فهرس الموضوع

منقول من موقع
ghobrialrizkallah.org
لم يُظْهر بعد ماذا سنكون
(1 يو 3 : 2)
“الآن نحن أولاد الله” هكذا يقول الرسول: “الآن نحن أولاد الله ولم يظهر بعد ماذا سنكون”.
نحن الآن، وماذا سنكون بعد، الآن نحن أولاد الله ماذا سنكون بعد؟ لم يظهر إلى الآن، ولكننا نعلم أننا سنكون مثله لأننا سنراه بالعيان.
قبل أن يقول الرسول: “الآن نحن أولاد الله” أرانا كيف صرنا أولاد الله في الآية الأولى: “فانظروا أية محبة أعطانا الآب حتى نُدعى أولاد الله”، فالأمر يرجع كله إلى الآب، لنصير أولاد الآب، وهل نعرفه؟ وهل نفتكر فيه؟ وهل نخاطبه؟ لما قصد السيد المسيح أن يُعلِّم التلاميذ الصلاة قال لهم: “صلوا أنتم هكذا أبانا الذي في السموات”، هل نصلي إلى أبينا كأولادٍ يأتون إلى أبيهم ويقولون أبانا الذي في السموات؟ أم كيف نصلي؟
وهل نعرف أن نصلي ونحن لا نأتي إلى أبينا الذي هو أحبنا، هو الذي أرسل ابنه، هو الذي بذل ابنه، هو الذي لم يُشفق على ابنه لأجلنا، هل نأتي إليه؟ هو الذي دعانا أولاد الله: “انظروا أية محبة أعطانا الآب حتى نُدعى أولاد الله”.
ماذا تكون نسبتنا إلى يسوع المسيح وهو ابن الله الوحيد، فقد دعانا الآب لنكون إخوةً لابنه، “الابن الوحيد” الذي هو “بكرٌ بين إخوةٍ كثيرين”، هذه نسبتنا، هل نعرفه؟ وأخشى أن لا نعرف نسبتنا إلى الآن، لا نعرف أبانا فلا نعرف أخانا، “ليرى الناس أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات”، جاء المسيح ليُعرِّف الناس بالآب وليُظهر اسم الآب للناس، “أيها الآب البار إن العالم لم يعرفك”، “أنا أظهرت اسمك للناس” وسأٌعرِّفهم اسمك.
هل عرفنا اسم الآب الذي أتى المسيح ليعرفنا به؟ وهل نصلي إلى الآب، وإلى من نصلي ونطلب؟ “انظروا أية محبة أعطانا الآب حتى ندعى أولاد الله”، وهذه الدعوة، أولاد الله، مبنية على الآية الأخيرة في الأصحاح الثاني: “كل من يفعل البر هو مولودٌ منه (من الله)”، فالابن مولودٌ من الآب ونحن أولاد الله مولودين من الله، والآب نفسه أبونا، وعندما يقول الرسول الآن نحن أبناء الله أي مولودين من الله، ولدنا، “مباركٌ الله أبو ربنا يسوع المسيح (الله الآب) الذي حسب (محبته) رحمته الكثيرة ولدنا ثانية لرجاءٍ حيّ”، هو الله أبو ربنا يسوع المسيح، إذاً هو الله أبونا.
وهل نعرف أبانا؟ أخشى أن لا نعرفه فتكون عبادتنا باطلة لأننا لا نعرف كيف نتقدم في عبادتنا إلى الآن، مولودين على أننا أبناء ليس بالولادة فقط بل بالتبني، “اختارنا فيه (في المسيح) قبل تأسيس العالم لنكون قديسين وبلا لومٍ قدامه في المحبة إذ سبق فعيننا للتبني بيسوع”، ونحن خطاة ونحن في الفساد، ونحن مولودين بالطبيعة الفاسدة، ونحن أبناء الغضب أصلاً، اتخذنا لنفسه أبناء، تبنانا كما يتبنى أي إنسانٍ لقيط في الشارع، ليس مولوداً منه ولكنه غريب وأجنبي يتخذه لنفسه ابناً، هذا هو التبني.
هكذا فعل معنا الله، ونحن أجنبيون وغرباء لاصلة لنا به، أولاد إبليس في الخطية، في الفساد، ونحن في هذه الحالة تبنانا، اتخذنا له أبناء وجعلنا له ورثة، ولكن لا لنبقى في فسادنا، لذلك إذ تبنانا لنفسه وبررنا من خطايانا “ولدنا ثانيةً” من فوق وصرنا أولاد بالتبني وبالولادة، “ولدنا ثانية لرجاءٍ حيّ بقيامة يسوع من الأموات”، “مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح”، لذلك يقول لنيقوديموس: “إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يدخل ملكوت السموات”، إن كان أحد لا يولد من فوق لا يستطيع أن يرى ملكوت السموات، الولادة من فوق لنكون أبناء الآب “لنكون قديسين نظير الآب الذي دعانا”، “كونوا كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل”.
الآن، أيها الأحباء نحن أولاد الله لأن الآب أحبنا وتبنانا، ولدنا ثانيةً، الله أبو ربنا يسوع المسيح. وإن كنا قد عرفنا نسبتنا إلى الآب، لنعبد الآب في ابنه الحبيب، وكأولاد الله فعلينا “نظير القدوس” الذي دعانا لنكون أولاد، أن نكون قديسين “مولودين من فوق” نحن هكذا الآن، هذه هي نسبتنا أولادٌ للآب، إخوةٌ للمسيح “لأن الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه ليكون هو بكراً بين إخوةٍ كثيرين”، “كل عطيةٍ صالحةٍ وكل موهبةٍ تامةٍ هي من فوق نازلة من عند أبي الأنوار الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران”، “شاء فولدنا بكلمة الحق لنكون باكورةً من خلائقه”.
الآن نحن أولاد الله، هل نعرف هذه النسبة ونسبتنا إلى أبينا وإلى أخينا البكر ونعرف من نحن؟
لكن الرسول يقول: “لم يُظهر بعد ماذا سنكون؟”، هذا أمرٌ لم يظهر بعد، ولكن سيظهر وسيأتي وقتٌ فيه يظهر ويظهره الله، وهذا الوقت عندما يأتي وعندما يظهر ماذا سنكون، سنكون في هذه الحالة المجيدة، سنكون مثله، هذا يُعلّمه الكتاب، توجد أشياءٌ لم تظهر بعد، جسد القيامة لم يظهر بعد، ولكن لا نعلم ماذا سيكون؟ “يُزرع في فسادٍ ويقام في عدم فسادٍ، يُزرع في ضعفٍ ويقام في قوة، يُزرع في هوانٍ ويقام في مجدٍ، يُزرع جسماً حيوانياً ويقام جسماً روحانياً”، وكما لبسنا صورة آدم الترابيّ سنلبس صورة آدم السماويّ، صورة المسيح كما يقول الكتاب، وتوجد أشياء نحن نعلمها بالإعلان ولكنها لم تظهر بعد، ولكن سيأتي الوقت الذي فيه تظهر، “نحن الآن أولاد الله ولكن لم يظهر بعد ماذا سنكون”، وهنا أمران متلازمان:
نراه فنكون مثله، نكون مثله لأننا سنراه. هنا تفاعل بين الرؤية والمثال، نراه فنتغير، نكون مثله فنراه.
نراه فنتغير “ونحن جميعاً ناظرين مجد الرب كما في مرآةٍ نتغير من مجدٍ إلى مجدٍ إلى تلك الصورة عينها” وهذا التأثير الفعال، نراه فنتغير، نراه كما في مرآة وجهاً لوجهٍ كما يرى الإنسان نفسه في المرآة، هذه الرؤيا لها تفسيرها، إذا استطعنا أن نرى مجد المسيح في كتابه المقدس، ونحن نبحث ونتأمل وندرس ونتعمق، يتجلى المسيح أمامنا، وتأثير هذا التجلي أننا نحن ينطبع علينا ذلك المجد، في قلوبنا ليطهر حياتنا، وفي وجوهنا وتُعلَم حياة المسيح فينا. كلما تأملناه في مجده، في بهائه، في عظمته، ينعكس هذا المجد والجمال علينا، ينعكس هذا المجد الذي فيه ينعكس هذا البهاء في أنفسنا وفي حياتنا.
نزل موسى من الجبل ولم يكن يعلم أن جلد وجهه يلمع فرآه الشعب وخافوا وابتعدوا عنه، ما بالكم خائفين؟ ألست تعلم يا موسى أن جلد وجهك لامع مذهب، لم أكن أعلم، فوضع البرقع على وجهه فاقترب الشعب وكان يكلمهم، من أين لمع وجه موسى؟ لأنه كان أربعون يوماً في الجبل يكتب الشريعة ويأخذها من الذي كتبها وجهاً لوجه، أمام المسيح ابن الله أربعون يوماً فلا عجب إذ انعكس بهاء مجد المسيح على وجه موسى.
بهذه الصورة نراه فينعكس مجده وبهاؤه علينا وتلمع وجوهنا من تأثير حياة القداسة، كلما فحصنا مجد المسيح وتأملنا فيه، في حياته، في جماله، في بهائه ينعكس هذا البهاء علينا، إلى أن نراه وجهاً لوجه في السماء فنتغير، وتتغير الصورة تغيُّراً كاملاً بالروح القدس، وفي ذلك الوقت نكون مثله لأننا سنراه، نراه لأننا سنصير مثله نستطيع أن نرى بهاءه، ولا نهرب من وجه موسى، لأن وجوههم لم تكن لامعة فلو لمعت وجوههم لرأوه كما هو، لو صاروا مثله لرأوه ولم يخشوه، فنحن أيضاً سنصير مثله، فلا نخاف أن نرى يسوع بالرؤيا المجيدة.
نراه فنتغير ونصير مثله، نصير مثله فنستطيع أن نقترب إليه ونتحدث معه ونعيش معه، هذا ما سيكون فيما بعد.
إذا ماذا علينا؟ علينا أن نستعد لهذا المظهر المجيد لأننا نكون في حالةٍ نتغير فيها من مجدٍ إلى مجدٍ لنصير إلى هذا المجد عينه، عندما نصل إليه نكون في استعدادٍ لأننا سنكون مثله ونكون مثله لأننا سنراه.
ولكن الكلمة لا ترجع إلى يسوع فارغة إننا نعلم أنه إذا أظهر سنكون مثله ويرجع هذا إلى الآب “انظروا أية محبة أعطانا الآب حتى نُدعى أولاد الله” هل نقدر أن نرى الآب؟ الجواب سلباً وإيجاباً.
سلباً في القول: “الله لم يره أحدٌ قط”، “الإنسان لا يراني ويعيش”، “الذي له وحده عدم الموت ساكنٌ في نورٍ لا يُدنى منه”، “الذي لم يره أحد”.
إيجاباً في جواب السيد المسيح لسؤال فيلبس: “الذي رآني فقد رأى الآب” سأله فيلبس: “ياسيد أرنا الآب وكفانا” قال له المسيح: “أنا معكم زماناً هذا مقداره ولم تعرفني يا فيلبس، الذي رآني فقد رأى الآب”، “الآب الحال فيَّ”.
إذاً نرى الآب وهو الذي نراه في ابنه الذي سنصير معه ونلبس صورته في المجد، فإن كنا في المسيح وإخوةً للمسيح، وورثةً مع المسيح نكون ورثة لله الآب، ونرى الله الآب، ونكون مثل الله الآب في المسيح يسوع، هل نعرف هذه النسبة المقدسة؟.
ليكشف الرب عن عيوننا لنرى مجده وجماله ونتغير إلى تلك الصورة عينها.
18 / 2 / 1970