تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » الأرشيف » يا امرأة لماذا تبكين – عظة مكتوبة – الدكتور القس غبريال رزق الله

يا امرأة لماذا تبكين – عظة مكتوبة – الدكتور القس غبريال رزق الله

منقول من موقع

ghobrialrizkallah.org

 

يا امرأة لماذا تبكين

(يو 20 : 1 – 18)

“أما مريم فكانت واقفة عند القبر خارجاً تبكي، وفيما هي تبكي انحنت إلى القبر فنظرت ملاكين …. فقالا لها يا امرأة لماذا تبكين، قالت لهما إنهم أخذوا سيدي ولست أعلم أين وضعوه ….. قال لها يسوع يا امرأة لماذا تبكين، من تطلبين”.

في الأصحاح العشرين من إنجيل يوحنا الذي قُريء على سمعنا لنا سؤالان:

السؤال الأول من داخل القبر حيث كان هناك ملاكان في بستان يوسف الرامي، في القبر الذي دُفن فيه السيد المسيح حيث كانت الأكفان موضوعة والجسد ليس هناك، ظهر ملاكان واحدٌ جالسٌ عند الرأس وآخر جالسٌ عند الرجلين، وكانت هناك امرأة واقفة عند القبر قد اقتربت تفتش في هذا القبر وتنظر إليه مرةً ومرات وهي لا ترى الجسد، جسد الحبيب، لديها عيونٌ تزرف دموعاً وتبكي بكاءً مرًّا لأنها لا تعلم أين أخذوا السيد، وفي مرةٍ من المرات وهي تنظر إلى القبر ظهر لها ملاكان، واحدٌ عند الرأس، والآخر عند الرجلين حيث كان جسد يسوع موضوعاً والأكفان موجودة، فقالا لها: “يا امرأة لماذا تبكين؟”، فقالت لهما أخذوا السيد من القبر ولست أعلم أين وضعوه، وفي تلك الأثناء وهي تتكلم معهما سمعت صوتاً وراءها يقول لها سائلاً ذات السؤال: “يا امرأة لماذا تبكين؟” من تطلبين في هذا القبر؟ فظنت تلك أنه البستاني، فقالت له: “يا سيد إن كنت أنت قد حملته فقل لي أين وضعته وأنا آخذه”، حينئذٍ قال لها يسوع، وكان هو السائل هذا السؤال، “يامريم” بالنغمة المعتادة التي تعود أن يناديها بها وهو حيٌّ، لم تستطع مريم أن تضبط نفسها قالت: “ربوني” أي يا معلم، وهمت بهمةٍ لا شعوريةٍ ولا إراديةٍ لكي تمسك به فحذرها قائلاً لها: “لا تلمسيني”.

أمام هذا القبر وأمام هذا الحادث العجيب نريد أن نقف نحن الآن، لماذا هذا القبر الفاني الذي منه الخبر البيِّن، “ليس هو ههنا لكنه قام”، ونرى الحقيقة التي تدل على هذا القيام العجيب أن الشخص الذي قام قد ظهر الآن ورأته مريم بعينيها وعرفت صوته وتحدثت معه وتحدث معها.

يا مريم لماذا تبكين؟ هذا سؤالٌ، وأىُّ جوابٍ له، “يا امرأة لماذا تبكين”؟ لماذا هذه الدموع المزرفة؟ لماذا هذا الحزن الشديد؟ لماذا؟ هل من سببٍ؟ هل هنالك أمرٌ يستحق ذلك؟ لماذا؟ لماذا تبكين؟ القبر فارغٌ والمجد قائمٌ فلماذا البكاء؟ ولماذا النواح؟ ألم أقل لك يا مريم! أولم تسمعي مني مرةً ومراراً بأنني بعد ثلاثة أيامٍ أقوم؟ هذا قاله السيد لتلاميذه في آخر الأيام محققاً لهم هذا الأمر، ولذلك قال الملاك الذي كان قد دحرج الحجر وتحدث مع النساء الثلاثة: أنه قام كما قال لكم، قام كما قال لكم فلماذا لا تصدقون؟ وهل لنا في ذلك عزاءٌ؟

قال السيد لمريم لا تلمسيني فقد انتهت العلاقات الجسدية والمعاملات الجسدية، وقد خُتم عليها ختماً نهائياً، لا كما نظن أننا سنقابل أحباءنا وأولادنا وآباءنا ونساءنا، لا غيم ولا مضاهاة، لا قصر أيامٍ ولا غضن شيءٍ، كل هذا ينتهي، لا ذكرٌ ولا أنثى كل هذا ينتهي، لا يونانيٌّ ولا يهوديٌّ كل هذا ينتهي، لا بربريٌّ ولا سكيسيٌّ كل هذا ينتهي، فالموت نهاية كل علاقةٍ يتعلق بها الإنسان.، فعبثاً وباطلاً نبكي، عبثاً وباطلاً ننتظر، عبثاً وباطلاً نقول نتعزى بأننا سنراه، ليس بهذا فالعلاقات جميعها تنقضي عند الموت، فلا أبكي أولادي ولا أولادي أبكي، ولا امرأة لرجلٍ ولا رجلٍ لامرأةٍ، ولكن كل واحدٍ بمفرده، هذه العلاقات كلها ليس لها مكانٌ لأن الجسد ينتهي وكلها قراباتٌ جسديةٌ والجسد ينتهي، “يُزرع في هوانٍ ويُقام في مجدٍ، يُزرع في ضعفٍ ويُقام في قوةٍ، يُزرع جسماً حيوانياً ويُقام جسماً روحانياً”، وجميع الأجسام روحانيةٌ للطفل وللشيخ، للأنثى وللذكر، للعبد وللحر، لا افتراقات مثل هذه بعد، هذا ما قد أثبته الرسول في قوله: “لأن الذين سبق فعرفهم (عن الآب) سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه”، أية صورة؟ أية صورة؟ صورة الجسد الممجد الروحاني، جسما روحانياً، لا دمٌ ولا لحمٌ، لا عظمٌ ولا مهراقٌ، من السماء، “الإنسان الأول آدم من الأرض ترابيٌّ، الإنسان الثاني الرب من السماء”، الإنسان الثاني الرب يسوع الذي نكون على صورته هو الرب من السماء لا من الأرض.

هذا هو التعليم المسيحي المقدس في الكتب المقدسة، في الإعلانات السماوية، وعبثاً قد فصل الموت بيننا وبين أحبائنا، عبثاً أن ننتظر شيء، عبثاً فكل شيءٍ قد انتهى وعلاقتنا بالرب يسوع وحده، هذا هو الرجاء في القيامة، لا أن نرى آباءنا ولا أن نرى أولادنا، ولا أن نرى أحباءنا، فالجميع واحدٌ في المسيح من كل أمةٍ وقبيلةٍ ولسانٍ وشعبٍ أفراداً معينين للحياة الأبدية، “الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه ليكون هو (يسوع وحده) بكراً بين إخوةٍ كثيرين”، الجميع إخوة، الجميع، لا علاقاتٍ جسدية بعد فما أمجد هذا الموت، إذا رفعنا عيوننا إلى السماء ورأينا المجد الذي تمجد به ابن الله وسمعنا القول، قول السيد لهذه المرأة مريم: “لا تلمسيني”، قد انتهت اللمسات، لا تلمسيني قد انتهت الأنساب، العلاقات الجسدية لا وجود لها بعد لأني لم أصعد بعد إلى أبي، هناك تتم العلاقات “اذهبي وقولي لإخوتي”، الآن لأول مرةٍ يقول إخوتي ولا يقول التلاميذ ولا يقول أحبائي كما قال سابقاً، يقول إخوتي لأنه سيكون “بكراً بين إخوةٍ كثيرين”، هم إخوته، وهؤلاء الإخوة لهم ذات الميلاد، ذات الميلاد.

إني لم أصعد إلى أبي وأبيكم يقول للإخوة، إني لم أصعد إلى أبي وأبيكم، لم أصعد بعد إلى إلهي وإلهكم، هنا الأُخوّة، هنا البنوة، البنوة للآب والأخوّة للابن، أخوّة بالروح القدس، “لأن الذين سبق فعينهم فهؤلاء دعاهم أيضاً، والذين دعاهم فهؤلاء بررهم أيضاً، والذين بررهم فهؤلاء مجدهم أيضاً” قبل أن يمجدهم بررهم، والذين بررهم مجدهم أيضاً، يصل بنا إلى المجد، إلى المجد، ذات المجد.

جسداً ترابياً نعم أين هو؟ في المحلة، هذا الترابي نبكي كما تبكي مريم عند القبر لماذا؟ “ليس هو ههنا”، لماذا القبور؟ إنها ترابٌ، لماذا نذهب لزيارة القبر؟ إنها عادةٌ وثنيةٌ، لماذا كل ذلك؟ قد انتهت العلاقة وصعد إلى السماء، إلى المجد، فلترتفع أنظارنا إلى فوق لا إلى القبر.

قد رأينا داود قائماً يبكي بكاءً مرّاً، هل رأيناه وهو جالسٌ يبكي لأن له ابنٌ صغيرٌ طفلٌ مريضٌ يريد أن يُشفى، جلس على التراب ماذا يطلب؟ أن يُشفى، ولكن الولد مات فقال عبيده إن كان قد فعل هكذا عند مرض الولد فكم يفعل إذا سمع أنه مات فقصدوا أن يخفوا الأمر ولكن كُشف، فقام واغتسل ولبس وأكل وشرب فاندهشوا، لماذا؟ قال لأني أولاً كنت أرجو في صومي أن يسمع لي الرب فيُشفى، ولكن الآن قد مات فلماذا أصوم هل أقدر أن أرده بعد، أنا ذاهبٌ إليه وأما هو فلا يرجع إليَّ.

هل لنا هذا الإيمان الحي في المسيح الحي، تعزيةٌ من الله لا من الإنسان، تعزيةٌ بكلمة الرب لا بكلمة البشر، تعزيةٌ من الروح القدس الذي يرتكز على القلوب لا بروح الحزن والألم، فلنرتفع كلنا إلى السماء ونطلب عزاءً حقيقياً لقلوبنا جميعاً، لقلوب العائلة وأفرادها، لقلوب أبنائه أبناء الكنيسة، لقلوب الذين يتألمون، تعزيةً سماويةً لا على غير رجاء بل على الرجاء الحقيقي لا في القلوب بل في السماء حيث المجد إلى أبد الآبدين.

                                                                                                 كنيسة القللي

  خدمة تعزية لانتقال راعيها القس جرجس هابيل

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *