
الكاتب
القس صموئيل عطا
سنودس النيل الإنجيلي
الكنيسة الإنجيلية المشيخية بمصر
الصعود إلى الجبل والذهاب إلى العمل
(مت 17 : 1 – 13)
ما نعرفه عن الله وما يعلنه لنا الوحي المقدس أنه ليس بمعزل عن الكون الذي خلقه، وأنه يعمل في العالم ولم يتركه “أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل” وهو يدعونا أيضًا لنشترك معه في عمله، وحتى نعمل معه في انسجام يجب أن تكون لنا علاقة وشركة قوية معه، لذلك فهو قبل ان يدعونا للعمل يدعونا للشركة، ويقول المختبر: “أما شركتنا نحن فهى مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح” (1يو 1: 3 )
ولقد كان بطرس ويعقوب ويوحنا يتمتعون بعلاقة وشركة قوية مع السيد، وأقربهم يوحنا كما نعلم.
ويأتي مشهد التجلي في قرينة إعلان يسوع عن ضرورة صلبه وموته، وسؤاله لتلاميذه قائلًا: “ماذا يقول الناس عني أنا ابن الانسان؟” وأيضًا توجهه إلى الجبل للصلاة وطلب وجه الرب قبيل أحداث الصليب الرهيبة.
ويستهل المشهد بعبارة “بعد ستة أيام” وعندما نتأمل فيها نجد أن لها علاقة بما جاء في (خروج 24 : 16) حيث “حل مجد الرب على جبل سيناء وغطاه السحاب ستة أيام وفي اليوم السابع دُعى موسى من السحاب.”
وكأنه هنا يدعوهم لمشهد مشابه لذلك المشهد الذي حدث في القديم، وما أجمل القول أنه أخذ هؤلاء الثلاثة الأقربين (أقربين في العلاقة والشركة معه) وصعد بهم إلى جبل عال منفردين، وإذا كان صعوده بهم كان بالفعل صعودًا حرفيًا إلى جبل حرمون (بحسب باركلي) فإن الدرس لنا اليوم أنه أيضًا يدعونا ويريد أن يأخذنا ويصعد بنا منفردين إلى جبل عال أيضًا لكن ليس إلى جبل حرمون لكن إلى جبل الشركة والعلاقة القريبة الحميمة معه “من يصعد إلى جبل الرب؟ ومن يقوم في موضع قدسه؟ الطاهر اليدين والنقي القلب والذي لم يحمل نفسه إلى الباطل ولا حلف كذبًا، هذا يحمل بركة من عند الرب وبرًا من إله خلاصه” ( مز 24 : 3 – 4) وبحسب هذا الجزء في مشهد التجلي فهو يدعونا لأنه يريد أن يمتعنا بعدة أمور:
أولًا: لكي يُرينا مجده
“فتغيرت هيئته قدامهم، وأضاء وجهه كالشمس، وصارت ثيابه بيضاء كالنور” (متى 17 : 2) فعندما نلبي دعوته ونصعد معه إلى الجبل نستطيع أن نرى مجده بوجه مكشوف، وبشكل مختلف عن المعتاد، وهذا عين ماحدث مع إشعياء أيضًا “رأيت السيد جالسًا على كرسي عال ومرتفع، وأذياله تملأ الهيكل” (إشعياء 6 : 1)
وعندما نرى مجده لابد أن يكون هناك تأثير لذلك المجد حيث أنه:
- عندما نرى مجده نهابه:
“إن كنت أبًا فأين كرامتي وإن كنت سيدًا فأين هيبتى؟” ( ملاخي 1 : 6 )
- عندما نرى مجده نتغير:
“نتغير إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد” ( 2كورنثوس 3 : 18 )
وأيضًا صرخ بمجرد أن رأى مجد الرب قائلًا: “ويل لي لأني هلكت لأني نجس الشفتين وساكن وسط شعب نجس الشفتين” ( إشعياء 6 : 5 )
وأيضًا شاول الطرسوسي بعدما رأى مجد الرب صرخ قائلًا: “يارب ماذا تريد مني أن أفعل؟” ( أعمال 9 : 6 )
ثانيًا: لكي يُسمعنا صوت الآب
يدعونا السيد للصعود إلى جبل الشركة والعلاقة معه ليُسمعنا صوت الآب شاهدًا عن الابن وهو يُشير إليه قائلًا:
- هذا هو ابني الحبيب:
وهنا نرى علاقة الحب الأزلية الأبدية (يو 17 : 21 -23)، وهو يريدنا نحن أيضًا ان نتمتع بتلك العلاقة مع الآب بصفتنا أبناء لله ” انظروا أية محبة أعطانا الآب حتى ندعى أولادد الله” (1يوحنا 3 : 1 )
- هذا هو ابني موضوع مسرتي:
“الذي به سررت” حيث أنه الوحيد الذي أشبع قلب الآب بحياة كاملة “لأني في كل حين أفعل ما يرضيه” ( يو 8 : 29 ) كما أنه “أطاع حتى الموت موت الصليب” ( فيلبي 2 : 8)
فهل نحرص أن نرضي الله في كل حين ونُسر قلبه؟
- هذا هو ابني له اسمعوا:
فهو يريدنا أن نسمع لصوته كراعي الخراف العظيم: “خرافي تسمع صوتي وأنا أعرفها فتتبعني” (يوحنا 10 : 27).
وسماعنا لصوته وإطاعتنا لوصاياه برهانًا منّا على محبتنا له لأنه قال: “إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي” ( يو 14 : 15 ).
فهل نتجاوب مع محبته ونبادله نفس المحبة ونسمع صوته، ونطيعه، ونحفظ وصاياه؟
ثالثًا: لكي يُرينا الانسجام بين (موسى والأنبياء) و (المسيح).
“وإذا موسى وإيليا قد ظهرا لهم يتكلمان معه” (متى 17 : 3).
وهنا نرى كمال الإعلان حيث نرى موسى وإيليا يتحاوران معه، ويشيران إليه، لكنه يتفرد بمجده بينهما، وحيث أن موسى يكلمنا عن الناموس، وإيليا يكلمنا عن الأنبياء، فإننا نستطيع أن نرى الانسجام بينهم بالرغم من تفرده طبعًا، حيث أنه لم يأتِ لينقض الناموس بل ليُكمل، وأيضًا قد أشارت إليه نبوات الأنبياء “الله بعدما كلم الآباء بالأنبياء قديمًا بأنواع وطرق كثيرة، كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه” (عبرانيين 1 : 1 ).
وهكذا نحن نؤمن بالكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد بأنه كلمة الرب الحية الفعالة، ونستطيع أن نرى حوارًا وترابطًا بين أسفاره، حيث أن “كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم والتقويم والتوبيخ والتاديب الذي في البر” (2 تيموثاوس 3 : 16 ).
لكن بطرس أخطأ دون أن يدري عندما أراد أ يساوي المخلوق مع الخالق حين رأى ذلك المشهد فقال: “نصنع هنا ثلاث مظال لك واحدة ولموسى واحدة ولإيليا واحدة” (متى 17 : 4 ).
لذلك ظهرت تلك السحابة النيّرة وظللتهم، فرفعوا أعينهم ولم يروا أحدًا إلا يسوع وحده.
معوقات الصعود:
- الإنشغال بأمور أخرى (عدم إعطاء الأولوية لله):
ما أكثر مشغوليات الحياة! وإذا لم يرتب الانسان أولوياته ليعطي الأولوية لله، فإنه سيُبتلَع من هذه المشغوليات، وسيجد كثير من الأعذار التي يقدمها تهربًا من دعوة الله.
فعندما قدم السيد الدعوة للبعض فإنهم قدموا أيضًا أعذارهم.
” وقال لآخر: اتبعني. فقال ياسيد ائذن لي أن أمضي أولًا وأدفن أبي. فقال له يسوع دع الموتى يدفنون موتاهم، وأما أنت فاذهب وناد بملكوت الله. وقال آخر أيضًا: أتبعك ياسيد ولكن ائذن لي أولًا أن أودع الذين في بيتي. فقال له يسوع: ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله” (لوقا 9 : 59 – 62).
- الكسل والتراخي:
الكسل يقود إلى التأجيل، والتأجيل تتبعه خسائر كثيرة. وكم مرة يوبخ المسيح تلاميذه عندما كان يجدهم نيامًا!
وعكس (الكسل): (الإجتهاد) ” الرخاوة لا تمسك صيدًا، أما ثروة الإنسان الكريمة فهى الإجتهاد” (أمثال 12 : 27).
“غير متكاسلين في الاجتهاد، حارين في الروح، عابدين الرب” (رومية 12 : 11).
“مفتدين الوقت لأن الأيام شريرة” (أفسس 5 : 16).
مثال: (يسوع) “وفي الصبح باكرًا جدًا قام وخرج ومضى إلى موضع خلاء وكان يصلي هناك.” (مرقس 1 : 35).
- الإكتفاء:
أيضًا من معوقات الصعود إلى جبل الرب، والنمو، والنضج، ونوال البركة: الإكتفاء وعدم الرغبة في التغيير. ونتيجة لذلك تكون الحياة سطحية، والمعرفة سطحية، والشركة سطحية. فيكون الانسان المكتفي لسان حاله: “أنا غني وقد استغنيت وليس لي حاجة إلى شيء.” ( رؤيا 3 : 7 ).
لا تكتفي بصلاة عابرة بل صلي بلا انقطاع.
لا تكتفي بقراءة عابرة لكلمة الله، بل ادرسها وكن لها تلميذًا.
لا تكتفي بخدمة شكلية، بل جاهد الجهاد الحسن، كمن يرضي الله لا الناس.
فالله يدعونا للصعود إلى جبل الشركة معه فهل نستطيع أن نراه في مجده؟ وهل نستطيع أن نراه في كل الكتاب بأسفاره المختلفة؟ وهل نُجلُّه ونتوجه ربًا على الكل؟ وهل نعطيه الأولوية في حياتنا؟ ليساعدنا الله أن نلبي دعوته لحياتنا ونتجاوب معها فنتمتع بعمق العلاقة والشركة معه.
- الإصلاح بين الماضي والحاضر
- التيار اللوثري والتيار الإصلاحي
- الصعود إلى الجبل والذهاب إلى العمل
- كيف يمارس المسيحيون الفصح في ضوء العهد الجديد؟
- الإعلان الإلهي بين الدراما القديمة والميديا الحديثة
- متى تتظاهر بالجنون؟
- وَدَاعًا خُدّام الربّ الأُمَنَاء
- ثقافة الاختزال وصراع الأجيال
- الاختلاء تحدياته وفوائده
- امرأة ممتلئة أعمالًا صالحة