
القس/ أمير اسحق
الكنيسة الإنجيلية المشيخية بمصر
“الرسالة التي أعطاني الرب أن أقدِّمها مساء اليوم، الأحد 4/7/2021، في الكنيسة الإنجيليَّة في شبرا، بدعوة المحبوب القس محسن نعيم، راعي الكنيسة. شكرًا للرَّب ولحضرة الزَّميل. والربُّ يستخدم كلمته وشرحها لبركة كنيسته.
((يوم الخمسـين – يوم ميلاد الكنيسة))
كيف نحيا الخمسينية؟
(أعمال الرسل 2: 1-4/ لاويين 23: 9-16)
سِفر أعمال الرُّسل هو الجُزء الثاني من إنجيل لوقا، وهو سِفر أعمال الرُّوح القدس في الرُّسل وفي الكنيسة. بعد أن بيَّن في (ص1) أمجاد الرَّحيل واختيار البديل، انتقل لوقا إلي (ص2) ليُبيِّن بدء حلول الروح القدس، نتيجة صعود المسيح، ونتائجه الأولى، ثمَّ عظة بطرس الأولى، ونتائجها في حياة الكنيسة الأولى. أمَّا موضوع حلول الروح القدس فإنَّه يشغل تفكير لوقا في كتابَيْه، الإنْجيل والأعمال، إذْ يَعتبر أنَّ هذا الأمر هو من أولى مُميِّزات العصر المسيحي الأول.
الأربعون
أربعون يومًا، بعد قيامته، قضاها المسيح مع تلاميذه، أراهم فيها نفسه حيًّا ببراهين كثيرة (أعمال 1: 3). هذه الفترة “الأربعينيَّة”، ليست مُجرَّد إشارة زمنيَّة، لكنَّها علامة مسيحيَّة، إذْ تُعتَبر بركة عظيمة لطبيعتنا البشريَّة. فالجسد الذي قام به المسيح وظهَر به لتلاميذه طيلة تلك الفترة، ثمَّ صَعِد به إلى السَّماء، ذلك الجسد، عَبَر الموت والقَبْر وقام حيًّا. بذلك أثبت المسيح إمكانيَّة قيامتنا أيضًا بأجساد مُنزَّهَة عن الفساد. الأمر الذي لا يُمكن حدوثه إلاَّ للذين: ماتوا مع المسيح، وقاموا معه، وأخذوا روح قيامته، وسلكوا بأخلاقيَّاتها. هذه هي “الأربعينيَّة”، فهي ليست أربعون يومًا حرفيَّة طقسيَّة، لكنَّها:
أ. مرحلة ما بين الموت مع المسيح، والصُّعود إليه للبقاء الأبدي معه. هي مرحلة تشمل الحياة الإيمانيَّة بجُملتها هنا (طويلة مُمتدَّة).
ب. مرحلة الاستعداد والتَّمهيد لانطلاقة كُبرى في الشَّهادة بالمسيح المُقام، التي لقَّن فيها تلاميذه بعضًا مِن التَّعاليم التي لم يستطيعوا استيعابها قَبْل تلك المرحلة. هي مرحلة التَّعليم والتَّدريب والتَّخطيط قبل الخروج للخدمة والشَّهادة (قصيرة تُناسب المهمَّة). هذه المرحلة لم تكُن في ظهوراتٍ خاطِفةٍ، بل في أوقاتٍ طويلة قضاها المسيح معهم، يُعلِّمهم ويُجهِّزهم للانطلاق في الكرازة للعالم كلِّه. وقد اختتمها في جبل الزَّيتون بالوصيَّة: “أنْ لا يَبْرَحوا مِن أورشليم، بل ينتظروا موعد الآب (الذي سمعتموه منِّي)”، وبالوَعْد: “أمَّا أنتُم فستتعمَّدون بالرُّوح القدس، ليس بعد هذه الأيام بكثير”، أي بعد عشرة أيام (أعمال 1: 4-5).
العَشرة
كان المسيح معهم بجسده خلال الأربعين يومًا، أمَّا في العشرة الأيام التَّالية فقد فارقهم بالجسد، لكنَّه معهم بروحه. كانت أورشليم المسرح الإلهي المُعَدّ لمَنْحهم ومَنْح الكنيسة الرُّوح القدس، بحسب الوعد. فالمكان الذي تمَّ فيه رَفْض يسوع وصَلْبه ومَوْته، هو المكان نَفْسه الذي سيكون مَرْكز انْطلاق الشَّهادة إلى كلِّ مكان في العالم. وكانت فترة العشرة الأيام، التي تَفْصِل بَيْن الأربعين يَوْماً، ويوم الخَمْسين، هي:
أ. فَتْرة انتظار الشَّرارة الأولى
لتَبْدأ انْطلاقة الكرازة والشَّهادة. فكيف قضاها الرُّسل؟ نقرأ (1: 12-14، 26): “صَعِدوا إلى العِليَّة”، ربَّما هي بيت مريم أمّ يوحنا مرقس. لكن الأرْجَح أنَّها التي رَسَم فيها المسيح فريضة العشَاء الرَّباني، وألْقى فيها خطبة الوداع. فذلك المكان سوف يُؤمِّن لهم الخُصوصيَّة اللازمة، مِن جانب. ومِن جانب آخَر، مُلائم لفَتْرة العشرة الأيَّام، حيث الصَّلاة والانتظار. وخلالها أيضًا اختاروا “متِّياس” بديلاً للإسخريوطي.
ب. فترة الشَّركة في الصَّلاة
كانوا يصرفون مُعظم نهارهم في الهيكل، ثمَّ يعودون ليسهروا جميعًا للصَّلاة في تلك العِليَّة. كان عددهم “نحو مئة وعشرين”، منهم الرُّسل، ماعدا الإسخريوطي، والنِّساء اللواتي تَبِعْن يسوع، ومَرْيم أمّ يسوع وأخْوَته (1: 14-15). هؤلاء هم الجماعة التي شكَّلت قلب الكنيسة الأولى. “هؤلاء كانوا يواظبون بنَفْسٍ واحِدَةٍ على الصَّلاة والطِّلْبَة”، كأنَّهم شَخْصٌ واحدٌ. لقد اشْتَركوا في حُزْن واحدٍ، ومَحبَّة واحدة لسيِّدهم، ورَجاءٍ واحدٍ، الذي ينتظرونه مِن الآب. تلك الجماعة القليلة العَدَد، الضَّعيفَة الإمْكانيَّات، المُحْتقَرَة في نَظَر السِّياسيِّين ورجال الدِّين آنذاك، كانوا أداةَ الله لرَدِّ العالَم إلَيْه بواسطة الإيمان بيسوع المسيح، الرَّبِّ المُقام المنْتَصِر. ورُغْم قلَّة عددهم، إلاَّ أنَّهم اسْتطاعوا أنْ يَغْزوا العالم كُلَّه. كان سكَّان فلسطين وقتئذ حوالي 4 مليون نسمة. أي أنَّ نسبة المسيحيِّين إلى نسبة اليهود كانت 1: 33000 ومع ذلك نشروا البشارة وانْتَصَرت الرِّسالة.
الأمر الذي يُعلِّمنا الانتظار حتى يأتي موعِد الآب. عندما تُواجهنا مهمَّة أو مسؤوليَّة كبيرة، لتكُن أولى خطواتنا هي انْتظار القوَّة الإلهيَّة والإرْشاد السَّماوي. لننتظر هذه “العَشرة الأيام”، ليس بمعناها الحَرْفي، في عِلِّيَّتنا التي تُمثِّل نقطة الانْطلاق. فيها نُفَكِّر ونُخطِّط ونَنْتظر الشَّرارة الأولى، بعد التَّعليم الذي نتلقَّاه في فترة “الأربعينيَّة”. وعندها نَنْطلِق ونتَّخِذ القرارات الهامَّة والخطوات الحاسِمة.
فكيف نعيش نحن روح القيامة، ونَتعلَّم في “الأربعينيَّة”، ونَنْتَظِر في “العشَرَة”؟ عندما قام المسيح من الموت برهن لتلاميذه حقيقة قيامته، وهُم بدورهم رأوه وسمعوه ولمسوه، وصدَّقوا وآمَنوا أنَّه حقًا قام. لكن هذا غَيْر كافٍ لينالوا قوَّة قيامته، فكان لابُدَّ مِنْ هِبَةٍ روحيَّة جديدة. لذلك، فإنَّه قُبَيل صعدوه، نَفَخ وأعْطاهم تِلْك الهِبَة، ووَعَدَهم بانسكاب الروح القدس بعد صعوده: “ولما قال هذا نَفَخَ وقال اقْبَلوا الروح القدس” (يوحنا 20: 22). هذا هو رأسمال الخُدَّام، وضَمانَة نجاح خدمتهم. فكما أنَّ القيامة مع المسيح عربون الصُّعود معه، كذلك قبول نَفْخَة الرُّوح القدس هو عربون حلوله ومِلئه الدَّائم المُستَمرِّ المُسْتقرِّ فينا. أمَّا تلك “النَّفْخَة” فتُذكِّرنا بما ورد في (تكوين 2: 7)، حين نَفَخَ الله في أنْفِ آدَم نَسْمَةَ حياةٍ. فعِنْدما هيَّأ الله هَيْكل الإنْسان الأوَّل، نَفَخ في أنْفِه نسمة الحياة الطَّبيعيَّة. وعندما هيَّأ المسيح رجال كنيسته المجيدة، نفَخَ فيهم نَسْمة روحه القدُّوس، عُربونًا لحُلول وسُكْنى واستقرار الرُّوح القدس فيهم وفي الكنيسة. هذا ما حَدَث في يَوْم الخمسين.
الخمسون
كان اليهود يَحْتفلون بثلاثَة أعياد دينيَّة رئيسيَّة (الفِصْح، المَظَال، الخَمْسين). ولكُلِّ عيد دلالة تاريخيَّة ونَبويَّة وتَطبيقيَّة. أمَّا الخلفيَّة التَّاريخيَّة لعيد الخمسين فنَجدها في (لاويين 23: 15-17)، حيث كان على كلِّ يهودي أنْ يُعَيِّد تلك الأعياد الثّلاثة في أورشليم، وكان أكثرها حضورًا عيد الخمسين. وتأتي تسميته لأنَّه يأتي بَعْد عيد الفِصْح بسَبْعَة أسابيع، أي بَعْد 49 يومًا. ويُسَمَّى أيْضًا عيد الأسابيع، عيد الحَصاد، عيد الشُّكْر، عيد البَاكورَة. هو يَوم بهجة وفرَح بالحَصاد، تُقدَّم فيه تقدمات جديدة شكرًا للرَّبِّ على عطاياه الكثيرة ومَراحمه الغنيَّة. فكان لهذا العيد مَعْنيان أساسيَّان: الأول، معنًى تاريخي، حَيْث كانوا يَعْتقدون أنَّه يوافِق يوم إعْطاء الله الشَّريعة لموسى على جَبل سيناء وتَكَلُّمِه مَعه. الثَّاني، معنًى زراعي، حيث كان على كلِّ يهودي أنْ يُقدِّم لبيت الرَّب أوَّل حُزْمة شَعِير يحصدها، شُكرًا للرَّب على المَحْصول الذي يَجْمَعه. كما يُطلق على ذلك العيد الاسم العبري “عَنْصَرَة” أي المحفل العام. أمَّا الكلمة العربية فإنَّها تشير في علم الاجتماع إلى هيمنة مجموعة على مجموعة لتُعطيها هوية جديدة وتَصنيفًا جديدًا.
أمَّا العهد الجديد فقَد حقَّق المعنى النَّبوي لذلك العيد، وأعْطاه معنًى جديدًا عَميقًا. وكما أصْبَح عيد الفِصْح عيدًا للقيامَة، أصْبَح عيد الخَمْسين عيد ميلاد الكنيسة وتأسيسها، بحلول واستِقرار الرُّوح القدس، وتَقْديم باكورات الإيْمان المسيحي، وإعطاء الروح القدس هويةً جديدةً للمؤمنين بالمسيح المُخلِّص. وقد اختار المسيح ذلك اليوم بكلِّ دقَّة وحِكْمة، فلماذا اخْتاره لتَحقيق وعده بالرُّوح القدس؟ ذلك لثلاثة أسباب:
أ. في ذلك اليَوْم تَحْتَشِد جموع كثيرة، يأتون مِن بلاد بعيدة ومُخْتلفة اللغات والجِنْسيَّات والثَّقافات (2: 9-11) حوالي 15 جنسيَّة مُختلفة. فكما شاهد جمهورٌ كبيرٌ ذُروَة اتِّضاع المسيح يَوْم صَلْبه، يشاهِد هنا جمهور أكْثَر تلك البَيِّنَة على عَظَمة ومَجْد وسُلطان المسيح.
ب. حتى يُشاهد ويَشْهَد كلُّ ذلك الجمهور على الوَاقع عَلامات مُعجزيَّة تؤكِّد صِحَّة ما يقول أولئك الرُّسل عن مسيحهم الذي قام مِن الموت، ويَحْمِلون تلك الأنْباء إلى بلادهم.
ج. إثبات أقنوميَّة الرُّوح القدس أمام ذلك الحَشْد الكبير وبتلك الكيفيَّة المُعجزيَّة. فالحدث اللاهوتي الأول العظيم في العهد الجديد هو مجيء الأقنوم الثَّاني في اللاهوت، المسيح الابن. والحدث الثَّاني هو مجيء الأقنوم الثَّالث، الرُّوح القدس. ذلك المجيء لا يعني أنَّهما لم يكُن لهما وجودٌ سابقٌ، بل يعني ظهورهما بوضوح للبشر في زمن مُعيَّن، لأنَّهما أزليَّان.
ماذا حدث يوم الخمسين؟
(1) “كان الجميع معًا بنَفْس واحِدَة”
(ع 1) كان ذلك في يوم الأحَد من الأسبوع السَّابع بعد القيامة، حيث اتَّحدَت أشْواق المؤمنين، وهو الشَّرط الأساس ليَحلّ الرُّوح القدس على المُجتمعين، فيتمتَّعون بمِلْئه وبقوَّته. إنَّه اتِّحادهم في طِلْبةٍ واحِدة، ورَجاءٍ واحِد هو حُلول الرُّوح القدس.
(2) “صار بَغْتَةً من السَّماء”
(ع 2) لما كان الرُّوح القدس مُشبَّهًا بالرِّيح، فلا عَجَب أنْ يكون مَجِيئه مَصْحوبًا بضَجَّة كأنَّها هبوب ريح، كما حَدَث يوم نَزَل الرَّبُّ على جَبَل سيناء، دلالة الحُضور الإلهي المَهوب (خروج 19: 16، 19). “صار بَغْتَةً” أي حَدَث فَجْأة، لأنَّ أحَدًا لَمْ يتوقَّع تحقيق الوَعْد بتلك الكيفيَّة في ذلك التَّوقيت، لأنَّ المسيح لَمْ يُعَيِّن الوَقْت ولا الكيفيَّة. أمَّا لوقا، فإنَّه يَصِف الحَدَث بطريقة مَجازيَّة نشبيهيَّة “كَمَا مِنْ هُبُوبِ رِيحٍ.. كأنَّها مِنْ نَارٍ”. لأنَّنا نتَعامل هنا مع حَدث فَوْق طبيعي، ونُحاول وَصْفَه وفهمه بتعبيرات مَحْسوسة مَجازيَّة لنُدْرك مَعناه. فاسْتَخدم لوقا كلمتَيْن لوَصْف الرُّوح القدس هنا: ريح، ونار. وهي رموز تذكِّرنا برموز العهد القديم للدَّلالة على الحُضور الإلهي الخاص.
فالرِّيح شديدة وغير منظورة، كذلك عمل الرُّوح القدس شديدٌ وغير مَنْظور “الرِّيحُ تَهُبّ حَيْثُ تَشاء، وتَسْمَعُ صَوْتها، لكِنَّكَ لا تَعْلَم مِنْ أيْنَ تأتي ولا إلى أيْنَ تَذْهَب، هكذا كُلُّ مَن وُلِدَ مِن الروح” (يوحنا 3:
. والنَّار مَنْظورَة، وهي تُطهِّر وتُنقِّي، وتَحْرق وتُدَمِّر. قال عَنْها المعمدان: “هُوَ سَيُعَمِّدَكُم بالرُّوح القدس ونَار” (لوقا 3: 16). أمَّا قوله: “ألْسِنَةٌ مِنْ نار”، فاللسان يُرادِف الُّلغَة التي يَتَكلَّم بها الإنسان، و “ألْسِنَةٌ مُنْقَسِمَة” أي لُغَات مُتَعَدِّدة. لقد أعْطاهم الله أنْ يتكلَّموا بلُغاتٍ أجْنبيَّة لَمْ يَعرفوها مِنْ قَبْل، لتكون علامَة مُعْجزيَّة تأييدًا إلهيًّا لصِحَّة كلامِهم. فخَرجوا إلى الشَّوارع بكُلِّ نشاط وحَماسَة وشَجاعة، يُكلِّمون الناس بلُغاتهم ولهَجاتهم، والذين سَمِعوهم فهموا وتَعجَّبوا.

(3) “امْتَلأ الجميع مِن الرُّوح القدس”
(ع 4) كان الجميع بنَفْس واحدة، فامْتلأ الجميع من الرُّوح القدس. لقد وعَدهم المسيح بقوَّة مِن الأعالي ينتظرونها فتَجْعلهم شُهودًا في كلِّ مكان، بكُلِّ مُجاهرة ومِن دون أيِّ خوف، وهو ما حَدث هُنا. لقد نالوا قوَّة لشهادة ناريَّة، تَهْدي وتُنَقِّي تارَةً، وتَحْرق وتُدَمِّر تارةً أخرى. مُميِّزةً بَيْن واحِدٍ وآخَر، وبَيْن فَتْرة وأخرى في حياة الفَرْد الواحد. فتُطهِّر قَلْبه من الفَساد، وتُلْهِبَه بالغَيْرة للشَّهادة للمسيح. هذا ما اخْتَبره جميعُ الحاضرين مِن المِئة والعِشْرين الذين اجْتَمعوا في العِليَّة آنذاك. كانوا مِن الأُمِّيِّين الذين لَمْ يتعلَّموا أيَّة لُغاتٍ أجنبيَّة، وكانوا خائفين ومُتقوقعين، لكنَّهم كانوا مُنْتظرين مُصْلِّين مُشتاقين، فاخْتَبروا ما لَمْ يَخْتَبره بشَر قَبْلَهم، ولا بَعْدهُم.
كيف نعيش “الخمسينيَّة” اليوم؟
نأتي هنا إلى الجانب التَّطبيقي لذلك العيد. إلاَّ أنَّ هناك مَن أساؤوا فَهْم وتطبيق أحْداث ذلك اليَوْم، فنادوا بإمْكانيَّة تِكْرارها حرفيًّا. لكنَّنا نقول:
أ. يَوْم الخمسين هو الحَدَث الأخير المُتعلِّق بعَمل المسيح الخلاصي. فمِيلاده العَذْراوي لَنْ يتكرَّر، كذلك صَلْبِه ومَوْته وقيامَته، كلها أحْداثٌ لا تتكرَّر. ويَوْم الخمسين أيضًا لا يَتكرَّر.
ب. نَعِيش فَتْرَة “الأربعينيَّة” (التَّعليم) و “العَشَرة” (الانتظار)، بالمَعْنى الرُّوحي الذي ذكرناه، بذلك نعيش “الخَمسينِيَّة” (الشَّجاعة والحماسة في الشَّهادة) التي هي جمع ال 40 “فترة الفهم والتَّعليم” + ال 10 “فترة الانتظار والاستعداد”.
ج. بناءً عليه، لا نتوقَّع اليَوم أحْداثًا مُعجزيَّة تُبَرْهِن صِحَّة الرِّسالة، لكنَّنا نتوقَّع ظُهور المسيح في أخْلاقنا وأفْعالنا وردود أفْعالنا، فنَسْمع صوت الكلمة المُتجسِّد مِن خلال الكلمة المكتوبة، ونُميِّزه ونُطيعه. ونَتَخاطب مَعًا بمُفْردات وألسِنة جديدة، ونُقدِّم للعالم رسالة الإنجيل بلُغاته. فنكون بَرَكَة لبَعْضنا بَعْضًا، وبركة للخارجين أيضًا. وسَتَبقى المُعجزة الكُبرى هي وجود كلمة الله كاملة وحيَّة وفعَّالة بَيْن أيدينا. فبَيْنما أُعْطي النَّاموس بلُغةٍ واحدةٍ لشَعْبٍ واحدٍ، أُعطِيَت رسالة الإنْجيل لجميع الشُّعوب بحسَب لُغاتهم وجِنْسيَّاتهم ولهجاتهم المُختَلِفَة. هذه هي الخمسينيَّة.
فلنُجدِّد صلاتنا اليوم مُترنِّمين:
يا رُوحَ قُدْسِ الله أشْرِقْ عَلَى القَلْبِ
جَدِّدْ بِهِ رُوحَ الحَياةْ والطُّهْرِ والحُبِّ