تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » الأرشيف » المصلح هنريخ بولينغر: لاهوتي العهد بامتياز

المصلح هنريخ بولينغر: لاهوتي العهد بامتياز

بقلم

 القس سهيل سعود

السينودس الإنجيلي الوطني في سورية ولبنان

 
المصلح هينريخ بولينغر، هو المصلح الذي خلف أولترخ زوينغلي على قيادة الاصلاح في مدينة زوريخ. عرف بكونه لاهوتي العهد بامتياز. كان سباقًا في استخدام لاهوت العهد، كمعيار ومبدأ تنظيمي لصنع اللاهوت. تطرّق الى موضوع العهد في العديد من كتاباته. كتب عام 1534 ، مقالة بعنوان “حول عهد الله الواحد والأبدي”. مما ذكره، “أن مدى هذا العهد هو أبدي لا نهاية له، لأن الله كان وسيكون دائمًا اله شعبه، وسيطلب منهم دومًا الطاعة الامينة”. رأى بولينغر، العهد الالهي محوريا على كل صفحات الكتاب المقدس، بعهديه القديم والجديد. لم يعتقد، أن سياق الكتاب المقدس هو سياق الشريعة والانجيل، كما اعتقد لوثر، وانما اعتقد ان سياق الكتاب المقدس، هو سياق العهد الالهي الذي محوره يسوع المسيح. وجد أنه في سياق العهد جاءت كل من: الوصايا العشر، والصلاة الربانية. رأى في العهد، اعلان عن الوحدة، القوة، الجلال، والصلاح، ومجد الله، كونه هو الهنا وقد قال لنا، “سيروا أمامي، وكونوا كاملين، وأنا أكون لكم الهًا”. علّق المؤرخ روبرت رايموند على مقالة بولينغر، قائلا، “انها المقالة الأولى في تاريخ الكنيسة، حول لاهوت العهد”.
كان مفهوم بولينغر عن العهد، مفهوما كريستولوجيا، منذ أن أبدأ الله العهد الأول مع آدم وحواء. في كتابه “العقود”، رصد بولينغر العهد منذ آدم وحواء، عندما قال الله للحيّة، “وأضع عداوة بينك وبين المرأة، بين نسلك ونسلها. هو يسحق رأسك، وأنت تسحقين عقبه” (تكوين 3: 15). قال بولينغر، “لقد أعلن لنا الله عن فكره وفضله وارادته الصالحة، بأن يجعلنا شركاء في نفسه وصلاحه، بسكب نفسه علينا لأجل خيرنا. وهكذا كان من دواعي سروره، أن يقيم عهدًا معنا لا لأي استحقاق فينا”. ثم جدّد الله العهد الأول مع نوح، ومن ثم مع ابراهيم، ومن ثم موسى. إلاّ ان الذي أظهر بأكثر وضوح مضمون هذا العهد هو ربنا يسوع المسيح”.
عرّف بولينغر، “العهد” على أنه “ميثاق” أو “اتفاق” بين الله والانسان. تحدث، عن شروط مطلوبة أو أمور متوقّعة يطلبها منا الله بالمقابل، للحفاظ على العهد معه. قصد بالشروط: الواجبات والمسؤوليات التي يجب أن يحافظ عليها الذين يدخلون في العهد مع الله بالايمان. اعتقد بولينغر أن العهد يتألف من قسمين: الأول، الاعلان عن وعود الله وما سيقوم به للمتعاهدين معه. والثاني، التذكير بواجبات الانسان في عهده أمام الله سيّده المطلق السيادة. في القسم الأول، يعد الله أنه، سيكون لشعبه وأولادهم، الهًا وسيكون كفايتهم وملؤهم. وفي القسم الثاني، سوف يخبرهم عن ماذا يتوقع منهم كيما يسيروا أمامه ويكونوا كاملين.
في “اعتراف الايمان الهلفيتي الثاني” المصلح، الذي كتبه بولينغرعام 1566، ذكر،” في العهد، ضمّ الله نفسه الينا برباط لا ينفصل من خلال معجزة المحبة، التي تفوق كل عقل”. توقف عند توصيف ابراهيم، على أنه، “خليل أو صديق الله”، للاشارة الى أن العهد، هو رباط صداقة وشراكة مع الله في يسوع المسيح.
قال، “ما قيل عن برّ المسيح، وتقديسه، وفدائه، والذبيحة، والكهنوت، والحياة الأبدية، ودعوته لجميع الشعوب، والبركات الروحية، والغاء الشريعة، ومجد الكنيسة المكوّنة من الأمم واليهود، قد قيلت مسبقًا في وعد العهد الواحد، الذي أقامه الله مع براهيم، بقوله له: “ستتبارك بك كل قبائل الأرض. وأنت ستكون أبًا لأمم كثيرة… لأني أجعلك أبا لجمهور من الأمم” (تكوين 17: 5). ذكر بولينغر، ” لم يبدأ الله عهدًا جديدًا مع ابراهيم، لكنه جدّد العهد الذي كان قد صنعه مع آدم، ووعد انه سيصالح العالم بواسطة ابنه الوحيد نسل المرأة. وأنه من خلاله سوف يسكب نفسه علينا، ويجعلنا مشاركين في خلاصه وبركاته السماوية، ويضمّنا اليه بالايمان والطاعة. وصف فرادة العهد، قائلا “أي عمل أعظم من ذاك الذي يضمّ نفسه الى البشر البؤساء الزائلين الذين أفسدتهم الخطيئة. هذا العهد، هو بلا منازع أصل ايماننا وخلاصنا الذي يستند على صلاح ورحمة الله”. أضاف بولينغر، لم يعظ القديسيون أي شيء عبر العصور، سوى ما يتضمّنه هذا العهد”.
اعتقد بولينغر أن حياة جماعة العهد، في ظل ملوك يهوذا الأتقياء، كانت نموذجية. آمن، أنّ حكام شعب الله في العهد القديم، أمثال: موسى، ويشوع، وداود، كانوا مسيحيين حقيقيين. قال “ان الأمثلة التي نستقيها منهم، يجب أن تطبّق على الحكّام المسيحيين”. استخدم مصطلح “قديسين مسيحيين”، لوصف الآباء والأنبياء في العهد القديم.اعتقد بولينغر أن الشعب الاسرائيلي هو شعب الله االروحي. أجاب في لاهوته العهدي عن سؤال، من هم أولاد ابراهيم؟ بالقول، “أن الزرع الحقيقي لإبراهيم ليس هو الزرع الجسدي، وإنما الزرع الروحي”. رأى الطبيعة الروحية لهذا العهد، في قول النبي إرميا، “إختتنوا للرب. وانزعوا غرل قلوبكم، يا رجال يهوذا وسكان اورشليم” (ارميا4: 46). اقتبس قول القديس اوغسطينوس، “بأن اولئك الذين ماتوا في الصحراء لم ينتموا الى العهد”. آمن بولينغر، أن ابراهيم كان قد وعد بالرب يسوع المسيح، الذي انسكب فيه كل: الملء، والقداسة، والبرّ، والفداء، والخلاص. لأن الله الآب قد سرّ أن يحلّ كل الملء فيه”. ان مفهوم بولينغر الكريستولوجي للعهد القديم، هو مثال حيّ عن التفسير الانجيلي المصلح باعتماد المبدأ التفسيري ، الذي يعتمد على تفسير نصوص من الكتاب المقدس بنصوص أخرى، “قارنين الروحيات بالروحيات” كما يقول الرسول بولس (1 كورنثوس 2: 13).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *