأنوار الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران، شاء فولدنا بكلمة الحق” فهو نورٌ من نورٍ وهو أبو الأنوار، “وساكنٌ في نورٍ لا يُدنى منه”، “ولابس النور كثوبٍ”، فكله نورٌ في نورٍ وخيرٌ في خيرٍ ومنه يصدر الخير رأساً ومباشرةً، وهذه هي الدائرة الإيجابية.
مسئولية الإنسان:
المسئولية هي شعور طبيعي في الإنسان يجعله يصرخ صرخاتٍ مؤلمةٍ بسبب الشر الذي يصدر منه أو الذي يكون فيه كما صرخ إشعياء: “ويلٌ لي أني هلكت لأني إنسانٌ نجس الشفتين، وأنا ساكنٌ بين شعبٍ نجس الشفتين”، وكما صرخ بولس: “ويحي أنا الإنسان الشقي، من ينقذني من جسد هذا الموت”، هكذا فعل إخوة يوسف باعترافهم الذي نشأ عن خوفهم من عاقبة خطيتهم نحو أخيهم، متضرعين إليه أن يصفح عن ذنبهم، وهكذا فعل يهوذا الإسخريوطي في ندمٍ شديدٍ وشعورٍ بمسئوليةٍ عُظمى عند ما رأى سيده قد دين، حين أعلن ندمه قائلاًلله: “ندمت إذ سلمت دما بريئاً”.
وهل ينفع الندم بعد زلة القدم، فإنه لو أن الله سبق فقضى بوقوع كل هذا في الدائرة السلبية كما رأينا، إلا أن هذا القضاء لا يمنع مسئولية الإنسان، كما أنه ولو أن شر الإنسان يبين بر الله ويعلن مجده فإن هذا لا يمنع إدانة الإنسان في شره كخاطيءٍ وأثيمٍ، وما أعظم دينونة الناس الذين يقولون لنفعل السيئات لكي تأتي الخيرات، أو الذين يقولون ما دام إذا كثُرت الخطية ازدادت النعمة جداً لذلك نعيش في الخطية، فإنهم بقولهم هذا يُفسدون المنطق الصحيح ويقلبون الأوضاع، الذين دينونتهم عادلةٌ.
وما دام الله قد أعلن لنا طريق الخير وطريق الشر، طريق الحياة وطريق الموت، طريق البركة وطريق اللعنة، وأوصانا أن نختار الحياة، فالمسئولية خطيرة ويجدر بنا أن نقدر هذه المسئولية دون بحثٍ فيما قضى به الله “لأنه لا بد أننا جميعا نظهر أمام كرسي المسيح لينال كل واحدٍ منا ما كان بالجسد بحسب ما صنع خيراً كان أم شراً”.
ولنحذر من قضاء الله السلبي الذي ينفذ عن طريق القضاء العقابي الذي هو في حقيقته ترك الإنسان لنفسه وتسليمه لشهوات ذاته، الذي هو الهلاك بعينه: “اسمع يا شعبي فأحذرك يا إسرائيل إن سمعت لي لا يكن فيك إلهٌ غريبٌ ولا تسجد لإلهٍ أجنبيٍّ، أفغر فاك فأملأه، فلم يسمع شعبي لصوتي وإسرائيل لم يرض بي فسلمتهم إلى قساوة قلوبهم ليسلكوا في مؤامرات أنفسهم”. اقرأ (مز 81 : 8 – 12 ، أم 1 : 24 – 33 ، رو 1 : 18 – 25).