
الكاتب
القس سامح رهيف
راعى الكنيسة الإنجيلية بحلوان
سنودس النيل الإنجيلي
الكنيسة الإنجيلية المشيخية بمصر
ثابتون رغم الآلام
1 بطرس 1: 18- 22
“18 فَإِنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا تَأَلَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ أَجْلِ الْخَطَايَا، الْبَارُّ مِنْ أَجْلِ الأَثَمَةِ، لِكَيْ يُقَرِّبَنَا إِلَى اللهِ، مُمَاتًا فِي الْجَسَدِ وَلكِنْ مُحْيىً فِي الرُّوحِ، 19 الَّذِي فِيهِ أَيْضًا ذَهَبَ فَكَرَزَ لِلأَرْوَاحِ الَّتِي فِي السِّجْنِ، 20 إِذْ عَصَتْ قَدِيمًا، حِينَ كَانَتْ أَنَاةُ اللهِ تَنْتَظِرُ مَرَّةً فِي أَيَّامِ نُوحٍ، إِذْ كَانَ الْفُلْكُ يُبْنَى، الَّذِي فِيهِ خَلَصَ قَلِيلُونَ، أَيْ ثَمَانِي أَنْفُسٍ بِالْمَاءِ. 21 الَّذِي مِثَالُهُ يُخَلِّصُنَا نَحْنُ الآنَ، أَيِ الْمَعْمُودِيَّةُ. لاَ إِزَالَةُ وَسَخِ الْجَسَدِ، بَلْ سُؤَالُ ضَمِيرٍ صَالِحٍ عَنِ اللهِ، بِقِيَامَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، 22 الَّذِي هُوَ فِي يَمِينِ اللهِ، إِذْ قَدْ مَضَى إِلَى السَّمَاءِ، وَمَلاَئِكَةٌ وَسَلاَطِينُ وَقُوَّاتٌ مُخْضَعَةٌ لَهُ.”
كُتبت رسالة بطرس الأولى تقريبًا في ستينيات القرن الأول الميلادي لمنطقة غرب آسيا الصغرى.[1] وتزامن في ذلك الوقت ظهور حركة “الغيوريين”، التي كانت تدعو للثورة المسلحة ضد الرومان بهدف التحرر من الاستعمار. لكن المسيحيين في ذلك الوقت كانوا مدعوين لأن يصبحوا غيورين لا بالسلاح لكن لما هو خير وصلاح. وللأسف ولمجرد كونهم مسيحيين كانوا يتعرضوا لكل أنواع الاضطهاد والآلام. لم يخطئوا ضد الحكم الروماني وكانوا مظلومين في اضطهاد الرومان لهم. فكتب لهم بطرس الرسول هذه الرسالة مشيرًا أربع مرات للاضطهاد (1: 6، 7؛ 3: 13- 17؛ 4: 12- 19؛ 5: 9).[2] كتب لهم لكي يشجعهم أن الاضطهاد لأجل المسيح له الكثير من المميزات ويؤكد لهم أن المسيح كان مثالاً ونموذجًا للذين يتألمون رغم براءتهم.[3] إن الآلام التي واجهها المسيحيون في زمن الرسالة والآلام التي يواجهها المسيحيون اليوم آلامًا مميزة. إنها ليست آلامًا بسبب خطأ ما، وهي أيضًا آلامٌ بحسب مشيئة الله (1 بط 2: 19- 20).[4]
وفي هذا النص، يأخذنا بطرس الرسول في رحلة شيقة لا ليصف آلام المسيح لأنه وصفها من قبل، بل ليجعل المؤمنين في زمن الرسالة، وفي زماننا نحن وفي كل زمان، ثابتين راسخين موقنين وغير متزعزعين من سلطانِ الله المطلق على كل الكون، ذلك السلطان الذي أعلنه المسيح لكل الكون بعد اجتيازه لرحلة الآلام التي صنعها مرة واحدة وللأبد.
أحدثكم بكلمة بعنوان “ثابتون رغم الآلام” من خلال ثلاثِ أفكار: “دعوة لحياة الثبات،” “صاحب السلطان الكوني،” “استجابة المؤمن للدعوة.”
دعوة لحياة الثبات. عدد 18.
يا له من تحفيز مسياني! كلمة “فإن/لأن” تقدم السبب للتمجيد اللاحق في هذا المقطع والمتعلق بفعل المسيح للصواب بغض النظر عن الألم.[5] أيضًا ربط مع 1 بط 2: 21 ” لأَنَّكُمْ لِهذَا دُعِيتُمْ. فَإِنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا تَأَلَّمَ لأَجْلِنَا، تَارِكًا لَنَا مِثَالاً لِكَيْ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِهِ” وهذا يشير إلى كون المسيح المثال أو النموذج الأعلى لمعاناة وألم البريء بهدف تحقيق الصواب.[6] يؤكد أيضًا هذا العدد الكتابي أن طبيعة ألم المسيح قد حدثت مرة واحدة وأصبحت تكفي الجميع. مرة واحدة هي الكلمة اليونانية “أباكس/ ἅπαξ،” وهي نفس الكلمة المذكورة في الرسالة إلى العبرانيين 9: 26، 28، والمترجمة “مرة،” والحديث فيها أيضًا عن ألم المسيح الذي حدث مرة واحدة.[7] هذه المرة الواحدة يقابلها في العهد القديم ذبائح الكهنة التي كانوا يقدمونها كل يوم.[8] ويعلمنا الرسول بولس إن “الْمَوْتَ الَّذِي مَاتَهُ قَدْ مَاتَهُ لِلْخَطِيَّةِ مَرَّةً وَاحِدَةً” (رو 6: 10).
“الْبَارُّ مِنْ أَجْلِ الأَثَمَةِ.” إن مفهوم البار في العهد القديم وفي ذلك الوقت، هو الطائع لإرادة ومشيئة الله. والربط هنا مع موضعين آخرين: أولاً 1 بط 2: 21- 22 “الَّذِي لَمْ يَفْعَلْ خَطِيَّةً، وَلاَ وُجِدَ فِي فَمِهِ مكرٌ” ذلك النص المأخوذ من، ثانيًا اش 53: 11 “وَعَبْدِي الْبَارُّ بِمَعْرِفَتِهِ يُبَرِّرُ كَثِيرِينَ، وَآثَامُهُمْ هُوَ يَحْمِلُهَا”. ومن هنا نصل إلى النطاق الأشمل في التقليد الإسرائيلي، “البار والمختار”، وهو الإطار الذي اختار تابعو المسيح الأوائل أن يضعوا المسيح فيه (أع 3: 14، “القدوس البار” على لسان بطرس الرسول، أع 7: 52 “أنبأوا بمجيء البار” على لسان اسطفانوس، أع 22: 14، “تبصر البار” على لسان بولس الرسول). وهذا الإطار يعرِّف يسوع المسيح بأنه البريء والطائع لمشيئة الله.[9] أما “الأثمة” هو الإطار البشري للجميع، حيث أن البشرية كلها اختارت ألا تطيع وبالتالي رفضت أن تفعل مشيئة الله، فأصبحت “غير بارة” وأصبح الجميع “غير أبرار” كما في النص اليوناني “البار من أجل غير الأبرار.”[10] ذلك البار الذي تألم (مات) لأجل غير الأبرار قدم لنا موتًا نيابيًا “بار من أجل الأثمة”[11]
الحديث عن أن المسيح “يُقَرِّبَنَا إِلَى اللهِ” هو نتيجة موت وقيامة وصعود المسيح وجلوسه عن يمين الآب، الأمر الذي نشترك فيه كمؤمنين من خلال المعمودية.[12] لكن هذا الاقتراب إلى الله عندما “انْشَقَّ حِجَابُ الْهَيْكَلِ إِلَى اثْنَيْنِ، مِنْ فَوْقُ إِلَى أَسْفَلُ” (مر 15: 38) هو الهدف الرئيسي لأي عبادة تُقدَّم لله، أي الدخول دون وجود أي شيء يعوق علاقة المؤمن وتمتعه بالوقوف في محضر الله.[13]
“مُمَاتًا فِي الْجَسَدِ وَلكِنْ مُحْيىً فِي الرُّوحِ” هذه العبارة المكونة من شطرين، أي عبارة ثنائية، هي تركيبة بطرسية فريدة لم تتكرر في الكتاب المقدس.[14] ففيها مقارنة بين كلمة الجسد “ساركس/σαρκὶ” والتي تعني الأنسجة والعضلات في الجسد البشري، مع كلمة الروح، تشير بشكل عام إلى البعد الفاني للحياة مع البعد الأبدي للحياة.[15] ويقول كالفن “إن المسيح تألم من خلال ضعف الجسد، لكنه قام مرة أخرى من خلال قوة الروح.”[16] والحديث عن موت المسيح يعقبه مباشرة الحديث عن الحياة، لذا فالموت هنا ليس الهدف الجوهري منه عرض لزيارة المسيح للموتى في الهاوية أو شئول (كما كان يسميه التقليد اليهودي). والحديث عن موت المسيح ليس دعوة للاستشهاد الطوعي كيما نشابه مثالنا يسوع المسيح، بل هو بالأحرى دعوة لأن يتحمل الشخص البريء المعاناة والآلام التي يتعرض لها.[17]
ما الذي يدفع المؤمن الحقيقي لأن يخضع للآلام من أجل المسيح؟ إنها إرادة المسيح الذي خضع طواعية للآلام، حتى الموت، لكن مرة واحدة لأجلنا. نحن نخضع للآلام من أجلِه لأنه هو خضع للآلام من أجلنا. فالمسيح الذي قرّبنا إلى الله، حوّلنا من أثمة (غير أبرار) إلى أبرار مثله، والدعوة لنا كأبرار الآن أن نحيا متمثلين بالمسيح، نحيا أبرارًا في عالمٍ غير بار، كما تألم هو البار لأجل غير الأبرار.
أما العددان 19، 20 فيبدوان وكأنهما مجموعة من العبارات الثانوية subordinated والاعتراضية parenthetical، وكأنها اقحام interpolation داخل النص. لكن الحقيقة هي أن هذه العبارات تتماسك بشكل وثيق مع الأهداف الرئيسية لدى الكاتب.[18]
صاحب السلطان الكوني (عدد 19، 20)
ثمة جدلٌ كبير في هذه الأعداد بالتحديد، وسأعرض مختصرًا شديدًا لهذا الجدل في عدة عبارات.
يرى المنظور الآبائي الخاص باكليمدنس السكندري[19] وكيرلس السكندري أن المسيح عندما مات نزل بالفعل إلى “مثوى الأموات”[20] أو “الجحيم” وكرز وبشّر الأموات الذين كانوا منذ عهد نوح، ويرى هذا المنظور أن هناك توبة بعد الموت. وأسس هذا المنظور لعقيدة “النزول إلى الجحيم.”
واستمر هذا المنظور إلى أن عرض أغسطينوس منظورًا ثانيًا. تحدث فيه عن زيارة المسيح من خلال شخص نوح وفي زمان نوح لأرواح البشر معاصري نوح، بهدف دعوتهم للتوبة.[21]
واستمر منظور أغسطينوس سائدًا لزمان طويل في الكنيسة الكاثوليكية، إلى أن ظهر رأي ثالث على يد روبرت بيلارمينيه Robert Bellarmine عام 1586، الذي قال إن المسيح بعد موته ذهب وكرز لأرواح البشر التي تابت في زمان نوح، لكنها تابت قبل موتها على الفور.[22] وذكر كالفن ولوثر أنه ربما كرز المسيح لأرواح الموتى المؤمنين في العهد القديم لكن بعد قيامته من الأموات، لكن كالفن لم يميل لهذا الرأي.[23]
وبعد ظهور مدرسة النقد التاريخي، أسس سبيتا F. Spitta منظورًا رابعًا لفهم هذا العدد. قال إن “الأرواح” هي أرواح الملائكة الساقطة، الملائكة المذكورة في تكوين 6: 1- 8.[24] واستند في رأيِه إلى كتاب أخنوخ الأول، حيث أرسل الله أخنوخ لمخاطبة أرواح الملائكة الساقطة[25] لا بهدف الكرازة والتوبة بل ليعلن لهم مصيرهم النهائي.[26] كما ينبغي أن نذكر أن بطرس الرسول نفسه تحدث عن الملائكة الساقطة في رسالته الثانية (2 بط 2: 4) “لأَنَّهُ إِنْ كَانَ اللهُ لَمْ يُشْفِقْ عَلَى مَلاَئِكَةٍ قَدْ أَخْطَأُوا، بَلْ فِي سَلاَسِلِ الظَّلاَمِ طَرَحَهُمْ فِي جَهَنَّمَ، وَسَلَّمَهُمْ مَحْرُوسِينَ لِلْقَضَاءِ.”
ولفهم هذا العدد يجب الحديث قليلاً عن كلمتين هامتين. أولاً، كرز “إكيريزين/ἐκήρυξεν،” صيغة الماضي للفعل “إكيريزو” المستخدمة في عدد 19. هذه الكلمة تعني أعلن أو نادى بصوت مرتفع. وكثيرًا ما يستخدمها كُتّابُ العهد الجديد للإشارة للكرازة بالإنجيل. لكن في رسالة بطرس الرسول الأولى، نجد أن الرسول يستخدم الفعل “إيـﭭانجيليزو/εὐαγγελίζω” (والتي تعني إعلان الأخبار السارة) للإشارة للبشارة بالإنجيل في 1: 12، 25؛ 4: 6، وليس “إكيريزو.”[27] ثانيًا، الأرواح “بنيـﭭماسين/ πνεύμασιν.” هذه صيغة الجمع الديتيف لكلمة أرواح ” بنيـﭭماتا/πνεύματα.” هذه الصيغة لم تستخدم في العهد الجديد بهذه الصورة المطلقة للإشارة إلى أرواح البشر المنتقلين، إلا أنها استُخدمت مرة واحدة في الرسالة إلى العبرانيين لكن في صيغة إضافة “أرواح أبرار مكملين” (عب 12: 23). وفي المقابل استُخدمت هذه الكلمة كثيرًا في العهد الجديد للإشارة إلى الأرواح الملائكية (سواء الطيبة أو الشريرة، عب 1: 14، لو 10: 20). لذا فالميل الأكبر على أن بطرس الرسول كان يتحدث عن “كائنات غير بشرية” متماشيًا مع التقليد اليهودي الذي تحدث عن كائنات غير بشرية عصت الله في القديم، أيام نوح، وعاقبها الله بالسجن.[28]
ويمكننا أن نفهم هذا الجزء إذا رجعنا للأعداد 13- 16 من نفس الأصحاح. لا خوف ولا اضطراب. طوباكم من أجل الآلام.[29] فبغض النظر عن نوعية الأرواح التي أعلن لها المسيح في السجن، أرواح ملائكية ساقطة أو أرواح بشرية، إذا كان المسيح له كامل السلطان على كل شيء حتى الشرور القديمة وفاعليها، المسجونين حاليًا، فله بكل تأكيد كامل السلطان على المُضطهِدِين الحاليين (في زمن الرسالة).[30] لذا عليهم ألا يخافوا أو يضطربوا بل يتأكدوا من سلطان المسيح الكامل واخضاعه لكل القوات (عدد 22). وهذا بالضبط ما أكده كالفن في شرح هذا العدد، فقد ازدهر غير المؤمنين في زمن الرسالة وتسلطوا على كل القوى الحاكمة حيث كان المؤمنين أقلية مضطهدَه لا حول لها ولا قوة، لكن في زمن نوح أغرق الله المتسلط على كل الكون غير المؤمنين، ومُنح السلطان الكوني بالكامل للمسيح، ذلك الذي ذهب وأعلن للأرواح التي عصت في القديم سلطانه ودينونته عليهم.[31]
ما الذي يحدث للمسيحين اليوم عندما تواجههم الضغوط والمضايقات والاضطهادات؟ ألا يقرر الكثير منهم اتهام الله بغير العدل أو الابتعاد عن الله في علاقتهم به؟ فنرى الكثير من الخدام والقادة الأمناء الذي عاشوا لسنين طويلة مؤثرين كثيرًا في دوائر خدمتهم، بمجرد أن يتعرضوا لأول المضايقات يتركون خدمتهم وكنيستهم وينعزلون وتتوقف حياتهم الروحية، وللأسف تخسر الكنيسة الكثير من خدامها بسبب عدم فهم الخادم لضريبة اتباع المسيح، الآلام والمضايقات. لكن هناك ذاك، الذي له كامل السلطان الكوني على كل شيء، وله ينبغي أن يسلّموا بكامل الثقة والثبات.
استجابة المؤمن للدعوة (عدد 21، 22)
يلفت بطرس الرسول انتباهَنا إلى عمقٍ آخر في الثبات، فهو يربط هنا بين نجاة الأفراد الثمانية بالماء في الفلك وبين النجاة بالمعمودية. فالمعمودية ببساطة هي مثال لما حدث لعائلة نوح في الفلك. وكما أن صورة الختم أو بصمة الختم التي نراها على الأوراق الرسمية في حياتنا اليوم لا تختلف عن الختم نفسه، كذلك الصورة في العهد الجديد للرمز الموجود في العهد القديم. كلاهما متشابهان. فالرمز أو الختم هو ما حدث لعائلة نوح، وصورة الرمز أو صورة الختم هي المعمودية في العهد الجديد.
والعبارة التالية التي كتبها الرسول بطرس “لاَ إِزَالَةُ وَسَخِ الْجَسَدِ، بَلْ سُؤَالُ ضَمِيرٍ صَالِحٍ عَنِ اللهِ” تؤكد بشكل ليس فيه شك، أن الخلاص ليس في المعمودية نفسها، فالمعمودية مجرد رمز للخلاص. إنها ليست مصلاً يحقن الخلاص في دمائنا بغض النظر عما نريده. فالخلاص يحتاج أن نأتي أمام الله بضمير صالح معترفين بخطايانا، ناظرين إليه مانحًا لنا الخلاص. المعمودية ليست تطهير للجسد، بل تطهير القلب والنفس بشكل روحي. إنها غسيل للحياة بالنعمة. تلك النعمة التي تحتاج استجابة عن السؤال بضمير صالح. فالسؤال هنا له صلة بعمل قانوني، حيث كانت العقود تُكتب ثم يسألون الأطراف الموقعة على العقد أمام شهودٍ، “هل تقبل العقدَ وشروطَه وتتعهد بالحفاظ عليها؟” فكانت الإجابة “نعم”. وبدون السؤال والاجابة يعتبر العقد باطلاً حتى لو كان مكتوبًا وموقعًا من الأطراف. وهذا ما أراد بطرس الرسول أن يشير إليه، فالدعوة مقدمة، في زمن بطرس، للقادمين من الوثنية “هل تقبل المسؤوليات والامتيازات الموجودة في الحياة المسيحية؟” فيستجيب الشخص المُعمَّد “نعم”. نحن نستخدم لفظ “فريضة” المشتق من اليونانية من مصطلح “يمين الولاء” الذي كان الجنود يقدمونه في الجيش. كذلك نقدم نحن أيضًا يمين الولاء لإلهنا في الحياة معه. نقدمها اليوم في التحاقنا بالعضوية في الكنيسة، ونقدمها نيابة عن أبنائنا في المعمودية، دون أن تنتفي أهمية إعلانهم هم أيضًا لهذا القبول في عندما يصلون لسن القدرة على الاختيار.[32]
فهل هذه هي استجابتنا دومًا وفي كل يوم للدعوة الإلهية في حياتنا؟ هل نقبل الامتيازات المسيحية لكن ننسى الالتزامات المسيحية؟ دون قيامة يسوع من الأموات والتمجيد الذي أعلنه الآب له، قد يتبادر لدينا الشك، لكن الوحي قصد أن يعلن لنا في نفس العدد وفي العدد التالي قيامة يسوع المسيح من الأموات ومكانته عن يمين الآب متمتعًا بكامل السلطان على كل القوى الكونية. ألا يدعونا كل هذا لأن نسلّم بكل ثبات وثقة لرب الكون ولأي ترتيب يصنعه في حياتنا؟ ألا يؤكد لنا كل هذا أن ثباتنا في الاستجابة بـ”نعم” هو ما يتوقعه الله مننا؟
خاتمة
عام 2016، ذهبت لزيارة أحد المرضى المصابين بالسرطان. كان المريض طبيبًا، لكنه كان أكثر من ذلك، كان ثابتًا. اقتربتُ منه وتحدثتُ معه وفهمتُ من حديثِه أن أيامَه أصبحت معدودة. همس لي باسمًا وبطريقة مليئة بالحب “صلِّ لأجلي الآن” وأمسك بيدي اليمني، فصليت معه شاكرًا الله أنه وضع هذا اليقين وهذه الثقة في ابن من أبنائه.
إن الآلام التي تعرض لها المسيح، نتجت تمجيدًا للمسيح. ودعوتنا هي أن نتبع إثر خطواته، لنوقن أن الآلام الحاضرة لأجل المسيح سوف تُنتج مجدًا للمسيح، مُحضرةً إيانا قرب الله هنا وفي لقائنا معه في السماء.
النصرة حقيقية وأكيدة، وكل ما علينا أن نفعله هو أن نتحمل بصبرٍ وجلدٍ تلك الآلام الوقتية التي نتعرض لها، متذكرين قول الرسول بولس “نَفْتَخِرُ أَيْضًا فِي الضِّيقَاتِ، عَالِمِينَ أَنَّ الضِّيقَ يُنْشِئُ صَبْرًا، وَالصَّبْرُ تَزْكِيَةً، وَالتَّزْكِيَةُ رَجَاءً، وَالرَّجَاءُ لاَ يُخْزِي” (رو 4: 3- 5).
[1] J. Ramsey Michaels, 1 Peter (Dallas: Word Books, 1988), p. 14.
[2] آلان م. ستبز، رسالة بطرس الأولى، التفسير الحديث للكتاب المقدس، ترجمة نيكلس نسيم (القاهرة: دار الثقافة، 1994)، ص 40، 41.
[3] Bo Reicke, The Epistles of James, Peter, and Jude: Introduction, Translation, and Notes (New York: Doubleday & Company Inc., 1964), p. 107.
[4] ستبز، مرجع سابق، ص، 131.
[5] John H. Elliot, 1 Peter: A New Translation with Introduction and Commentary (London: Yale University Press, 2011), p. 639.
[6] Ibid.
[7] Ibid, 641.
[8] وليم باركلي، رسائل يعقوب وبطرس، ترجمة إدوارد وديع عبد المسيح (القاهرة: دار الثقافة، 1979)، ص، 280.
[9] Elliot, 641.
[10] Ibid 642.
[11] ستبز، مرجع سابق، ص، 134.
[12] Elliot, 644.
[13] ستبز، مرجع سابق، ص، 134.
[14] Elliot, 644.
[15] Ibid 645.
[16] John Calvin, The Epistle of Paul the Apostle to the Hebrews: and the First and Second Epistles of St Peter, translator, William B. Johnston (Grand Rapids: Wm. B. Eerdmans Publishing, 1963; reprint, 1979) p. 292.
[17] Elliot, 646.
[18] 647
[19] Ibid, 648.
[20] إدوار كُوتنه، رسالتا بطرس، ترجمة يوسف قوشاقجي (بيروت: دار المشرق، 1991)، ص، 39.
[21] Elliot, p. 649
[22] Ibid.
[23] Ibid, p. 650.
[24] باسيليوس ستويانوس، تفسير رسالة بطرس الأولى، ترجمة مخائيل الدبس (بيروت: تعاونية النور الأرثوذكسية، 2011)، ص. 248.
[25] Elliot, p. 649.
[26] باركلي، 287. (كما هو مذكور في أخنوخ 12: 1).
[27] Ramsey Michaels, p. 231.
[28] ستبز، مرجع سابق، ص، 136.
[29] Reicke, p. 109.
[30] Ramsey Michaels, p. 241.
[31] Calvin, p. 295.
[32] باركلي، 292.