
الكاتب
القس عيد صلاح
راعى الكنيسة الإنجيلية بعين شمس
سنودس النيل الإنجيلي
الكنيسة الإنجيلية المشيخية بمصر
براهين القيامة
أعمال الرسل 1: 1-8
من القيامة للصعود أربعين يومًا، وهي حقبة مهمة في تاريخ الكنيسة وتمثل حياة الاستعداد لعمل عظيمة فقبل استلام موسى لوحي الشريعيّ “وَدَخَلَ مُوسَى فِي وَسَطِ السَّحَابِ وَصَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ. وَكَانَ مُوسَى فِي الْجَبَلِ أَرْبَعِينَ نَهَارًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً.” (خر 24: 18). وفي بداية خدمة المسيح ذكر عنه “فَبَعْدَ مَا صَامَ أَرْبَعِينَ نَهَارًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، جَاعَ أَخِيرًا.” (مت 4: 2). “اَلَّذِينَ أَرَاهُمْ أَيْضًا نَفْسَهُ حَيًّا بِبَرَاهِينَ كَثِيرَةٍ، بَعْدَ مَا تَأَلَّمَ، وَهُوَ يَظْهَرُ لَهُمْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَيَتَكَلَّمُ عَنِ الأُمُورِ الْمُخْتَصَّةِ بِمَلَكُوتِ اللهِ.” (أع 1: 3). ويتبين أن الأربعين يومًا التي قضاها المسيح بعد القيامة كان يُعد الكنيسة لانسكاب الروح القدس والشهادة بالكرازة عن عمل نهمة الله: “لكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ».” (أع 1: 8). وهذه الأية تلخص امتداد الكنيسة في أعمال الرسل فالكرازة في أورشليم واليهودية أخذت من الإصحاحات 2-8، والسامرة أخذت من الإصحاحات 9-12، وأقصى الأرض أخذت من الإصحاحات 13-28.
من اللافت للنظر والمثير للاهتمام والاندهاش أن المسيح في فترة الأربعين يومًا وضع منهاجًا واضحًا للكنيسة حين يقول الوحي: “اَلَّذِينَ أَرَاهُمْ أَيْضًا نَفْسَهُ حَيًّا بِبَرَاهِينَ كَثِيرَةٍ، بَعْدَ مَا تَأَلَّمَ، وَهُوَ يَظْهَرُ لَهُمْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَيَتَكَلَّمُ عَنِ الأُمُورِ الْمُخْتَصَّةِ بِمَلَكُوتِ اللهِ.” (أع 1: 3). وهي تبين الركيزة الأساسية في عمل المسيح فهو حي ويعطي حياة ويركز البشير يوحنا على هذا الأمر من خلال “وَآيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةً صَنَعَ يَسُوعُ قُدَّامَ تَلاَمِيذِهِ لَمْ تُكْتَبْ فِي هذَا الْكِتَابِ. وَأَمَّا هذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ، وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ.” (يو 20: 30-31). “فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ، وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ،” (يو 1: 4). “وَإِنَّمَا أُظْهِرَتِ الآنَ بِظُهُورِ مُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي أَبْطَلَ الْمَوْتَ وَأَنَارَ الْحَيَاةَ وَالْخُلُودَ بِوَاسِطَةِ الإِنْجِيلِ.” (2 تي 1: 10). وفي الوقت نفسه توجد براهين كثيرة على أنَّ المسيح حي كما دونه الوحي في سفر الرؤيا “وَالْحَيُّ. وَكُنْتُ مَيْتًا، وَهَا أَنَا حَيٌّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ!” (رؤ 1: 18).
الإصحاحات الأخيرة من الأناجيل الأربعة (متى 28، مرقس 16، لوقا 24، يوحنا 20، 21) تُسَجِّلُ لنا هذه البراهين الكثيرة على قيامة المسيح من بين الأموات، ويمكن اجمالها في الآتي:
- القبر الفارغ،
- الكلمة المقدسة،
- الاختبار المسيحي ولغة الإيمان
- حياة التغيير لدى التلاميذ.
البرهان الأول: القبر الفارغ
قال الملاك للمرأتين: لَيْسَ هُوَ ههُنَا، لأَنَّهُ قَامَ كَمَا قَالَ! هَلُمَّا انْظُرَا الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ الرَّبُّ مُضْطَجِعًا فِيهِ.” (مت 28: 6) سيظل القبر الفارغ شهادة وببرهان عل قيامة المسيح بل هو أول الدلائل عن هذا الحدث المغير، كان سؤال النسوة في مرقس “وَكُنَّ يَقُلْنَ فِيمَا بَيْنَهُنَّ: مَنْ يُدَحْرِجُ لَنَا الْحَجَرَ عَنْ بَابِ الْقَبْرِ؟” (مر 16: 3). كانت الإجابة في إنجيل متى بالقول: “وَإِذَا زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ حَدَثَتْ، لأَنَّ مَلاَكَ الرَّبِّ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ وَجَاءَ وَدَحْرَجَ الْحَجَرَ عَنِ الْبَابِ، وَجَلَسَ عَلَيْهِ.” (متى 28: 2).
كل من ذهب إلى القبر وجده فارغًا، فالمسيح قام من بين الأموات. كانت الفكرة المسيطرة أن يسوع مصلوب قال الملاك: لاَ تَخَافَا أَنْتُمَا، فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكُمَا تَطْلُبَانِ يَسُوعَ الْمَصْلُوبَ.” (متى 28: 5). أو المسيح جسد ميت يحتاج إلى حنوط: “وَبَعْدَمَا مَضَى السَّبْتُ، اشْتَرَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ وَسَالُومَةُ، حَنُوطًا لِيَأْتِينَ وَيَدْهَنَّهُ” (مرقس 16: 1). ولكن كانت الحقية عكس التصورات أن المسيح قام من بين الأموات والقبر الفارغ دليل على ذلك ليعلن المسيح صاحب السلطان المنتصر “أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟” (1 كو 15: 55).
نرى أول ما يعلنه مشهد القبر الفارغ هو يقين تدبيرات العناية الإلهية، فالحجر المرفوع بالطبع لم يكن ليخرج يسوع من القبر. بل رسالة بيقين التدخل الإلهي للتعامل مع العجز والمحدودية البشرية.
أهمية القبر الفارغ يتحدى ما فعله القادة الدينيون تجاه موت المسيح حين قالوا: “وَفِي الْغَدِ الَّذِي بَعْدَ الاسْتِعْدَادِ اجْتَمَعَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْفَرِّيسِيُّونَ إِلَى بِيلاَطُسَ قَائِلِينَ: يَا سَيِّدُ، قَدْ تَذَكَّرْنَا أَنَّ ذلِكَ الْمُضِلَّ قَالَ وَهُوَ حَيٌّ: إِنِّي بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَقُومُ. فَمُرْ بِضَبْطِ الْقَبْرِ إِلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ، لِئَلاَّ يَأْتِيَ تَلاَمِيذُهُ لَيْلًا وَيَسْرِقُوهُ، وَيَقُولُوا لِلشَّعْبِ: إِنَّهُ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ، فَتَكُونَ الضَّلاَلَةُ الأَخِيرَةُ أَشَرَّ مِنَ الأُولَى! فَقَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «عِنْدَكُمْ حُرَّاسٌ. اِذْهَبُوا وَاضْبُطُوهُ كَمَا تَعْلَمُونَ. فَمَضَوْا وَضَبَطُوا الْقَبْرَ بِالْحُرَّاسِ وَخَتَمُوا الْحَجَرَ.” (متى 27: 62-66).
على الجانب الأخر أن القبر معلوم ومعرف ولم تخطئ النسوة في الذهاب إلى قبر أخر كما ظن البعض فنرى دقة الوحي “فَأَخَذَ يُوسُفُ الْجَسَدَ وَلَفَّهُ بِكَتَّانٍ نَقِيٍّ، وَوَضَعَهُ فِي قَبْرِهِ الْجَدِيدِ الَّذِي كَانَ قَدْ نَحَتَهُ فِي الصَّخْرَةِ، ثُمَّ دَحْرَجَ حَجَرًا كَبِيرًا عَلَى بَاب الْقَبْرِ وَمَضَى. وَكَانَتْ هُنَاكَ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ الأُخْرَى جَالِسَتَيْنِ تُجَاهَ الْقَبْرِ.” (متى 27: 59-61). ومن أمام القبر الفارغ توجد ثلاث رسائل مهمة:
- يقين الإيمان: المسيح قام من الموت “لَيْسَ هُوَ ههُنَا، لأَنَّهُ قَامَ كَمَا قَالَ” (متى 28: 6). إِنَّهُ قَدْ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ. (متى 28: 7).
- حتمية مشاركة الأخرين: “وَاذْهَبَا سَرِيعًا قُولاَ لِتَلاَمِيذِهِ” (متى 28: 7). “فَقَالَ لَهُمَا يَسُوعُ: لاَ تَخَافَا. اِذْهَبَا قُولاَ لإِخْوَتِي أَنْ يَذْهَبُوا إِلَى الْجَلِيلِ، وَهُنَاكَ يَرَوْنَنِي” (متى 28: 10).
- القيامة مصدر الفرح الحقيقي. “فَخَرَجَتَا سَرِيعًا مِنَ الْقَبْرِ بِخَوْفٍ وَفَرَحٍ عَظِيمٍ” (متى 28: 8).
وبالرغم من كل هذا ظهر موقفان متناقضان تجاه قيامة المسيح الموقف الرسمي تناقض ما فعله المسؤولين من إجراءات في (متى 27: 62-66) حين قالوا: “وَفِيمَا هُمَا ذَاهِبَتَانِ إِذَا قَوْمٌ مِنَ الْحُرَّاسِ جَاءُوا إِلَى الْمَدِينَةِ وَأَخْبَرُوا رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ بِكُلِّ مَا كَانَ. فَاجْتَمَعُوا مَعَ الشُّيُوخِ، وَتَشَاوَرُوا، وَأَعْطَوُا الْعَسْكَرَ فِضَّةً كَثِيرَةً قَائِلِينَ: قُولُوا إِنَّ تَلاَمِيذَهُ أَتَوْا لَيْلًا وَسَرَقُوهُ وَنَحْنُ نِيَامٌ. وَإِذَا سُمِعَ ذلِكَ عِنْدَ الْوَالِي فَنَحْنُ نَسْتَعْطِفُهُ، وَنَجْعَلُكُمْ مُطْمَئِنِّينَ” (متى 28: 11-14).
أما موقف الكنيسة فكان هكذا “وَأَمَّا الأَحَدَ عَشَرَ تِلْمِيذًا فَانْطَلَقُوا إِلَى الْجَلِيلِ إِلَى الْجَبَلِ، حَيْثُ أَمَرَهُمْ يَسُوعُ. وَلَمَّا رَأَوْهُ سَجَدُوا لَهُ، وَلكِنَّ بَعْضَهُمْ شَكُّوا.” (متى 28: 16-17)، إعلان ربوبية المسيح وسيادته وسلطانه سجد التلاميذ ويسجد له كل من يتعبد له “لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ،” (في 2: 10).
البرهان الثاني: الكلمة المقدسة
أكدت ظهورات المسيح المتكررة في مواقع وظروف مختلفة على قيامته من الأموات، فقد ظهر لمريم المجدلية (يو 20: 10-18) وللمريمات: المجدلية ومريم الأخرى (مت 28: 1-10) ولبطرس (لو 24: 12). ولتلميذي عمواس (لو 24: 13-54). ظهر للتلاميذ بدون توما. (يو 20: 19-23). وظهر للتلاميذ في وجود توما (يو 20: 24-39). وللتلاميذ عند بحيرة طبرية (يو 21: 1-5)، وللتلاميذ (مت 28: 16-20). ولأكثر من 500 أخ (1 كو 15: 5). وليعقوب في الجليل (1 كو 15: 7). ولبولس الرسول (1 كو 15: 8).
وبالرغم من أهمية هذه الظهورات وقيمتها وضرورتها إلا أن المسيح لم يعتمد عليها ولكن أعتمد في تعليمه وكلامه فترة الأربعين يومًا على الكلمة المقدسة، سواء التعليم الذي قاله أو ما كتب عنه فكان معلمًا ومفسرًا وكان مصداقية القيامة دليل على صدق المكتوب، وقد كان التأكيد على ذك في متى بالقول: “لَيْسَ هُوَ ههُنَا، لأَنَّهُ قَامَ كَمَا قَالَ! هَلُمَّا انْظُرَا الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ الرَّبُّ مُضْطَجِعًا فِيهِ.” (متى 28: 6). وأيضًا في لوقا بالقول: “لَيْسَ هُوَ ههُنَا، لكِنَّهُ قَامَ! اُذْكُرْنَ كَيْفَ كَلَّمَكُنَّ وَهُوَ بَعْدُ فِي الْجَلِيلِ قَائِلًا: إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُسَلَّمَ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي أَيْدِي أُنَاسٍ خُطَاةٍ، وَيُصْلَبَ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ. فَتَذَكَّرْنَ كَلاَمَهُ.” (لو 24: 6-8). وقد سبق وعلم المسيح على أنه: “إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ يَتَأَلَّمُ كَثِيرًا، وَيُرْفَضُ مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ.” (لو 9: 22). وأيضًا: “قَائِلًا: إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُسَلَّمَ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي أَيْدِي أُنَاسٍ خُطَاةٍ، وَيُصْلَبَ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ.” (لو 24: 7).
والمشكلة التي واجهت التلاميذ هي “أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا بَعْدُ يَعْرِفُونَ الْكِتَابَ: أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَقُومَ مِنَ الأَمْوَاتِ.” (يو 20: 9). فبدأ المسيح عمله كمفسر لهما: “ثُمَّ ابْتَدَأَ مِنْ مُوسَى وَمِنْ جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ يُفَسِّرُ لَهُمَا الأُمُورَ الْمُخْتَصَّةَ بِهِ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ.” (لو 24: 27). الكلمة تلهب القلب “فَقَالَ بَعْضُهُمَا لِبَعْضٍ: أَلَمْ يَكُنْ قَلْبُنَا مُلْتَهِبًا فِينَا إِذْ كَانَ يُكَلِّمُنَا فِي الطَّرِيقِ وَيُوضِحُ لَنَا الْكُتُبَ؟ (لو 24: 32). وقد طلب من تلاميذه “وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ” (متى 28: 20). وكان منهج المسيح هو: وَقَالَ لَهُمْ: «هذَا هُوَ الْكَلاَمُ الَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ وَأَنَا بَعْدُ مَعَكُمْ: أَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَتِمَّ جَمِيعُ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنِّي فِي نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ». حِينَئِذٍ فَتَحَ ذِهْنَهُمْ لِيَفْهَمُوا الْكُتُبَ. وَقَالَ لَهُمْ: هكَذَا هُوَ مَكْتُوبٌ، وَهكَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ وَيَقُومُ مِنَ الأَمْوَاتِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَأَنْ يُكْرَزَ بِاسْمِهِ بِالتَّوْبَةِ وَمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا لِجَمِيعِ الأُمَمِ، مُبْتَدَأً مِنْ أُورُشَلِيمَ.” (لوقا 24: 44-47).
ويصبح المعيار الأساسي لإيماننا هو الكلمة المقدسة “وَعِنْدَنَا الْكَلِمَةُ النَّبَوِيَّةُ، وَهِيَ أَثْبَتُ، الَّتِي تَفْعَلُونَ حَسَنًا إِنِ انْتَبَهْتُمْ إِلَيْهَا، كَمَا إِلَى سِرَاجٍ مُنِيرٍ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ، إِلَى أَنْ يَنْفَجِرَ النَّهَارُ، وَيَطْلَعَ كَوْكَبُ الصُّبْحِ فِي قُلُوبِكُمْ،” (2 بط 1: 19).
برهان القيامة هو الكلمة المقدسة التي شهدت لذلك، وبرهان إيماننا هو التمسك بالمكتوب والعيش بمقتضى الكلمة فنعتلم ونعيش ونشهد، “إِلَى الشَّرِيعَةِ وَإِلَى الشَّهَادَةِ. إِنْ لَمْ يَقُولُوا مِثْلَ هذَا الْقَوْلِ فَلَيْسَ لَهُمْ فَجْرٌ!” (إش 8: 20).
البرهان الثالث: لغة الاختبار المسيحيّ المبني على الإيمان
القبر المفتوح قاد إلى قلب مفتوح وذهن مفتوح والقيامة شكلت الأخبار المسيحي في حياة التلاميذ حين تفاعلوا معها وخير دليل على ذلك هو موقف التلاميذ حين رجع إليهما تلميذ عمواس فَقَامَا فِي تِلْكَ السَّاعَةِ وَرَجَعَا إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَوَجَدَا الأَحَدَ عَشَرَ مُجْتَمِعِينَ، هُمْ وَالَّذِينَ مَعَهُمْ وَهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ الرَّبَّ قَامَ بِالْحَقِيقَةِ وَظَهَرَ لِسِمْعَانَ! وَأَمَّا هُمَا فَكَانَا يُخْبِرَانِ بِمَا حَدَثَ فِي الطَّرِيقِ، وَكَيْفَ عَرَفَاهُ عِنْدَ كَسْرِ الْخُبْزِ. (لو 24: 33-35).
كان التأكيد على أن الرب بالحقيقة قام وعلامة قيامته ظهوره لسمعان، وكان رد فعل تلميذ عمواس أنهما يخبران ويؤكدان على هذه الحقيقة بإخبارهما بما حدث معهما في الطرق وكيف عرفاه عند كسر الخبز.
لغة هذه الاختبار مبنية على الإيمان يسجل البشير يوحنا موقف توما حين قال التلاميذ لتوما بأنهم قد رأوا الرب: فَقَالَ لَهُ التَّلاَمِيذُ الآخَرُونَ: قَدْ رَأَيْنَا الرَّبَّ! فَقَالَ لَهُمْ: إِنْ لَمْ أُبْصِرْ فِي يَدَيْهِ أَثَرَ الْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ إِصْبِعِي فِي أَثَرِ الْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ يَدِي فِي جَنْبِهِ، لاَ أُومِنْ». وَبَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ كَانَ تَلاَمِيذُهُ أَيْضًا دَاخِلًا وَتُومَا مَعَهُمْ. فَجَاءَ يَسُوعُ وَالأَبْوَابُ مُغَلَّقَةٌ، وَوَقَفَ فِي الْوَسْطِ وَقَالَ: سَلاَمٌ لَكُمْ! ثُمَّ قَالَ لِتُومَا: هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ، وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي، وَلاَ تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِنًا. أَجَابَ تُومَا وَقَالَ لَهُ: رَبِّي وَإِلهِي! قَالَ لَهُ يَسُوعُ: لأَنَّكَ رَأَيْتَنِي يَا تُومَا آمَنْتَ! طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا. (لوقا 20: 25-29).
أعلن توما ربوبية وألوهية المسيح “رَبِّي وَإِلهِي” وهو أصغر قانون إيمان ظهر في تاريخ الكنيسة ليعلن عن لغة الاختيار المسيحي التي تشكلت بفعل القيامة والتي أساسها هو الإيمان بشخص المسيح وعمل المسيح، تصبح الكنيسة شاهدة على عمل نعمة الله في حياتها قال المسيح: “وَأَنْتُمْ شُهُودٌ لِذلِكَ” (لو 24: 48).
البرهان الرابع: حياة التغيير
السؤال هو: ماذا فعلت القيامة في حياة التلاميذ؟ تكون الإجابة القيامة غيرت من حياة التلاميذ فقد كانوا جماعة منعزلة، خائفة غلَّقت على نفسها جميع الأبواب، فاقدة للأمل والرجاء إلى جماعة تشعر بالسلام والطمأنينة لتكون هي نواة الكنيسة، تحولت الجماعة الصغيرة من حياة الخوف والشك إلى حياة اليقين والإيمان، من حياة الحزن إلى حياة السلام والفرح.
برهان التغيير هو أفضل البراهين الواقعية على قيامة المسيح، قال المسيح “فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.” (مت 5: 16).
نقلت القيامة البشرية من حكم الدينونة في الخطية إلى حكم التبرير بالإيمان في قيامة المسيح “فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِالإِيمَانِ لَنَا سَلاَمٌ مَعَ اللهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ،” (رو 5: 1). فحين قام “وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ،” (أف 2: 6).
اهتم المسيح بعد القيامة بالبراهين “اَلَّذِينَ أَرَاهُمْ أَيْضًا نَفْسَهُ حَيًّا بِبَرَاهِينَ كَثِيرَةٍ، بَعْدَ مَا تَأَلَّمَ، وَهُوَ يَظْهَرُ لَهُمْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَيَتَكَلَّمُ عَنِ الأُمُورِ الْمُخْتَصَّةِ بِمَلَكُوتِ اللهِ.” (أع 1: 3). البراهين على أنه حي، وقد قام من بين الأموات ليعطي لنا حياة، ويقيمنا معه من خطايانا وعثراتنا وزلاتنا. فقد كان القبر الفارغ، والكلمة المقدسة، ولغة وحياة الاختبار المسيحي، وحياة التغيير هي براهين على القيامة.
براهين الإيمان مهمة لحياتنا لأننا “بِالإِيمَانِ نَفْهَمُ أَنَّ الْعَالَمِينَ أُتْقِنَتْ بِكَلِمَةِ اللهِ، حَتَّى لَمْ يَتَكَوَّنْ مَا يُرَى مِمَّا هُوَ ظَاهِرٌ.” (عب 11: 3). “لأَنَّنِي عَالِمٌ بِمَنْ آمَنْتُ، وَمُوقِنٌ أَنَّهُ قَادِرٌ أَنْ يَحْفَظَ وَدِيعَتِي إِلَى ذلِكَ الْيَوْمِ.” (2 تي 1: 12). وما أروع اليقين الذي تحدث به بولس في رومية 8 حين قال “فَإِنِّي مُتَيَقِّنٌ أَنَّهُ لاَ مَوْتَ وَلاَ حَيَاةَ، وَلاَ مَلاَئِكَةَ وَلاَ رُؤَسَاءَ وَلاَ قُوَّاتِ، وَلاَ أُمُورَ حَاضِرَةً وَلاَ مُسْتَقْبَلَةً، وَلاَ عُلْوَ وَلاَ عُمْقَ، وَلاَ خَلِيقَةَ أُخْرَى، تَقْدِرُ أَنْ تَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا.” (رو 8: 38-39).
حياتنا لا تبنى على وهم أو خدعة أو كذبة ولكن على يقين الإيمان وبراهين كلمة الله التي تشكل حياتنا وتضبط نفوسنا.
عظة مساء الأحد 22 مايو 2022م
القس عيد صلاح
- المسيح مثالنا الأعظم: مواقف ما قبل الصليب
- يوحنا المعمدان: وقف مع الحق ضد القوة
- عندما جاء المسيح إلى أرضنا: ماذا فعل؟
- فرحين فى الرجاء: كيف؟
- فَرِحِينَ فِي الرَّجَاءِ: لماذا؟
- هوية يسوع في قصة الميلاد
- يوسف البار الصامت المؤثر ومبادئ من حياته
- قصة الميلاد تعلن: كفاية شخص المسيح
- علامات تميز الكنيسة 3-3: الشهادة
- علامات تميز الكنيسة 2-3: الخدمة