
الكاتب
القس ثروت ثابت
راعى الكنيسة الإنجيلية بالعباسية
سنودس النيل الإنجيلي
الكنيسة الإنجيلية المشيخية بمصر
الزواج المسيحي الصحيح مشروع الهي عظيم ، ونظام الله الرائع والنموذجي والمثالي للبشرية جمعاء، فالله هو باني الأسرة ومؤسسها كما قال كاتب المزمور ” إن لم يبني الرب البيت فباطلاً يتعب البناءون ” مز127: 1.
إذن ليس للحظ ولا الصدفة أو القسمة والنصيب دور في الزواج لأن باني الأسرة ومؤسسها هو الله الذي أوجد الفكرة وقدسها و خلق وأوجد طرفي العلاقة ووضع فيهم الانجذاب تجاه بعضهم البعض ورسم بنفسه الأطر والمقاييس العامة للاختيار وترك لكل فرد حرية اختيار الشريك الذي يناسبه ويتوافق معه روحيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا
.إذًا فالله في الزواج لا يفرض إرادته على أحد بالإجبار ، لكن إرادة الله وضعت لنا المقاييس والتي على أساسها يجب أن نختار وكل منا مسؤل عن اختياره .الزواج المسيحي جوهره العطاء وانكار الذات فيه يضع كل طرف نفسه من أجل شريكه، فالزواج ليس لراحة طرف على حساب الآخر.
فتــرى ما هـي أهـداف الله من تكويـن الأسرة و تشريــع الــزواج ؟
1- الأسرة هي الإطار المقبول للزواج :
تعتبر الأسرة هي الإطار الشرعي والمجال الاجتماعي المقبول الذي يجمع الفتى والفتاة معًا في مكان واحد وفي علاقة إنسانية مقدسة تجعل من الاثنين جسدا واحدًا، وليس فقط فكر واحد وهدف واحد واتجاهات واحدة واهتمامات واحدة ، والوحدة هنا لا تفهم بطريقة حسابيه لكن تفهم بطريقة معنوية .
2- تكوين مجتمع:
الأسرة الصغيرة نواه المجتمع الكبير، فآدم بمفرده وبكل إمكانياته وقدراته لا يستطيع أن يكون مجتمعا بل دعني أقول إن مائة آدم لا يكونون مجتمعًا ولا يشكلوا عالمًا وهكذا بالنسبة لحواء ،لكن آدم واحد وإلى جواره حواء واحدة يكونان قادرين على تكوين عالمًا ومجتمعا كبيرًا ضخما، وهذا ما كان يهدف إليه الله وما كان في ذهنه عندما خلق آدم وحواء ووضع لهم تشريع الزواج ، كان في فكر الله تأسيس العالم وإقامة مجتمع كبير وعظيم ،لذا نقول أن الأسرة أساس المجتمع والكنيسة وإذا صلح الاساس صلح البناء، فإذا صلحت الأسرة صلحت المدرسة والكنيسة والجامعة والمستشفى وانصلح حال المجتمع كله .
3- توفير الحماية والرعاية:
الاسرة الصحيحة توفر الحماية والرعاية والأمن والأمان لا طرافها ، أراد الله من خلال الزواج أن يحمي كل آدم حواءه وتحمي كل حواء آدمها، فالزواج حماية لكل من الرجل والمرأة من الانحراف والسقوط في الخطية لذا قال الرسول بولس “لأن التزوج أصلح من التحرق “ولكن لسبب الزنا ليكن لكل واحد امرأته وليكن لكل واحدة رجلها “ثم تجتمعوا أيضا معا لكي لا يجربكم الشيطان بسبب عدم نزاهتكم” 1كو 7: 2 ، 3 ،9 . الأسرة هي الكيان الصحيح والصحي الذي يوفر الحماية والأمن والإشباع الروحي والنفسي والعاطفي للزوجين كذلك فهي التي توفر الحماية والرعاية جسديا ونفسيا للأطفال فيما بعد.
إذن فنظام الأسرة هو الذي يحمي الزواج ويرعاه ويعطيه الشرعية ويضمن له الإستمرارية ،فلنحافظ جيدًا على هذا النظام الإلهي( نظام العيلة) ولا نحاول أن نشذ عنه تحت أي ظرف من الظروف أو لأي سبب من الأسباب .
4- المعونة المتبادلة :
من خلال الأسرة نختبر المعونة المتبادلة “ليس جيدا أن يكون آدم وحده فأصنع له معينا نظيره ” تك 2: 18
والمعونة هنا ليس المقصود بها معونة مادية فآدم في الجنة لم يكن في احتياج لمن يعاونه ماديًا لكن المعونة هنا مرتبطة بكيانه كله ووجوده كانسان فكلمة معين هنا معناها مكملة له ،فحواء تقدم معونة لآدم أي تسدد له احتياجاته والتي لايمكن لأي مخلوق آخر أن يسددها كما أن آدم يسدد احتياجات حواء، كما يقصد بكلمة معينا أي متضامنة معه ومرتبطة به لمواجهة كل ظروف الحياة لذا قال سليمان الحكيم “اثنان خير من واحد لأن لهما أجرة لتعبهما صالحة لأنه إن وقع أحدهما يقيمه رفيقه وويل لمن هو وحده إن وقع إذ ليس ثان ليقيمه “جا4: 9، 10
مما سبق نفهم إننا كزوج وزوجه في الأسرة لسنا طرفي نزاع وصراع ، لقد خلقنا الله لا لنتصارع بل لنتعاون معا وليكمل كل واحد شريكة لأننا وجهان لعملة واحدة .
5 – اختبار الحب الإلهي :
من خلال حبنا لبعض داخل إطار الأسرة بما في هذا الحب من عطاء وبذل وتضحية وإنكار للذات نستطيع أن نختبر ونقدر مدى محبة الله لنفوسنا ومدي حب وعطاء المسيح وبذل ذاته من أجلنا، كما أنه من خلال غفراننا لبعضنا البعض نستطيع أن ندرك ونفهم بشيء من الواقعية مدى غفران الله العظيم لنا، ومدى صبره واحتماله لنا ولضعفاتنا ونقصاتنا .
6- الإنجاب والإثمار:
” وقال لهم الله أثمروا وأكثروا وأملأوا الأرض” كان هدف الله من الزواج هو اعمار الأرض واستمرار النسل والحفاظ على النوع وذلك من خلال الإنجاب،
ماذا لو من ننجب؟ لا بد ان ندرك ان الانجاب ليس هذا هو الغرض الوحيد للزواج، فقد يتأخر الإنجاب لدى البعض كما حدث مع اسحق ورفقة تاخر لمدة 20 سنة تك 26، وقد لا يسمح الرب به طول الحياة لبعض الأسر، وليس معنى هذا أن زواجهما فاشل، أو أن الله غاضب عليهما كما يتخيل البعض، ومن يريد أن يُخلد ذكراه في الأرض فذلك ممكن من خلال أن يكون له نسل روحي أولاد وبنات في المسيح يربحهم من خلال كرازته أو مساهماته في خدمـــــــة الرعاية، وهناك آلاف الطرق والوسائل غير الأولاد والبنات التي يمكن بها للشخص أن يخلد ذكراه ” فالصديق يكون لذكر أبدي”
7-المتعة الجسدية بين الرجل والمرأة :
“ليوف الرجل المرأة حقها الواجب وكذلك المرأة أيضا الرجل، ليس للمرأة تسلط على جسدها بل للرجل ،كذلك الرجل أيضا ليس له تسلط على جسده بل للمرأة .لا يسلب أحدكم الآخر إلا أن يكون على موافقة إلى حين لكي تتفرغوا للصوم والصلاة ، ثم تجتمعوا أيضا معا لكي لا يجربكم الشيطان لعدم نزاهتكم”1كو7: 3.
يعتقد بعض المسيحيين إن الرغبة الجنسية جاءت بعض السقوط في الخطية لذا ينظرون لهذه العلاقة على إنها أمر غير مقدس، وهذا كلام غير صحيح لأن الله من البدء خلق الإنسان ذكرًا وأنثى وزودهم بأجهزتهم التُناسلية المُتميزة ووضع فيهم هذه الرغبة والغريزة المُباركة والتي تُمكنهم من تحقيق أغراضه المُباركة من الأسرة والزواج، كما تعاونهم لإسعاد و إمتاع بعضيهما، فإن الله خلق حواء لآدم ليسعد بها وتسعد هي به، والجنس في المسيحية أمر مُقدس وعلاقة مُحترمة للغاية طالما كانت في إطار الزواج المُقدس حيث إنه يؤدي إلى زيادة الشركة والألفة بين الزوجين كما إنه يؤدي إلى بناء وتطوير ونمو واستقرار علاقتهما، بينما ممارسة نفس الفعل خارج نطاق الزواج يعتبر زنى ونجاسة وشر لأنه يؤدي إلى تدمير الشخصيات و وبالتالي إنهيار الأسرة.
إن النظرة المسيحية الصحيحة للجنس إنه ليس مجرد لقاء أجساد كما في الحيوانات ولكنه لقاء أجساد وأرواح وأنفس فيه يؤكد كل طرف للآخر إستمرار الحب والإخلاص والعطاء، لذلك نؤكد أن أحد أهداف الله من الزواج هو المتعة الجسدية من خلال اللقاء الجنسي وهذه المُتعة ليست شرًا ولا خطية ولا يجب أن نمتلأ بالشعور بالذنب إذا فكرنا فيها مارسناها كزوجين.
8- البناء والتمكين رو14: 19، اف 4: 32
بناء والتمكين معناه أن تساعد غيرك ليتحول الى شخص نافع لنفسه وغيره ممتلئ بالأمل والرجاء. كما إنه الإرتقاء بقدرات وإمكانيات شريكي ليزداد ثقة في الله وفي نفسه. لا يستطيع أن يقوم بعملية التمكين هذه إلا شخص ممتلئ حب ورجاء تجاه شريك حياته وباقي أفراد عائلته، واثق من نفسه، متصالح مع ذاته. بعض الأزواج للاسف لا يتفرغوا لشىء الا تدمير كل واحد لشريكه، ومن ثم يدمروا الأبناء ويحطمنوهم. يبدأ البناء باكتشاف مواهب وقدرات أفراد الأسرة، ثم العمل على تنمية هذه المواهب وتعزيزها باتاحة فرص للتدرب والتعلم لصقل الموهبة وبالتشجيع المستمر مُستخدمين كل الكلمات والأفعال التي تبني، ثم معاونة الشخص أن يُستخدم مواهبه سواء في البيت او الكنيسة او المدرسة وفي حالة الفشل -لا قدر الله- أن نحترم كأسرة ضعفات بعضنا، وأن نعطي فرصة أخرى بل فرص للبدء من جديد.