
منقول من موقع
ghobrialrizkallah.org
من صدق خبرنا
(إش 53 : 1) ، (يو 12 : 37 – 52) ، (رو 10 : 16 -21)
“من صدق خبرنا ولمن استُعلنت ذراع الر ب”.
“يا رب من صدق خبرنا” جملةٌ استنكاريةٌ دلالةٌ واضحةٌ على أن النبي إشعياء أَعطى خبراً أو مزمع أن يُعطي خبراً ولكن هل من يصدق خبرنا؟ قال هذا بروح النبوة، بالكلمة النبوية، نطق بها روح الرب، وربما نجد شيئاً من الجواب على هذا السؤال ذكره البشير يوحنا فيما قرأناه، مع أن المسيح، الرب يسوع، “صنع (بينهم) أمامهم آياتٍ هذا عددها”، وعلَّم إياهم بالحق الواضح “ولكنهم لم يؤمنوا به ليتم قول إشعياء النبي يارب من صدق خبرنا”، فلم يصدقوا ولم يؤمنوا مع أنه كان بينهم وفي وسطهم، وتحدث إليهم وجهاً لوجهٍ وفماً لفمٍ ولكنهم لم يؤمنوا ليتم قول إشعياء النبي، لتتم الكلمة النبوية القائلة: “يارب من صدق خبرنا”.
والرسول بولس في رسالته إلى أهل رومية يتحدث عن هؤلاء الذين لم يؤمنوا لكي يموتوا، والرسول لم يكن رسولاً لليهود فحسب بل كان بالأكثر رسولاً للأمم، وكأنه يضع كلمة نبوية ستتحقق بين جميع البشر فيقول بعد أن كرز بالإنجيل وبعد أن بشر الجميع، يقول: “ليس الجميع قد أطاعوا الإنجيل لأن إشعياء يقول يا رب من صدق خبرنا”، فالأساس إذاً لا كلام البشير يوحنا ولا كلام الرسول بولس، لا كلام يوحنا في بشارته ولا كلام بولس في رسالته بل الكلام الأساسي المؤسس كلام النبي إشعياء في كلمته النبوية، ويوحنا بنى وبولس بنى على تلك الكلمة النبوية.
وألم نسمع السيد نفسه وهو صاعدٌ إلى السماء في تلك الساعات الرهيبة يصرخ قائلاً لتلاميذه: “كان ينبغي (لا بد) أن يتم جميع ما هو مكتوبٌ عني”، أين؟ أين الذي كُتب عنه وتم، وكان لا بد أن يتم؟ يقول: “في ناموس موسى والأنبياء والمزامير”، هذا الذي نسميه بطريقةٍ ما العهد القديم الذب نظن أنه انتهى وتُرك، هذا هو الأساس المؤسس، الكلمة النبوية التي نطق بها الأنبياء وتكلم بها موسى وقيلت في المزامير، هي الكلمة الأساسية.
هل نرجع إلى إشعياء، ماذا قال إشعياء؟ “من صدق خبرنا”، عن من يتحدث؟ عن من يخبر؟ وما هو هذا الخبر؟ لو رجعنا إلى الأصحاح السابع من سفر إشعياء نسمع الكلمة القائلة: “ها العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل”، ولكن في الأصحاح التاسع يرى هذا المولود عجيباً فيقول: “يولد لنا ولد ونُعطى ابناً … ويُدعى اسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام لنمو رياسته وللسلام لا نهاية على كرسي داود وعلى مملكته ليثبتها ويعضدها … إلى الأبد”، كلامٌ عجيبٌ، خبرٌ عجيبٌ، وعندما جاء الملاك جبرائيل لإعلان الوقت عن هذا الخبر وأتى إلى “عذراء مخطوبة إلى رجلٍ من بيت داود اسمه يوسف واسم العذراء مريم”، وإذ بشرها بهذا الخبر الذي قال عنه إشعياء لم تصدق، كيف يكون هذا؟ “تلدين ابناً وتسمينه (تدعين اسمه) يسوع هذا يكون عظيماً وابن العلي يُدعى ويعطيه الرب كرسي داود أبيه”، وعلى مملكته ليثبتها للأبد، ما هذا الخبر؟ “كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلاً”؟ هذا خبرٌ غريبٌ، فوق أذهان البشر، غريبٌ عن الناس، كيف يكون هذا؟
وهل هذا عجيبٌ؟ هو عجيبٌ عند البشر ولكن ليس عند الله الذي ليس عنده مستحيل، لا شيء يعسر عليه، يستطيع كل شيء، وبهذه القدرة الإلهية السماوية أتى السيد المسيح إلى الأرض مولوداً من عذراء وهي لا تفهم ولا تدري ولم تستطع أن تدرك البتة كيف يمكن أن يكون هذا، ولكنها قالت، وما أحسن القول: “هوذا أنا أمة الرب (خاضعةً له) فليكن لي كقولك”، تسليماً تاماً لا بالعقل ولا بالرؤيا ولكن بالإيمان الحي، هذا هو الخبر.
على أن إشعياء يقول: “من صدق خبرنا”، ومن العجيب أن هذا الذي وُلد من عذراء وهو يحدث الناس عن نفسه يقول: “نزلت من السماء”، لم يقل ولدت من عذراء، لم يقل أتيت من البشر، لقد نزلت من السماء رسولاً من الآب لأتمم مشيئة الآب والمهمة التي أرسلني لأتممها، وكل من يؤمن بهذه الرسالة اتي أتيت أنا بها من السماء ونزلت لأعطيها أقيمه في اليوم الأخير، كلامٌ عجيبٌ، من صدق هذا؟ وقال الذين سمعوه: نحن نعلم من هو هذا “أليس هذا ابن النجار، -أليس هذا ابن مريم – أليس أمه تُدعى مريم، وأخوته يعقوب ويوسي وسمعان ويهوذا، أوليست أخواته جميعهن عندنا”، فكيف يقول: “نزلت من السماء”؟، لذلك انصرفوا عنه ولم يسيروا معه بعد أن كانوا قد آمنوا به حتى قال السيد بعد ذلك لتلاميذه: وأنتم أتريدون أن تنفضوا كما فعل هؤلاء؟ فقال بطرس: “إلى من نذهب”، لكنهم لم يتركوه بل بالحري هو الذي لم يتركهم.
“من صدق خبرنا” من هو هذا؟ هل خرج نبيٌّ من الجليل؟ يقول الرؤساء لنيقوديموس الذي أراد أن يُعلن إيمانه به، هل أنت أيضاً؟ فتش وانظر هل من الجليل يأتي نبيٌّ؟ هذا حقٌ لأن المسيح وُلد في ناصرة الجليل تربى هناك ولكنه عند ولادته وُلد في بيت لحمٍ مدينه داود، ولكنه (نيقوديموس) لم يدرك هذه الحقيقة، صعبٌ عليهم، نزل إلى “أعماق الأرض”، وفي ترجمةٍ أخرى بلغة الرسول بولس: “إلى أقسام الأرض السفلى”، كما قال أنه صعد إلى السماء “وليس أحدٌ صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء الذي هو في السماء” (يو 3 : 13)، هذا يقوله عنه الرسول بولس: “وأما أنه صعد إلا أنه نزل أيضاً أولاً إلى أقسام الأرض السفلى”، “رقمت في أعماق الأرض” كما قال المرنم، في البطن في الأحشاء تسعة أشهر، نزل من السماء إلى تلك الأعماق، وما أعظم هذه النبوة، من السماء العليا إلى أعماق الأرض في بطن العذراء، إلى أقسام الأرض السفلى.
فليس عجيباً أن يوجد إنسانٌ لا يصدق، أليس هو الأمر الصائر الآن، كيف يصير الله إنساناً؟ كيف الساكن في العلاء في سماء السموات العليا ينزل إلى أقسام الأرض السفلى ويوجد في أعماق الأرض في البطن؟ سرٌّ عجيبٌ لا يُكشف إلا للذين تتسع عيونهم الذين يصلون دائماً: “اكشف عن عينيَّ”.
فليفتح الرب عيوننا وقلوبنا لنرى هذا الذي نزل من السماء إلى أعماق الأرض إلى أقسام الأرض السفلى لينتشلنا، ليرتفع بنا، ليصعد بنا على أجنحته، بل على أجنحة النسور، له المجد والسلطان الذي لا يزول.
الأحد 1 / 7 / 1979