
منقول من موقع
ghobrialrizkallah.org
كل شيء حسب المثال
(خر 25 : 9 و40)
“بحسب جميع ما أنا أريك من مثال المسكن ومثال جميع آنيته هكذا تصنعون”، “وانظر فاصنعها على مثالها الذي أظهر لك في الجبل”.
ماذا نفهم نحن من هذا الكلام؟ البناء، خيمة الاجتماع، مسكن الله بين شعبه المقدس “فيصنعون لي مقدساً لأسكن في وسطهم”، إذا كان الله يريد أن يسكن في وسطنا فيجب أن يكون المسكن كله والمثال معلناً موحىً به، لا كما يتصور الإنسان ولا مثل ما يخترعه العقل البشري، ولا بحسب أفكار البشر. من سيسكن؟ الله، ومن يستطيع أن يعرف فكر الله؟ ومن يستطيع أن يرى الله؟. إذاً لا بد من مثالٍ، لذلك يقول في آخر الأصحاح “انظر فاصنعها على مثالها الذي أُظهر لك في الجبل”.
هنا تحذيرٌ، أي أن موسى لا يقدر أن يقول نعمل هذه أو تلك، نعملها كذلك، أو نعمل هذه ونترك تلك، ليس له أن يفكر أو يخترع، فقط يعمل حسب المثال الذي أظهره الله له على الجبل، كأن موسى رأى رسم صورة معينة – حسب المثال – لا بد أن يعمل الخيمة وكل ما كان لازماً لهذه العبادة من مائدة ومذبح ومسكن حتى الأواني كما أمره الرب قائلاً: “بحسب جميع ما أنا أريك من مثال المسكن ومثال جميع آنيته هكذا تصنعون”، حتى آنية الخيمة، آنية المقدس وضعت كلها في رسمٍ معينٍ وبطريقةٍ معينة وبوضعٍ مخصص، فلا يجوز للإنسان بتةً أن يقول ننقل هذه هنا أو ننقلها إلى هناك سواء كان مذبح النحاس أو المرحضة أو المنارة أو المائدة أو الأرغفة والكوز الذي ينير المنارة والسُرج التى حوله أو مذبح البخور، يوجد رسمٌ لكل آنيةٍ ومبينٌ وضعها سواء كان تابوت العهد أو الكاروبيم أو ما يوضع في تابوت العهد حسب المثال المعين.
العهد الجديد استشهد بهذه النقطة على الفكر أن العهد القديم هو الأساس، فالعهد الجديد فسَّر هذه النقطة: “الذين يخدمون شبه السمويات وظلها كما أوحيَ إلى موسى وهو مزمعٌ أن يصنع المسكن أنه قال أن يصنع المسكن. لأنه قال: “انظر أن تصنع كل شيءٍ حسب المثال الذي أُظهرَ لك في الجبل” (عب 8 : 5)، نفس العبارة ونفس الآية النص ذاته، فالعهد الجديد بني بناءً صريحاً واضحاً على كل ما جاء في العهد القديم، هنا – في العهد القديم – يتكلم عن مسكن يبنيه موسى حسب المثال وفي العبرانيين يتكلم عن مسكن الله بين الناس، مسكن حقيقي ليس شبه السمويات.
إذاً المثال الذي وُضع، وُضع لشبه السمويات ومن يعرف السمويات إلا الذي في السماء، من يعلنها إلا هو، من يصنع مثالها سواه، فشبه السمويات ظهر لموسى على الجبل، الله وضع تصميماً، رسماً، كما كتب الوصايا العشر على اللوحين منقوشةً بإصبعه، هكذا وضع التصميم والمثال الخاص بالمسكن وكل آنية المسكن على شبه السمويات، ولا يستطيع أحدٌ أن يعرف شبه السمويات إلا الذي في السماء الله نفسه.
شِبه السمويات الذي وُضع في السما،، إذاً ما هو المسكن الحقيقي؟ في الرسالة إلى العبرانيين الأصحاح الثامن والعدد الأول والثاني: “أما رأس الكلام فهو أن لنا رئيس كهنةٍ مثل هذا (المسيح) قد جلس في يمين عرش العظمة في السموات، خادماً للأقداس والمسكن الحقيقي الذي نصبه الرب لا أنسان”.
هذا هو المسكن الحقيقي، ليس الذي عمله موسى بل الذي أقامه الرب نفسه، وليس الذي جهزه بصلئيل “الذي هو رمزٌ للوقت الحاضر الذي فيه تُقدم قرابين وذبائح لا يمكن من جهة الضمير أن تكمِّل الذي يخدم، وهي قائمةٌ بأطعمةٍ وأشربةٍ وغسلاتٍ مختلفةٍ وفرائض جسديةٍ، فقط موضوعةٌ إلى وقت الإصلاح، وأما المسيح وهو قد جاء رئيس كهنةٍ للخيرات العتيدة، فبالمسكن الأعظم والأكمل غير المصنوع بيدٍ، أي الذي ليس من هذه الخليقة وليس بدم تيوسٍ وعجولٍ، بل بدم نفسه، دخل مرةً واحدةً إلى الأقداس فوجد فداءً أبدياً”
هذا المسكن بعيدٌ عن أفكار البشر، لذلك عندما وُضع المسكن على شبه السمويات لم يدخل فيه فكرٌ بشريٌّ، والأيدي التي عملت في هذا المسكن الأول كانت أيدي أناسٍ مجهزين بالنعمة السماوية والحكمة لهذا العمل كما هو مكتوب: “انظر قد دعوت بصلئيل بن أوري بن حور من سبط يهوذا باسمه، وملأته من روح الله بالحكمة والفهم والمعرفة وكل صنعةٍ لاختراع مخترعاتٍ ليعمل في الفضة والذهب والنحاس ونقش الحجارة للترصيع ونجارة الخشب، ليعمل في كل صنعةٍ، وها أنا قد جعلت معه أهوليآب بن أخيمالك من سبط دان، وفي كل حكيم القلب قد جعلت حكمةً ليصنعوا كل ما أمرتك”، لقد أعد الله كل شيء وعيَّن الأشخاص، فالكل من الله، من فوق، غير هؤلاء لا يوجد، ففي الدار الخارجية مذبح النحاس والمحرقة، والدار الداخلية القدس والمائدة ومذبح البخور واحدٌ عن اليمين، والثاني عن اليسار، والثالث في الوسط قدام باب قدس الأقداس، ولقد أفهم الرب كل ذلك لسليمان كتابةً، مكتوب: “أفهمني الرب كل ذلك بالكتابة بيده عليَّ أي على كل أشغال المثال” (1 أخ 28 : 19)، وكذلك “وقال داود الملك لكل المجمع أن سليمان ابني الذي وحده اختاره الله إنما هو صغيرٌ وغضٌ والعمل عظيمٌ لأن الهيكل ليس لإنسان بل للرب الإله” (1 أخ 29 : 1).
هذه هي الصورة الواضحة التي أعطيت عن كيفية الإعداد لبناء مسكن الرب، ثم النار للمحرقات والبخور التي تصعد إلى السما قد أشير إليها في عدة مواضع مختلفةٍ: “فسقطت نارُ الرب وأكلت المحرقة والحطب والحجارة والتراب ولحست المياه التي في القناة”، ووقت بناء الهيكل: “وخرجت نارٌ من عند الرب وأحرقت على المذبح المحرقة والشحم فرأى جميع الشعب وهتفوا وسقطوا على وجوههم”، “فسمع الله لصوت منوح فجاء ملاك الله أيضاً إلى المرأة وهي جالسةٌ في الحقل ومنوح رجلها ليس معها، … فكان عند صعود اللهيب من المذبح نحو السماء أن ملاك الرب صعد في لهيب المذبح ومنوح وامرأته ينظران فسقطا على وجهيهما إلى الأرض”.
والنار كما سبق أن رأينا تأتي من السماء لتصعد إلى السماء، لا يمكن أن تقدم نار غريبة، كل فكرٍ بشريٍّ في العبادة الإلهية، وكل حكمةٍ بغير الكتاب المقدس باطلة، وكل ترتيبٍ بشريٍّ لا يصلح: “قدموا يا أبناء الله، قدموا للرب مجداً وعزاً، قدموا للرب مجد اسمه، اسجدوا للرب في زينةٍ مقدسةٍ”.
مَن هؤلاء الذين يعرفون مجد الله مجد اسمه؟ لا أحد، يا أبناء الله قدموا مجد اسمه، من أين يأتي؟ من يعرفه؟ بالإعلان، والذي يتقدم إلى الله عليه أن يعرف مجد اسم الله، وهو معلنٌ في الكتاب لاننتظر أحداً أن يزيد عليه، كل شيء تم في الكتاب: “طوبى للذين يصنعون وصاياه لكي يكون سلطانهم على شجرة الحياة ويدخلوا من الأبواب إلى المدينة، وها أنا آتي سريعاً وأجرتي معي لأجازي كل واحدٍ كما يكون عمله”.
كل الأمور بيد خالق السماء والأرض، ولكي يسكن بين البشر يجب أن يراعي البشر كل المراعاة لما يريد هو وما رسمه هو كما في السماء كذلك على الأرض، “ما لم ترَ عينٌ ولم تسمع به أذنٌ ولم يخطر على بال إنسان ما أعده الله للذين يحبونه”، هكذا يقول الرسول فـأعلنه الله لنا نحن بروحه بالوحي: “الله بعد ما كلم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواعٍ وطرقٍ كثيرةٍ، كلمنا في هذه الأيام في ابنه الذي جعله وارثاً لكل شيء، الذي وهو بهاء مجده ورسم جوهره وحاملٌ كل الأشياء بكلمة قدرته، بعد ما صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا، جلس في يمين العظمة في الأعالي صائراً أعظم من الملائكة بمقدار ما ورث اسما أفضل منهم”.
إن الروح هو الذي يعلِّم ويرشد الآن لمجد الله الآب: “هذا يمجدني يأخذ مما لي ويخبركم”، هذا للرسل يعلمهم ويفتح ذهنهم حتى يكرزوا بما في الكتب، ونحن يخبرنا الروح بما أوحى به وليس بوحيٍ جديد أو إعلانٍ أو رؤيا جديدةٍ، كل ذلك نارٌ غريبةٌ وليست باطلةٌ فقط، فلنحذر من النار الغريبة في عبادة الرب، بل نحترس ونحذر أن نصنع كل شيءٍ حسب المثال الذي أظهره لنا الرب.