
منقول من موقع
ghobrialrizkallah.org
لماذا يختص الرب سمعان
(مز 2) ، (يو 12 : 20 – 30 ، 17 : 6 – 26 ، 21 : 5 – 10) ، (لو 22 : 31و32)
“سمعان سمعان هوذا الشيطان طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة ولكني (يا سمعان) قد طلبت من أجلك لكي لا يفنى إيمانك، وأنت متى رجعت ثبت إخوتك”.
وفي صدى هذه الكلمات نسمع صدى صلاة السيد المسيح: “من أجلهم أنا أسأل، لست أسأل من أجل العالم (أيها الآب) من أجلهم أنا أسأل …. من أجل الذين أعطيتني لأنهم لك (أيه الآب) وكل ما هو لي فهو لك وما هو لك فهو لي وأنا ممجدٌ فيهم”، المجد للآب الذي يتطلب تمجيد الابن كما قال لتلاميذه عند خروج يهوذا ليسلمه بعد العشاء، اضطرب بالروح وقال: “الآن تمجد ابن الإنسان وتمجد الله فيه، فإن كان الله قد تمجد فيه فإن الله سيمجده في ذاته ويمجده سريعاً”.
“من أجلهم أنا أسأل”، “طلبت من أجلك (يا سمعان) …. وأنت متى رجعت ثبت إخوتك”، من أجل هؤلاء كانت صلاة السيد المسيح الكهنوتية في تلك الليلة، وفي ذات الليلة يقول: “من أجلهم أنا أسأل”، “لست أسأل أن تأخذهم من العالم بل أن تحفظهم من الشرير”، هذا الشيطان الذي طلبهم لكي يغربلهم، السيد المسيح أمام العرش مصارعاً من أجل الذين له ضد الشيطان، ضد التنين الأحمر، ضد الحية القديمة التي قتلت الإنسان بجملته منذ البدء، تلك الحية الذي هو إبليس، الشيطان ، التنين الأحمر، المصبوغ بالدم، دم القديسين، الممثل في إيزابل ويداها مصبوغتان بالدم، مصارعة في طلبٍ قدمه أمام العرش، يطلب الشيطان الغربلة لكي يغربل كالحنطة ويداس بالأرجل، ولأجل هذه الحنطة يصارع ابن الإنسان ضد هذا الشيطان أمام العرش، لأجلهم يسأل، يقدم الطلب أمام الآب ليحفظهم من الشرير لكي لا يفنى إيمانهم، ليكونوا محفوظين، لتكون الغربلة للتنقية، لأنه جاء لكي “يعمِّد بالروح القدس ونار ورفشه في يده” لكي يذرّي التبن وتبقى الحنطة مصونةً من تلك التذرية المهلكة فتُجمع إلى مخزنه أما التبن فيُحرق بنار.
أليست هذه هي الصورة بعينها في مثل الزوان، فقد زرع الشيطان في وسط الحنطة زواناً وجاء عبيد رب الحقل: ألست في حقلك زرعت زرعاً جيداً فمن أين له الزوان؟ “إنسانٌ عدوٌّ فعل هذا”، إذاّ لنذهب ونجمع الزوان، وهنا يخاف رب الحصاد، إله الحقل وصاحبه لئلا أولئك العبيد يجمعون الزوان مع الحنطة والحنطة مع الزوان ولا شك، فمن أين للعبيد أن يميزوا بين الزوان والحنطة، وكيف تُميَّز الحنطة من الزوان، لينموَا معاً حتى وقت الحصاد، فلنحذر أن نقول عن الزوان حنطةً وعن الحنطة زواناً، فلم تُعط لنا الحكمة، إذاً لمن؟ للملائكة، في أي وقت؟ في وقت الحصاد، فيرسل الله ملائكته ويرسل ابن الإنسان ملائكته في وقت الحصاد إلى حقله، إلى ملكوته فيجمعون الزوان أولاً، الأشرار يجمعونهم من وسط الحنطة فتتنقى الحنطة، فتبقى الحنطة وحدها نقيةٌ وتُجمع الحنطة إلى المخزن، أما الزوان فيُحرق بالنار، “يرسل ابن الإنسان ملائكته (إلى ملكوته) فيجمعون من ملكوته كل المعاثر (والأشرار) فاعلي الإثم، …. حينئذٍ يضيء الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم” الذي إليه ترجع كل الأمور، يرد المُلك لله الآب، لهذا يطلب السيد، هذا هو موضوع طلبه أن لا يفنى إيمان هؤلاء، أن يُحفظوا من الشرير إلى أن يضيئوا “كالشمس في ملكوت أبيهم”، في “أزمنة رد كل شيء” إلى الآب.
هل نستطيع أن ندرك هذه المحبة الأبوية الفائقة التي تجلت في ابن الإنسان الوحيد المحبوب، بل في ابن الله الأبدي نحو الذين له، وهذا هو السبب، لماذا هذا الفداء العجيب؟ لماذا هذا الاهتمام بالطلب؟ لأنهم أُعطوا للابن من الآب، فلأجل الذين أُعطوا للابن من الآب الابن يسأل أمام الآب، إذاً فالطلب مقدس، إذاً فالطلب مجاب، إذاً فلا بد أن السؤال يُعطى لأنهم هم الذين أعطاهم الآب لابنه والذين قدس الابن ذاته لأجلهم. فماذا يظن الشيطان أن يفعل؟ ألا يخدع، “هل وضعت قلبك على عبدي أيوب لأن ليس مثله في كل الأرض” بارٌ ومستقيمٌ ويبتعد عن الشر، هوذا أمامك افعل ما شئت لكن إلى نفسه لا تلمس. وأوذيَ في جسده وماله أياماً طويلة، وقد سمعنا بصبر أيوب ورأينا عاقبة الرب إلى أيوب، أُعيد مجده، إلى أيوب أُعيد كل ما كان له، إلى أيوب أٌعيد نسله، أولاده، إلى أيوب أُعيد بل أكثر، إلى أيوب، زيد في أيوب، زيد الإيمان وقال: “بسمع الأذن سمعت عنك أما الآن فقد رأتك عيني”.
وهنا القدرة فلو استسلم بطرس للشيطان وأنكر سيده ثلاث مراتٍ وكان افتخاره باطلاً وشراً وكان الشيطان قد نجح إلى أن قاده إلى بحر طبرية وقال لإخوته الذين قال له: “ثبِّت إخوتك”، قال لهم: “أنا أذهب لأتصيد”، كانوا سبعة وهو واحدٌ منهم ورئيسهم، بعد أن عاد من صيد السمك إلى صيد الناس عاد إلى صيد السمك. لم يكن يعلم أنه في تلك الحيرة ستغرق كل أفكاره وسيُقضى على كل شروره وسيكون سر نجاح التلاميذ في تلك البقعة.
ألا نعلم أن ظهور السيد المسيح عند بحر طبرية لسبعةٍ من التلاميذ هم: بطرس، أندراوس، يعقوب، يوحنا، برثولماوس، فيلبس، توما، فالظهور على بحر طبرية كان أول ظهورٍ في الجليل وكان الظهور السابع منذ القيامة وكان الظهور الثالث للتلاميذ أجمع مجتمعين، ولكنه كان الظهور الأول الذي أشار إلىه، يحذر بطرس والتلاميذ، قال لهم: “أسبقكم إلى الجليل” بعد القيامة، هذا هو الظهور الذي وعد به، هو الأول في الجليل والثالث للتلاميذ والسابع بعد ظهوره للأخرين.
وقد ذكَّرهم الملاك إذ أرسل رسالةً من بستان جسثيماني بل بالحري من عند القبر من بستان الرامي، أرسل رسالةً مع النساء: قولوا لإخوته: “أنه قام من الأموات وها هو يسبقكم إلى الجليل” كما قال لكم، هذا هو الظهور الأول حسب الوعد، هنا خاب رجاء الشيطان وغرقت كل حيله في ذلك البحر عندما قال الرب لبطرس الذي قال له: “طلبت من أجلك لكي لا يفنى إيمانك” مذكراً إياه بإنكاره ثلاث مراتٍ “يا سمعان بن يونا”، كما قال له: “سمعان سمعان هوذا الشيطان طلبكم”، وقد سأل أن يحفظهم الآب من الشرير والآن هو أمامهم ليعيد إليه طلبه: “يا سمعان بن يونا أتحبني”، حزن بطرس لأنه قال له ثلاث مرات، وهل نسيَ أنه أنكره ثلاث مرات، هنا هو أمامهم ليعيد إليه مجده، لا إلى سمعان، بل إلى بطرس الذي قال له: “أنت ابن الله الحي”، كل ذلك لكي يقوي الآخرين ويثبِّت إخوته، ويرعى خرافه ويكون رسول الختان مع الأيام، سرٌّ يكشفه الروح في الكتب المقدسة، لا في أفكار البشر ولا في تعاليم البشر ولا في عبادة البشر، في الكتب المقدسة، لا بحكمةٍ بشريةٍ كما قال بولس: “نتكلم بحكمة الله في سرٍّ”، لا فلاسفة موجودين ولا راقدين ولا أعظم فلاسفة العالم، بحكمة الله في سر، “الحكمة المكتومة … قبل كل الدهور لمجدنا، التي لم يعلمها أحدٌ من عظماء هذا الدهر لأن لو عرفوا لما صلبوا رب المجد”.
ففي الصليب حكمةً، أليس العار، أليس الاحتقار، أليس اللطم واللكم والتفل، أليس الدق بالمسامير والضرب بالحربة، أليس الجلد والشوك على الرأس، هنا حكمةٌ تفوق كل حكمة، حكمة الله في سرٍّ، “الحكمة المكتومة التي سبق الله فعينها قبل كل الدهور لمجدنا”، هذه الحكمة أتت بالإعلان لذلك يقول الرسول مراتٍ: “هوذا سرٌّ أقوله لكم”.
فلنحذر فكر البشر وترتيبات البشر ولنتبع الكتب المقدسة حتى يفتح الله الأذهان ليعرفوا كل ما كُتب عن المسيح في الكتب المقدسة.
الأحد 25 / 7 / 1976