
منقول من موقع
ghobrialrizkallah.org
مدينة الله
(مز 46 : 4)
“نهرٌ سواقيه تفرِّح مدينة الله مقدس مساكن العلي”.
نهرٌ، “نهرٌ سواقيه تفرح مدينة الله” مدينة إلهنا، “جميلٌ الارتفاع فرح كل الأرض جبل صهيون، فرح أقاصي الشمال مدينة (الله) الملك العظيم” المزمور الثامن والأربعون العدد الأول والثاني، “قيل بك أمجادٌ يا مدينة الله”، المزمور السابع والثمانون والعدد الثالث، “بل قد أتيتم إلى جبل صهيون إلى مدينة الله الحي أورشليم السماوية”، الرسالة إلى العبرانيين الأصحاح الثاني عشر والعدد الثاني والعشرون، مدينة الله هي مدينة ليست خيمة، والخيمة تُنقض، “إن نُقض بيت خيمتنا الأرضي فلنا في السموات بناءٌ من الله”، مدينة لا تُنقض، “المدينة لها الأساسات التي صانعها وبارئها الله”، أية مدينةٌ هي؟ ما هذه المدينة التي هي عنوان المدينة الحقة، المدينة السماوية لا من الأرض، أية مدينةٌ هي؟
في بدء التاريخ، تاريخ الجنس البشري، نقرأ عن مدينة بنتها يدٌ ملوثةٌ بالدم، يد قاتلٍ أثيمٍ، المدينة التي بناها قايين بعد أن قتل أخاه وسفك دمه وتلوثت يداه بالدم، يد قاتلٍ أثيمٍ، المدينة التي بناها قايين، وابتعد عن الله، مدينةٌ بعيدةٌ عن الله بناها رجلٌ مطرودٌ من أمام الله، بَنَتها أيدٍ ملوثةٌ بالدم، بالإثم والخطية والشر، جرف الطوفان هذه المدينة مع كل أشرار الأرض أيام نوح ولا أثر لمثل هذه المدينة.
على أنه بعد الطوفان قام رجلٌ متمردٌ واسمه نمرود أراد أن يبني مدينةً متمرداً على الرب، يريد أن يجعل لنفسه اسماً عالياً ليكون سلطان الأرض كلها، ليكون ملكاً مستأثراً بالمُلك، لا يعرف الله، متمرداً عليه، على العزة الإلهية، فنزل الرب المجيد من السماء، وكأنه يقول له: ماذا تريد أن تفعل يا نمرود؟ ألست تعلم أنه يوجد ربٌ عظيمٌ يستطيع أن يبلبل الألسن ويبدد الناس على كل وجه الأرض فيبيدهم، وسُميت المدينة بابل، بلبلة الألسنة، وكانت آخر مدينة بناها حنوك مدينة الحنكة والحكمة، أين بابل؟ أين هي؟ فد انتهى أثرها، على أنه بقيت مدينةٌ ثالثة هي أورشليم وكان اسمها مثلث (لها ثلاثة أسماء) يبوس، أورشليم، صهيون، كانت حصناً وجبلاً حصيناً، مرتفعات شاهقة في أرض الموعد، كانت حصناً لقبيلة اليبوسيين الذين طردهم الرب من أرض الموعد ليعطيها لشعبه إسرائيل، ووقع الحصن في قرعة يهوذا السبط الملكي الذي اُعطيَ المُلك وبقيَ هذا الحصن حصيناً من أيام يشوع إلى أيام داود الملك لم يقدر يهوذا أن يأخذ هذا الحصن من اليبوسيين فبقيَ في أيديهم وكانوا في وسط هذا النصيب حصناً قوياً لا يستطيع يهوذا أن يأخذه إلى أن جاء داود وأخذ الحصن وأخضع اليبوسيين وملك يهوذا وكل القرعة التي كانت له، وكان اسم الحصن يبوس نسبةً إلى اليبوسيين، واليبوسيين انتسبوا إليه، ولكن أُخضع هذا اليبوسي العنيد وأُخذ هذا الحصن يبوس بيد داود وصار ملكاً ليهوذا في تلك الأيام.
وكان يُسمى أيضاً أورشليم ولكن داود سماه حصن صهيون مدينة داود، “جميلٌ الارتفاع فرح كل الأرض جبل صهيون فرح أقاصي الشمال (كل الأرض) مدينة الملك العظيم”، “قيل بك أمجادٌ يا مدينة الله”، “نهرٌ سواقيه تُفرِّح مدينة الله”، هذه هي المدينة، هل نعرف هذه المدينة؟ “المدينة التي لها الأساسات، التي صانعها وبارئها الله”، لم تؤسسها يدٌ بشريةٌ، لم يدخل في تصميمها فكرٌ إنسانيٌّ، إنها مدينة الله، “صانعها وبارئها الله”، لا هندسة لإنسان ولا إصبع لبشر، أعدها الله، هي المدينة التي كانت ينتظرها إبراهيم حسب الوعد، عاش غريباً في أرض الموعد ساكناً في خيام عالماً أنه غريبٌ ناظرٌ إلى “تلك المددينة … التي صانعها وبارئها الله”، عاش هكذا مع إسحق ابنه ويعقوب حفيده، “أقروا بأنهم غرباء ونزلاء في الأرض”، أرض الموعد، كان يمكن أن يرجعوا إلى وطنهم في ما بين النهرين التي منها دُعوا فخرجوا ولكنهم كانوا ينتظرون “وطناً أفضل أي سماوياً لذلك لا يستحي الله بهم أن يُدعى إلههم” قائلاً: “أنا إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب”، لأنه أعد لهم مدينةً لا أرض الموعد ولا أورشليم الحاضرة.
أولا نعلم أن “أورشليم الحاضرة .. مستعبدة مع بنيها”، التي يدعونها مدينة القدس، إنها عنوان جبل سيناء كما يقول الرسول بولس: “لأن هاجر (هي) جبل سيناء في العربية”، هاجر جارية سارة، هاجر التي أُعطيت لإبراهيم زوجةً، هاجر الجارية هي جبل سيناء في العربية مستعبداً للخوف، عبيد، موسى النار تأكلنا، الرعود مزعجة، النيران متقدة، الأمر شديدٌ، من يمس الجبل يُقتل ويُرجم، الأوامر مخيفةٌ، والمنظر مرعبٌ، تكلم أنت يا موسى معنا، كن وسيطاً بيننا وبين الله، لا يكلمنا الله لئلا نموت، عبودية للخوف من الموت، يقابله أورشليم الحاضرة التي يسمونها القدس فإنها “مستعبدة مع بنيها” للناموس ولجبل سيناء حتى موسى قال: أنا خائف “أنا مرتعدٌ ومرتعبٌ”، رعبٌ وخوفٌ، فقد انتهى يبوس وانتهت أورشليم، وماذا يبقى؟ لا تزال المدينة لا في قرعة يهوذا ولا في أرض كنعان، مدينة أعدها الله، “صانعها وبارئها الله”، “مدينة الملك العظيم” لا داود، ابن داود الذي أخذ كرسي داود “وجلس عن يمين العظمة”، هذه مدينةٌ هو صانعها، هو بارئها، هو أعدها.
أتعرفون هذه المدينة؟ ما هي؟ “من هي المشرفة مثل الصباح” يقول منشد الأناشيد، “من هي المشرفة مثل الصباح”، مشرفة تطلع، “جميلة كالقمر”، بهاءٌ ومجدٌ، “طاهرةٌ كالشمس”، نقاوةٌ وبراءةٌ تامةٌ، “مرهبةٌ كجيشٍ بألوية”، تجتاح ميدان الحرب وتهزم جيوش الأعداء وتكسر قوات الجحيم فيهرب إبليس وملائكته منهزمين، هذه هي الصخرة، الكنيسة المبنية على تلك الصخرة، “أنت بطرس وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها”.
هذه هي كنيسة الله التي اقتناها، “اقتناها الله بدمه” كما يقول الرسول بولس: “لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه”، هذه هي المدينة التي لها الأساسات المثبتة، وهل نقدر أن ندرك أمجادها؟ “قيل بك أمجادٌ يا مدينة الله”، قيل بك أمجاد يا كنيسة الله، هل نقدر أن ندرك أمجادها أين هي؟ أهي هذه الكنائس المنظورة التي نقول أنها كنائس وأنها تحارب بعضها بعضاً والتي كلٌّ منها يفتخر بتقاليده وعبادته وكلنا ينتسب إليها، أهذه هي الكنيسة؟ أهذه هي المدينة التي صانعها وبارئها الله؟ إنها كنيسةٌ واحدةٌ، أين هي؟ مدينةٌ غير منظورة.
“مستحقٌ أنت أن تأخذ السفر” أيها “الخروف القائم كأنه مذبوح الذي له سبعة قرونٍ وسبعة أعينٍ هي سبعة أرواح الله المرسلة إلى كل الأرض”، “مستحقٌ أن تأخذ السفر (من يمين الجالس على العرش) وتفتح ختومه السبعة لأنك ذُ بحت واشتريتنا لله من كل قبيلةٍ ولسانٍ وشعبٍ وأمةٍ”، كنيسةٌ واحدةٌ تتألف من أفرادٍ عديدين، لا جماعاتٍ، من أفرادٍ، من كل أمةٍ في العالم من كل لسانٍ في الأرض، ومن كل قبيلةٍ شرقاً وغرباً، ومن كل شعبٍ شمالاً وجنوباً، الكنيسة، هل تعرفون من هي؟ هي عروس المسيح، المدينة، مدينة الله، “مدينة الملك العظيم”، الكنيسة هي تلك العروس المجيدة التي أعدها الآب لابنه واقتناها الابن بدمه واشتراها لنفسه وطهرها وغسَّلها بغَسل الماء بالكلمة بالروح والحق.
هكذا رآها الرائي يوحنا وقال: “نظرت وإذا جمعٌ كثيرُ لم يستطع أحدٌ أن يعده من كل الأمم والشعوب والقبائل والألسنة واقفون أمام العرش وأمام الخروف متسربلين بثيابٍ بيضٍ (أنقياء أطهار) وفي أيديهم سعف النخل”، معيدين عيد المظال الأبدية، من هم؟ ومن أين أتوا؟ صارخين لإلهنا الجالس على العرش، من هم؟ ومن أين أتوا؟ سأل أحد الشيوخ هذا السؤال ليوحنا: “من هم؟ ومن أين أتوا؟” هل نعرف من هم؟ “هؤلاء هم الذين أتوا من الضيقة العظيمة وقد غسَّلوا ثيابهم وبيَّضوا ثيابهم في دم الخروف من أجل ذلك هم أمام عرش الله يخدمونه نهاراً وليلاً في هيكله، والجالس على العرش يحل فوقهم (فهم تحت المظال الأبدية يعيدون عيد المظال) لن يجوعوا بعد ولن يعطشوا بعد ولا تقع عليهم الشمس ولا شيءٌ من الحر لأن الخروف الذي في وسط العرش يرعاهم … ويمسح الله كل دمعةٍ من عيونهم”.
هل عرفنا هذه المدينة؟ هذه الكنيسة؟ ومن أين هي؟ ومن أين تأتي؟ ومن هي؟ وكيف أتت؟
فلنسمع ولنُصغِ، هي العروس التي أعطاها الآب لابنه من كل أمةٍ وقبيلةٍ ولسانٍ وشعبٍ، وهذه العبارة مكررة مراراً عديدة في الكنيسة المقدسة وأريد الا ننساها، العروس هي أخت المسيح، هي عروسٌ له وهي أختٌ له، وهل نرى النهر يجري فيها، “أختي العروس جنةٌ مغلقة”، وعندما صنع الرب الجنة في بدء الخليقة أعد نهراً جرى في وسطها لريها لتثمر فراديس وأثماراً شهيةً، “جنةٌ مغلقةٌ عينٌ مقفلةٌ ينبوعٌ مختومٌ”، فردوسٌ كله أثمارٌ شهيةٌ، مدينةٌ ما أمجدها! “قيل بك أمجادٌ يا مدينة الله”.
وهل نحن نرنم المزامير وفيها عددٌ لا يُحصى عن هذه المدينة، هل نعرف بماذا نغني؟ أبأشعار البشر أم بمزامير الوحي المقدس؟ “نهرٌ سواقيه تفرح مدينة الله”، مدينة إلهنا، “جميلٌ الارتفاع فرح كل الأرض جبل صهيون فرح أقاصي الشمال، مدينة الملك العظيم”، إذاً ما أعظم الفرح وما أسمى الابتهاج.
لأنكم لم تأتوا إلى أورشليم الأرضية إلى جبل سيناء إلى جبلٍ ملموسٍ مضطرمٍ بالنار، إلى زوبعةٍ وبروقٍ ورعودٍ وصوت بوقٍ وهتافٍ “وصوت كلماتٍ استعفى الذين سمعوه من أن تزاد لهم كلمة”، فالمنظر كان هكذا مخيفا، حتى قال: “بل قد أتيتم، (يا للفرح ويا للبهجة)، إلى جبل صهيون، وإلى مدينة الله الحي أورشليم السماوية، وإلى ربواتٍ هم محفل ملائكةٍ، وكنيسة أبكارٍ مكتوبين في السموات، وإلى الله ديان الجميع، وإلى أرواح أبرار مكمَّلين، وإلى وسيط العهد الجديد يسوع، وإلى دم رشٍ يتكلم أفضل من هابيل”، مدينةٌ سباعيةٌ، وهذه هي السابعة: “دم رشٍ يتكلم أفضل من هابيل”.
هذا هو جبل صهيون الذي به نتغنى، الجبل الذي يملأ كل الأرض بالفرح والبهجة “جميلٌ الارتفاع فرح كل الأرض جبل صهيون، فرح أقاصي الشمال مدينة الملك العظيم”، هل نسمع الدعوة؟ هل نقول نحن إنجيليون؟ هل نقول نحن خمسينيون؟ هل نقول نحن رسوليين؟ هل نقول نحن أرثوذوكس؟، وقس على ذلك.
هل نقول نحن عروس المسيح المختارة المقدسة المطهرة؟ سؤال لا كجماعة بل لكل فردٍ منا ليسأل نفسه: هل أنا من هذه العروس؟ هل أنا شخصٌ فيها؟ هل أنا من أعضائها؟ لا كنيسة على الأرض، الجامعة لكل أمم الآرض “المدينة التي لها الأساسات التي صانعها وبارئها الله”.
بورسعيد الأحد 6 / 8 / 1980