تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » الأرشيف » يوحنا – إيليا – عظة مكتوبة – الدكتور القس غبريال رزق الله

يوحنا – إيليا – عظة مكتوبة – الدكتور القس غبريال رزق الله

منقول من موقع

ghobrialrizkallah.org

 

يوحنا – إيليا

 

(إش 40  : 1 – 8) ، (مل 3 : 1 – 6 ، 4 : 4 – 6) ، (مت 11 : 1 – 12، 17 : 9 – 13) ، (لو 1 : 13 – 17)      

“الحق أقول لكم لم يقم من بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان، ولكن الأصغر في ملكوت السموات أعظم منه”.

بين المولودين من النساء لم يقم أعظم من يوحنا المعمدان، لم يقم أعظم من يوحنا المعمدان بين المولودين من النساء، ولكن الأصغر في ملكوت السموات أعظم منه.

يوحنا بن زكريا، يوحنا أو يحيى بن زكريا، يوحنا بن زكريا هو ابن زكريا الكاهن من سبط لاوي وأمه اليصابات ولها نسب قرابةٍ لأم يسوع، فتوجد بعض القرابة الجسدية بين يوحنا بن زكريا وبين يسوع.

يوحنا وفي معناه الختان ولكنه كان مرعباً في كرازته: “يا أولاد الأفاعي من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي فاصنعوا أثماراً تليق بالتوبة”، فكانت كرازته ناموسية من شريعة موسى، القاتل يُقتل والذي يتعدى وصية من وصايا موسى ولو نقطة منها يكون متعدياً كل الناموس، لذلك يقول: توبوا “قد وضعت الفأس على أصل الشجرة فكل شجرةٍ لا تصنع ثمراً تُقطع وتُلقى في النار”، التوبة، وهي كرازة معناها هلاكٌ أبديٌّ لكل الجنس البشري الساقط في خطية أبيهم هذا والساقط في الطبيعة بالفساد، فالحكم على جميع الجنس البشري. النار.

“كل شجرةٍ لا تصنع ثمراً تقطع وتلقى في النار”، النار الأبدية، فقد كانت كرازته ناراً ملتهبةً بالرغم من هذا الاسم يوحنا، كان “صوتُ صارخٍ في البرية” كان في البراري كما تنبأ إشعياء صوتٌ لصارخٍ، “صوتُ صارخٍ في البرية، أعدوا طريق الرب (اصنعوا سبله مستقيمة)، كل وطاءٍ يرتفع وكل جبلٍ وأكمةٍ ينخفض ويصير المعوج مستقيماً والعراقيب سهلاً فيُعلن مجد الرب”، فيأتي الرب، جاء ليعد الطريق أمام الرب، وقد كان بهذا المعنى ملاكاً كما كان صوتُ صارخٍ في البرية، كان ملاكاً مرسلاً من الله ليهيء الطريق أمام الرب كما تنبأ إشعياء، وهذا ما قاله الملاك جبرائيل وهو يبشر بولادته أنه يتقدم أمام الرب ليعد الطريق أمامه “لكي يهيء للرب شعباً مستعداً”.

على أنه لم يكن مجرد صوتُ صارخٍ ولا ملاكاً مرسلاً بل كان هو إيليا، إيليا، عندما ظهر إيليا من السماء على جبل التجلي مع موسى ثم أخذت السحابة موسى وإيليا وارتفعت بهم إلى السماء اندهش التلاميذ بطرس ويعقوب ويوحنا وسألوا سيدهم: إذاً، فلماذا قيل أن إيليا يأتي أولاً؟ فشرح لهم الأمر أن إيليا قد جاء وأنهم صنعوا به ما أرادوا كما سيفعلون في ابن الإنسان، فظن وعلم وعرف التلاميذ أنه يتكلم عن يوحنا وهذا ما أثبته الرب في قوله: “وإن أردتم أن تقبلوا فهذا هو إيليا المزمع أن يأتي” لجماعة الكتبة واليهود والفريسيين الذين ينتظرون إيليا، وتنبأ عنه في ملاخي أنه سيأتي فقد أتى، هذا هو يوحنا في عظمته.

وفي هذه العظمة هو أعظم من جميع المولودين من النساء: “مولود المرأة قليل الأيام وشبعان تعباً”، “قليل الأيام وشبعان تعباً”، ها هو أعظم في  قلة الأيام  وشدة التعب، أو من ناحيةٍ أخرى أنه وإن كان ابن امرأةٍ، مولود المرأة، وإن كان قليل الأيام وشبعان تعباً، وإن كان قد قُطع رأسه ومات قتيلاً تحت الأحكام البشرية إلا أنه كما يقول السيد: أعظم “لم يقم من بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا”، أي أنه وصل في العظمة إلى درجة أعظم مولود للمرأة، إلى هذه الدرجة؟ هل وصل غيره أم لم يصل؟ هذا ليس بالأمر المهم، المهم أنه لم يقم أعظم منه، عظمةً لها معناها، اتصاله المباشر بالمسيح هنا العظمة، الصلة بالمسيح، الصلة بالمسيح هي التي أعطته هذه العظمة لأن المسيح أعظم إلي درجة لا يمكن أن تقاس، عظيمٌ جداً، وله العظمة والسلطان والمجد، فكانت عظمة يوحنا أنه كان أقرب المقربين إلى هذا الإنسان العظيم الرب يسوع المسيح، أقرب المقربين إليه، عندما كان يسوع بعد في البطن في بدء البشارة كان هو في الشهر السادس في بطن أمه ولما سمع أم يسوع وسمع سلامها على أمه أليصابات ارتكض في البطن بقوة الروح القدس فرحاً وبهجةً وتهليلاً وهذه كانت أول علاقة له بيسوع، فقد أتى ليعد الطريق أمامه كما رأينا وقد مضت أربعة أجيال على آخر نبوة نطق بها ملاخي لمجيء هذا النبي إيليا: يوحنا المعمدان. 

لا شريعة إلا شريعة موسى، لا إعلان إلا ما أعلن على جبل سيناء لتلك الأمة فكان هو خاتم هؤلاء الأنبياء، من موسى إلى إيليا، من موسى إلى يوحنا المعمدان، فالناموس من موسى إلى يوحنا، فكان هو الناموس بكل ما فيه من معنى ليعد الطريق أمام الإنجيل فإذ أتى هو يقول: “توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السموات” جاء المسيح ليقول: “توبوا وآمنوا بالإنجيل”، الإيمان بالإنجيل.

وما أعظم الفرق، “الناموس بموسى أعطيَ”، والناموس من موسى إلى يوحنا، “وكل تعدٍ ومعصيةٍ (على الناموس) نال مجازاةٍ عادلة، فكيف ننجو نحن إن أهملنا خلاصاً هذا مقداره”، إنجيلاً بشارةً تبدأ بآياتٍ عظيمةٍ وعجائب وشهادة الروح القدس، كان عظيماً، وما أعظم أن يتصل بأعظم عظيم في العالم والسماء والأرض.

عمَّده ورأى الروح القدس نازلاً مثل حمامةٍ وشهد أن “هذا هو ابن الله”، ولا يسعنا الوقت أن نتكلم عن عظمة يوحنا المعمدان لا في ذاته بل في اتصاله بأعظم مولود في العالم، بيسوع، بتلك العظمة، لاعظيماً في ذاته بل في اتصاله، فقد كان هو آخر نبيّ وقد رأى السيد وارتكض في البطن وعمَّده ونادى به، وماذا قال؟ “لست مستحقاً أن أحُل سيور حذائه”، “يأتي بعدي من هو أقوى مني”، “لست أهلاً أن أنحني أمامه وأحُل سيور حذائه”، لست أهلاً، وهذه هي العظمة.

ولكن يوجد من هو أعظم منه: “الأصغر في ملكوت السموات أعظم منه”، الأصغر في ملكوت السموات.

الذي ينادي به والذي يعلم به ملكوتاً أرضياً تأسس على جبل سيناء، له أنظمة في الأكل والشرب والأعياد والمواسم والحج وما شاكل، ثلاث مرات في السنة يعيدون، يحجون إلى أورشليم، هذا كان للناموس على جبل سيناء وكان هو آخر نبي، من موسى إلى يوحنا المعمدان، ماذا بعد ذلك؟ ظهر ملكوت الله بالإنجيل “ليس أكلاً وشرباً بل هو برٌّ وفرحٌ وسلامٌ في الروح القدس”، بهجة قلب، خلاصٌ أبديٌّ، خلاصٌ بالإيمان “لابدم تيوسٍ وعجولٍ معروفٍ سابقاً”، مقدَّماً لله بروحٍ أزليٍّ منذ الأزل إلى الأبد.

وهنا نستطيع أن نرى إبراهيم، يوحنا من نسله، ونبدأ من بني إبراهيم حسب الجسد معلماً مرشداً بجبل سيناء ولكن إبراهيم كان له ابنان الواحد من الجارية والآخر من الحرة، الواحد مولود حسب الجسد والآخر حسب الموعد، فأولاد إبراهيم حسب الجسد هم أولاد جبل سيناء من موسى إلى يوحنا، وأولاد إبراهيم حسب الموعد هم جميع أمم الأرض من كل أمةٍ ولسانٍ وشعبٍ وقبيلةٍ متسربلون بالثياب البيض لأنهم مغتسلون في دم الحمل.

وما أعظم الفرق بين أولاد إبراهيم حسب الجسد وأولاد إبراهيم حسب الموعد، فأولاد إبراهيم حسب الجسد أمةٌ معينةٌ تأسست عند جبل سيناء وانتهت عند معمودية يوحنا معمودية التوبة، وجاء إذاُ الإنجيل  “آمن إبراهيم بالله فحسب الله له الإيمان براً”، “بالنعمة أنتم مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم”، وأصغر الأصغرين في هذا الإيمان بابن الله الوحيد أعظم بكثير من أعظم نبي بحسب الناموس الموسوي.

كان يُنتظر أن يعتبر امتيازاً عظيماً أن يأتي الرب إليه ويقضي على الأمة الرومانية ويفتح أبواب السجن الرومانية وإذ لم يأتِ السيد وقع الشك وأرسل يسأله: “أنت هو الآتي أم ننتظر آخر”، وهذا الخوف من المعمدان الذي رأى ابن الله رؤى العين ورأى السماء مفتوحة وسمع الصوت: “هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت”، ولكن الأصغر في ملكوت السموات من هذا القبيل أعظم منه لأنه لم يكن يدرك الملكوت، وكل أصغر صغير يدرك حقيقة هذا الملكوت حسب الكتب، أعظم منه.

فمن هو الذي يكرمه الله ويعظمه الله ويرفعه الله؟ تقول لنا الآية: “الحق أقول لكم لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا ولكن الأصغر في ملكوت السموات – ملكوت الله – أعظم منه”، فهل ندرك هذه الحقيقة وهل نفهم هذا المعنى السماوي.

  الأزبكية   الأحد   19 / 11 / 1978

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *