تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » الأرشيف » مفهوم العهد فى الكتاب المقدس

مفهوم العهد فى الكتاب المقدس

god, jesus, christ

الكاتب

 القس حنا مجلي

راعى الكنيسة الإنجيلية بالسنبلاوين

سنودس النيل الإنجيلي 

الكنيسة الإنجيلية المشيخية بمصر 

ميثاق الله مع نوح

قطع الله على نفسه عهدًا في صالح نوح وبنيه والحيوانات التي خرجت من الفلك، ومضمون هذا العهد كان الخلاص وعدم الهلاك، خلاص نوح وبنيه من الهلاك بالطوفان.

عندما ازداد شر الإنسان وبلغ عنان الله، وسفكت الدماء على الأرض بكثرة، دماء حروب بني الإنسان بعضهم ببعض. لم يكن في هذا العصر قانون إلا قانون الغاب، القانون الذي يفرضه الأقوياء على الضعفاء. قرر الله بوضع نهاية للشر المتفشي على الأرض، بصفته الحاكم الأعلى والقاضي والديان المتسلط في مملكة الناس، وبصفته أيضًا خالق هذه الأرض، والمسؤول الأول عنها.   13فَقَالَ اللهُ لِنُوحٍ: «نِهَايَةُ كُلِّ بَشَرٍ قَدْ أَتَتْ أَمَامِي، لأَنَّ الأَرْضَ امْتَلأَتْ ظُلْمًا مِنْهُمْ. فَهَا أَنَا مُهْلِكُهُمْ مَعَ الأَرْضِ. (تك 6: 13)

وليعلم يقينًا كل إنسان، أنَّ شره لا يؤثر فقط عليه؛ بل على كل المحيطين به، وليس هذا فقط بل أيضًا على كل ما تمتد إليه يده. ويؤثر الشر أيضًا على الأرض التي نعيش عليها. وليتيقن القارئ أيضًا، أن شر الإنسان يفسد الأرض وينزع بركتها وخيرها ويؤثر في انتاجيتها. فالشر عنصر غريب على النظام البيئي، وليس عنصرًا جوهريًا فيها.

عندما قرر الله أن يهلك كل إنسان على وجه الأرض ماعدا عائلة نوح المكونة من ثمانية أفراد؛ لم يقرر فقط بهلاك البشر بل أيضًا بهلاك الأرض. يقول الله: “فها أنا مهلكهم مع الأرض”. للأسف، الأرض تحصد ما يزرعه الإنسان فيها من شر، ويطبق الله عليها حكمه بالهلاك. لكن يجب أن نعلم أن الهلاك هنا ليس هلاكًا للأرض التي خلقها الله وتعهد ببركتها، ولكن هلاكًا للشر والفساد الذي اخترق أنظمتها. فكان الطوفان الذي أهلك كل ما هو موجود على سطح الأرض، بمثابة تجديد للأرض وفداءً لها.

إن الله إلهًا منعم رحوم، يكره الشر؛ لكنه طويل الروح وكثير الرحمة. 6اَلرَّبُّ مُجْرِي الْعَدْلِ وَالْقَضَاءِ لِجَمِيعِ الْمَظْلُومِينَ. 7عَرَّفَ مُوسَى طُرُقَهُ، وَبَنِي إِسْرَائِيلَ أَفْعَالَهُ. 8الرَّبُّ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، طَوِيلُ الرُّوحِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ. 9لاَ يُحَاكِمُ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَحْقِدُ إِلَى الدَّهْرِ. 10لَمْ يَصْنَعْ مَعَنَا حَسَبَ خَطَايَانَا، وَلَمْ يُجَازِنَا حَسَبَ آثامِنَا. 11لأَنَّهُ مِثْلُ ارْتِفَاعِ السَّمَاوَاتِ فَوْقَ الأَرْضِ قَوِيَتْ رَحْمَتُهُ عَلَى خَائِفِيهِ. 12كَبُعْدِ الْمَشْرِقِ مِنَ الْمَغْرِبِ أَبْعَدَ عَنَّا مَعَاصِيَنَا. 13كَمَا يَتَرَأَفُ الأَبُ عَلَى الْبَنِينَ يَتَرَأَفُ الرَّبُّ عَلَى خَائِفِيهِ. 14لأَنَّهُ يَعْرِفُ جِبْلَتَنَا. يَذْكُرُ أَنَّنَا تُرَابٌ نَحْنُ. (مزمور 103: 6-14)

لقد دبر الله قضاءً على الأرض بالطوفان لكنه في نفس الوقت دبر خلاصًا على الأرض بواسطة نوح وبنيه. إن الهلاك والخلاص يسيران جنبًا إلى جنب في كل صفحات الكتاب المقدس. فمياه الطوفان التي أغرقت ومحت الأشرار من على وجه الأرض هي أيضًا نفس المياه التي رفعت الفلك. فنفس الوسيلة التي يستخدمها الله للهلاك هي نفسها الذي يستخدمها للخلاص. فكما أرسل الله حيات تلدغ الشعب الشرير في البرية، أمر موسى برفع حية نحاسية مَنْ ينظر إليها بإيمان يحيا. وصلب المسيح الذي خلَّصَ العالم كله هو نفسه أداة الهلاك في يد الله، لأنَّ الله لا يفرط في دم ابنه لكل من رأوا هذا الدم دنسًا. 29فَكَمْ عِقَابًا أَشَرَّ تَظُنُّونَ أَنَّهُ يُحْسَبُ مُسْتَحِقًّا مَنْ دَاسَ ابْنَ اللهِ، وَحَسِبَ دَمَ الْعَهْدِ الَّذِي قُدِّسَ بِهِ دَنِسًا، وَازْدَرَى بِرُوحِ النِّعْمَةِ؟ 30فَإِنَّنَا نَعْرِفُ الَّذِي قَالَ: «لِيَ الانْتِقَامُ، أَنَا أُجَازِي، يَقُولُ الرَّبُّ». وَأَيْضًا: «الرَّبُّ يَدِينُ شَعْبَهُ». 31مُخِيفٌ هُوَ الْوُقُوعُ فِي يَدَيِ اللهِ الْحَيِّ! (عب 10: 29-31)

وكما أنَّ الله رحوم وحنان، فهو أيضًا ديان وقاضي عادل، لا يتساهل مع الشر ولا يداهنه بل ينزل عليه عقابه. وكل مَنْ يسير في طريق الله يأخذ من حق الله وتتغلل صفات الله إلى كيانه. فيصبح الإنسان كارهًا للشر، مبغضًا له، ويعطي الله للإنسان الملتصق به شفافية أو كشف روحي، يشعر من خلال بالشر في الناس حتى لو فصلت بينه وبينهم آلاف الأميال.

وليس هذا فقط؛ بل سر الله يعطيه لعبيده الأمناء. فأعلم الله نوح وكشف له قراره بإنزال قضاءه على البشر الأشرار. 17فَهَا أَنَا آتٍ بِطُوفَانِ الْمَاءِ عَلَى الأَرْضِ لأُهْلِكَ كُلَّ جَسَدٍ فِيهِ رُوحُ حَيَاةٍ مِنْ تَحْتِ السَّمَاءِ. كُلُّ مَا فِي الأَرْضِ يَمُوتُ. 18وَلكِنْ أُقِيمُ عَهْدِي مَعَكَ، فَتَدْخُلُ الْفُلْكَ أَنْتَ وَبَنُوكَ. (تك 6: 17-18) إن عملية كشف الله لبعض الأسرار لعبيده هي حقيقة روحية لا تُعْطَى إلا لمَنْ دقق في طريق وحادَ عن الشر، والتصق بالله. والذين سلكوا في طريق الله يختبرون هذه الحقيقة الروحية جيدًا. فأحيانًا يحدث للشخص التقي اختراق من الله في فكره، ليكشف له الله عن شيء يريد أن يكشفه له.

إن الكتاب المقدس مليء بالحقائق الروحية المحجبة عن مَنْ أعمى الشر عيونهم. ولا يستطيع الإنسان أن يكتشف تلك الحقائق إلا بسيره مع الله والتصاقه به. وليس معنى عدم اختبار إنسان لحقيقة روحية أن ينكرها. ولا عذر له في إنكارها؛ لأنه لم يختبرها، ولم يدع لنفسه الفرصة لاختبارها.

لقد أهلك الله البشر العصاة قديمًا بالطوفان، ومحا ذكرهم من على وجه الأرض. فالأشرار المستبيحين المُصرِّين على شرهم، مثل الغرس الخبيث المسمم المزروع خلسة في أرض الله. والفرصة الوحيدة لنجاتهم والإبقاء عليهم من الله هو وجود الأبرار، الغرس الطيب الذي زرعه الله في أرضه. وعندما تختفي من بقعة ما الأبرار، الغرس الطيب، يهلكها الله ومن عليها. هذه حقيقة يقرها الكتاب المقدس، ويجب ألا تفوت عن ذهن أي إنسان.

وبعد أن أهلك الله الأشرار أقام عهده وأبرمه مع نوح وبنيه. ويجب أن يعلم القارئ أن هذا العهد قُطع من طرف واحد، وهو الله. أي أنَّ الله هو الذي قطع العهد على نفسه، دون دخول الإنسان في هذا العهد. وكل العهود التي قطعها الله على نفسه تنتمي للعهد الواحد الذي له أشكال كثيرة، ومع أشخاص كثيرين. وأن العهد قطع في صالح جماعة العهد، أي في صالح نوح وبنيه، وإبراهيم نسله …الخ. 8وَكَلَّمَ اللهُ نُوحًا وَبَنِيهِ مَعهُ قَائِلاً: 9«وَهَا أَنَا مُقِيمٌ مِيثَاقِي مَعَكُمْ وَمَعَ نَسْلِكُمْ مِنْ بَعْدِكُمْ. (تك 9: 8-9)

ولم يكن عهدًا فقط مع نوح وبنيه، بل مع نوح وبنيه وكل الحيوانات التي في الفلك. فهو عهد مع الخليقة كلها، عهد فداء وعهد تجديد وعهد خلق جديد. 8وَكَلَّمَ اللهُ نُوحًا وَبَنِيهِ مَعهُ قَائِلاً: 9«وَهَا أَنَا مُقِيمٌ مِيثَاقِي مَعَكُمْ وَمَعَ نَسْلِكُمْ مِنْ بَعْدِكُمْ، 10وَمَعَ كُلِّ ذَوَاتِ الأَنْفُسِ الْحَيَّةِ الَّتِي مَعَكُمِْ: الطُّيُورِ وَالْبَهَائِمِ وَكُلِّ وُحُوشِ الأَرْضِ الَّتِي مَعَكُمْ، مِنْ جَمِيعِ الْخَارِجِينَ مِنَ الْفُلْكِ حَتَّى كُلُّ حَيَوَانِ الأَرْضِ. (تك 9: 8-10)

إن العهد مع نوح هو عهد مع الخليقة كلها بشر ومخلوقات وجماد. وعهد خلاص من الهلاك لكل مَنْ دخل الفلك ونجا من الهلاك. لقد قام الله عن طريق الطوفان بتجديد الأرض وإعادة خلقها مرة ثانية بعد فسادها. وهذا العهد تممه المسيح بدم نفسه المعروف للآب سابقًا قبل تأسيس العالم.

وفي النهاية أتركك عزيزي القارئ مع ما جاء بخصوص هذا العهد في سفر التكوين.

8وَكَلَّمَ اللهُ نُوحًا وَبَنِيهِ مَعهُ قَائِلاً: 9«وَهَا أَنَا مُقِيمٌ مِيثَاقِي مَعَكُمْ وَمَعَ نَسْلِكُمْ مِنْ بَعْدِكُمْ، 10وَمَعَ كُلِّ ذَوَاتِ الأَنْفُسِ الْحَيَّةِ الَّتِي مَعَكُمِْ: الطُّيُورِ وَالْبَهَائِمِ وَكُلِّ وُحُوشِ الأَرْضِ الَّتِي مَعَكُمْ، مِنْ جَمِيعِ الْخَارِجِينَ مِنَ الْفُلْكِ حَتَّى كُلُّ حَيَوَانِ الأَرْضِ. 11أُقِيمُ مِيثَاقِي مَعَكُمْ فَلاَ يَنْقَرِضُ كُلُّ ذِي جَسَدٍ أَيْضًا بِمِيَاهِ الطُّوفَانِ. وَلاَ يَكُونُ أَيْضًا طُوفَانٌ لِيُخْرِبَ الأَرْضَ». 12وَقَالَ اللهُ: «هذِهِ عَلاَمَةُ الْمِيثَاقِ الَّذِي أَنَا وَاضِعُهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، وَبَيْنَ كُلِّ ذَوَاتِ الأَنْفُسِ الْحَيَّةِ الَّتِي مَعَكُمْ إِلَى أَجْيَالِ الدَّهْرِ: 13وَضَعْتُ قَوْسِي فِي السَّحَابِ فَتَكُونُ عَلاَمَةَ مِيثَاق بَيْنِي وَبَيْنَ الأَرْضِ. 14فَيَكُونُ مَتَى أَنْشُرْ سَحَابًا عَلَى الأَرْضِ، وَتَظْهَرِ الْقَوْسُ فِي السَّحَابِ، 15أَنِّي أَذْكُرُ مِيثَاقِي الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَبَيْنَ كُلِّ نَفْسٍ حَيَّةٍ فِي كُلِّ جَسَدٍ. فَلاَ تَكُونُ أَيْضًا الْمِيَاهُ طُوفَانًا لِتُهْلِكَ كُلَّ ذِي جَسَدٍ. 16فَمَتَى كَانَتِ الْقَوْسُ فِي السَّحَابِ، أُبْصِرُهَا لأَذْكُرَ مِيثَاقًا أَبَدِيًّا بَيْنَ اللهِ وَبَيْنَ كُلِّ نَفْسٍ حَيَّةٍ فِي كُلِّ جَسَدٍ عَلَى الأَرْضِ». 17وَقَالَ اللهُ لِنُوحٍ: «هذِهِ عَلاَمَةُ الْمِيثَاقِ الَّذِي أَنَا أَقَمْتُهُ بَيْنِي وَبَيْنَ كُلِّ ذِي جَسَدٍ عَلَى الأَرْضِ». (تكوين 9: 8-17) 

عهد الله مع إبراهيم

لقد قطع الله مع إبراهيم عهدًا أبديًا لا ينسخ ولا يُلغَ. 7وَأُقِيمُ عَهْدِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَبَيْنَ نَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ فِي أَجْيَالِهِمْ، عَهْدًا أَبَدِيًّا، لأَكُونَ إِلهًا لَكَ وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ. 8وَأُعْطِي لَكَ وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ أَرْضَ غُرْبَتِكَ، كُلَّ أَرْضِ كَنْعَانَ مُلْكًا أَبَدِيًّا. وَأَكُونُ إِلهَهُمْ». (تكوين 17: 7-8)

وأعيد وأكرر، إنَّ العهد الذي يقطعه الله لا ينسخ ولا يُلغَ. لماذا؟ لأنه عهد قد قطعه الله على نفسه، وليس الإنسان طرف في هذا العهد. بل أنَّ الله أخذ العهد على نفسه بلا رجعة فيه أن يتمم ما وعد به، وأنْ يحقق هذا الوعد بعهدٍ. وإنه عهد واحد وليس أكثر من عهد قطعه الله مع آدم ونوح وإبراهيم وورثتهم من بعدهم. فأصبح من ينتمي إلى نفس الدعوة التي دعا بها الله آدم ونوح وإبراهيم ينتمي إلى جماعة العهد. وجماعة العهد لا تقتصر على نسل إبراهيم الجسدي بل على الإيمان بوعد الله لإبراهيم؛ فالذي يؤمن بإله إبراهيم وما وعدهُ الله به أصبح ابنًا ونسلا لإبراهيم، وينتمي إلى جماعة العهد وبالتالي فهو وارث لكل بركات بنود العهد.

إنَّ العهد الأبدي الذي قطعه الله في صالح الإنسانية كلها، والذي تجلي بصورة واضحة في عهد الله مع إبراهيم، هو عهد واحد أبدي قوامه النعمة. لأن الإنسان لم يكن في مستوى الله ليحقق بنود العهد؛ لذا لم يكن عهد الله بين ندين هما: الله والإنسان؛ بل بين الله والله ذاته. فعندما قطع الله عهده مع إبراهيم؛ لم يجتاز إبراهيم هو والله بين قطع الذبائح المشقوقة من النصف؛ بل أوقع الله سُبات على إبراهيم فنام. والله وحده هو الذي قطع العهد على نفسه بأن يحقق ما في العهد من بركات.

 12وَلَمَّا صَارَتِ الشَّمْسُ إِلَى الْمَغِيبِ، وَقَعَ عَلَى أَبْرَامَ سُبَاتٌ، وَإِذَا رُعْبَةٌ مُظْلِمَةٌ عَظِيمَةٌ وَاقِعَةٌ عَلَيْهِ. 13فَقَالَ لأَبْرَامَ: «اعْلَمْ يَقِينًا أَنَّ نَسْلَكَ سَيَكُونُ غَرِيبًا فِي أَرْضٍ لَيْسَتْ لَهُمْ، وَيُسْتَعْبَدُونَ لَهُمْ. فَيُذِلُّونَهُمْ أَرْبَعَ مِئَةِ سَنَةٍ. 14ثُمَّ الأُمَّةُ الَّتِي يُسْتَعْبَدُونَ لَهَا أَنَا أَدِينُهَا، وَبَعْدَ ذلِكَ يَخْرُجُونَ بِأَمْلاَكٍ جَزِيلَةٍ. 15وَأَمَّا أَنْتَ فَتَمْضِي إِلَى آبَائِكَ بِسَلاَمٍ وَتُدْفَنُ بِشَيْبَةٍ صَالِحَةٍ. 16وَفِي الْجِيلِ الرَّابعِ يَرْجِعُونَ إِلَى ههُنَا، لأَنَّ ذَنْبَ الأَمُورِيِّينَ لَيْسَ إِلَى الآنَ كَامِلاً». 17ثُمَّ غَابَتِ الشَّمْسُ فَصَارَتِ الْعَتَمَةُ، وَإِذَا تَنُّورُ دُخَانٍ وَمِصْبَاحُ نَارٍ يَجُوزُ بَيْنَ تِلْكَ الْقِطَعِ.

18فِي ذلِكَ الْيَوْمِ قَطَعَ الرَّبُّ مَعَ أَبْرَامَ مِيثَاقًا قَائِلاً: «لِنَسْلِكَ أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ، مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ، نَهْرِ الْفُرَاتِ. 19الْقِينِيِّينَ وَالْقَنِزِّيِّينَ وَالْقَدْمُونِيِّينَ 20وَالْحِثِّيِّينَ وَالْفَرِزِّيِّينَ وَالرَّفَائِيِّينَ 21وَالأَمُورِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْجِرْجَاشِيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ». (تكوين 15: 12-19)

وأيضًا إن هذا العهد ليس كالعهد الذي التزمت به دولة إسرائيل الوليدة بعد خروجها من مصر في بريَّة سيناء. إن عهد سيناء عهد قوامه بركات ولعنات؛ بركات في حالة الطاعة والالتزام ببنود العهد. ولعنات في حالة العصيان وتنكيث ميثاقهم الذي قطعوهُ على أنفسهم بتنفيذ بنود العهد. أما عهد الله مع إبراهيم فقوامه البركات فقط ولا يوجد فيه لعنات. هو عهد قطعه الله على نفسه بإتمام وتحقيق وإعطاء كل بركات العهد وكل الوعود التي وعدنا بها الله.

وأيضًا، إن هذا العهد ليس كعهد سيناء من قِبَل الشعب؛ لأنه عهدًا مشروطًا وليس عهدًا أبديًّا. فالعهد المشروط يلغى بإلغاء وانتهاك شروط العهد؛ أما العهد الأبدي فلا ينسخ ولا يُلغى. كان عهد سيناء عهدًا مشروطًا وكان العهد مع إبراهيم وورثة عهده عهدًا أبديًا لا يُلغى.

 أَنَا اللهُ الْقَدِيرُ. سِرْ أَمَامِي وَكُنْ كَامِلاً، 2فَأَجْعَلَ عَهْدِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَأُكَثِّرَكَ كَثِيرًا جِدًّا». 3فَسَقَطَ أَبْرَامُ عَلَى وَجْهِهِ. وَتَكَلَّمَ اللهُ مَعَهُ قَائِلاً: 4«أَمَّا أَنَا فَهُوَذَا عَهْدِي مَعَكَ، وَتَكُونُ أَبًا لِجُمْهُورٍ مِنَ الأُمَمِ، 5فَلاَ يُدْعَى اسْمُكَ بَعْدُ أَبْرَامَ بَلْ يَكُونُ اسْمُكَ إِبْرَاهِيمَ، لأَنِّي أَجْعَلُكَ أَبًا لِجُمْهُورٍ مِنَ الأُمَمِ. 6وَأُثْمِرُكَ كَثِيرًا جِدًّا، وَأَجْعَلُكَ أُمَمًا، وَمُلُوكٌ مِنْكَ يَخْرُجُونَ. 7وَأُقِيمُ عَهْدِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَبَيْنَ نَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ فِي أَجْيَالِهِمْ، عَهْدًا أَبَدِيًّا، لأَكُونَ إِلهًا لَكَ وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ. 8وَأُعْطِي لَكَ وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ أَرْضَ غُرْبَتِكَ، كُلَّ أَرْضِ كَنْعَانَ مُلْكًا أَبَدِيًّا. وَأَكُونُ إِلهَهُمْ». (تكوين 17: 1-8)

3وَأَمَّا مُوسَى فَصَعِدَ إِلَى اللهِ. فَنَادَاهُ الرَّبُّ مِنَ الْجَبَلِ قَائِلاً: «هكَذَا تَقُولُ لِبَيْتِ يَعْقُوبَ، وَتُخْبِرُ بَنِي إِسْرَائِيلَ: 4أَنْتُمْ رَأَيْتُمْ مَا صَنَعْتُ بِالْمِصْرِيِّينَ. وَأَنَا حَمَلْتُكُمْ عَلَى أَجْنِحَةِ النُّسُورِ وَجِئْتُ بِكُمْ إِلَيَّ. 5فَالآنَ إِنْ سَمِعْتُمْ لِصَوْتِي، وَحَفِظْتُمْ عَهْدِي تَكُونُونَ لِي خَاصَّةً مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ. فَإِنَّ لِي كُلَّ الأَرْضِ. 6وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي مَمْلَكَةَ كَهَنَةٍ وَأُمَّةً مُقَدَّسَةً. هذِهِ هِيَ الْكَلِمَاتُ الَّتِي تُكَلِّمُ بِهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ». (خروج 19: 3-6)

فَجَاءَ مُوسَى وَدَعَا شُيُوخَ الشَّعْبِ وَوَضَعَ قُدَّامَهُمْ كُلَّ هذِهِ الْكَلِمَاتِ الَّتِي أَوْصَاهُ بِهَا الرَّبُّ. 8فَأَجَابَ جَمِيعُ الشَّعْبِ مَعًا وَقَالُوا: «كُلُّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ نَفْعَلُ». فَرَدَّ مُوسَى كَلاَمَ الشَّعْبِ إِلَى الرَّبِّ. 9فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «هَا أَنَا آتٍ إِلَيْكَ فِي ظَلاَمِ السَّحَابِ لِكَيْ يَسْمَعَ الشَّعْبُ حِينَمَا أَتَكَلَّمُ مَعَكَ، فَيُؤْمِنُوا بِكَ أَيْضًا إِلَى الأَبَدِ». وَأَخْبَرَ مُوسَى الرَّبَّ بِكَلاَمِ الشَّعْبِ. (خروج 19: 7-9)

17وَأَخْرَجَ مُوسَى الشَّعْبَ مِنَ الْمَحَلَّةِ لِمُلاَقَاةِ اللهِ، فَوَقَفُوا فِي أَسْفَلِ الْجَبَلِ. 18وَكَانَ جَبَلُ سِينَاءَ كُلُّهُ يُدَخِّنُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الرَّبَّ نَزَلَ عَلَيْهِ بِالنَّارِ، وَصَعِدَ دُخَانُهُ كَدُخَانِ الأَتُونِ، وَارْتَجَفَ كُلُّ الْجَبَلِ جِدًّا. 19فَكَانَ صَوْتُ الْبُوقِ يَزْدَادُ اشْتِدَادًا جِدًّا، وَمُوسَى يَتَكَلَّمُ وَاللهُ يُجِيبُهُ بِصَوْتٍ. (خروج 19: 17-19)

3فَجَاءَ مُوسَى وَحَدَّثَ الشَّعْبَ بِجَمِيعِ أَقْوَالِ الرَّبِّ وَجَمِيعِ الأَحْكَامِ، فَأَجَابَ جَمِيعُ الشَّعْبِ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ وَقَالُوا: «كُلُّ الأَقْوَالِ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا الرَّبُّ نَفْعَلُ». 4فَكَتَبَ مُوسَى جَمِيعَ أَقْوَالِ الرَّبِّ. وَبَكَّرَ فِي الصَّبَاحِ وَبَنَى مَذْبَحًا فِي أَسْفَلِ الْجَبَلِ، وَاثْنَيْ عَشَرَ عَمُودًا لأَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ الاثْنَيْ عَشَرَ. 5وَأَرْسَلَ فِتْيَانَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَصْعَدُوا مُحْرَقَاتٍ، وَذَبَحُوا ذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ لِلرَّبِّ مِنَ الثِّيرَانِ. 6فَأَخَذَ مُوسَى نِصْفَ الدَّمِ وَوَضَعَهُ فِي الطُّسُوسِ. وَنِصْفَ الدَّمِ رَشَّهُ عَلَى الْمَذْبَحِ. 7وَأَخَذَ كِتَابَ الْعَهْدِ وَقَرَأَ فِي مَسَامِعِ الشَّعْبِ، فَقَالُوا: «كُلُّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ نَفْعَلُ وَنَسْمَعُ لَهُ». 8وَأَخَذَ مُوسَى الدَّمَ وَرَشَّ عَلَى الشَّعْبِ وَقَالَ: «هُوَذَا دَمُ الْعَهْدِ الَّذِي قَطَعَهُ الرَّبُّ مَعَكُمْ عَلَى جَمِيعِ هذِهِ الأَقْوَالِ». (خروج 24: 3-8)  

عهد إسرائيل مع الله على جبل سيناء

هل قطع الله عهدًا مع بني إسرائيل على جبل سيناء؟ نعم قطع الله عهدًا مع بني إسرائيل على جبل سيناء.

ما هو دور الله في العهد الذي قطعه مع بني إسرائيل وما هو دور بني إسرائيل في هذا العهد؟

في هذا العهد، كان الشعب هو الملتزم بتنفيذ شروط العهد، ولم يكن على الله أية التزامات في هذا العهد. إذا نفذ الشعب بنود العهد حلت عليه البركات الموجودة في كتاب العهد. إذا أخلَّ الشعب بأحد بنود العهد تحل عليه اللعنات الموجودة في هذا العهد.

إذن، كل الالتزامات بتنفيذ بنود العهد كانت تقع على عاتق الشعب وليس الله. التزام الله فقط كان بمنح البركات في حالة الطاعة والالتزام بالبنود، أو صب اللعنات في حالة انتهاك بنود العهد.

إليك الشاهد الكتابي

 3وَأَمَّا مُوسَى فَصَعِدَ إِلَى اللهِ. فَنَادَاهُ الرَّبُّ مِنَ الْجَبَلِ قَائِلاً: «هكَذَا تَقُولُ لِبَيْتِ يَعْقُوبَ، وَتُخْبِرُ بَنِي إِسْرَائِيلَ: 4أَنْتُمْ رَأَيْتُمْ مَا صَنَعْتُ بِالْمِصْرِيِّينَ. وَأَنَا حَمَلْتُكُمْ عَلَى أَجْنِحَةِ النُّسُورِ وَجِئْتُ بِكُمْ إِلَيَّ. 5فَالآنَ إِنْ سَمِعْتُمْ لِصَوْتِي، وَحَفِظْتُمْ عَهْدِي تَكُونُونَ لِي خَاصَّةً مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ. فَإِنَّ لِي كُلَّ الأَرْضِ. 6وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي مَمْلَكَةَ كَهَنَةٍ وَأُمَّةً مُقَدَّسَةً. هذِهِ هِيَ الْكَلِمَاتُ الَّتِي تُكَلِّمُ بِهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ». (خر 19: 3-6)

الشروط التي كانَ على الشعب أن ينفذها هي

طاعة الله: “إنْ سمعتم صوتي” (خر 19: 5) 

تعهد الشعب بحفظ بنود العهد: “وَحَفِظْتُمْ عَهْدِي” (خر 19: 5)

إذا نُفِذَا هذان الشرطان صار شعب إسرائيل لله خاصة من بين الشعوب أي مملكة كهنة وأمة مقدسة مرسلة من الله لتنير العالم وتنشر رسالته بين الناس.

وإن فشلوا في تميم بنود العهود، يصير هذا العهد لاغي.

وإليك شاهد آخر:

  7وَأَخَذَ كِتَابَ الْعَهْدِ وَقَرَأَ فِي مَسَامِعِ الشَّعْبِ، فَقَالُوا: «كُلُّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ نَفْعَلُ وَنَسْمَعُ لَهُ». 8وَأَخَذَ مُوسَى الدَّمَ وَرَشَّ عَلَى الشَّعْبِ وَقَالَ: «هُوَذَا دَمُ الْعَهْدِ الَّذِي قَطَعَهُ الرَّبُّ مَعَكُمْ عَلَى جَمِيعِ هذِهِ الأَقْوَالِ».

(خر 24: 7-8)

أي أنَّ موسى أخذ كتاب العهد، كما هو متبع في إبرام العهود في تلك الأزمنة، وقرأ بنود العهد المدونة في كتاب العهد على مسامع الشعب. ومن ثمَّ جاء دور الشعب في قبول هذا المعاهدة أو رفضها. فقبلها الشعب وقبول بنودها وقبول الشروط الجزائية أو اللعنات الموجودة في كتاب العهد عندما يكسر الشعب عهده مع الله.

الخلاصة، أن الشعب تعهد أن يكون مملكة كهنة وأن يحفظ بنود العهد. لكن الله لم يتعهد بإتمام العهد في حالة فشل الشعب في هذا العهد. أي أن العهد هذا كان التزامًا من الشعب أمام الله وليس عهد أبرمه الله وألزم نفسه بشروط العهد، بل المُلزم كان الشعب. لذا ليس هذا من العهود التي نتكلم عنها.

العهد الذي نتكلم عنه هو على مثال العهد الذي قطعه الله مع إبراهيم. هذا العهد غير العهد الذي تعهد فيه الشعب بإقامة وتنفيذ بنود العهد في كتاب البركات واللعنات “كتاب العهد”.

وأمثال هذه العهود، عهود الشعب أمام الله في جبل سيناء بحفظ وصاياه وتتميمها، لا تندرج تحت عهود الله أو لاهوت العهد. الذي يندرج فقط هو العهد الذي يقطعه الله على نفسه. وليس العهد الذي يلتزم فيه الإنسان بتميم عهد الله.

أي العهود المشروطة لا تندرج تحت عهود الله؛ بل العهود الذي قطعها الله على نفسه هي العهود التي تندرج تحت ما نسميه عهد النعمة أو عهد الفداء أو العهد بخلاص وفداء الإنسان.

 

هل نفرق بين العهد القديم والعهد الجديد؟

للأسف يُفرِّق معظم الوعاظ والقسوس والخدام بين العهد القديم والعهد الجديد باعتبار أنَّ العهد القديم هو عهد الناموس والعهد الجديد هو عهد النعمة. هذا الكلام عارٍ من الصحة وبعيد كل البعد عن الحق الكتابي. فمقاصد الله منذ الأزل ثابتة وواحدة من نحو الإنسان. فلم يُقَسِّم الله تعاملاته مع الإنسان إلى عصور. عصرٌ يكون فيه غاضب وعصر آخر يكون فيه مملوءً بالحب. عصر يسوده الناموس وعصر تسوده النعمة.

الذي يحكم علاقة الله بالإنسان منذ الأزل وإلى الأبد هو علاقة المحبة. وعندما يغضب الله، فإنَّ غضبه يكون مدفوعًا بمحبته. أي الدافع من غضب الله علاجي تصحيحي؛ لا انفعال غاضب هدفه الهلاك والتدمير.

أما الذين يقسمون تعاملات الله مع الإنسان إلى عهدين أو عصرين: عصر العهد القديم وعصر العهد الجديد؛ فهم مخطئون. وقراءتهم لنصوص الكتاب المقدس قراءة سطحية. لماذا؟ لأنهم رأوا أنَّ العهد القديم مملوء بحوادث تدخل فيها الله تدخلا مباشرًا بالعقاب. ولم يروا في العهد الجديد حوادث مماثلة تدخل فيها الله أيضًا تدخلا مباشرا بالعقاب. فكما أنَّ العهد القديم يحتوي على نصوص عقاب ودينونة؛ فالعهد الجديد أيضًا يحتوي على نصوص عقاب ودينونة. وكما أن صفحات العهد الجديد مملوءة بنصوص النعمة والمحبة؛ فبالمثل أيضًا صفحات العهد القديم مملوءة بنصوص النعمة والمحبة. فإله العهد القديم هو هو نفسه إله العهد الجديد.

أما مرحلة إعطاء الناموس المدني والطقسي لبني إسرائيل فهي مرحلة مؤقتة، عندما كانت فيه إسرائيل في مرحلة الطفولة لا تحتمل التعاليم البالغة. فحقيقة التدرج في الإعلان الإلهي هي حقيقة دامغة واضحة لا يستطيع أن ينكرها أي دارس للكتاب المقدس. ويجب أن نضع هذه الحقيقة في اعتبارنا عندما نقترب من قراءة وتفسير نصوص الكتاب المقدس وتحديدًا ونحن نقرأ نصوص العهد القديم.

إن الناموس الطقسي والمدني قد هدمه المسيح بكل ما فيه من فرائض ووصايا. أما الناموس الأدبي، ناموس الوصايا العشر، فهو الناموس الذي قصده الله من الإنسان على مر العصور لا ينسخ ولا يتغير. والدليل على ذلك أن الله نقشه بأصبعه على لوحي مصنوعين من الصخر. فالكتابة المنقوشة على الصخر لا تمحى ولا تنسخ. أما الناموس المدني فكان قانونًا تنظيميًا ينظم الدولة اليهودية الوليدة. والناموس الطقسي، كان عبارة عن مجموعة من الطقوس والذبائح والتقدمات. والناموس الطقسي أبطله المسيح بذبيحة نفسه التي قدمها لله مرة واحدة لا تتكرر؛ فدخل بها قدس أقداس الله، وليس “قدس أقداس” مصنوع بأيدي الناس. تَقدَّمَ المسيح إلى الله بدم نفسه المعروف لأبيه قبل تأسيس العالم، لا بدم تيوس وعجول وكباش.

وبناءً على ما سبق، يجب أن نفسر نصوص العهد القديم في ضوء الأصل الذي لا يتغير، أي في ضوء الوصايا العشر التي نقشها الله على لوحي الصخر وأعطاها لموسى، لا في ضوء الوصايا المؤقتة التي كانت تنظم الدولة اليهودية الوليدة ولا في ضوء الناموس الطقسي والمدني.

وبهذا المدخل ينفتح أمامنا العهد القديم بكل نصوصه السامية وتخرج النعمة من بين سطوره. ما أعظم وأعجب كلمة الله، فهي وحدها التي تنير ذهن الإنسان والتي تردع طريق ضلاله. فالإنسان المشوش العقل بهموم العالم لا يستطيع أن يهدأ ليسمع صوت الله. نسمع فقط صوت الله واضحًا، ونحن نقرأ النصوص المقدسة، عندما نُسَكِن نفوسنا ونخلي ذواتنا من كبريائها، ونهيئ عقولنا لسماع ما يقوله الله بالروح لنا. فروح الله يهمس في قلوبنا همسًا خفيفًا عندما تكون قوبنا غليظة، ويطن أذاننا عندما تكون قلوبنا مرهفة متهيئة بعيدة عن ضوضاء هذا العالم.

وفي النهاية عزيزي القارئ، لا تفرق بين النصوص المقدسة على أنها نصوص عهد قديم، ونصوص أخرى كأنها نصوص عهد جديد. ولا تسمع لمَنْ يصنعون مثل هذا التفريق. لأنَّ الله منذ البداية جعل عهد النعمة هو الذي يحكم علاقته بالإنسان.       

هل يوجد في الكتاب المقدس عهد اسمه “عهد الأعمال”؟

وحدة العهد

حقيقة، لا يوجد في الكتاب المقدس عهد قطعه الله مع الإنسان ثم دعاه “عهد الأعمال”. ورغم مطالبة الله للإنسان بالأعمال الصالحة، إلا أن هذا ليس معناه أن الإنسان نجح في أن يرضي الله بأعماله الصالحة. أو أنَّ الله طلب من الإنسان أن يعمل الأعمال الصالحة لكي يستطيع أن يقترب من قداسة الله وسكناه بناءً على أعماله فقط. فالكتاب المقدس أغلق على الجميع في العصيان، إذْ فشل الجميع أن يقتربوا من الله بأعمالهم التي يجب أن تكون صالحة وغير مشوبة لا بضعف بشري ولا بآثام أو نواقص بشرية.

وحتى لو دعا إقرار إيمان وستمنستر إلى تقسيم تاريخ الكتاب المقدس بأكمله إلى عهدين فقط: “عهد الأعمال” في آدم و”عهد النعمة” في المسيح؛ فهذا ليس معناه أن إقرار إيمانهم صحيح أو أنني كإنجيلي يتوجب عليَّ أن أتبع كل محتويات هذا الإقرار.

فالكتاب المقدس مفتوح أمام الجميع، لا يحتكره قس أو طائفة أو عقيدة أو حتى إقرارات الإيمان. فلو كانت الإقرارات الإيمانية منذ نشأة الكنيسة كافية لصياغة محتوى الإيمان المسيحي؛ لِمَا كانت الحاجة إلى ظهور إقرار إيمان وستمنستر، أو ما جاء قبله وما جاء بعده. فإقرارات الإيمان المسيحي تحتاج إلى مراجعة من حين لآخر في ضوء كلمة الله وفي ضوء المستجدات الحديثة وأيضا في ضوء ما يستجد من أبحاث ودراسات وعلوم قام بها علماء الكتاب المقدس.

ومن الخطأ اللاهوتي أن نتبع مثل هذا التقسيم. فوحدة العهد هي النبراس الذي نرى به كل تفاصيل كلمة الله. وحدة العهد هي عهد مبنى على النعمة وغايته الفداء، ويصب في صالح تأسيس ملكوت الله في قلب الإنسان أولا ثم انتشاره في الأرض وتأسيسه عليها.

ويخطئ مَنْ يظن أن الله قطع عهد مع آدم بناءً على الأعمال؛ لأسباب عديدة، أولًا، أنَّ آدم لا يمكنه أن يكون طرف في هذا العهد، طالما أنه عهد أعمال. ثانيًا، لو كان كذلك، فمعنى هذا أن آدم كان ندًا لله، رأس برأس، ومقامه موازي لمقام الله. ثالثًا: لم يكن في ذهن الله منذ البداية أن يقترب الإنسان إليه بناءً على استحقاقه؛ لأنَّ الله منذ البداية يعلم عدم استحقاق الإنسان للاقتراب منه، ويعلم أيضًا عجزه. فإذا كان الأمر كذلك، شككَ في صلاح الله. لأنه يطلب من الإنسان العاجز وهو يعمل تمام عجزه بأن يفعل، وهو لا يستطيع أن يفعل؛ ليوقع الإنسان تحت قصاص من الله. ولا بيد الإنسان من حيلة. كان العهد منذ البداية هو عهد نعمة غايته فداء الإنسان، ومع على الإنسان إلا أن يقبل ما صنعه لأجل تميم خلاصه وفداء. وحساب ودينونة الإنسان يتم على هذا الأساس أيضًا، وهو رفض ما صنعه الله، وليس عجز الإنسان أن يفعل الأعمال الصالحة. لأنه مهما حاول دون فداءه؛ لا يستطيع أبدًا أن يؤتي مجرد عمل واحد صالح لا تشوبه ضعف بشري ولا نزعة شريرة ولا دافع غير نقي.

إذا كانَ هناك عهد اسمه “عهد الأعمال” يجب أن ترد على الأسئلة التالية:

هل الله يطلب من الإنسان أمر وهو عالم إنه عاجز عن تتميمه؟ إن هذا يشكك في صلاح الله؟

إذا افترضنا بوجود ما يسمى “عهد الأعمال” فهذا معناه أنَّ أدم كان طرف في إبرام هذا العهد.

إذا كان آدم طرف في هذا العهد؛ فهذا معناه أنه ندًا لله. لأنه لا يدخل مع الله في عهد إلا مَنْ كانَ مثله. وهذا كفر بألوهية الله.

إن كانَ هناك أكثر من عهد قطعه الله مع الإنسان وغير عهوده؛ فهذا معناه أن الله يمكنه أن يغير حتى عهد النعمة. وبالتالي ينتفي أن يكون عهد النعمة عهد أبدي. لأنَّ الله يمكنه أن يغير هذا العهد.

بناءً على كل ما سبق، ليس أمامنا إلا وحدة العهد، أي عهد واحد من البداية إلى النهاية، من الأزل إلى الأبد هو عهد النعمة الذي غايته الفداء.

 

   

   

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *