
بقلم
القس سهيل سعود
السينودس الإنجيلي الوطني في سورية ولبنان
يحتفل لبنان في الأول من أياربعيد العمل. وبهذه المناسبة، أود أن أتوقف عند كلمات الأديب اللبناني جبران خليل جبران حول العمل، اذ قال في كتابه “النبي”: “انما تعملون لكي يتسنى لكم أن ترافقوا الأرض في سيرها…حين تلزمون أنفسكم الكدّ، فأنتم حقا تحبون الحياة…حين تعملون بمحبة توّثقون صلة نفسكم بنفسكم، وصلة بعضكم ببعض وبالله”. لقد آمن جبران خليل جبران أنه بالعمل يدرك المرء أسرار الأرض. فمن يتوقف عن العمل تتجمّد الحياة في نفسه ويفقد كرامته. فالعمل هو محبة للحياة. والعمل بمحبة يؤدي الى سلام بين الانسان والله”.
في نفس سياق مفهوم جبران، أن العمل يوطّد العلاقة بين الله والانسان. أود أن أتوقف عند مفهوم المصلح الانجيلي جان كلفن الذي يشاركه الرأي وان بكلمات أخرى. قال كلفن أنه بالعمل، يشارك الانسان المؤمن في تطوير العالم الذي خلقه الله. فالعمل بحد ذاته، نشاط روحي من ضمن النشاطات الروحية الأخرى، بل اختبار روحي من ضمن الاختبارات الروحية الأخرى، التي تهدف إلى خدمة الله وتمجيده. عندما يختبر الإنسان حدث الإيمان في حياته، فهو يختبر دعوة الله له للعمل أيضا. والدعوة، ليست هي الحالة التي يخلق فيها الإنسان، ولكن الحالة الروحية الجديدة التي تصحب الإيمان، وتخلق فيه الاستعداد الروحي والنفسي، ليترجم دعوته في خدمة الله وتمجيده في كل تفاصيل حياته، ومنها في عمله. وبالتالي بالنسبة لكلفن ، ليس العمل وسيلة لكسب لقمة العيش بالدرجة الأولى، كما هو المفهوم السائد في عالم اليوم. لكن العمل، يؤدي بالنتيجة إلى كسب لقمة العيش
هذا المفهوم، استقاه جان كلفن من الرسول بولس الذي رأى ان خدمة الله، لا تكون فقط من خلال الكرازة بالانجيل والوعظ، ولكن من خلال القيام بالأعمال الاخرى المتنوعة . يقول بولس : “ولكن لنا مواهب مختلفة بحسب النعمة المعطاة لنا . أنبوة فبالنسبة إلى الايمان، أم خدمة ففي الخدمة، أم المعلم ففي التعليم، أم الواعظ ففي الوعظ، المعطي فبسخاء، المدبر فباجتهاد” (رومية 12: 6-8). وبالتالي، فان دعوة الله لا تنحصر فقط بالوعظ. فهناك أعمال أخرى غير الوعظ ، ومنها: تعليم، وتدبير او ادارة للاعمال، أو غيرها من الأعمال . هذا المفهوم، يحمّل الانسان مسؤولية في عمله ، ليس فقط امام رب عمله، ولكن بالدرجة الاولى، أمام الله الذي ائتمنه على عمله .
وبما ان العمل هو فرصة لخدمة الله وتمجيده، لهذا يجب الالتزام بالمبادئ والقيم الأخلاقية التي ترضي الله، أذكر منها ما يلي:
أولا: الضمير الصالح . فضمير الانسان المؤمن هو اعلان الله الخاص له . فالله يعلن عن ارادته للانسان المؤمن، ويوجّه حياته ويشرف على اعماله، من خلال ضميره الصالح .
ثانيا: الاستقامة . فاذا ما كان الله يسود على ضمير الانسان ويوجّه حياته، فهذا حتما سيؤدي إلى الاستقامة في كل الحياة، ومنها العمل . قال أحدهم: “الاستقامة هي افضل سياسة في العمل”
ثالثا: اتقان العمل وانجازه بأفضل طريقة ممكنة، لأننا لا نعمل من اجل الإنسان، ولكن من اجل الله.
رابعا: الاجتهاد والمثابرة في العمل. فالكسل هو من اخطر الخطايا على حياة الايمان، اذ ان الكسل يعكس خللاً في الايمان ونقصاً في نعمة الله . وبالتالي، فالتسوّل في نظر الانجيليين الأوائل هو أمر مرفوض بشكل قاطع، لأن التسوّل بالنسبة للناس القادرين على العمل، ليس فقط كسلا، ولكن تمرداً على دعوة الله. وفي هذا السياق، رأى الانجيليون الأوائل، أن النوم أكثر من 6 إلى 8 ساعات (وهو الوقت الضروري للراحة)،يعتبر هدرا للوقت. فالحياة قصيرة وثمينة ، فلا يجب هدر الوقت، بل استخدامه لخدمة الله . قال الرسول بولس لأعضاء كنيسة تسالونيكي، ” إن كان احد لا يريد أن يشتغل، فلا يأكل أيضا” (2 تس 3: 10) . فالمؤلف والعالم والمخترع الإنجيلي، بنيامين فرانكلين، الذي عاش في القرن الثامن عشر، دوّن في مذكراته قول والده المتكرر له، والمذكور في سفر الأمثال 22: 29 “أرأيت رجلا مجتهدا في عمله، أمام الملوك يقف لا أمام الرعاع” . وبالإيجاز، ان هذا المفهوم المميز للعمل، يجعل كل إنسان مسؤولاً في عمله، أولا أمام الله. وأيضا، مسؤولا عن محاربة الفساد، والحفاظ على النزاهة والصدق والاستقامة.
- حيرة العقل أمام الصليب – المصلح مارتن لوثر
- النظر الى الألم بمنظار أبدي- المصلح جون كالفن
- تفسير المصلح جان كلفن لظاهرة محيّرة رافقت موت المسيح
- المعلم الانجيلي بطرس البستاني: أبّ النهضة العربية
- ماذا قصد كاتبو قانون ايمان الرسل: أن المسيح نزل الى الهاوية؟
- أسلحة الموت: القلق واليأس والشعور بالذنب – المصلح مارتن لوثر
- هل هناك من تراتبية روحية بين القسوس وباقي المؤمنين بالمسيح؟ المصلح الانجيلي مارتن لوثر
- من اجمل ما كتب عن الموسيقى – المصلح مارتن لوثر
- المصلح فيليب ميلنكثون – دور التربية في اعداد مواطنين صالحين للكنيسة والمجتمع
- نقل مسؤولية التعليم من الأهل والكنيسة، الى الدولة ليكون متوفرا للجميع