تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » الأرشيف » نحو أسرة موحدة في عالم مفكك

نحو أسرة موحدة في عالم مفكك

family, child, forest

الكاتب

 القس ثروت ثابت

راعى الكنيسة الإنجيلية بالعباسية

سنودس النيل الإنجيلي 

الكنيسة الإنجيلية المشيخية بمصر 

 

تك 2: 15- 19 ، مت19: 6

نحو أسرة موحدة في عالم مفكك

 -ما المفهوم المسيحي للزواج؟

الإنسان كائن اجتماعي، علاقاتي خلقه الله ليكون في شركة معه شخصيًا، ومع غيره من البشر، لذا رأى الله إنه ليس جيدًا أن يكون آدم وحده فصنع له معينًا نظيره.ومن هنا نفهم أن الزواج نتاج فكر إلهي لا بشري، الزواج مشروع الله لعلاج مشكلة الوحدة لدى الإنسان، وتسديد احتياجاته بأفضل صورة،  لذا صنع له حواء  نظيره،  انتبهوا فالله لم يصنع له آدم آخر، ولم يصنع حواء أقل منه  بل نظيره  أى من نفس نوعه، مناسبة أو مقابلة له في الفكر، والمشاعر، والأحاسيس،  والإرادة،  وفي نفس الوقت متميزة عنه لتُعينه أي تكمله وتدعمه. مما سبق نفهم الآتي:

-لا مكان للزواج المثلي في فكر الله منذ البدء، وما نقرأ ونسمع عنه في هذه الأيام هو شذوذ، وليس زواج و لا نقبله، لأن الله خلق لآدم حواء ولم يخلق له آدم مثله.

 -لا مكان لتعدد الزوجات ولا الأزواج منذ البدء، وإلا لماذا لم يخلق لآدم أكثر من حواء، ولحواء أكثر من آدم؟   

 -حواء مساوية لآدم وليست، إنها ليست مخلوق درجة ثانية، انها ليست ناقص في شيء لأنها من صنع الله الكامل،  ولكونها مخلوق كامل فلها كل الحقوق، وعليها كل الواجبات، لها كل التقدير والاحترام.     
 -حواء قوية وليست ضعيفة، قادرة وليست عاجزة، روعة لا عورة  وإلا ما قال عنها مُعينًا نظيره، والمعونة هنا بالأكثر نفسية وليست جسدية، فآدم في الجنة لم يكن مُحتاجًا لمجهود عضلي في الزرع، والحصاد، والرعي، بقدر احتياجه لمعين نفسي من نوعه وجنسه، يحبه و يتفاهم معه ويرغب في العيش معه طوال الحياة.

مما سبق يمكننا ان نقول إن الزواج  هو مشروع الله للرجل والمرأة فقط،  يبنى على رغبتهما في العيش المشترك مدى الحياة لا يفصلهما إلا الموت، لذا يعتبر الزواج أقدس علاقة إنسانية على وجه الأرض انها اقوى  وابقى من علاقة الشخص بوالديه  “لذلك يترك الرجل أباه وامه ويلتصق بامراته” اي لها الأولوية على كل العلاقات.

 ما أبعاد الزواج؟   

 قال الله “ليس جيدًا أن يكون آدم وحده” من الآية السابقة  نستطيع ان نستنبط بعدين رئيسيين في الزواج :

البعد الإنساني “ليس جيدًا أن يكون آدم وحده” أي ليس حسنًا أن يكون آدم بمفرده  من الناحية  الجسدية ، النفسية، والروحية، والاجتماعية،  فالفكرة أن الزواج  الصحيح يُحقق نوعًا من الوحدة، والانسجام، والصداقة، بين الزوجين، ويُسدد لديهما الكثير من الاحتياجات فكلانا لديه احتياج للحب، والمقبولية، والجنس، والصداقة ، والأمن، ، والاحترام وهذا يتحقق في الزواج الصحيح، لذا يجب أن نجتهد  رجال ونساء لتسديد احتياجاتنا حتى تكون الأسرة (أصغر نواة في المجتمع) قوية، وبالتالي يكون المجتمع قويًا.  

البعد اللاهوتي في الزواج: الله الذي صمم الإنسان وقال “نعمل الإنسان على صورتنا فخلق الله الإنسان ذكرًا وأنثى خلقهما” فالغرض من الزواج ليس فقط  إعانة كل طرف لشريكه، وتسديد احتياجاته، لكن إن تعلن صورة الله الكاملة من خلال اتحاد الرجل والمرأة بالزواج فالرجل بمفرده لا يُعلن صورة الله الكاملة، والمرأة هكذا، لكن كلاهما معًا يعكسان صورة الله. فوحدة الرجل والمرأة رغم تنوعهما تعكس الوحدة التامة في الذات الإلهية رغم التنوع، فنحن نؤمن بإله واحد مثلث الأقانيم.إن الأسرة المُترابطة المتماسكة أجمل وأصدق إعلان  وتعبير عن الله الواحد المثلث الأقانيم. كما أن الرجل والمرأة معًا يحققان صورة الله  الخالق، الأب، الراعي.

 ما مفهوم الوحدة  في الأسرة المسيحية؟

  الوحدة إرادة الله للأسرة، فالله  الله يبغض التفكك- الانقسام- التطاحن والتصارع، إنه يبغض الطلاق وانتم تعلمون أن كل بيت منقسم على ذاته يخرب. عندما أحضر الله حواء لآدم قال “هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي” والعظم في العبري يعني الشيء بعينه  كما في تك29 : 14  “إنما أنت عظمي ولحمي” هكذا قال لابان ليعقوب، واللحم يشير إلى اللطف والإحساس ودماثة الحلق فآدم وحواء وحدة واحدة  بلا أنقسام  او تضارب  يختلفان لكن في جو من الحب، يختلفان لكن لا ينقسمان. اختلافهما ليكلهما ويجملهما.

هل الوحدة طغيان شخصية على الأخرى؟  

الوحدة  في المفهوم المسيحي ليس معناها ذوبان الشخصيتين في بعض فنحصل على  شخصية ثالثة جديدة، ولا طمس لشخصية على حساب الأخرى؟

في الزواج الصحيح المبني على الحب لا المصالح، تحدث وحدة حقيقية بين الزوجين رغم التنوع والتفرد، ولكن لا يزال كل طرف يحتفظ بخصائصه ومميزاته، فالزواج لا يعني ذوبان شخصية في الأخرى أو طغيان شخصية على الأخرى. فالوحدة هنا قبل أن تكون وحدة أجساد هي  وحدة أنفس، وأرواح، وأهداف تقود إلى وحدة أجساد، الوحدة في الزواج وحدة  متنوعة، وحدة  في الجوهر والهدف، ولكن تنوع في الوظيفة والدور . لا نلغي بعض بل نكمل ونجمل بعض. إن طبيعة الوحدة التي يريدها الرب للأسرة كوحدة الثالوث الأقدس يو17: 21  كما سبق وذكرت.

من الذي يصنع الوحدة ؟ وهل للإنسان دور في دوام الوحدة والحفاظ عليها؟

 صانع الوحدة هو الله “فما جمعه الله لا يفرقه إنسان”، الزواج المبني على الحب الحقيقي يدوم ويستمر.لكن علينا دور كزوج وزوجة في الحفاظ على هذه  العلاقة الإنسانية الجميلة،  لنا دور في الحفاظ على وحدتنا، إن أى علاقة إن لم نهتم بها ونراعيها تضعف وتفتر وتتلاشى  لذا يقول الرسول بولس “مجتهدين أن تحفظوا وحدانية الروح برباط السلام” اف4: 3  إذًا الوحدة من صنع الله والحفاظ عليها دور البشر.

ماذا نفعل حتى نحافظ على وحدتنا في الزواج ونكون بحق متحدين في الداخل والخارج؟

انكار الذات، العطاء- الإجتهاد في فهم شريكي وقبوله كما هو فالزواج ليس نهاية الحب، ولكن بداية لحب حقيقي من نوع جديد، ليس فيه التأجج العاطفي (أيام الخطوبة) لكنه قرار إرادي واعي بالتعايش مع شريكي بالرغم من بعض العيوب والضعفات. التدرب المستمر للتُخلص من الصورة الذهنية السلبية عن الآخر – تشجيع نقاط القوة في الآخر، واحترام نقاط الضعف وعدم التشهير بها، أو السخرية منها مز15: 4 التشجيع يجب أن يسبق الانتقاد – ممارسة طرق الله في حل النزاعات، و في حالة الإختلاف في وجهات النظر فالأولوية دائمًا للعلاقة- الحوار يقي من الشجار والنظام يقينا من الصدام. الحوار الراقي وسيلة جيدة وأساسية للحد من الصراعات – الإيجابية (رؤية النصف الملآن قبل الفارغ، وتحويل الأزمة إلى فرصة)

– الإعلان عن الحب، والتعبير عنه بطرق متنوعة مهم جداً لنمو العلاقات داخل الأسرة، والحفاظ على الوحدة – التفكير في الواجبات قبل الحقوق،”ليوف الرجل المرأة حقها، وهكذا لتوف المرأة الرجل حقه” التعرف على  مفتاح شخصية شريكي

– الثقة المتبادلة. فالعلاقات الإنسانية عمومًا  تنموا وتترعرع في جو من الثقة بين الأطراف. 

– التدريب المستمر لأتغير من أجل فهم صحيح وإسعاد حقيقي لشريكي ومن ثم وحدة اكثر بيننا

– الواقعية في الانتظارات من الطرف الأخر. فالزواج المسيحي هو أن يضع كل طرف نفسه من أجل الآخر. الزواج ليس لراحة طرف على حساب الآخر  مما سبق نفهم أن الوحدة بين الزوجين من صنع الله اما الحفاظ عليها فمن صنع البشر فلنجتهد أن نقوم بدورنا  فنعيش أسرة موحدة تعكس مجد الله في عالمنا المفكك.  القس / ثروت ثابت.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *