
القس/ أمير اسحق
الكنيسة الإنجيلية المشيخية بمصر
“الرسالة التي شرَّفني الرَب أن أنقلها صباح اليوم للكنيسة الإنجيليَّة في القاهرة الجديدة، بدعوة المحبوب القس إميل نبيل. الربُّ يستخدم كلمته وشرحها لمجده. مع الشُّكر الجزيل لحضرة القسيس على تلك الدَّعوة”.
((ظلُّك، شِفاءٌ أمْ شَقاءٌ؟))
(أعمال 3: 3-8 & 5: 12-16)
رُغْم أنَّ الإنْسَان يُولَدُ بمُفْرَدِهِ، إلاَّ أنَّهُ لا يَحْيَا إلاَّ مَعَ الآخَرِيْن، وبِالآخَرِيْن، ولِلآخَريْن. فَلا وُجُودَ لِحَيَاةٍ إنْسَانِيَّةٍ مِنْ دُوْنِ الآخَرِيْن. فَالإنْسَانُ كَائِنٌ اجْتِمَاعِيٌّ، يَعِيْشُ بَيْنَ أُنَاسٍ يَتَأثَّرُ بِهِم ويُؤَثِّرُ فِيْهِم، مَا بَيْنَ صَدِيقٍ وَدُوْدٍ وَعَدُوٍّ لَدُوْدٍ، سوَاءٌ أرَادَ ذَلِكَ أوْ لَمْ يُرِد، وسوَاءٌ كانَ تَأثِيْرُهُ في الآخَرِيْنَ، أوْ تَأثُّرِهُ بِهِم، بقَصْدٍ أوْ مِنْ دُوْنِ قَصْد. وَالمُؤْمِنُ أيْضًا يَعِيْشُ حَيَاتَهُ مُؤَثِّراً فِيْمَنْ حَوْلَهُ ومُتَأثِّراً بِهِم. هَذِه حَقِيْقَةُ لَها وَجْهَان: الأوَّل مَقْصُودٌ، أعْمَالٌ نَقْصِدُ مِنْهَا أنْ نُؤَثِّر في الآخَرِيْنَ. والثَّاني غَيْرُ مَقْصُودٍ، لَكِنَّهُ مُؤَثِّرٌ بقُوَّةٍ، وهُوَ مَا أُرِيْدُ أنْ نَفْهَمَهُ بِالأكْثَرِ هُنَا. فَلِكُلٍّ مِنَّا تَأثِيْرَان: تَأثِيْرٌ مَقْصُوْد، وآخَرُ غَيْرُ مَقْصُوْدٍ. ولِكُلِّ مُؤمِنٍ رِسَالَتَانِ، رِسَالَةٌ مَقْصُودَةٌ، عِنْدَما يَسْعَى لإقْنَاعِ البَعِيْدِيْنَ أنْ يَأتُوا لِلرَّبِّ، ورِسَالَةٌ غَيْرُ مَقْصُوْدَةٍ، عِنْدَما يَسْلُكُ بِلَيَاقَةٍ وتَدْقِيْقٍ، فيُشِعُّ بِنُوْرِه للآخَرِيْن ويُؤثِّرُ فيهم. الرِّسالة الأوْلَى بالإقْنَاعِ/ مَقْصودةٌ، والثَّانِيَة بالإشْعَاع/ غَيْرُ مَقْصودةٍ.
لدى كلِّ إنسانٍ حَاجَةٌ للتَّنْفِيْسِ النَّفْسي، وعِنْدَما نَفْتَحُ البَابَ لِشَخْصٍ مُتْعَبٍ ليُنَفِّسَ عَنْ هُمُوْمِهِ، فَإنَّنا نُسَاعِدَهُ عَلى إخْرَاجِ مَا يُثِيْرُ قَلَقَهُ ويُهَيِّجُ مَشَاعِرَهُ. هناك أهَمِيَّةٌ للتَّخَلُّصِ مِمَّا يَعْمَلُ في دَاخِلِهِ مِنْ مَشَاغِلَ ومَتَاعِبَ ومَشَاكِل، بِأنْ يُصَرِّح بِهَا مِنْ دُوْنِ خَجَلٍ أوْ خَوْفٍ. هَذا يَعْنِي أنَّ كُلَّ واحِدٍ يَسْتَطِيعُ أنْ يُسَاعِدَ كَثِيْرِيْنَ مِمَنْ حَوْلَهُ، ويُؤَثِّرُ فِيْهِم وَفي تَوَجُّهَاتِهِم، مِنَ الذِيْنَ يَئِنُّوْنَ تَحْتَ الأثْقَالِ النَّفْسِيَّة، بِطُرُقٍ كَثِيْرَةٍ مَقْصُودَةٍ وغَيْرُ مَقْصُودَةٍ، فَيُوَفِّرَ لَهُم إمَّا الشِّفَاءَ وإمَّا الشَّقَاءَ.
التَّأثير المَقصود
مَا أكْتُبُهُ أنا الآنَ هُنَا هُوَ بِقَصْدِ التَّأثِيْر المُبَاشِر المَقْصُود لإقْنَاعِ القَارِئ بالمَوْضُوع الَّذي أتَنَاوَلهُ. وَعِنْدَما أُعْطِيْكَ آذَانِي بإصْغَاءٍ لمَا تُرِيْدُ أنْ تَقُوْلَهُ لي عَنْ هُمُوْمِكَ، فَأنا بذَلِكَ أقُوْمُ أيضًا بفِعْلٍ مَقْصُودٍ مُبَاشِرٍ. وعِنْدَما أشْعُرُ بأنَّاتِ قَلْبِكَ، ومَشَاعِرِكَ، الَّتي لا تَسْتَطِيْعُ التَّعْبِيْرَ أوْ الإفْصَاحَ عَنْهَا، فَأنا بِذَلِكَ أُقَدِّمُ لَكَ خِدْمَة نَفْسِيَّة ورُوحِيَّة مُبَاشِرَة ومَقْصُوْدَة. كما يُمْكِنُني أنْ أقَدِّم لَكَ هَذِه الخِدْمَة مِنْ دونِ قَصْدٍ منِّي، مِنْ خِلالِ نَمُوذَج حَيَاتِي، حِيْنَ أتَمَتَّعُ بمَشَاعِرِ الهُدُوْءِ والخُلُوِّ مِنَ القَلَق والخَوْف، فَأُعْطِيكَ بذلك نَمُوذَجاً عَمَليَّاً لشِفَاءِ نَفْسِكَ.
هَذَا لَيْسَ وَاجِبًا إنْسَانِيًّا أوْ اجْتِمَاعِيًّا أوْ نَفْسِيًّا فحَسْب، إنَّمَا هُوَ وَاجِبٌ رُوْحِيٌّ بالدَّرَجَةِ الأوْلَى. فَإذْ أتَيْتُ إلَى المَسِيْح وَوَجَدْتُ فِيْهِ الرَّاحَةَ الحَقِيقِيَّةَ، وثِقَتِي الكَامِلَة في مَحَبَّتِهِ وقُدْرَتِهِ، فَأنا بِذَلِكَ مَسْؤولٌ أنْ أُخْبِرَ المُتْعَبِيْنَ عَنْ تِلْكَ الرَّاحَةِ الحَقِيْقِيَّةِ فِيْهِ. والنَّاسُ عَادَةً يَتَنَاقَلُوْنَ خِبرَاتِهِم الوُجْدَانِيَّة، فَالخَائِفُ يَسْتَطِيْعُ أنْ يَنْقِلَ عَدْوَى الخَوْفَ إلَى المُطْمَئِنِّ، والعَكْسُ بالعَكْسِ. إلاَّ أنَّ الحَقِيْقَة أنَّ المَرَضَ يَنْتَقِلُ دائمًا إلَى الأصِحَّاء، ولا تَنْتَقِلُ الصِّحَةَ إلَى المَرْضَى. فهُنَاكَ صِرَاعٌ يَنْشَأ بَيْنَ الشَّخْصِ المُضْطَرِبِ والشَّخْصِ المُطْمَئِنِّ، عِنْدَما يَلْتَقِيَان، لَكِنَّ المُضْطَرِب انْفِعَالِيَّاً ونَفْسِيَّاً هُوَ الأقْوَى في ذَلِكَ الصِّرَاعُ. حتَّى أنَّه بسُهُولَةٍ يُمْكِنُ أنْ يُؤَثِّر في نَفْسِيَّة المُتَّزِن المُطْمَئِنِّ. ورُغْمَ ذَلِكَ، فَإنَّكَ تَسْتَطِيْعُ أنْ تُسَاهِمَ في شِفَاءِ غَيْرِكَ بطُرُقٍ مُبَاشِرَةٍ مَقْصُوْدَةٍ مُتَنَوِّعَة، بِلِقَاءٍ قَصِيْرٍ، بِكَلِمَةٍ رَقِيْقَةٍ، بقُدْوَةٍ، بِحِوَارٍ… الخ.
التَّأثير غَيْر المَقصود، العفوي
نَسْتَخْدِمُ أحْيَاناً التَّعْبِيْر الطِّبِّي “التَّأثِيْر الجَانِبِي”، ونَقْصِدُ التَّأثِيْر الضَّار غَيْر المَقْصُود لدَوَاءٍ مَا. وتُبَيِّنُ الأبْحَاثَ الحَدِيْثَة أنَّ التَّوَاصُل دُوْنَ اسْتِخْدَام كَلِمَاتٍ يَتْرُكُ أثَرَاً أعْمَق مِنْ أيِّ شَيءٍ آخَرَ يُمْكِنُ أنْ يُقَالُ أوْ يُعْمَلُ. هَذَا النَّوْعُ مِنَ التَّأثِيْرِ لا يَقِلُّ أهَمِيَّةً وقُوَّةً عَن التَّأثِيْر المُبَاشِرِ المَقْصُود، بَلْ يَزيدُ. فَمَا أكْثَرَ المَرَّاتِ الَّتي نَعْتَذِرُ فِيْهَا عَنْ أخْطَائِنَا بقَوْلِنا: “أعْتَذِرُ، لَمْ أَكُنْ أقْصِدُ ذَلِكَ.. لَمْ أكُنْ أتَوَقَّعُ أنَّ مَا عَمِلْتُهُ سَيُؤدِّي إلَى هَذِه النَّتِيْجَةِ”. ونَسْتَطِيْعُ أنْ نَكْتَشِفَ حَقِيْقَة ذَلِك التَّأثِيْر بوُضُوحٍ مِنْ أرْبَعَةِ نُصُوْصٍ مِنْ كَلِمَة الله:
أ. تأثيران للمسيح
في (مرقس 5: 25-34) كَانَ لِلْمَسِيْح عَمَلانِ وتَأثِيْرَانِ يُبَيِّنُهُمَا مرقس، عَمَلٌ مَقْصُودٌ مُبَاشِرٌ في شِفَاءِ ابْنَةِ يَايْرُس، الَّتي أمْسَكَهَا بِيَدِهَا وأقَامَها، وعَمَلٌ آخَر لَمْ يَكُنْ يَقْصِدهُ، عِنْدَما جَاءَت المَرْأةُ النَّازِفُةُ الدَّم مِنْ وَرَائِهِ ولَمَسَت طَرَفَ ثِيَابِهِ دُوْنَ قَصْدٍ مِنْهُ، ونَالَت الشِّفَاءَ أيْضًا. فَفِي طَرِيْقِهِ لعَمَلِ خَيْرٍ مَقْصُودٍ في بَيْتِ يَايْرُس، عَمِلَ خَيْرًا غَيْر مَقْصُودٍ، بِشِفَائِه نَازِفَة الدَّم. الأمْرُ الَّذي يُعَلِّمنا أنَّه بَيْنَمَا نَسِيْرُ في طَرِيْقِ الحَيَاةِ، نَقُوْمُ بِرِسَالَتَيْنِ مُؤَثِّرَتَيْنِ، وَاحِدَةٌ مَقْصُوْدَةٌ وأخْرَى غَيْر مَقْصُوْدَة، بعَفَوِيَّة.
ب. تأثيران لذاتِ الفِلْسَيْن
في (مرقس 12: 41-44) جَلَسَ المَسِيْح تُجَاهَ الخَزَانَة، وكان يُرَاقِبُ كَيْفَ يُقَدِّمُ النَّاسَ عَطَايَاهُم، حينَ جاءَت امْرَأَةٌ أرْمَلَةٌ فَقِيْرَةٌ، لا تَمْتَلِكُ إلاَّ فِلْسَيْن، ووَضَعَتْهُما في الصَّنْدوق، هَذَا عَمَلُها المقْصُود. فوَجَّه المَسِيْح نَظَر تَلامِيْذَهُ إلى ما فَعَلَتْهُ، بَل وَجَّه أنْظَار التَّاريخ والكَنِيْسَة على مَرِّ العُصُور إلى ما فَعَلَتْهُ تِلْكَ الأرْمَلَة. أمَّا هِي فَلَم تَكُن تَقْصِدُ أنْ يَرَاها أحَدٌ، لَكِنْ كانَ لَها ذَلِك التَّأثِيْر العَظِيمِ غَيْر المَقْصُود، في التَّلاميذِ وفي التَّاريخ ِوفي الكَنِيْسَة.
ج. تأثيران لبطرُس
في (أعمال 3) نَقْرَأُ عَنْ بطرس الرَّسول عِنْدَما ذَهَبَ إلَى الهَيْكَلِ، وعِنْدَ بَابِ الجَمِيْلِ الْتَقَى بِأَعْرَجٍ يَسْتَعْطِي، فَقَالَ لَهُ: “لَيْسَ لِي فِضَّةٌ وَلا ذَهَبٌ، وَلَكِن الَّذي لِي فإيَّاهُ أُعْطِيْكَ، قُمْ وامْشِ”. وأَمْسَكَ بِيَدِهِ وأقَامَهُ، فَوَثَبَ الأعْرَجُ عَالِيًا مِنْ سَعَادَتِهِ. هَذَا عَمَلٌ مُبَاشِرٌ قَصَدَهُ بُطْرُس، لَكِنْ في (أعمال 5) نَقْرَأ أنَّه قَامَ بِعَمَلٍ آخَرَ لَمْ يَكُنْ يَقْصِدَهُ. فَمَعَ انْتِشَارِ السُّلْطَان الرَّسُوْلِيّ، حَيْثُ أيَّدَ اللهَ أوْلَئِكَ الرُّسُل في بَدْءِ انْتِشَارِ رِسَالَتِهِم بإنْجِيْلِ المَسِيْح، كانَ النَّاس (بحَسَب اعْتِقَادِهِم) يَضَعُوْنَ مَرْضَاهُم في الطُّرُقَاتِ المُؤَدِيَةِ إلَى الهَيْكَلِ، حَتَّى إذَا مَرَّ بُطْرُس “يُخَيِّم وَلَوْ ظِلُّهُ” عَلَيْهِم لِيُشْفَوْا! يُبَيِّنُ لُوْقا أنَّ بطْرُس لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ بِذَلِكَ، بَلْ كَانَ يَمْشِي في الطَّرِيْقِ وظِلُّهُ مِنْ خَلْفَهُ يَشْفِي النَّاسَ دُونَ قَصْدٍ مِنْهُ، هَذا تَأثِيْرٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ.
هَكَذا الأمْرُ مَعَك أيْضًا، عِنْدَما تَسِيْرُ في شَوَارِع الحَيَاةِ وأزِقَّتِها، لَكَ ظِلٌّ لا يُفَارِقُكَ. هَذَا الظِّلُّ يَقَعُ عَلى الآخَرِيْنَ، حَتَّى الَّذينَ لا تَعْرِفهُم. إمَّا أنْ يَشْفِيَهُم، وإمَّا أنْ يَشْقِيَهُم. لَكَ نَظَرَات وهَمَسَات ولَمَسَات وإيْمَاءَات وأقْوَال وأفْعَال… الَخ، غَيْر مَقْصُوْدَةٍ وغَيْر مُبَاشِرَةٍ، لَكِنَّها مُؤَثِّرَةٌ جِدًّا، بَلْ هِي الأقْوَى تَأثِيْراً. ألَمْ نَلْتَقِي أُنَاسًا يَبْعَثُوْنَ فِيْنَا الأمَلَ والرَّجَاءَ والطُّمَأْنِيْنَة، رُغْمَ أنَّهُم لا يَقْصِدُوْنَ ذَلِكَ؟
د. تأثيران لاستفانوس
وفي (أعمال 7) قِصَّةُ اسْتِشْهَادِ أوَّل شُهَدَاء المَسِيْحِيَّة، الشَّمَّاس اسْتَفَانُوْس. فبَيْنَما كانُوا يَرْجِمُوْنَهُ كَانَ يُصَلِّي لِلرَّبِّ أنْ يَقْبَلَ رُوْحَهُ، وكَانَ يَطْلُبُ الغُفْرَانَ لهُؤلاءِ المُسِيْئِيْنَ القَتَلَة، مُتَمَثِّلاً بسَيِّدِهِ. بَيْنَمَا كان شَاوُلَ الطَّرسُوْسِيّ يَحْرُسُ مَلابِسَ أوْلَئِكَ الَّذيْنَ كَانُوا يَرْجُمُوْنَ اسْتَفانُوس. فَمِنْ جَانِبِ شَاوُل، لَمْ يُشَارِكهُم الرَّجْم، وَلا الشَّهَادَة الزُّور، ولا القَتْل، بَلْ كانَ حَارِسًا لِثِيَابِهِم فَقَط، لكنَّهُ “كَانَ رَاضِيًا بِقَتْلِهِ”. هَذا عَمَلٌ غَيْرُ مُباشِرٍ قَامَ بِهِ. فَالصَّمْتُ عَلى الجَرِيْمَةِ مُشَارَكَةٌ فِيْهَا، لَقَد اشْتَرَكَ سَلْبًا مَعَ أوْلَئِكَ القَاتِلِيْنَ. لَكِنْ عَلى الجَانِبِ الآخَر، كانَ لِذَلِكَ الحَدَث تَأثِيْرٌ بَالِغٌ في حَيَاةِ شَاوُل. لقَد أثَّرَ اسْتَفَانُوْس تَأْثِيْراً مُبَاشِراً مَقْصُوْداً في المُسْتَمِعِيْنَ لعِظَتِهِ الطَّوِيْلَة، وصَلاتِهِ العَلَنِيَّة، لَكِن كانَ لَهُ تَأثِيْرٌ آخَرَ غَيْر مَقْصُوْدٍ في شَاوُل، الأمْرُ الَّذي ظَهَرَ في حَيَاتِه وخِدْمَتِه بَعْدَ الْتِقَائِهِ وإيْمَانِهِ بِالمَسِيْح.
مَا أكْثَرَ المَرَّات الَّتي نُؤدِّي فِيْهَا أعْمَالاً بَسِيْطَة عَادِيَّة، لَكِنَّنا، دُوْنَ قَصْدٍ مِنَّا، ودُوْنَ أنْ نَدْرِي، نَكْتَشِفُ أنَّهَا كَانَت مُؤَثِّرَةً جِدًّا فِيْمَن حَوْلَنَا، في أوْلادِنا وبِيُوتِنا وشَوَارِعِنا. مَا أكْثَرَ الَّذِيْنَ أهْمَلُوا حَياةَ الإيْمَانِ بِسَبَبِ أبْنَاءِ الكَنِيْسَةِ، إذْ رَأوْا أنَّهُم أبْعَدُ مَا يَكُوْنُوا عَنِ الإيْمَانِ الصَّحِيْح. والعَكْسُ بالعَكْسِ، هُنَاكَ أيْضًا مَنْ آمَنُوا بِالمَسِيْح وجَاؤوا إلَى الكَنِيْسَة بِسَبَبِ حَيَاةِ أُنَاسٍ مُخْلِصِيْنَ في إيْمَانِهِم، رُغْمَ أنَّهُم لا يَعْرِفُوْنَهُم مَعْرِفَةً شَخْصِيَّةً. فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا رِسَالَتَانِ وتَأْثِيْرَان، تَأثِيرٌ مَقْصُودٌ وآخَر غَيرُ مَقْصُود، وهُوَ الأكْثَر تَأثِيرًا. فَمَا الَّذي يَجِبُ أنْ نَعْمَلَهُ الآنَ؟
التَّدقيق والتمهُّل
إذًا، ليس كل ما كنت تقصده سيكون كما قصدته.. عِنْدما نُدْرِكُ هَذِه الحَقِيْقَة الهَامَّة، يَجِبُ أنْ نَتَعَلَّم كَيْفَ نتمهَّل ونُدَقِّقُ في أصْغَرِ الأمُوْر والأفْعَال والكَلِمَات الَّتي تَصْدُرُ مِنَّا، لاسِيَّمَا تِلْكَ الَّتِي لا نَقْصِدُها. فَأنْتَ كَأبٍ، القَرَارَات الَّتي تَتَّخِذُها في بَيْتِكَ لَها تَأثِيْرٌ في حَياةِ أفْرَادِ عَائِلَتِكَ، هَذَا تَأثِيْرُكَ المَقْصُود. أمَّا الطَّرِيْقَةُ الَّتي تَتَصَرَّف بِها، ورُدُود أفْعَالِكَ، خَاصَّةً الغَاضِبَة، فهي تَأثِيْرُكَ غَيْر المَقْصُود، تِلْكَ لَها تَأثِيْرٌ أقْوَى فِيْهِم. وأَنْتِ كَأُمّ، أنْوَاعُ المَأكولات الَّتي تُقرِّرِيْنَ عَمَلَها لعَائِلَتِك، لها تَأثِيْرٌ في أجْسَادِهِم، هَذَا تَأثِيْرُكِ المَقْصُود. أمَّا رُكُوعَكِ للصَّلاة، ومُدَاوَمَتكِ على قِرَاءَة كَلِمَة الله، واهْتِمَامَكِ الوَاضِح بِبَيْتِ الرَّبّ، فهي تَأثِيْركِ غَيْر المَقْصُود، وهو التَأثِيْر الأقْوَى فِي عائلتِك.
فَرُبَّما تَحِيَّةٌ عَابِرَةٌ تَكُونُ أقْوَى مِنْ تَرْحِيبٍ حَارٍّ، وكَلِمَةُ شُكْرٍ بَسِيْطَةٌ أعْظَمُ مِنْ عِبَارَاتِ المَدْحِ والثَّنَاءِ. إنَّنا بِطَرِيْقَةٍ غَيْرِ مُبَاشِرَةٍ، وغَيْرِ مَقْصُوْدَةٍ، نُشَارِكُ في صِنَاعَةِ وصِيَاغَةِ حَيَاةِ وشَخْصِيَّات الَّذِيْنَ نَتَعَامَلُ مَعَهُم ونَلْتَقِي بِهِم كُلَّ يومٍ، وَلَوْ في لِقَاءاتٍ عَابِرةٍ. فَلْنَحْذَر مِنْ أنْ نَكْونَ سَبَب يَأسٍ لإنْسَانٍ، أوْ عَامِلَ تَكْدِيْرٍ وتَعْكِيْرٍ لمَعِيْشَةِ أحَدٍ، سَوَاءٌ بِتَأثِيْرٍ مَقْصُودٍ أوْ غَيْر مَقْصُود. فَكُنْ مَصْدَرَ اسْتِبْشَارٍ وطُمَأنِيْنَة لمَن حَوْلَكَ، بِأنْ تَرْسُم ابْتِسَامَةً عَلى وَجْهِ بَائِسٍ، أفْضَلَ مِنْ أنْ تُحْدِثَ لَدَيْهِ نَظْرَةَ يَأْسٍ تُطْفِئُ الأمَلَ لَدَيْهِ.
تَذَكَّر دَائِمًا، وأنْتَ تَسِيْرُ في الحَيَاةِ، أنَّ لَكَ ظِلٌّ أيْنَمَا تَمْضِي، يَقَعُ عَلى الآخَرِيْنَ، إمَّا أنْ يَشْفِيَهُم وإمَّا أنْ يَشْقِيَهُم. فلنُصَلِّ: “اخْتَبِرْني يَا اللهُ واعْرِف قَلْبي، امْتَحِنِّي واعْرِف أفْكَاري، وانْظُرْ إنْ كانَ فيَّ طَرِيْقٌ بَاطِلٌ واهْدِني طَرِيْقًا أبَدِيًّا”، وسَاعِدْني حتَّى أكُوْنَ مُؤَثِّرًا فَعَّالاً، بطُرُقٍ مَقْصُوْدَةٍ وغَيْرٍ مَقْصُودةٍ، فَأكُونُ سَبَب شِفَاءٍ لا شَقَاء للنُّفُوسِ التي ألْتَقِي بِها كُلَّ يَوْمٍ.
مع محبَّتي وصلاتي لأجْلِ القُرَّاء الأعِزَّاء
القس أمير اسحق