فهرس الموضوع

الكاتب
القس ثروت ثابت
راعى الكنيسة الإنجيلية بالعباسية
سنودس النيل الإنجيلي
الكنيسة الإنجيلية المشيخية بمصر
النجاح المتوازن في حياة القادة
– شخصية غايس (3يوحنا)
قائد مسيحي من القرن الأول، كتب إليه الرسول يوحنا رسالته الثالثة، ربما قبل المسيح مُخلصًا نتيجة تبشير يوحنا، إسمه اللاتيني “كايوس” ومعناه فرحان، وقد ذكرت بعض التقاليد إن الرسول يوحنا أقامه أُسقفًا في كنيسة برغامس. أشاد به ودعاه بالحبيب أربع مرات في هذه الرسالة القصيرة (ع1 و 2 و 5 و 11) ووجه له التحية لأمانته، وكرمه، وثباته في الحق، وإليكم بعضًا من صفاته كقائد وخادم ونموذج للنجاح المتوازن والذي نحتاجه بشدة في تلك الأيام
أولاً- غايس والنجاح المتوازن
“أَيُّهَا الْحَبِيبُ، فِي كُلِّ شَيْءٍ أَرُومُ أَنْ تَكُونَ نَاجِحًا وَصَحِيحًا، كَمَا أَنَّ نَفْسَكَ نَاجِحَةٌ” (3يوحنا 2) واضح إن غايس كان صحيحًا في الروح، لكن ربمًا ضعيفًا في الجسد، لذا صلى يوحنا من أجله أن يكون ناجحًا في كل شي، فالنجاح لا يُختزل في مجرد صحة روحية أو نفسية أو جسدية فقط، أو الحصول على شهادة جامعية، أو وظيفة ما، بل أن نكون ناجحين في كل شىء، وكما قال د.ق جون ستوت “ليتنا نحب حياة الإتزان بقدر ما يكرهها الشيطان”
كلما كان الإنسان في علاقة صحيحة مع الله كان هكذا في علاقته مع نفسه، فيقبلها ويحترمها، وبالتالي مع الآخرين فيقبلهم ويحترمهم ويخدمهم، وهكذا في علاقته بالأشياء فيستخدمها ولا يدعها تستخدمه
الصحة الروحية كالجسدية تحتاج جهاد، وانضباط، والتزام، بكل القواعد، فكما نُدقق فيما يدخل إلى جوفنا من طعام، هكذا ينبغي أن ندقق فيما يدخل إلى عقولنا من أفكار، الطعام الفاسد يفسد الجسد، وهكذا الأفكار الفاسدة تُفسد النفس والروح. كلما كنا أصحاء روحيًا، كنا قادة أصحاء لنا بصمة جيدة، وقدوة صالحة، وتأثير مبارك.
ثانيًا-غايس يعرف الحق، ويسلك بالحق
“لأَنِّي فَرِحْتُ جِدًّا إِذْ حَضَرَ إِخْوَةٌ وَشَهِدُوا بِالْحَقِّ الَّذِي فِيكَ، كَمَا أَنَّكَ تَسْلُكُ بِالْحَقِّ” (3يوحنا 3) معرفة الحق جيدة، لكنها غير كافية، فكثيرون يعرفون الحق ويحيدون عنه، ولا يطبقونه، أما غايس فعرف الحق وعاشه مع القريبين، والبعيدين، فشهد له قائده الرسول يوحنا قائلاً “أَنْتَ تَفْعَلُ بِالأَمَانَةِ كُلَّ مَا تَصْنَعُهُ إِلَى الإِخْوَةِ وَإِلَى الْغُرَبَاءِ” هناك فرق كبير بين المعرفة والتعلم، فكونك تعرف شيئًا يختلف تمامًا عن كونك تعلمته وتمارسه، فالتعلم عبارة عن ثلاث حلقات مترابطة
أ-الإستماع أو المشاهدة ،ب-الفهم والتحليل جـالتطبيق ، لو سقطت واحدة منهم لم نكن قد تعلمنا.
إن معرفة الحق وتطبيقه دليل صحة الإيمان، والصدق مع النفس، وعلامة للنضج النفسي والروحي، ودخولنا للعمق الروحي الحقيقي، فنكون شبه المسيح، وبركة لغيرنا فنربحهم بدون وعظ “حَتَّى وَإِنْ كَانَ الْبَعْضُ لاَ يُطِيعُونَ الْكَلِمَةَ، يُرْبَحُونَ بِسِيرَةِ النِّسَاءِ بِدُونِ كَلِمَةٍ” (1بطرس 3 : 2) أما معرفة الحق فقط دون تطبيق لها أضرارًا كثيرة إذ إنها تجعلنا متزمتين، متطرفين، متعصبين، منفرين لغيرنا، مُتكبرين علم – حب = إنتفاخ + تكبر. “الْعِلْمُ يَنْفُخُ، وَلكِنَّ الْمَحَبَّةَ تَبْنِي” (1كورنثوس 8 : 1) “ولكِن كُونُوا عَامِلِينَ بِالْكَلِمَةِ، لاَ سَامِعِينَ فَقَطْ خَادِعِينَ نُفُوسَكُمْ، لاَ تَكُونُوا مُعَلِّمِينَ كَثِيرِينَ يَا إِخْوَتِي، عَالِمِينَ أَنَّنَا نَأْخُذُ دَيْنُونَةً أَعْظَمَ” (يعقوب1: 22، 3: 1)
وعلى الجانب الآخر هناك بركات كثيرة لمن يطبق الحق “سَعِيدٌ هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي يَتَرَأَّفُ وَيُقْرِضُ. يُدَبِّرُ أُمُورَهُ بِالْحَقِّ. لأَنَّهُ لاَ يَتَزَعْزَعُ إِلَى الدَّهْرِ. الصِّدِّيقُ يَكُونُ لِذِكْرٍ أَبَدِيٍّ. لاَ يَخْشَى مِنْ خَبَرِ سُوءٍ. قَلْبُهُ ثَابِتٌ مُتَّكِلاً عَلَى الرَّبِّ. قَلْبُهُ مُمَكَّنٌ فَلاَ يَخَافُ حَتَّى يَرَى بِمُضَايِقِيهِ” (مزمور112 : 5 – 8).
ملاحظتان:
–قل الحق، ولكن بأسلوب مُبطن بالحب واللطف، حتى لا يرفض الحق بسبب قسوتك “بَلْ صَادِقِينَ فِي الْمَحَبَّةِ، نَنْمُو فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَى ذَاكَ الَّذِي هُوَ الرَّأْسُ: الْمَسِيحُ” (أف 4 : 15) من فضلك تدرب أن تقول الصدق والحق بمحبة، كن فطنًا لا فظًا، لطيفًا لا عنيفًا مع أهل بيتك، ومن تخدمهم وتقودهم.
-إن نجحت في تطبيق الحق، لا تتكبرعلى الذين يحاولون أن يتعلموا، لا تدين من هم في بداية الطريق خاصة أطفالك. من أقوال الأب متى المسكين في هذا الشأن “في كل مرة دافعت عن الحق بدون حب ضاع الحب، وما وصلت للحق، لكن في كل مرة فضّلت الحب على الحق، ثبت الحب وما ضاع الحق” الحق والحب مُعادلة صعبة لكنها حق كتابي جميل لابد أن نتدرب عليه ونصارع فيه ليصير واقع عملي في حياتنا وممارساتنا في البيت، والكنيسة، والمجتمع.
يارب علمني ودربني أن أقول الصدق، والحق ولكن بمحبة ولطف حتى لا أهدر كرامة إخوتي، ولا أضيع الحق.
ثالثًا – غايس وحياة الأمانة والإخلاص.
كان غايس يصنع كل شيء بأمانة للإخوة وللغرباء، من هنا نعلم أن الأمانة قيمة لا تتجزأ، وأن التعامل بأمانة وإخلاص مع كل من حولك احتياج مُلح في ذلك العصر، بغض النظر عما صنعوه معك في الماضي، وما سيصنعوه في المستقبل فهذا يجعلك كقائد وخادم صاحب بصمة وتأثير إيجابي. كن مُتمثلا بالمسيح الذي عامل اليهود بأمانة رغم ما حدث منهم في الماضي من مقاومة واضطهاد عنيف لشخصه وعائلته في ميلاده وبداية خدمته، وعلمه بما سيحدث منهم في المستقبل (الصليب) فترى ما هو مفهومنا للأمانة؟ وما بركاتها، وحدودها، وتكلفتها؟
- الأمانة ألا تستهين بأي مسئولية تُسند إليك.
- ألا تعمل كمن يرضي الناس، ولا بخدمة العين، ولا بفلسفة على قد فلوسهم.
- الإجتهاد في العمل واتقانه.
- الإلتزام بالعهود والإيفاء بها تجاه أسرتي، وكنيستي، ووطني؟
- أن نتاجر بوزناتنا ونربح لمجد الله واتساع ملكوته.
لللأمانة بركات متعددة “اَلرَّجُلُ الأَمِينُ كَثِيرُ الْبَرَكَاتِ” (أمثال 28 : 20) “عَيْنَايَ عَلَى أُمَنَاءِ الأَرْضِ لِكَيْ أُجْلِسَهُمْ مَعِي. السَّالِكُ طَرِيقًا كَامِلاً هُوَ يَخْدِمُنِي” (مزمور 101 : 6)، مزيد من المسئوليات في الخدمة “أُقيمكَ على الكثيرِ” (متى 25 : 21)، كما تجنبنا الكثير من الكوارث.
- لكن الأمانة مُكلفة، ولا حدود، أو سقف لها “كن أمينًا إلى الموتِ فسأُعطيكَ إِكليلَ الحَياةِ” (رؤيا 2 : 10).
ليعطنا الرب ان نكون مثل غايس متزنين لا متطرفين ناجحين في كل شىء، لا شىء على حساب شىء والرب معكم
محبكم ق/ ثروت ثابت
1/ 4/ 2021