
الكاتب
القس صموئيل عطا
سنودس النيل الإنجيلي
الكنيسة الإنجيلية المشيخية بمصر
اكتسحت صور الكاتبة نوال السعداوي مواقع التواصل الاجتماعي إبّان خبر وفاتها يوم 21 مارس والذي جاء موافقا لاحتفال عيد الأم، والذي اعتبره البعض بمثابة تكريمًا لها حيث تصادف يوم وفاتها مع يوم تاريخي كهذا.
وفي الحقيقة ذاع صيت الكاتبة نوال السعداوي في وفاتها أكثر منه في حياتها بالرغم من شهرتها الواسعة لدى المثقفين والمطّلعين، إلا أن خبر وفاتها جعل من لم يسمع عنها في حياتها قد سمع وعرف، ومن لم يكن قد اطّلع على آرائها وأفكارها قد اطّلع، وهكذا اختلفت الآراء، وساد الجدل حولها في مختلف مواقع التواصل، فهناك من كفّرها، وهناك من قدّرها، وهناك من طلب لها الرحمة، وهناك أيضًا من طلب لها النقمة، وهناك من أدهشته حياتها، وهناك من شمت في موتها، وهناك من أُعجب بفكرها، وهناك من بالغ في نقدها.
وهكذا تضاربت الآراء واختلفت الأحكام بالشكل الذي لم تكن تتوقعه الكاتبة الراحلة، وإن كانت قد رأت جزء منه في حياتها، وقبل أن تصمت حواسها، ويُغيبها الموت تمامًا بعد أن تركت ورائها كل هذا التأثير في المجتمع عن عمر يناهز تسعين عامًا.
لكن القضية هنا هى ما نتفق ونختلف حولها ألا وهى حرية التفكير والتعبير، ليس فقط في قضية الكاتبة نوال السعداوي، بل بصفة عامة هل نطّلع على الأفكار المطروحة بشجاعة؟ هل لدينا النظرة الموضوعية التي تميز بين الفكر وشخص المفكر؟ هل نبحث في الأفكار ونُقيّمها في ضوء خلفياتنا، وثقافاتنا، وتراثنا؟ هل عندنا القدرة على دحض الأفكار المختلفة في ضوء الأدلة العلمية وأيضًا في نور الخلفية الكتابية؟
فعلى سبيل المثال نتفق مع الكاتبة الراحلة آرائها التنويرية التي تتبنى النظرة الإيجابية والموضوعية خاصة في موضوع المرأة، حيث تنادي باحترام عقل المرأة، وتقدير أنوثتها، والمطالبة بحقوقها، والحث على التنشئة السليمة القائمة على تطبيق العدل والمساواة في الحقوق والواجبات، كما نتفق معها أيضًا في المطالبة بتجريم ختان الإناث، وقهرهنّ، وتشويههنّ، جسديًا، ونفسيًا، وغيرها أيضًا من القضايا المجتمعية الهامة التي ناضلت لأجلها طيلة عمرها.
لكن قد نختلف معها أيضًا في بعض الآراء، فعلى سبيل المثال في فكرة ما بعد الموت، حيث أن جميع الأديان بصفة عامة تنادي بفكرة الثواب والعقاب، وبصفة خاصة يُعلّمنا الكتاب المقدس أنه “وُضع للناس أن يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة” (عب 9 : 27 )، وأيضًا يُطوّب الأموات الذين يعيشون في التقوى ومخافة الله قائلًا: “طوبى للأموات الذين يموتون في الرب نعم يقول الروح لأنهم يستريحون من أتعابهم وأعمالهم تتبعهم” (رؤ14 : 13 )، وأيضًا يقول السيد المسيح للص المصلوب معه حينما طلب منه الغفران: “اليوم تكون معي في الفردوس” (لو 23 : 43) وغيرها من النصوص التي تتحدث عن الأبدية وتعطينا تعزيةً ورجاءً، لكننا مدعوون أيضًا أن نعيش حياتنا الحاضرة هنا على الأرض في تناغم وتفاعل مع باقي خليقة الله التي أوكلنا عليها، وهكذا فنقضي الحياة في محبة الله ومحبة الآخرين أيضًا.
لذلك فعلينا أن نُفكّر ولا نُكفّر، وأن نبحث ونفحص، وأن نأخذ دائمًا من كل شيء ما يفيدنا، وما يساعدنا على التقدم والرقي، وأن نرفض أيضًا ما يتعارض مع إيماننا بعد بحثٍ وفحصْ.