
الكاتب
القس سهيل سعود
تعاطى كلفن بشكل كبير في المرحلة الثانية من حياته، مع المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي برزت أثناء رعايته لكنيسة جنيف، ووضع لاهوتًا عمليًا يحاكي احتياجات الناس. في العام 1540، كانت تشهد المدينة تدفقا مستمرا لأعداد كبيرة من اللاجئين، إذ صار هناك ضغوطًات كبيرةعلى موارد جنيف المالية والاقتصادية والسكنية، الأمر الذي خلق حالة اجتماعية واقتصادية ضاغطة، مما أدى الى: ارتفاع في الأسعار، انخفاض في الرواتب، وبطالة. وبالتالي، زيادة كبيرة في أعداد الفقراء، من القاطنين والوافدين، فوضع استراتيجية، كتابية ولاهوتية وروحية، لمساعدة الناس ، وحمايتهم من الاستغلال، والحفاظ على كرامتهم. في التعليمات الكنسية ، التي أصدرها كلفن عام 1548 ، وضع تفصيلات أساسية عرّف فيها دور الكنيسة في الخدمة الاجتماعية. تناول كلفن موضوعات تشدّد على انسانية الانسان، حسن الضيافة، نكران الذات، وخدمة الآخرين من الفقراء والمحتاجين. وبالرغم من أنه لم يكن مجرّد راعيًا للكنيسة، ولم يحصل أبدًا على موقع رسمي، إلاّ أنه وللثقة التي وضعت فيه، صار يُستشار في كل قضية صغيرة وكبيرة، وحتى كان يُستشار في السياسات الخارجية والدبلوماسية والمسائل القانونية والتشريعات الاجتماعية والاقتصادية والمالية. تحوّل كلفن ليس فقط الى مصلح انجيلي، ولاهوتي مميز، واداري منظم لهيكلية الاصلاح في جنيف، وانما أيضا الى حاكم فعلي للمدينة، ومشرّع للكثير من القوانين والأنظمة التي ساعدت الناس الفقراء.
شكلّ كلفن في مدينة جنيف حيث كان راعيا، مجلسًا كنسيا خاصا ، مؤلفًا من 9 قسوس منتخبين من من رعايا كنائسهم، و12 شيخا علمانيا، و4 موظفين ، اتخذ الاجراءات التالية: تأسيس صندوق لدعم الفقراء. تحديد أسعار المواد الغذائية، لا سيّما الخبز واللحم، ومراقبة تنفيذها. تحديد ساعات العمل اليومية للعاملين . إعطاء رواتب عادلة. مراقبة الممارسات المالية غير الشرعية. و تأسيس شبكة أمان اجتماعي لللفقراء إلى أية جنسية انتموا. اهتم المجلس الكنسي ليس فقط بسد الحاجات الضرورية للفقراء، وإنما بمساعدتهم على تأمين فرص عمل وإيجاد وظائف مفيدة للمجتمع، للتخفيف من أزمة البطالة المتكاثرة. وضع معظم مسؤوليات الخدمة الاجتماعية بإدارة شمامسة كنائس ، كما انخرط في خدمة الناس، رجال أعمال، ونبلاء ومثقفو جنيف، فاشتركوا مع نساءهم في الخدمة، حيث قاموا بجمع المساعدات وتوزيعها على الفقراء. كما أن كلفن بنفسه اشترك بجمع المساعدات من مالية وغيرها من سكان جنيف وقدّمها للفقراء. وعندما اصبح بعض الفقراء مكتفين ماليًا، اشتركوا هم أيضا في خدمة التاس المحتاجين. آمن كلفن بأن على السلطات الكنسية والمدنية أن يعملا معًا، من أجل تشريع وتنفيذ السياسات الاجتماعية والاقتصادية، التي تساهم في الخير العام للناس، وتشد أواصر الأخوّة، والتضامن الاجتماعي . طالب كلفن القيادات الكنسية في جنيف، التعاون ودعم نظام الخير العام، الذي كانت تقدمه البلديات. أسس مستشفى خاص للاجئين، لتزويد الناس ليس فقط بالرعاية الطبية، ولكن أيضًا بالطعام والمسكن للأرامل والأيتام والمسنين. أسس مصنع لصناعة الثياب، وألحقه بالمستشفى . وقد أعطى تعليمات لإدارة المستشفيات ، بضرورة زيارة الأطباء لمرضاهم في الأحياء الفقيرة التي كانوا يسكنون فيها، لأن المحبة تتطلب منهم ذلك، كما كان يردد، ، مما ساهم في شعور الفقراء والمحتاجين بالأمان.
وفي العام 1569، تبنّى مجلس مدينة جنيف تعليمات كلفن حول تنظيم الطب، والصيدلة، والعمليات الجراحية. ولأن كلفن آمن في أهمية التربية في تغيير أحوال الناس، أسّس مدارس للتعليم المجاني للاجئين وجعل التعليم إلزاميا للذكور والإناث. أما الذين تقدموا في السن، ولم يكن لديهم المؤهلات الكافية للحصول على فرصة عمل، فإنه أعاد تأهيلهم وتعليمهم ليحصلوا على الكفاءة ويصبحوا قادرين على إيجاد فرص عمل. وقد كان فخر المدينة، أنه لم يكن هناك متسوولون في ارجاءها، بالرغم من الضغوطات الاقتصادية والاجتماعية التي واجهتها. وبسبب اجراءات كلفن المتعددة في جنيف ، صارت تُعرف جنيف آنذاك في كل أوروبا ، بأنها المدينة الأكثر رحمة في التعامل مع الفقراء الذين وفدوا اليها. وعرفت جنيف بأنها المركز البروتستانتي الأكثر شهرة في أوروبا، إذ تحت قيادته صارت تسمى جنيف “روما البروتستانتية”. اعتقد المؤرخ أوبرمان هايكو، بأن كلفن لم يكن فقط مصلحا لجنيف، ولكنه تجاوز جنيف ليصير مصلحا لكل حالة أوروبا المضطربة في زمنه.
بلادنا هي الآن على حافة انهيار اقتصادي مالي اجتماعي، وأكثر من نصف شعبنا أصبحوا على حافة الجوع. فكم تنقص كنائسنا ومؤسساتنا بشكل عام، والكنائس الانجيلية المصلحة بشكل خاص التي اتّخذت اسمها من المصلح جان كلفن هذ اللاهوت العملي الذي يحاكي احتياجات شعبنا في هذه الأيام العصيبة.
موقع جميل رائع
الرب يبارككم
شكرًا اخ بولس لتشجيعكم. ربنا يبارككم.