
الكاتب
القس صموئيل عطا
سنودس النيل الإنجيلي
الكنيسة الإنجيلية المشيخية بمصر
نعلم من البشائر الأربع أن بحيرة طبرية هى بحيرة جنيسارت، وهى أيضًا بحر الجليل، وكانت تحتوي على أنواع عديدة من الأسماك، وكانت أيضًا تعتبر مصدر المياه الرئيسي لمنطقة الجليل، لذلك كان لها أهمية اقتصادية كبيرة، وعلى شاطئها كانت تقع حوالي تسع مدن.
ويصور لنا الوحي المقدس على شاطيء هذه البحيرة مشهدًا من أروع المشاهد الدرامية، حيث يبدأ بتصوير ازدحام الجموع حول يسوع حالما أتى إلى شاطيء البحيرة، وظهرت حاجتهم الشديدة للكلمة من خلال تزاحمهم عليه، وعيونهم الشاخصة إليه، ولهفتهم الملحوظة لسماعه، حيث كان معروفًا بينهم أنه كان يُعلّم كمن له سلطان وليس كالكتبة، فطالما علّم في مجامعهم، وعلى جبالهم، وفي ساحاتهم أيضًا، وههنا نراه على شاطيء البحيرة يرى احتياج الجموع لسماع الكلمة، فلا يتردد في أن يدخل إحدى السفينتين الواقفتين على الشاطيء، ويتخذها كمنبر يعتليه ليراه الجموع بوضوح، ويسمعوا أيضًا كلمة الحياة التى يُلقيها على مسامعهم، لتخترق قلوبهم لتفتت كل صخر، وتذيب كل قساوة، ولتأتي ايضًا بالثمار المرجوّة، وهنا في هذا المشهد نرى الضوء يُسلّط على يسوع المعلّم الفريد، الذي رأى احتياج الجموع، وجوعهم الشديد للكلمة، فتحنّن عليهم، وأخرج لهم من جعبته ما يناسب احتياجهم جددًا وعتقاء، وذلك لإيمانه بأهمية التعليم في التغيير، ودور المعرفة في النجاة “هلك شعبي لعدم المعرفة”، ثم نرى أيضًا في نفس المشهد أن يسوع يتحوّل من التركيز مع الجموع الغفيرة بعدما أنهى تعليمه لهم، ليركز مع فرد واحد كان حاضرًا في نفس المشهد، وسمع الكلمة مثله مثل باقي الناس التي سمعت لكنه كان متعبًا وحزينًا من الداخل، ألا وهو سمعان بطرس، وهنا نرى الضوء يُسلّط على يسوع كالراعي المحب الذي يهتم بالأفراد كما الجموع أيضًا، فشعر به وبتعبه، وبادر بإقامة حوار معه حيث قال له: “ابعد إلى العمق وألقوا شباككم للصيد” وهو يعلم أنه صياد ماهر ويعرف جيدًا بحسب مهنته مكان وتوقيت الصيد، فكانت نتيجة هذه المبادرة أن سمعان فتح قلبه، وأطلق لسانه ليتحدث عن مشكلته التي تؤرقه، وليُعبّر عن مدى ألمه وتعبه، حيث وجد من يشعر به، ويُصغي إليه باهتمام، ونجد أيضًا في مبادرة السيد في الكلام معه أنه أيضًا وجّهه، وقدّم له النصح والإرشاد، وأيضًا بعد ذلك شجعه قائلًا له: “لا تخف” ثم دعاه دعوة تتناسب مع خبراته ومهنته فقال له: “من الآن تكون تصطاد الناس”، لكننا أيضًا عندما نتأمل المعجزة حيث أن شبكتهم صارت تتخرّق من كثرة السمك حتى طلبوا مساعدة أصدقائهم من السفينة الأخرى، فهنا نجد الضوء يُسلّط أيضًا على جانب آخر وهو يسوع القدير صاحب السلطان، فهو لم يكن يتردد في أن يُظهر هذا الجانب كلّما سنحت له الفرصة بذلك، ليتدخّل في المشهد بشكل مختلف، وبطريقة عجيبة، وهنا نرى أن هذا التدخُّل العجيب الغير متوقع أخجل سمعان، وجعله يشعر بخطيته، وضعف إيمانه في مقابل قدرة يسوع وسلطانه العجيب، فخرّ عند ركبتيه قائلًا: “اخرج من سفينتي يارب لأني رجل خاطيء”. لذلك عندما رآه يسوع يُعبّر عن مشاعره بصدق وإخلاص، فتفاعل وتجاوب معه أيضًا بالتشجيع اللازم ثم دعوته، فكانت نتيجة هذا المشهد أنّ سمعان وشركائه تركوا كلّ شيء وتبعوه.
لذا فالدرس لنا أولًا كخُدّام هل نتعلم من السيد أن نهتم بإطعام الجموع وتعليمهم وأيضًا برعاية الأفراد، والاهتمام بهم، ومساعدتهم بطريقة عملية وملموسة؟
ولك أيضًا عزيزي القاريء، هل تشعر بحاجتك كمثل هذه الجموع إلى كلمة الله أم أنك تشعر بالاكتفاء؟ هل ترغب أن تكون تلميذًا حقيقيًا لذلك المعلّم الفريد الذي يستطيع أن يُشكّل ويغيّر مجرى حياتك لتكون ناجحًا وصحيحًا في كل جوانب حياتك الروحية والزمنية؟
هل تؤمن أنه صاحب السلطان على كلّ شيء فتُسلّم له كلّ أمورك وتقول له مع سمعان: “على كلمتك ألقي الشبكة؟
هل تثق فيه كراعي صالح لحياتك فتفتح قلبك له كسمعان “تعبنا الليل كُلّه ولم نصطاد شيئًا” فتلقي بأحمالك ومتاعبك عليه، وتسمع صوته وتتبعه أيضًا كلّ الطريق؟
- الإصلاح بين الماضي والحاضر
- التيار اللوثري والتيار الإصلاحي
- الصعود إلى الجبل والذهاب إلى العمل
- كيف يمارس المسيحيون الفصح في ضوء العهد الجديد؟
- الإعلان الإلهي بين الدراما القديمة والميديا الحديثة
- متى تتظاهر بالجنون؟
- وَدَاعًا خُدّام الربّ الأُمَنَاء
- ثقافة الاختزال وصراع الأجيال
- الاختلاء تحدياته وفوائده
- امرأة ممتلئة أعمالًا صالحة