
منقول من موقع
ghobrialrizkallah.org
وصية أب
(تك 50 : 16و17)
“أبوك أوصى قبل موته قائلاً: تقولون ليوسف: “آهِ اصفح عن ذنب إخوتك فإنهم صنعوا بك شرًّا”.
وصيةٌ من أبٍ بعد ما مات تُحمل إلى ابنه عن يد أولاده الآخرين يقولون له: “أبوك أوصى”، فالآن اصفح عن ذنب عبيدك، هذه الكلمة حملها إخوة يوسف إليه بعد ما رجعوا من دفن أبيهم في أرض كنعان، رجعوا إلى أرض مصر وهنالك تحدثوا بعضهم إلى بعضٍ وتآمروا متشاورين قائلين إن يوسف إذ رأى أباه قد مات، لابد عازمٌ أن يفعل بإخوته شراً كما فعلوا هم به، لذلك أتوا إليه يحملون هذه الوصية التي قالها أبوهم لهم.
هل أوصى يعقوب بهذه الوصية إلى يوسف؟
إن الكتاب لا يحدثنا عنها ولكننا نستطيع أن نحقق من قرائن الكلام أن يعقوب لا بد أنه أوصى بذلك، أما الاعتراف فيرينا من هؤلاء الإخوة ضميراً مشتكياً ومحتجاً، لا يستريح، لا ينعس، ولا ينام، خطيئةً قصدوها تصرخ بها ضمائرهم إلى السماء، وما أشد صرخات الخطيئة التي تشكونا إلى السماء، تحسِّن نفسها، نقترب إليها توقعنا في شراكها، وبعد ذلك تشكونا إلى العلاء، ألم يُسمع صوت دمٍ يصرخ من الأرض؟ “صوت دم أخيك صارخٌ إليَّ (يصرخ) من الأرض”، إن هذا الدم كان خطيئة قايين وهو يصرخ عالياً طالباً بالنقمة لمجازاة قايين، هكذا كان أيضاً شرُّ سدوم وعمورة، وقد نزل الرب من السماء وتحدث إلى إبراهيم فترةً من الزمن، ووقتاً ما، وكان كلام الله إليه يقول: “نزلت لأرى”. إن صراخ هذه المدينة قد صعد إليَّ فنزلت لأرى إذا كان سكان المدينتين قد فعلوا ما تصرخ به خطيتهم.
نعم إن الخطية مشتكية ومحتجة، إن الضمائر لا تسكت بل يعلو صوت شكواها هكذا إلى اليوم الذي يدين فيه ديان الأرض كلها سرائر الناس، وما أرهب ذلك اليوم حين تُفتح الأسفار ويدين الله الناس بما هو مكتوبٌ في تلك الأسفار.
وفيما فعل إخوة يوسف بأخيهم رمزٌ لما فعله اليهود بالسيد، إنهم أخطأوا إليه بوصفه أخاهم ولم يعلموا أنه سيدهم، وهل كان يوسف سيد إخوته؟ إن أباه أعطاه البكورية فأخذ يوسف نصيب اثنين، والبكر سيد إخوته، والبكر الذي أُعطيَ البكورية قيل عنه “فلتسجد له ملائكة الله”، أما إخوته فأبغضوه وصرخوا قائلين: “اصلبه اصلبه ليس لنا ملكٌ إلا قيصر”.
كان يوسف قد أخبر إخوته بحلمين أظهره الله لهم سيداً، وجاء السيد البكر وقرأ لإخوته ما تنبأ عنه الأنبياء: “روح الرب عليَّ لأنه مسحني .. واليوم قد تم هذا المكتوب في مسامعكم”، ولكن إخوة يوسف أصروا على فعل الشر بأخيهم، وأصر اليهود على فعل الشر بأخيهم وسيدهم.
ويقول السيد البكر: “أبغضوني بلا سببٍ” وهل كان هناك سبب وقد كان يشفي كل مرضٍ وضعفٍ في الشعب؟
كان يوسف مرسلاً من قبل أبيه ليطلب سلامة إخوته، ولكنهم أبغضوه بلا سبب، وهكذا السيد “إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله”. عندما وقف سيدنا البكر الأعلى أمام القضاء وقال له بيلاطس: “أما تعلم أن لي سلطانٌ أن أُطلقك، قال له يسوع لم يكن لك عليَّ سلطانٌ البتة لو لم يكن قد أُعطيَ لك من فوق”، وهكذا كان صمته عجيباً إذ كان يعلم أن كل ما كان يحدث كان بمشورة الله وعلمه السابق، وما أجمل ذلك الجواب الذي أجابه يوسف لإخوته قائلاً: “هل أنا مكان الله حتى أفعل هذا” لم يقل لإخوته أنتم لم تخطئوا بل قال: “أنتم قصدتم بي شراً ولكن الله قصد به (أي بالشر) خيراً” وهكذا إزاء هذه المقاصد الأزلية احتمل السيد البكر الألم والعار وموت الصليب بيد إخوته الأشرار، وكان وهو على الصليب يقول: “اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون”.
قال إخوة يوسف له أبوك أوصى قائلاً قولوا ليوسف “اصفح” فهم استجاروا بوصية أبيهم وبإله أبيهم. في الليلة الأخيرة خاطب السيد تلاميذه الخطاب الوداعي الأخير قائلاً لهم: “هلم ننطلق لأن رئيس هذا العالم آتٍ وليس له فيَّ شيء”.
إن الآب أوصى الابن بالصفح، وفي الصليب كان الصفح، قال السيد: “ليعلم العالم أني أحب الآب وكما أوصاني الآب هكذا أفعل”، وفي قوة الصفح عن خطايا الآخرين نحونا تمتليء قلوبنا سلاماً إذ نعلم أن كل بليةٍ أو شرٍّ يقع علينا من الآخرين هي بسماح من الله وبقصدٍ أزليٍّ. ولكن لنعلم أن كل خطيئةٍ نقع فيها يرتفع صوتها إلى السماء مشتكيةً ومحتجةً، حتى الخطايا التي تصدر عن جهلٍ وقد لا نشعر بها، ولذلك لنصلي دواماً: “لتكن أقوال فمي وفكر قلبي مرضيةً لك يارب صخرتي ووليّ”.
1 / 6 / 1964