
الكاتب
القس صموئيل عطا
سنودس النيل الإنجيلي
الكنيسة الإنجيلية المشيخية بمصر
الصليب بين الحكمة والجهالة
يقول العالم اللاهوتي “مولتمان”: “إن موت يسوع على الصليب هو مركز كل اللاهوت المسيحي… وكل الإقرارات المسيحية عن الله، وعن الخليقة، وعن الموت يقع مركزها في المسيح المصلوب.”
وعلى قدر المكانة الرفيعة، والقيمة الثمينة التي يتمتع بها صليب الميح في نظر المؤمنين به، وبكونه “قوة الله للخلاص”، وبأنه الوسيلة الوحيدة التي اختارها الله للفداء حسب قصده وحكمته، وذلك بالرغم من أنه لوكان قد تُرِك الأمر لاختيارنا القاصر لما اخترنا وقتها الصليب كوسيلة للخلاص، وذلك يتضح جليّا في مشهد الصلب نفسه حينما ابتعد الجميع عنه حتى معظم تلاميذه، وكانوا يتبعونه من بعيد، غير مستوعبين الأمر، حيث أن معلمهم وقائدهم قد ُصلِب، وذلك لأننا لأننا بحسب فكرنا البشري القاصر،وتفكيرنا المحدود، وبحسب الظاهر قد نرى مثلهم آنذاك، ومثل كل من يفكر بهذه الطريقة في كل زمان، وفي كل مكان، أن المسيح قد صُلِب من ضعف، وأن طريق الصليب ليس في ظاهره قوة، بل ضعف وعار، لكن في حقيقته فهو قوة الله عينها “قوة الله للخلاص” ونحن قد قبلنا بالإيمان ذلك بحسب قصد الله المعلن لنا، وفي الحقيقة هذا ليس غريبًا ففكر الله الغير محدود يختلف عن فكرنا المحدود، وأحكامه التي تفوق كل قياس تختلف تمامًا عن أحكامنا كما يتغنّى بولس قائلًا: “ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء” (رومية 11 : 13)، وأيضًا يذكر إشعياء “لأنه كما علت السماوات عن الأرض هكذا علت طرقي عن طرقكم، وأفكاري عن أفكاركم” (إشعياء 55 : 9).
ويوضح بولس ذلك في (كورنثوس الأولى 1 : 19 – 24)، حيث كان يخاطب مؤمنين في وسط مجتمع يضم خليط من اليهود واليونانيين، فكان اليونانيون يفتخرون بحكمتهم وفلسفتهم، فاعتبروا أن موت المسيح على الصليب هو “جهالة” أي أنه أمر يخلو من الحكمة بحسب فكرهم، متسائلين: أين الحكمة في ذلك؟
واليهود أيضًا كانوا يعتبرون أن الصليب علامة ضعف وعجز، لأنهم طالما رأوا أمام أعينهم المذنبين والمجرمين يُنفّذ فيهم حكم الإعدام بصلبهم وتعليقهم على خشبة، حيث كان الصليب هو أداة الإعدام الرئيسية والمعروفة آنذاك، وأيضًا كانت الشريعة لديهم تقول: “ملعون كل من عُلّق على خشبة” ( تث 21 : 22 – 23).
لكن بولس يوضح أن موت المسيح على الصليب هو على خلاف اعتقاد كل من الطرفين، فهو بمثابة حكمة الله على عكس اعتقاد اليونانيين بأنه جهالة أو عدم حكمة، كما أنه أيضًا يمثل قوة وقدرة الله على عكس اعتقاد اليهود الذين يعتبرونه ضعف أوعجز “المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا” (غلاطية 3 : 13).
وهكذا يتجلّى أمام أعيننا مدى تفرد الصليب كالوسيلة الوحيدة التي اختارها الله للفداء، لذا فنحن نعتز ونفتخر بالصليب كقوة الله للخلاص “أما من جهتي فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا ومخلصنا يسوع المسيح” ( غلاطية 6 : 14).
وهكذا أيضًا نرى أن خلاص الله لا يقتصر على الحكماء أو الأقوياء فقط بل هو متاح للجميع سواء كانوا جهلاء أو ضعفاء بحسب الظاهر “بل اختار الله جُهّال العالم ليُخزي الحكماء، واختار الله ضعفاء العالم ليخزي الأقوياء” (كورنثوس الأولى 1: 27).
لذلك عزيزي القاريء لا تنشغل كثيرًا في كيفية الدفاع عن الصليب أمام من يعتبره جهالة كاليونانيين، أو أمام من يعتبره ضعف كاليهود، بل أنت مدعو إلى أن تقبله بالإيمان كطريق الله للخلاص، قائلًا مع المرنم: “عند الصليب بأركع عندك،وأتأمل في جراحاتك… انا بأجيلك بجروحي، وعارف إن شفائي فيك.”
وأيضًا على كل من تمتع بغفران الله وعمل المسيح الكامل من خلال الصليب أن يترنم مفتخرًا بالصليب قائلًا: “في الصليب.. في الصليب.. راحتي بل فخري.. في حياتي وكذا لأبد الدهر.”
- الإصلاح بين الماضي والحاضر
- التيار اللوثري والتيار الإصلاحي
- الصعود إلى الجبل والذهاب إلى العمل
- كيف يمارس المسيحيون الفصح في ضوء العهد الجديد؟
- الإعلان الإلهي بين الدراما القديمة والميديا الحديثة
- متى تتظاهر بالجنون؟
- وَدَاعًا خُدّام الربّ الأُمَنَاء
- ثقافة الاختزال وصراع الأجيال
- الاختلاء تحدياته وفوائده
- امرأة ممتلئة أعمالًا صالحة