
الكاتب
القس ثروت ثابت
راعى الكنيسة الإنجيلية بالعباسية
سنودس النيل الإنجيلي
الكنيسة الإنجيلية المشيخية بمصر
كيف نساعد أبناءنا ليكونوا لهم علاقة شخصية مع الله؟
هذا الموضوع هام وبه أفكار كثيرة وكلها مهمة لكن دعوني أقدم ثلاثة افكار رئيسية
الأولى: ما معنى علاقة شخصية مع الله؟ وهل هذا ممكن؟ الثانية: ما هي التربية وما هدفها؟ الثالثة: ما دور الوالدين والخدام والقادة؟
الإنسان بطبعه كائن علاقاتي يحب يكّون علاقات سواء بأشياء أوأشخاص ولقد زاد المر جدًاخاصة في عصرالتواصل الاجتماعي (السوشيال ميديا) وصار البعض لديه اصدقاء بالآلالف ومن كل دول العالم، لكن أهم ما في الحياة أن يكون للإنسان علاقة شخصية حقيقية مع الله الأبدي لأن الانسان كائن أبدي. انتبه ! فلو كان لك علاقة بكل الناس والأشياء وربحت الجميع ولم تكن لك علاقة شخصية حقيقية مع الله فقد خسرت خسارة فادحة، لقد خسرت نفسك وحياتك الأبدية.
يعني إيه يكون لديّ علاقة شخصية مع الله؟ مش غريبة شوية الفكرة ده؟ علاقة شخصية مع الله ذاته؟ المثل البلدي بتاعنا يقولك تعرف فلان؟ أعرفه، عاشرته؟ لا ، يبقى ما تعرفوش. مثال توضيحي: كلنا بنعرف رئيس مصر لكن هل في علاقة شخصية معه، لأ ، هل علاقتي به كعلاقة ابنه به؟ إذا نحن لا نعرفه إلا معرفة سطحية ظاهرية. في ناس كده مع ربنا علاقتهم سطحية ظاهرية فقط.
يعني ايه علاقة شخصية بين أب وابنه؟
يعني في شركة عميقة بينهما وتنموا مع الأيام، أقدر أكلمه في أى وقت، أدخل مكتبه دون موعد سابق، واثق إن لي مكان ومكانة واهتمام ومرحب بي حتى وقت خطأي وفشلي، بيننا تفاهم كبير وعشم، أقدر أحكي معاه عن أدق تفاصيل حياتي دون خوف، اشاركه فرحي حزني ألمي خوفي دون حرج. بنفس المعنى يكون لي علاقة شخصية مع الله من خلال المسيح يعني:
حب متبادل
“نحن نحبه لأنه هو أحبنا أولاً” 1يوحنا4: 19 هو اللي بدأ بالحب قبل أنا ما حبيته، واللي بيحب حد أول علامة لهذا إنه يسمعه ( قراءة الكلمة) ويتكلم معاه (الصلاة ) أقدر أقوله وأنادي عليه يا أبويا، اكلمه في أي وقت، احكي معه في ادق تفاصيل حياتي، أثق فيه جدًا فاشاركه مشاعري في فرحي يفرح معاي وفي الحزن يتألم معايّ، ولأني بأثق فيه أطيع توجيهاته.
بنوة واثقة
“لا أعود أسميكم عبيدًا بل أبناء” يوحنا 15: 15 ” فلنتقدم بثقة إلى عرش النعمة”لماذا بثقة؟ لان الملك الجالس على العرش هو أبي، كان هدف الرب يسوع وهو على الأرض ليس جماهير غفيرة تتبعه، ولا يجمع مجموعة عبيد أذلاء، بل تلاميذ وأبناء أعزاء “أما كل الذين قبلوهم أعطاهم سلطانًا أن يكونوا أبناء الله اي المؤمنون باسمه “يوحنا1: 12 ولما التلاميذ سألوه علمنا أن نصلي قال ومتى صليتم فقولوا أبانا، إذا فالمسيح يدعونا أن تكون لنا علاقة شخصية مباشرة بالله من خلال شخصه الكريم كالطريق الوحيد لله.
حرية حقيقة
“فاثبتوا إذًا في الحرية التي حررنا المسيح بها ولا ترتبكوا أيضًا بنير عبودية”غلاطية5: 1 أ- حرية من الخوف مفيش ابن يخاف من أبوه، لكن في مخافة ومهابة واحترام، والفرق بينهم كبير. ب- حرية من مظهرية العلاقة في ناس تبان من بره إنها في علاقة مع بعض، لكن لما تقرب تكتشف إن علاقتهم شكلية مظهرية فقط، كالشعب أيام إشعياء وعاموس والمسيح، علاقتهم بالله كانت موسمية في الأعياد فقط، أو علاقة بالمبني (الهيكل) فقط وقت تقديم الذبائح، يخافوا الله في الهيكل لكن في السوق والعمل والتجارة لصوص، كانوا يؤدوا طقوسًا شكلية يقتربون بفمهم دون قلبهم.
اتحاد وثيق
“من يأكل جسدي و يشرب دمي يثبت في وأنا فيه ” يوحنا 6 : 56 هنا لم يكن الرب يسوع يتحدث عن التناول، بل عن الإيمان والإتحاد بشخصه الكريم، والارتباط الوثيق بينه وبين من يؤمنون به، فالمؤمن لم اعد عائشًا باستقلالية عن الله كما كان الحال مع آدم في جنة عدن فسقط، لكن نعيش متحدين به مستندين عليه، عايش كل يوم بفكره ومشورته لا فكر الناس أو مشورتهم. إذًا يكون لديّ علاقة شخصية مع الله يعني (حب متبادل، بنوة واثقة، حرية حقيقية اتحاد وثيق)
الفكرة الثانية: ما هي التربية عمومًا والمسيحية خصوصًا؟ ومتى تبدأ؟ وهل هي قاصرة على جانب معين دون الآخر، وعلى مرحلة دون الأخرى، وماهو هدف النهائي من التربية؟
عرفها أفلاطون بانها كل ما يُضفي على الجسم، والنّفس والروح كل جمال، وكمال ممكن. إنها فن صياغة، وتشكيل عقل، ووجدان الشخص منذ تكوينه كجنين في بطن أمه، مرورًا بكل مراحل حياته ليكون في الطريق الصحيح، فيحيا حياة كاملة على مستوى النفس، والجسد، والروح، ويكون مُواطنًا صالحًا نافعًا لنفسه ومن حوله.
تبدأ التربية قبل الولادة بخمس وعشرين سنة أو أكثر عندما نربي الأم والآب، وهي غير قاصرة على جانب واحد في حياتنا كما راينا في التعريف السابق، ولا قاصرة على الصغار كما اعتقدنا لسنين طويلة، فالإنسان في كل مراحل حياته يحتاج إلى تربية، حتى يستطيع أن يتأقلم مع كل مرحلة، ويجتازها بنجاح.
التربية المسيحية بالمثل تمامًا ولكن هدفها الرئيسي مساعدة الشخص يكون في علاقة شخصية مع الله، أن يعرفه معرفه حقيقة، إنها سعي متكلين على نعمة الله ومعونته الدائمة لنكون شبه المسيح قولاً وفعلاً ” مشابهين صورة ابنه رومية 8: 29، 1كورنثوس3: 18
الفكرة الثالثة: دور الوالدين:
ما دور الوالدين حتى يحققوا غرض التربية ويجعلوا من أبنائهم صورة شبه المسيح؟
إدراك إننا وكلاء: أبناؤنا عطية منه، هم ملكًا له، لكن كوننا وكلاء فهذا معناه ثقة منه، ومسؤلية علينا.
اعلان احتياجنا لنعمة الله: نحتاج نعمة الله تعيننا، بدون نعمة الله نحن ولا شىء “بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئا” يوحنا15: 5.
-ادراك الهدف:لابد يكون هدف التربية المسيحية واضحًا في ذهن الوالدين والخدام بالكنيسة، فليس هدفنا نخلف عيال وخلاص كبقية خلق الله، وليس هدفنا تخريج اطباء وصيادلة ومهندسين ومحاسبين، وليس
هدفنا تخريج جيل حافظ آيات لكنه غير قادر على فهمها وتطبيقها، لكن هدفنا تخريج أبناء شبه المسيح، يمدوا ملكوت الله، يحبوا ربنا، متُصالحين مع أنفسهم، ومجتمعهم بيخدموا الآخرين، متزنين في كل جوانب حياتهم، ويعملوا كل أعمالهم لمجد الله.
–ادراك إننا قدوة ومثل: “أولادنا ها يطلعوا مش زى ما احنا عاوزين بل زي ما إحنا عايشين“.كلما عشنا أمامهم قدوة كنا بركة لا عثرة لهم. “وتكون بركة” تكوين 12: 2
كيف يكّون الأطفال صورهم الذهنية عن الله وأنفسهم والناس والأشياء من حولهم؟ أولادنا ها يعرفوا الله من خلالنا، وهذه الصورة ستبقى في ذهنهم وتتأصل لسنين طويلة ، فعندما نمارس معهم الأبوة الحقيقية سيصدقوا إن الله أب. وعندما نمارس معهم الغفران سيصدقوا إن الله بيغفر، وعندما نمارس معهم العطاء والرحمة والصدق سيعرفوا إن الله هكذا، لكن لو الوالدين دائما في حالة غضب ونرفزة صعب يصدق إن الله وديع، ولو كان الوالدين من الصعب ارضائهم ودائما يطلبوا المستحيل من أبنائهم فسوف يدركوا إن الله هكذا، ولو كنا دائما ما نسخر من شكلهم ومستوى ذكائهم صعب يصدقوا غن الله يقبلهم كما هم .
سئلت فتاة عن والدها فقالت إنه محب رقيق عطوف ولكنني اشعر إنه بعيد، وعندما سالوها عن الله اجابت انه محب رقيق عطوف ولكني أشعر انه بعيد. إنهم يعرفون الله من خلالنا .
كلما كان الآباء والأمهات يتمتعون بالاستفرار والانضباط والصدق في علاقتهم بالله وببعضهم، سيكون هناك إستقرار في علاقتهم بأطفالهم وسوف تكون صورة الله لدى الأطفال ثابتة ومستقرة ومتزنة والعكس صحيح. لو الوالدين غير مستقرين غير مبالين بعيدين مهملين لا يتجاوبون مسيئين لبعض والأبناء فان صورة لله لديهم سوف تكون مشوهة ومهزوزة، وسيكون الصراع مريرًا لتصحيح واستبدال تلك الصورة التي انطبعت في ذهنهم وهم بعد أطفال صغار. أعظم هدية تقدموها لأبنائكم عشان تقربوهم من ربنا وتحببوهم فيه وتكونوا بركة لا عثرة في حياتهم أن تحبوا وتحترموا بعض. أعظم هدية يقدمها الآب لآبنائه أن يحترم أمهم، وهكذا الأم أعظم هدية تقدمها لأبنائها أن تحترم أبوهم.
– المتابعة الروحية تابعوا معهم دروس التربية الكنسية بنفس اهتمامكم بدروس المدرسة، كونوا على علاقة بخدامهم فنحن شركاء معًا في التربية
– الإقتداء بأعظم مربي ومعلم
الرب يسوع أعظم مربي أعلن لتلميذه من هو الله وربطهم به، تعالو نأخد لمحة سريعة عن قيادة الرب يسوع سأشير لعدة جوانب في شخصية المسيح كمعلم ومربي:
قريب ومتاح- كان يخرج مع تلاميذه ويأكل، يقضي وقت خاص في الخلاء، يعرف كل واحد باسمه صفاته وخصائصه، يعرف ظروفهم يحس بهم يفرح مع الفرحان ويبكي مع الباكي(هذه هي الرعاية)
-قبلهم كما هم دون شروط، أحبهم حتى المنتهي، لم يحتقرهم أو يسخر منهم أو يهينهم.
ملحوظة الرب يسوع كأب ومُعلم كان فقيرًا ماديًا لكنه كان غنيًا روحيًا، قدموا لأبنائكم مع طعام الجسد التشجيع، والتقدير، والابتسام والاحترام فتبنوا نفسياتهم وأرواحهم وتمدوا جسورالثقة معهم من الآن .
– احترم محدوديتهم وضعفهم لم يطالبهم بأكثر من إمكانياتهم وطاقاتهم، ولم يجبرهم على شىء حتى تبعيته( مرة قال لهم ألعلكم أنتم أيضًا تريدون أن تمضوا؟” يوحنا6: 67 .
-احترم تميزهم فلم يقارنهم بأحد على الإطلاق لان كل شخص حالة خاصة من التميز والتفرد.
-استخدم في تعليمه صورًا من البيئة ليوضح أفكاره (الزارع، الخميرة، والشبكة والسمكة، الزنابق، الأسئلة) ومرات كان يجاوب اسئلتهم، ومرات يسألهم ويسمع أجوبتهم. كما كان متنوعًا في التعليم بين القصة والمثل والحوارات والوعظ فكان مشوقًا، انتهز المناسبات العامة والخاصة ليعلمهم.
– كان قدوة في كل شىء قبلما قال لهم اغسلوا أرجل بعض، أو أحبوا بعض، او اقبلوا المختلفين، هوعاش كدة. ثقوا إنه من السهل على أبنائنا تقليد افعالنا عن مواعظنا. كونوا قدوة أمامهم في الحب، والاحترام، والعطاء، والصدق، والأمانة، والغفران، والثقة في الله، كونوا قدوة لهم في الارتباط بالكنيسة (شعب الرب) والخدمة، صلوا معهم وأمامهم ومن أجلهم يوميًا. كونوا لهم صورا لا كلامًا.
-رأي ما يمكن أن يكونوا عليه في المستقبل. وتعامل معهم على هذا الأساس. كان يرى ما سيكون عليه بطرس ويعقوب ويوحنا لذا احتملهم وصبر عليهم، تجاوز حاضرهم وماضيهم ونظر لمستقبلهم، لا تركز كمربي على الماضي بل على المستقبل، تعامل مع الماضي كتعامل السائق مع ا المرآة ينظر للوراء لبرهة لا ليتوقف بل ليُصحح مساره.
طبيب يعالج لا قاضي يعاقب- لم يركز على الخطأ يضخمه او يعاقب عليه بل قدم العلاج (السامرية- الزانية- زكا- بطرس) هو الراعي الصالح يبذل نفسه يضع نفسه مكان الآخرين ولا يضحي بهم، القائد الخادم لا يسخر الآخرين لخدمته بل يسخر نفسه لخدمتهم، لا يسع كيف يسود على الانصبة بل كيف يضع نفسه عنهم .
قوي ومحب: الرب يسوع قائد محب لمن يقودهم وفي نفس الوقت قوي قادر أن يدافع عنهم ويحميهم من الذئاب ومخاطر الطرق، محبة – قوة= قلق وخوف لكن قوة + محبة = إطمئنان وسلام.
مرات ونحن نتابع مبارة في كرة القدم للفريق الذي نشجعه ونعرف ان لا عبًا معينًا سيقود الفريق نطمئن، ولو أحدنا بتجرى له عملية جراحية خطيرة ونعرف إن دكتور س هو رئيس الفريق الطبي نطمئن، الحياة رحلة لا تخلو من مخاطر، لكن ما يطمئننا إن القائد هو الرب يسوع وما يمزه إنه قائد قوي ومحب، فلنثق فيه، من يضع مخاوفه بين يديه يضع سلامه في قلبه.