
الكاتب
القس رفعت فكرى
قس إنجيلي بالكنيسة الإنجيلية المشيخية
رئيس مجلس الحوار والعلاقات المسكونية بالكنيسة الإنجيلية بمصر
الأمين العام المشارك بمجلس كنائس الشرق الأوسط
عرضت القنوات الفضائية خلال شهر رمضان أكثر من 25 مسلسلًا، منها ما هو مفيد وبَنّاء ويدعو إلى غرس القيم السامية فى المجتمع، ومنها ما هو مدمر للقيم ويدعو إلى العنف والبلطجة وإراقة الدماء والأخذ بالثأر وتغييب دولة القانون.
كما كانت هناك مسلسلات اهتمت بإبراز الأصولية الدينية وسعيها الحثيث للوصول إلى السلطة من خلال تفسيراتها المغلوطة للموروث الدينى وتحريضها على القيام بأعمال إرهابية ضد الجيش والشرطة ومؤسسات الدولة.
ومن بين المسلسلات التى ناقشت قضية الأصولية مسلسل «الاختيار ٢» و«القاهرة كابول» و«هجمة مرتدة»، وقد ظهر بوضوح فى هذه المسلسلات الدور العظيم الذى يقوم به رجال الجيش والشرطة من أجل الحفاظ على أمن الوطن وسلامة المواطن، كما أبرزت الثمن الفادح الذى دفعه شهداء الوطن وأسرهم من أجل استقرار مصر.
وفى حقيقة الأمر أن مكافحة الإرهاب، كما أنها تحتاج مواجهة مسلحة وقصفًا للبؤر الإرهابية، هى تحتاج أيضًا مواجهة فكرية وقصفًا لكافة الأفكار البالية الداعية إلى تكفير المغايرين واستخدام العنف وإراقة دماء المختلفين.
ولعل ما يقوم به ولى العهد السعودى، الأمير محمد بن سلمان، فى السعودية فى الفترة الأخيرة من تجديد للفكر الدينى هو أفضل وسيلة للقضاء على الإرهاب.
و«الأصولية» مصطلح يدل على التعصب المتمركز حول الدين، والمرتبط بتأويلات خاصة لحقائقه، ويوجد أصوليون متشددون ومتطرفون فى معظم الديانات، وغالبًا ما يعمد «الأصوليون» إلى استخدام النصوص المقدسة لإضفاء المصداقية على أطروحاتهم، ولتأكيد هويتهم. والأصوليون يتمسكون بالماضى، ويرفضون كل جديد، ويحاربون العلم ويصرون على عدم تكييف عقيدتهم مع ظروف الحياة وكل تطور، ويصنفون الآخر بوصفه مختلفًا عنهم، ولهذا ينتهجون معه سلوكًا إقصائيًا، ولا يقرون بذهنيّة التسامح والحوار، ويستعملون بدلًا منهما القوة والعنف الرمزى.
ويقول الفيلسوف الكبير، الدكتور مراد وهبة: «عندما انتقلت الأصولية الدينية إلى الدول العربية والإسلامية، فإنها توجهت رأسًا إلى الجهاد من أجل الاستيلاء على السلطة السياسية، وعلى المجال العام، لتفرض رؤيتها من الداخل والخارج، ومن هنا تولد العنف وصولًا إلى أحداث 11 سبتمبر سنة 2001 وما بعدها، ويكمن خطر الأصوليات الدينية فى أنها مُطلقات، والمُطلقات بالضرورة فى حالة صراع إن لم تكن فى حالة حرب، لأن المُطلق بحكم تعريفه هو واحد بالضرورة، ومن ثَمَّ فهو لا يقبل التعدد، وإذا تعدد فإن مُطلقًا واحدًا هو الذى يشتهى أن يسود، ومن شأن تحقيق هذه السيادة اشتعال الحروب».
والواقع يقول إنه يوجد فى جميع الأديان مَن يتوهمون ويزعمون أنهم نواب الله على الأرض وحراس المعبد، وهؤلاء الأشخاص هم فى الأغلب الأعم يتميزون بضيق الأفق لا برحابة الصدر، ويؤمنون بأحادية الرأى لا بتعدده، يتوهمون أنهم اقتنصوا كل الحقيقة المطلقة، ومن ثَمَّ يعطون لأنفسهم الحق فى وصم مخالفيهم بالكفر والهرطقة، ونسى هؤلاء المتعصبون أنه ليس من حق أحد أن يعتبر نفسه وصيًا على فكر أو أخلاق أى أحد، كما أنه ليس من حق أى جماعة أن تتوهم أنها حارسة المعبد أو حامية الإيمان، ومن ثَمَّ تُعطى لنفسها الحق فى أن تُكفِّر الآخرين أو تتهمهم بالهرطقة، فليت مَن يظنون أو يتوهمون أنهم نُواب الله على الأرض، أو حراس المعبد، أو حُماة الإيمان، أو أسود وذئاب العقيدة، أن يكفوا عن لعب هذا الدور، الذى لن يصنع سوى بطولات كارتونية زائفة، إن الرأى لا يُواجَه إلا بالرأى، والحُجة لا تُقارَع إلا بالحُجة، والفكر لا يُرَد عليه إلا بالفكر، أما أن يُواجَه الفكر والرأى بوصم المخالفين بالتكفير أو التخوين أو الهرطقة، فهذا ما لا يمكن قبوله بأى حال من الأحوال، لأن مصطلحات «التكفير» و«الهرطقة» من مخلفات العصور الوسطى البائدة، وقد عفا عليها الزمن.
إن الأصوليين هم أحوج ما يكونون إلى التنوير، لأن التنوير يعنى الجرأة فى إعمال العقل، والتنوير كما يقول الدكتور مراد وهبة: «على علاقة تناقض حاد مع الأصوليات بسبب رفضها إعمال العقل فى النص الدينى، مما ترتب عليه رفض الأصوليات للحداثة لأن الحداثة هى ثمرة التنوير، وحيث إن الحداثة معادلة للثورة العلمية والتكنولوجية، التى هى ضمير القرن العشرين، فإن الأصوليات فى هذه الحالة يمكن اعتبارها نتوءًا فى مسار الحضارة الإنسانية، وإذا تناولنا العلمانية على أنها مسألة معرفية تخص مجال العقل قبل أن تخص أى مجال آخر، فوفقًا لنظرية كوبرنيكس القائلة بدوران الأرض حول الشمس، فمن ثَمَّ لم تعد الأرض مركزًا للكون، وبالتالى لم يَعُد الإنسان مركزًا للكون، وإذا لم يكن الإنسان مركزًا للكون، فمن ثَمَّ لا يكون من حقه الزعم بأنه قادر على قنص الحقيقة المُطلقة لأن هذا القنص ليس ممكنًا إلا إذا كان الإنسان فى مركز الكون، ومعنى ذلك أن العقل الإنسانى ليس فى إمكانه التفكير بالمُطلق وفى المُطلق، إنما فى إمكانه التفكير بالنسبى وفى النسبى»، فهل يتعقل الأصوليون؟!.
ليت التليفزيون المصرى يهتم فى الفترة المقبلة بإذاعة الأعمال الفنية التى تعرى فكر الإرهاب، فالفن هو القوة الناعمة التى لا يمكننا الاستغناء عنها بجوار قوة السلاح!!.
refaatfikry@gmail.com
نبذة عن الكاتب
الاسم / رفعت فكري سعيد
تاريخ الميلاد / 20 / 6/ 1969
الوظيفة / قس إنجيلي بالكنيسة الإنجيلية المشيخية
رئيس مجلس الحوار والعلاقات المسكونية بالكنيسة الإنجيلية بمصر
الأمين العام المشارك بمجلس كنائس الشرق الأوسط
المؤهلات العلمية :
+ حاصل على بكالوريوس في العلوم اللاهوتية من كلية اللاهوت الإنجيلية 1994
+ حاصل على بكالوريوس إعلام من جامعة القاهرة 2004
+ التحضير لدرجة الماجستير بمعهد البحوث والدراسات الأفريقية – جامعة القاهرة – قسم سياسة واقتصاد بعنوان لاهوت التحرير وأثره في تحرير جنوب أفريقيا
+ محاضر بالمؤتمرات الخارجية والداخلية عن المواطنة وحقوق الإنسان
+ كاتب للعديد من المقالات الأسبوعية في الجرائد المصرية والمواقع الإلكترونية
مؤلفاته :
+ كتاب العنف ضد المرأة
+ كتاب المسيحية والعنف
+ كتاب من قس إنجيلي إلى شيخ الأزهر
+ كتاب الإصلاح الديني بين الشرق والغرب
+ كتاب التسامح الفضيلة الغائبة
+ رئيس سنودس النيل الإنجيلي ٢٠١٨ – ٢٠١٩
+ راعي الكنيسة الإنجيلية بأبو حماد – محافظة الشرقية 1997 – 2000
+ راعي الكنيسة الإنجيلية بأرض شريف – شبرا 2000 – 2015