
بقلم
القس سهيل سعود
السينودس الإنجيلي الوطني في سورية ولبنان
“بعديّ الخلاص”
“نحن مبرّرون بالايمان وحده، وإنما ليس بإيمان الذي هو وحده”
بهذا التعبير حاول أحد اللاهوتيين المصالحة بين قول الرسول بولس، “إذا نحسب أن الانسان يتبرّر بالأيمان بدون أعمال الناموس” (روميه3: 28)، مع قول الرسول يعقوب، “ترون إذًا أنه بالأعمال يتبرّر الانسان لا بالايمان وحده” (يعقوب2: 24) والذين يبدوان متناقضين في الظاهر. توقّف المصلح مارتن لوثر عند هذين القولين المتعارضين. وفي مرة من المرات، قدّم قبّعة الدكتوراة التي يضعها لأي شخص يستطيع مصالحة هذين القولين مع بعضهما.
استمدّ المصلح مارتن لوثر لاهوته، “التبرير بالنعمة وحدها، بواسطة بالإيمان وحده” من لاهوت الرسول بولس، الذي شدّد في رسائله على أساسية الايمان وحده وليس الاستحقاق البشري لاختبار التبرير بالايمان واختبار خلاص يسوع المسيح المجاني. لكن الرسول يعقوب، بخلاف الرسول بولس، يشدّد بشكل أساسي على الأعمال في حياة الإيمان، لهذا كان لوثر يتصارع مع لاهوت رسالة يعقوب، التي وجد أنها لا تنسجم مع لاهوته. جرت محاولات عديدة لمصالحة القولين مع بعضهما البعض: قول بولس “الخلاص بالايمان وحده”، وقول يعقوب “ليس الخلاص بالايمان وحده”. وقد حاول احد اللاهوتيين المصالحة بين هذين القولين، بقوله “نحن مبرّرون بالايمان وحده، وإنما ليس بإيمان الذي هو وحده”.
إذا ما درسنا بتأن رسائل بولس الثلاث عشرة، نلاحظ أنه بالرغم من تشديده الأساسي على الايمان، إلاّ أنه لم يستثن الأعمال الصالحة من نتائج الايمان. من المحاولات الجادّة لمصالحة القولين ، الاعتقاد أن هناك بعدين للخلاص: بعد في الماضي، وبعد في المستقبل. عندما تكلم بولس عن الخلاص أو التبرير ببعده الماضي، تحدث عن الخلاص بالايمان وحده دون أعمال او استحقاق بشري، لأن الخلاص عو عمل الله بشكل كال في المسيح يسوع. وعندما تحدث عن الخلاص ببعده المستقبلي، فانه تكلّم عن عيش حياة الايمان التي من الضروري أن تتضمن اعمالاً صالحة، اذ أن الايمان وحده لا يكفي.
لكل من هذين البعدين للخلاص، متطلّباته التي تختلف عن البعد الآخر. نرى هذين البعدين الماضي والمستقبلي، في قول الرسول بولس الى أهل كورنثوس، “فبالأولى كثيرًا، ونحن متبرّرون الآن بدمه، نخلص به من الغضب، لأنه إن كنا ونحن أعداء قد صولحنا مع الله بموت ابنه، فبالأولى كثيرًا ونحن مصالحون نخلص بحياته” (روميه5: 9-10).
نرى البعد الماضي للخلاص في قول بولس، “ونحن متبرّرون الآن بدمه”، وأيضا في قوله، “قد صولحنا مع الله بموت ابنه”. فالتبرير أو الخلاص ببعده الماضي قد تحقّق بسفك المسيح دمه لأجلنا على الصليب. لقد تحقّق بمصالحة الله لنا التي تحقّقت بموت ابنه يسوع المسيح الذي غفر خطايانا ومنحنا الحياة الأبدية. هذا البعد للخلاص الالهي نختبره بالايمان وحده. فليس هناك أي استحقاق شخصي أو أعمال صالحة خلّصتنا بل فقط دم المسيح المسفوك لأجلنا على الصليب. شدّد الرسول بولس على هذا البعد، عندما عندما قال لكنيسة أفسس، “لأنكم بالنعمة مخلّصون. بالايمان وذلك ليس منكمن هو عطية الله. ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد” (أفسس2: 8-9). نرى البعد المستقبلي للخلاص والذي يتضمّن بالضرورة وجود الأعمال الصالحة وليس الايمان وحده، في قول بولس “نخلص به من الغضب” (روميه5: 9-10). الكلمة باللغة اليونانية، هي “سوف نخلص من الغضب”. إن خلاصنا في بعده المستقبلي، هو خلاص من غضب ودينونة الله الأخيرة. وهذا يتطلّب أن تكون حياتنا بالايمان في المسيح، حياة أخلاقية صالحة، بقيامنا بأعمال صالحة بمعونة الروح القدس، لأننا جميعا سوف نظهر أمام عرش المسيح لنقدم حسابًا عن أعمالنا خيرا كانت أم شرًا.
وبالتالي، أخرج الرسول بولس الأعمال من معادلة الايمان، عندما تحدث عن الخلاص الذي تحقّق بشكل كامل بموت المسيح على الصليب. إنه خلاص بالنعمة وحدها بالايمان وحده. وأدخل بولس الأعمال الصالحة في معادلة الايمان عندما تحدث عن البعد المستقبلي للخلاص. نرى البعد المستقبلي في قوله لنفس كنيسة أفسس، “فإنكم تعلمون هذا ان كل زان او نجس أو طمّاع الذي هو عابد للأوثان، ليس له ميراث في ملكوت المسيح والله” (أفسس5: 5). فالخلاص من الدينونة والحصول على ميراث في ملكوت المسيح، يتطلّب منا عيش حياة أخلاقية مقدّسة، تخلو من الزنى والنجاسة والطمع.
وللعودة الى قول الرسول يعقوب، “ترون إذًا أنه بالاعمال يتبرّر الانسان، لا بالايمان وحده” (يعقوب2: 24). يعتقد مفسّرون أن يعقوب كان يحذّر المؤمنين والمؤمنات الذين يقدّمون التبريرات لأسلوب حياتهم الذي لا يمجّد لله، باستغلال قول بولس أن الخلاص بالايمان وحده. لهذا كان على الرسول يعقوب أن يشدّد على أهمية تزامن الاعمال الحسنة والحياة الاخلاقية في مسيرة الايمان، لهذا قال، “ترون إذًا أنه بالاعمال يتبرّر الانسان، لا بالايمان وحده”.
- حيرة العقل أمام الصليب – المصلح مارتن لوثر
- النظر الى الألم بمنظار أبدي- المصلح جون كالفن
- تفسير المصلح جان كلفن لظاهرة محيّرة رافقت موت المسيح
- المعلم الانجيلي بطرس البستاني: أبّ النهضة العربية
- ماذا قصد كاتبو قانون ايمان الرسل: أن المسيح نزل الى الهاوية؟
- أسلحة الموت: القلق واليأس والشعور بالذنب – المصلح مارتن لوثر
- هل هناك من تراتبية روحية بين القسوس وباقي المؤمنين بالمسيح؟ المصلح الانجيلي مارتن لوثر
- من اجمل ما كتب عن الموسيقى – المصلح مارتن لوثر
- المصلح فيليب ميلنكثون – دور التربية في اعداد مواطنين صالحين للكنيسة والمجتمع
- نقل مسؤولية التعليم من الأهل والكنيسة، الى الدولة ليكون متوفرا للجميع