
القس/ أمير اسحق
الكنيسة الإنجيلية المشيخية بمصر
الرسالة التي أعطاني الرب أن أقدمها لشعبه مساء الأحد ١٨/ ٧ في الكنيسة الإنجيلية في بني سويف، بدعوة ابني الزميل القس أكرم ناجي. الرب يستخدم كلمته لبركة شعبه.
(إبراهيم رأى الأضحى)
(تكوين 22: 1-19/ يوحنا 8: 48-59)
“كلّ عام وأنتم بخير.. معاني هذا العيد مُشترَكَة بيننا أيضًا، مثل عيد الميلاد المجيد”. هكذا هنَّأتُ صديقًا عزيزًا. فبادلني التَّهنئة، مع بعض التَّعجُّب!! فسألته: “هل تعتقد أنَّ اسم “الفادي” من أسماء الله الحُسْنى؟” فأجاب بالنَّفي القاطِع. فسألته: “إذًا، ما معنى قوله “فَدَيْنَاهُ بِذَبْحٍ عَظِيمٍ”! إنَّ المُتكلِّم هنا هو الله، وهو ينسِب لنفسه عمل الفداء بوضوح، فهو إذًا “الفادي”. أمَّا صيغة الجَمْع “فديناه” فهي ليست للتَّعظيم، لأنَّ الله لا يُعظِّم نفسه، بل للدَّلالة على أنَّ وحدانيَّة الله وحدانيَّة جامعة وليست مُفرَدَة. ما رأيك؟”. فأبدى صديقي دهشته، لأنَّها المرَّة الأولى التي ينتَبِه فيها لتلك الكلمات! الأمر الذي شجَّعني أن أنتقِل إلى الكلمتَيْن التَّاليتَيْن “ذَبْحٍ، عَظِيْمٍ”. فإنَّ كلمة “عظيم” لا تُنسَب إلاَّ لله فقط، هو وحده “العظيم”، وهو اسمٌ من أسمائه الحُسنى التي ينفرد بها. وعليه، لا يُمكن أن يكون الكبش هو ذلك الذَّبيح العظيم، ويُنْسَب إليه ما يُنْسَب لله وحده. لا يمكن لذلك الحيوان أن يُساوي ابن إبراهيم حتى يفديه. إذًا، لابُدَّ أن تكون الإشارة هنا إلى شخصٍ عظيم يكون مُساويًا لله، يقوم بعملية الفداء المُعبَّر عنها هنا بكلمة “ذَبْحٍ”. وهذا ما سأتناوله بالتَّأمُّل هنا.
الأضحى
يحتفل العالم الإسلامي هذا الأسبوع بعيد الأضحى، أحد أكبر عيدَيْن عند إخوتنا المُسلمين (الفِطْر والأضحى)، تيمُّنًا بإبراهيم الذي أوشَك أن يذبح ابنه طاعةً لله. مع ملاحظة أنَّ كلمة “أضْحَى، أًضحِيَة، يُضحِّي” لم ترد إطلاقًا في القرآن. وقد اختلف عُلماء المُسلمون حول شخصيَّة ذلك الابن، الأغلبيَّة منهم يعتقدون أنَّه إسماعيل، وبعضٌ منهم يعتقدون أنَّه اسحق، بينما لَم يجد أيّ مِنهُما نصًّا قرآنيًّا واحدًا يشير إلى أيٍّ مِن الابنَيْن قدَّمه إبراهيم، إسماعيل أمْ اسحق؟ وحيث افتُدي ذلك الابن بكبش، ذُبِحَ بدلاً عنه، فإنَّ المُعيِّدين يذبحون، في أوَّل أيَّام ذلك العيد، أحَد الأنعام (خروف، بقَرة، ناقَة)، ويوزِّعون لحمها على الأقارب والفقراء، تقرُّبًا لله. وقد اعتادوا، وهم يُهنِّئون بعضهم بعضًا، أنْ يقول الواحد منهم للآخَر: “تقبَّل الله مِنَّا ومِنك”، أي تقبَّل الله تقرُّبنا هذا إليه، واقترب هو إلينا أيضًا. فما أروع وما أحلى الاقتراب من الله، عن طريق الاقتراب من الأخ، الأمر الذي يسعى إليه كلّ مؤمن. بل وما أحلى أن يقترب الله منَّا ويفدينا.
وحيث أن ذلك العيد مُؤسَّسٌ على حدثٍ ورد في أوَّل أسفار الكتاب المقدَّس، وله مَغزًى لاهوتيّ ونبويّ عن المسيح الفادي، فلنتأمَّله جيِّدًا، لأنَّه يخصّنا جميعًا. ففي ذلك اليوم أعلن الله فكره للعالَم فيما يتعلَّق بمشروع الفداء، عندما طلب من إبراهيم أن يُقدِّم ابنه الوحيد الحبيب ذبيحة. وهو أمرٌ يدعونا إلى الدَّهشة والتَّعجُّب! فكيف يطلب الله من إبراهيم ما نَهى عنه، أيّ تقديم ذبيحة بشريَّة؟ وكيف يقول الله لإبراهيم إنَّ اسحق ابنه الوحيد، رغم وجود اسماعيل ابنًا شرعيًّا لإبراهيم؟ أمَّا طلب تقديم ابنه فقد كان من باب الرَّمز فقط، لأنَّه لم يُنفَّذ حرفيًّا إلاَّ في ملئ الزَّمان. وأمَّا قوله: “ابنُكَ وحيدُكَ” فلا يُشير إلى أنَّه الوحيد المولود، بل الوحيد المَحبوب الذي كان موضِع رجاء تحقيق الوعد.
امتحان الإيمان
امتحن الله إبراهيم، لا ليعرف ما لم يكُن يعرفه عنه، لأنَّه كُليّ المعرفة، بل ليعرف إبراهيم معنى وقيمة وأبعاد وبركات إيمانه بالله. فطلب منه أن يُقدِّم ابنه الوحيد المحبوب محرقة على جبل المُريَّا. وقد نجح إبراهيم في ذلك الامتحان بدرجة امتياز مع مرتبة الشَّرف. وفي اللحظة الحاسمة تدخَّل الله ليمنع إبراهيم مِن أن يذبح ابنه اسحق. فنظر إبراهيم ووجد كبشًا مربوطًا بقرنَيْه في الغابة، فأخذه وذبحه “عِوَضًا عن ابنه”. فأصبح ما عمله إبراهيم، بذَبحِه ذلك الكبش، أساسًا لنظام الذَّبائح في العهد القديم، وأساسًا نبويًّا لِما عمله الله الآب بواسطة ابنه الوحيد يسوع، إذْ قدَّمه بالفعل ذبيحةً نيابيَّةً كفاريَّةً (ضَحيَّةً) عن خطايا العالَم.
أمَّا الذَّبائح في العهد القديم فلم تكُن مُجرَّد طقس ديني، لكنَّها كانت إشارة رمزيَّة لفداء الإنسان الخاطئ الذي يُقدِّمها، إذْ كانت تحلُّ محلَّه وتموت نيابةً عنه. ولأنَّ الله قدوس، يكره الخطيَّة والإثم، فلا يمكن للإنسان الخاطئ أن يتواصَل ويحيا معه. فما هو الحَلُّ إذًا؟ إمَّا أنْ يتألَّه الإنسان ليتواصَل مع الله، وإمَّا أن يتأنَّس الله ليتواصَل الإنسان معه. ولأنَّ الإنسان لا يستطيع أن يتألَّه على الإطلاق، فقد تدخَّل الله في التَّاريخ البشري وتجسَّد، ليفدي الإنسان ويُحقِّق قصده، وبذلك يدخل الإنسان في علاقة حيَّة مع الله.
الله غفورٌ رحيمٌ، فلماذا الذَّبيحة؟
يتساءل بعضٌ: “لماذا لا يغفر الله لنا خطايانا ببساطة من دون ذبيحةٍ ودمٍ وموتٍ؟ ألَم يُطالبنا هو بأنْ نغفر ببساطة لبعضنا بعضًا، ونُسامح دون حاجة لأنْ يموتَ أحدٌ لأجلِ أحدٍ؟ لماذا لا يغفر الله لنا بالطَّريقة نفسها التي يُطالبنا بأن نغفر نحن بها بعضنا لبعض؟”. الإجابة ببساطة: إنَّ الله يطلُب منَّا أن نغفر لبعضنا بعضًا على أساس غفرانه هو لنا، لكنَّه لا يغفر لنا ببساطة كما نغفر نحن لغيرنا. إنَّ الغفران الذي نمنحه لأخوتنا هو واجبنا الذي ينبغي أن نُمارسه، لأنَّ الله هو الذي يغفر لنا خطايانا. أمَّا الغفران الذي نطلبه من الله فهو من أعقَد المشاكل الإنسانيَّة، بسبب التَّصادُم بين كمال الله وقداسته وعدالته، مِن جانِب، وعصيان الإنسان وتمرُّده وخطاياه، مِن جانِب آخَر. وحيث أنَّه لا يجوز الاطمئنان إلى محبَّة الله ورحمته إلى درجة اعتباره غير عادل، ولا يجوز اعتباره عادلاً قدوسًا إلى درجةٍ لا يكون فيها مُحِبًّا رحيمًا، كان لابُدَّ أن تأخذ عدالة الله مجراها “لأنَّ أجرة الخطية هي موت”، لكنْ على أساس محبَّته ورحمته، وفي الوقت نفسه كان لابُدَّ أن تظهَر محبَّة الله ورحمته، لكن على أساس عدالته وقداسته.
إذًا، كيف تتمُّ هذه المُعادلة الصَّعبة؟ وكيف يجد الإنسان بديلاً عنه، يُضحِّي بنفسه نيابَةً عنه، يُعادِله ويُساويه حتى يمكن أن يفديه من الموت المُحقَّق العادِل نتيجة خطاياه، فيدخل في شركة مع الله، ويحيا معه إلى الأبد؟ لذلك، استُخدِمَت الحيوانات للتَّضحية والتَّكفير عن الخطايا والتَّقرُّب من الله في مُناسبات عديدة في الكتاب المقدس، بدءًا من أقمِصَة الجلد التي ألبَسَها الله لآدم وحواء، في صورةٍ رمزيَّةٍ نبويَّةٍ لتحقيق تلك المُعادَلة. فأمَرَ الربُّ الشَّعب قديمًا بتقديم الذَّبائح (التَّضحية) مرَّات عديدة، لنَيْل غفرانه والتَّقرُّب إليه، لأنَّ الخطيَّة تفصلهم عنه. وقد نظَّم موسى كيفيَّة تقديمها وشروطها. وكان على ذلك الشَّعب أن يفهموا رمزيَّة تلك الذَّبائح وما ترمي إليه، بحسب تعاليم الأنبياء آنذاك.
شروط الذَّبيح الحقيقي
كان يجب أن يكون الذَّبيح: ذكرًا، حيًّا وقت الذَّبح، بلا عيب، يُقدِّمه الخاطئ بوعي وإيمان بعدالة الله وضرورة تحقيقها. وكانت لكلِّ خطيَّة، ولكلِّ خاطئ، ذبيحة مُناسِبَة. لكن.. ليس من المعقول أنَّ الإنسان، الذي خلقه الله على صورته، وجعله رأسًا وتاجًا لخليقته، أنْ يُفْدَى بحيوان! مهما كان ذلك الحيوان جيِّدًا! لذلك، علَّم الأنبياء أنَّ الله لا يُسَرُّ بتلك الذَّبائح الحيوانيَّة. فيقول عنهم: “كلُّ كاهنٍ يقوم كلَّ يومٍ، يخدُم ويُقدِّم مرارًا كثيرة تلك الذَّبائح عينها، التي لا تستطيع البتَّة أن تنزع الخطيَّة” (عبرانيين 10: 11). لذلك، كان الأتقياء منهم يتطلَّعون إلى مُستقبل مُشرِق يتمتَّعون فيه بالغفران الإلهي بواسطة ذبيحةٍ حقيقيَّة، لا بذبائح حيوانيَّة رمزيَّة، تُكفِّر عن كافَّة خطاياهم (عبرانيين 10: 16-18).
إذًا، لابدَّ أن يكون الذَّبيح، الضَّحيَّة، البديل الكفاري:
أ. إنسانًا
أي مُساويًا للكائن المَطلوب فداؤه، حتى يحلَّ محلَّه ويفديه. إنسانًا مثلنا حتى يأخُذ مكاننا ويفدينا، وليس حيوانًا ولا ملاكًا. لأنَّ الملائكة أرواحٌ، لا تستطيع أن تحِلَّ محلَّ الإنسان وتفديه.
ب. مَعصومًا
أي خاليًا تمامًا من أيَّة خطيَّة. لأنَّه إذا كان خاطئًا، فإنَّه يكون بحاجة شخصيَّة لمَن يُكفِّر له عن خطاياه وينقذه من نتائجها ويفديه. فيجب أن يكون الذَّبيح كاملاً معصومًا حتى يستطيع أن يهَب طبيعة روحيَّة طاهِرة لمَن يفديه، ليتواصَل بها مع الله كليّ القداسة.
ج. كافيًا
أي تكون له قيمة تُعادِل بلايين البشر الخطاة، وإلاَّ ستكون الحاجة لإنسان معصومٍ بديلٍ عن كلِّ إنسان خاطئ حتى يفديه. لذلك، يجب أن تكون قيمة ذلك الذَّبيح الإنسانيَّة مُعادِلة لجميع البشر الخطاة المطلوب فداؤه. فلا يكون بديلاً لفرد واحد، بل يكون قادرًا أن يكون بديلاً كافيًا عن جميع النَّاس، لأنَّ جميع النَّاس خطاة.
د. مُضحيًا
أي يقبَل أن يُقدِّم نفسه، ويقبَل القصاص النِّيابي، وهو البريء الطَّاهِر المعصوم من كلِّ خطيَّة. فيقبَل أن يُضحي بنفسه مَحبَّة لجميع النَّاس الذين سيفديهم. ولكي يُضحِّي بنفسه يجب أن يكون مالِكًا لنفسه. ومَن الذي يمتلك نفسه حتى يُقدِّمها ويُضحِّي بها؟ لا يوجد مَخلوقٌ يمتلك نفسه.
هـ. إلهًا
فإنَّه حتى يقدِّم نفسه بديلاً، يجب أن يكون مالِكًا لنفسه حتَّى يَحقَّ له أن يُقدِّمها. وكلُّ إنسانٍ مخلوقٍ هو مِلْكٌ لله خالِقه، وليس مِلكًا لنفسه. لذلك، يجب أن يكون ذلك الفادي غير مَخلوق.. أي يكون “إلهًا حقيقيًّا”، بجانب إنسانيَّته الكاملة الكافية المُتميِّزة. نعم، يكون إلهًا.
هذه الشُّروط الخمسة لا يمكن توافرها في أيِّ إنسان، ولا في أيِّ ملاكٍ أو نبيٍّ، مهما كان عظيم الشَّأن. لذلك، تنازل الله بنفسه، وهو قادرٌ على ذلك وعلى كلِّ شيءٍ قديرٌ، واتَّخَذَ ناسوتًا من جنسِنا، معصومًا يخلو تمامًا من أيَّة خطيَّة، لكي يحلَّ محلَّنا ويفدينا من قصاص الخطيَّة العادل. هذا الذي عندما رآه يوحنا المعمدان هتَفَ قائلاً: “هوذا حملُ الله الذي يرفعُ خطيَّة العالم” (يوحنا 1: 29). أي: هذا هو الحمل الذي عيَّنه الله، إنَّه الحمل الذَّبيح الذي قَبِلَه الله بديلاً، الحمل الذي كانت كلُّ ذبائح العهد القديم رمزًا له. وكان اسحق رمزًا له في طاعته لأبيه، وكان الكبش رمزًا له أيضًا في موته بدل اسحق.
إبراهيم رأى الأضحى وفرح
إذًا، ما عمله إبراهيم بتقديمه اسحق ابنه ذبيحةً، طاعةً لله على جبل المريَّا، كان نموذجًا حيًّا لما عمله الله في ملء الزَّمان، إذْ قدَّم بالفِعل ابنه الوحيد يسوع المسيح، ذبيحةً عن خطايا العالم كلِّه على جبل الجلجثة. إذْ قال عنه المسيح: “إبراهيم تهلَّل بأنْ يرى يومي، فرأى وفرح” (يوحنا 56:8). لقد رأى إبراهيم ذلك اليوم في صورة نبويَّة، وتهلَّل فيه وتهلَّل به، على جبل المريَّا. ذلك هو يوم المسيح، يوم الفداء، يوم الأضحى الذي رآه إبراهيم بعين الإيمان، وتهلَّل وفرح. لم يقُل المسيح إنَّه هو مَن رأى إبراهيم، أو أنَّه كان مُعاصِرًا له، بل إنَّ إبراهيم هو الذي رأى يوم المسيح وتهلَّل برؤيته. لقد رأى بالفِعل، وليس بمُجرَّد الرَّجاء ولا في حُلمٍ ولا بالتَّوقُّع. لقد رأى ذلك اليوم إذْ كان إبراهيم حيًّا بالجسد، رآه في نور ذبيحة اسحق ابنه الوحيد المحبوب، وفي الكبش الذي وجده مُعَدًّا ليكون البديل.
إنَّه “الرَّبُّ يسوع المسيح”، الإله الحقيقي الكامل، والإنسان الحقيقي الكامل. الذي قال عن حياته: “ليس أحد يأخذها منِّي، بل أضعُها أنا من ذاتي. لي سلطانٌ أن أضَعها، ولي سلطانٌ أن آخذها أيضًا” (يوحنا 10 : 18). هو الضَّحيَّة، البديل الوحيد الذي يُساوي كلَّ العالم، وينوب عن كلِّ البشريَّة. الذي فيه وحده تحقَّقَت عدالة الله الكاملة، وتجسَّدَت محبَّته الكاملة أيضًا. فأخذ قانون الله مَجراه دون تلاعُبٍ، وأنقذنا من الموت في شخص ابنه الوحيد يسوع المسيح. ليس عن طريق انتهاك قانونه العادل الذي وضعه، بل عن طريق احترامه ذلك القانون وتحقيقه إيَّاه. وهناك على مذبح الصَّليب، على جبل الجلجثة، التَقَت العدالة والمحبَّة، وكان المسيح هو الذَّبيح الكفاريّ. “لأنَّه جعل الذي لم يعرف خطيَّة، خطيَّة لأجلنا، لنصيرَ نحن برَّ الله فيه” (2كورنثوس 21:5). لذلك، نحن لا نُقدِّم أُضحيَةً بذبح حيوانات، لأنَّنا لَم نعُد في عصر الرَّمز والظِّلّ، بل في عصر النُّور والحقِّ والحقيقة. لذلك يقول بولس: “لأنَّ فصحنا أيضًا المسيح قد ذُبِحَ لأجلنا. إذًا، لنُعيِّد، ليس بخميرة عتيقة، ولا بخميرة الشَّرِّ والخُبْث، بل بفطير الإخلاصِ والحقِّ” (1كورنثوس 5: 7-8).
“اِسْحَاقُكَ” الذي تُقدِّمه
هذا هو الجانب العمليّ، فإنَّ “اسحق” يمثِّل جميع البشر الخطاة، الذين يُطيعون كلمة الرَّبِّ، ويؤمنون بابن الله. لذلك، فإنَّه وهو على مذبح العدالة الإلهيَّة تمَّ فداؤه. إنَّنا نستحقُّ الموت بسبب خطايانا، لكن الله تدخَّل وأوجد البديل الفادي، لكلِّ من يؤمن به. لكنَّه يريدك أن تُقدِّم “اسحاقك”، هذا هو العنوان الكبير المُختَصَر لحياة الطَّاعة للرَّبِّ. فما هو، ومَن هو “اسحق” بالنِّسبة لك؟ بالنِّسبة لإبراهيم كان اسحق هو ابنه الشَّرعي الوحيد المحبوب. هذه هي الذَّبيحة التي يُريدك الله أن تُقدِّمها اليوم “اسحاقك”، الذي ربَّما يكون شيئًا مَحبوبًا تتعلَّق به بشدَّة، وكأنَّك لا تستطيع الحياة من دونه. أو عادَةً صالِحَةً لكنَّها تحوَّلت إلى روتينٍ حَرَمك من عاداتٍ أصلَح. أو أماكن تتردَّد عليها ولا تستطيع الاستغناء عنها. أو أشخاصٍ ترتبط بهم ولا تستطيع السَّيْر من دونهم، وهم يتسلَّطون على عواطفك وقراراتك وتوجُّهاتك…. الخ.
يُشير الله إلى “اسحاقك” هذا ويقول لك: “خُذْ اسحاقك وحيدك الذي تتعلَّق به وتُحبّه، وأحرِقه”. هنا ستنال بركة على مثال التي نالها إبراهيم: “مِن أجل أنَّك فعلتَ هذا الأمر، ولم تُمْسِك ابنك وحيدك، أباركُكَ مُبارَكةً.. ويتبارك في نسلك جميع أمم الأرض، من أجل أنَّك سمعتَ لقولي” (تكوين 21: 16-18). هذه دعوة لكلِّ إنسان يشعر بخطاياه ويريد أن ينال الغفران الإلهي. إنَّ دم يسوع المسيح وحده يُطهِّرنا من كلِّ خطيَّة وإثم.
مع محبَّتي وصلاتي لأجل القرَّاء الأعزَّاء
القس أمير اسحق