
الكاتب
القس صموئيل عطا
سنودس النيل الإنجيلي
الكنيسة الإنجيلية المشيخية بمصر
لم تكن رسالة الإنجيل الحقيقية هي تغيير النظم السياسية أو الاجتماعية القائمة والسائدة في المجتمع، بل هي العمل على تغيير الناس أو الأشخاص داخل هذه النظم، وذلك من خلال التأثير الرائع الذي تتركه في نفوسهم، والذي يؤدي بدوره إلى تغيير الحياة إلى الأفضل والأحسن، خاصة بعد تجاوبهم مع هذه الرسالة، التي فحواها المحبة والتسامح وقبول الآخر والتعايش معه، بالإضافة إلى القداسة والطهارة والعفة والأمانة وغيرها من الصفات النبيلة والرفيعة المستوى، والتي إذا تحلى بها أي انسان لصار شخصًا سويًا ناجحًا ونافعًا لمجتمعه أيضًا، وتكون بذلك المسيحية (دون التقليل من دور تعاليم باقي الأديان الأخرى) بمثابة مصنع كبير ينتج للمجتمع شخصيات نافعة فعالة وقادرة على الإنتاج، مع ملاحظة أن هذا ما تحاول الدولة حاليًا جاهدة زرعه وغرسه في المواطنين، من خلال وسائل الإعلام وغيرها ألا وهو مبدأ “ابدأ بنفسك أولاً”، لأنه عندما يتغير الفرد وطريقة تفكيره ونظرته لنفسه وللمجتمع حوله وللآخر أيضًا، الذي يشاركه نفس المجتمع، سيؤدي ذلك إلى الارتقاء بالمجتمع ككل، ولنا في ذلك أمثلة من الكتاب المقدس تثبت أن الإنجيل يغير الأشخاص أولاً، لا النظم، بالرغم من عيوب ومساوىء تلك النظم، وهذا لا يعني أننا لا نثور على النظام السىء، أو نكون أشخاصًا سلبيين في المجتمع، لكن هنا أقصد تخصص الإنجيل في تغيير الأشخاص الذي يقود بدوره أيضًا إلى تغيير بعض النظم المعيبة بطريق غير مباشر على المدى البعيد، فمثلا الإمبراطورية الرومانية قديمًا، كنظام سياسي كانت تشوبه الكثير من العيوب والمساوىء في ذلك الوقت، وحدث إنه عندما جاء المسيح استقبله اليهود بسعوف النخيل هاتفين له: “أوصنا لابن داود” ظنًا منهم أنه سيغير ذلك النظام الروماني المستبد، وأنه سيعتقهم من استبداده وسطوته، لكنهم صدموا عندما أعلن أن مملكته ليست من هذا العالم، بالإضافة إلى قوله الشهير “اعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله”، وأنه لم يأت ليغير أنظمة بل أشخاصًا بعينهم كالسامرية وزكا العشار، والتي أمسكت في ذات الفعل وغيرهم، مما يؤدي في النهاية إلى التأثير الإيجابي على المجتمع من خلال تأثير هؤلاء الأشخاص.
وأيضًا على سبيل المثال نظام الرق، كنظام اجتماعي، كان سائدًا بين الشعوب في العصور القديمة، فنجد أن الإنجيل لم يؤيده، وأيضًا لم يدعو لتغييره، لكنه جاء إليه برسالة سامية وفريدة من نوعها، بأن يدعو السادة أن يعاملوا عبيدهم معاملة طيبة، وألا يقسوا عليهم، وأيضًا العبيد أن يطيعوا سادتهم (كو 3 : 20) “أيها العبيد أطيعوا في كل شىء سادتكم حسب الجسد، لا بخدمة العين كمن يرض الناس، بل ببساطة القلب خائفين الرب”. فكان غرض الإنجيل الأساسي هو تغيير الناس وسلوكياتهم، ومثال ذلك من الكتاب أيضًا هو السيد فليمون، الذي كان أخًا في كنيسة كولوسي، والذي كتب إليه الرسول بولس ملتمسًا منه أن يقبل عبده الهارب أنسيمس، لا كعبد بل أخًا حبيبًا بعد أن تغيرت حياته بقبوله رسالة الإنجيل، بالرغم من أنه كان قد سرق سيده فليمون وهرب منه إلى روما، وهناك تقابل مع الرسول بولس، وتقابلت معه النعمة، عندما بشره الرسول بالإنجيل، وهنا نرى مدى تأثير هذه الرسالة على الأشخاص، فكان من حق فليمون أن يقتل عبده الهارب، لكنه تجاوبًا مع رسالة الإنجيل المغيرة لم يفعل ذلك، بل عفا عنه وقبله كأخ وليس كعبد، لأنه أدرك أنهما أصبحا عضوان في عائلة الله، وأن “في المسيح ليس يوناني ويهودي، ختان أو غرلة، بربري سكيثي عبد أو حر، بل المسيح الكل وفي الكل”
(كو 3 : 11)، وهذا مثال للتغيير الحقيقي في حياة الأشخاص قبل الأنظمة أو في ظل الأنظمة القائمة في المجتمع، سياسية أو اجتماعية،وهذا لايعنى أن ننفصل عن المجتمع ونصبح أشخاصاً سلبيين، بل يدعونا الله ان نكون إيجابيين ومؤثرين فى المجتمع الذى نعيش فيه فنتغير ونغير، وهذه هي رسالة الإنجيل على مر العصور والأزمنة، فإذا تجاوبنا معها لأصبحنا أشخاصًا مختلفين فعالين بل قادرين أيضًا على مواجهة الأنظمة المعيبة والعمل على تغييرها.