فهرس الموضوع

بقلم
القس سهيل سعود
السينودس الإنجيلي الوطني في سورية ولبنان
“أؤمن… بشركة القدّيسين”؟
تفسير المصلحين الانجيليين
جاء في قانون ايمان الرسل، الذي كتب في القرن الخامس الميلادي، “وأؤمن بالروح القدس، وبالكنيسة المقدسة الجامعة، وبشركة القديسين”. فما معنى عبارة “نؤمن بشركة القدّيسين؟”. عرّف المصلح الانجيلي جان كلفن الكنيسة، على أنها “جماعة المؤمنين، ولمؤمنات المختارين، التي تنتشر في كل العالم وعبر كل العصور، وترتبط بعضها ببعض الآخر، بروح المسيح الواحد والايمان الواحد”.
لم ينظر كلفن الى الكنيسة على أنها فقط جماعة المؤمنين الأحياء الذين يعيشون على هذه الأرض، بل، تضمّنت في عقيدته أيضًا المؤمنين والمؤمنات الذين رقدوا على رجاء القيامة وانتقلوا الى جوار المسيح. فشركة القديسين هي هذه الشركة الروحية بين الأحياء والأموات في المسيح. ولا تتضمن شركة القديسين فقط جماعة الايمان في العهد الجديد، وانما أيضا الآباء والأنبياء وجماعة الايمان في العهد القديم. اعتبر كلفن أن هذه الكنيسة هي بمثابة الأم لجماعة الايمان. قال: “لا يمكن للمؤمن أن يكون له الله كأب، دون أن يكون له الكنيسة كأم”. عندما إنتقد الكاثوليك بشدّة المصلحين الانجيليين، بأنهم لا يعطون مكانًا للقديسين في الكنيسة، فإن المصلح السويسري، هينريخ بولينغر، قال، “هذا غير صحيح. فنحن نؤمن بأن القديسين هم أعضاء أحياء في المسيح وأصدقاء الله. نحن نتبع مثلهم ونتشوّق لأن نقلّد إيمانهم وفضائلهم ونشارك معهم الخلاص الأبدي، لنكون واياهم متمتعون بحضور الله الى الابد، ونفرح معهم في المسيح. كانت نقطة الخلاف بين الكاثوليك والانجيليين حول مفهوم من هو القديس. فالقديس في المفهوم الكاثوليكي يتم تطويبه من قبل الكنيسة. لكن القديس بحسب المفهوم الانجيلي، هو كل شخص اختبر خلاص المسيح، ونضج في الايمان، ويسلك بقيادة الروح القدس.
يتحدث اللاهوتيون عن حالات الوجود في شركة القديسين. تحدث اللاهوت الكاثوليكي عن ثلاث حالات من الوجود في شركة القديسين في الكنيسة. الأولى، حالة الوجود في الكنيسة المنتصرة التي تضم المؤمنين والمؤمنات، الذين انتصروا على العالم أثناء عيشهم ايمانهم على الأرض، فانتقلوا ليكونوا مع المسيح وانضموا الى الكنيسة المنتصرة. الثانية، حالة الوجود في المطهر، وهي تضم الناس الذين انتقلوا من هذا العالم، وكان لديهم بعض الشوائب الروحية التي يجب أن يتطهّروا منها في المطهر، لينتقلوا بعدها الى حالة الكنيسة المنتصرة. أما الحالة الثالثة، فهي حالة الكنيسة المجاهدة والمصارعة في العالم. وهي تتضمن جماعة الايمان الذين يجاهدون في ايمانهم خلال وجودهم في هذه الحياة ، ويصارعون ضد الخطية وإبليس وأجناد الشر الروحية. بحسب اللاهوت الكاثوليكي، هناك نوعا من التواصل بين تلك الحالات من الحضور، اذ أن قديسين، يتشفعون من أجل الناس الذين لا يزالون يعيشون في الكنيسة المجاهدة، كما أن الذين يعيشون في الكنيسة المجاهدة، يصلّون من أجل الذين في حالة الحضور في المطهر. كانت احدى تبريرات اقناع الناس بشراء صكوك الغفران التي رفضها المصلحون الانجيليين، في القرن السادس عشر، مساعدة المشترين لأحبائهم بعض الذين في حالة المطهر، كيما يتطهّروا من خطاياهم، وهكذا ينتقلون الى حالة الكنيسة المنتصرة. كما أن أحد أسباب تشجيع الناس على اقامة القداديس لأحبائهم الصلاة لأجلهم لينتقلوا من حالة المطهر الى حالة الكنيسة المنتصرة.
لكن المصلحين الانجيليين، اعتقدوا بأن “شركة القديسين”، تتضمن حالتين من الوجود في الكنيسة الجامعة: حالة “الكنيسة المنتصرة” أو الغالبة، وحالة “الكنيسة المجاهدة” أو المصارعة. الاّ أنهم رفضوا وجود حالة المطهر، لعدم وجود أدلة كتابية واضحة عنها. تنحدر تسمية “الكنيسة المجاهدة” أو المصارعة من تعابير الكتاب المقدس حول الحرب الروحية. يقول الرسول بولس: “فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم، بل مع الرؤساء، مع السلاطين، مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر، مع أضاد الشر الروحية في السماويات” (أفسس6: 12). وتنحدر تسمية “الكنيسة المنتصرة” أو الغالبة، من قول يوحنا الرائي: “من يغلب، فلا يؤذه الموت الثاني” (رؤيا2: 2). رأى يوحنا الرآي، في سفره ومضات من الكنيسة المنتصرة، فقال: “بعد هذا نظرت. وإذا جمع كثير لم يستطع أحد، أن يعدّه من كل الأمم والقبائل والشعوب والألسنة، واقفون أمام العرش وأمام الخروف، متسربلين بثياب بيض، وفي أيديهم سعف النخل، وهم يصرخون بصوت عظيم قائلين: الخلاص لإلهنا الجالس على العرش” (رؤيا يوحنا7: 9-10).
آمن المصلحون الانجيليون، أن أعضاء الكنيسة في حالتيها: الحالة المنتصرة، والحالة المجاهدة، يتمتعون بالشركة الروحية: أولا مع الله، وثانيا مع بعضهم البعض، انما دول تواصل او تشفّع بين بعضهم البعض. حصر المصلحون الشفاعة بيسوع المسيح وحده دون غيره، مستندين على تعليم الكتاب المقدس، اذ يقول الرسول يوحنا، “وان أخطأ أحد، فلنا شفيع عند الآب، يسوع المسيح البار، وهو كفارة لخطايانا. ليس لخطايانا فقط، بل لخطايا العالم أجمع” ( 1يوحنا 2: 1-2).
دوّن المصلحون الانجيليون عقيدتهم حول “شركة القديسين” ، وحالتي “الكنيسة المجاهدة، والكنيسة المنتصرة” في العديد من اعترافات الايمان التي كتبوها في القرن السادس عشر. مثلا: تحدث، “إعتراف الايمان الهلفيتي السويسري” بوضوح ،عن الشركة والوحدة بين اعضاء: الكنيسة المجاهدة على الأرض، والكنيسة المنتصرة في السماء. و”إعتراف إيمان الوستمينستر”، الانجيلي المصلح، ذكر أن شركة القديسين تتضمن، “الذين اتحدوا في المسيح بالايمان: الأحياء منهم والأموات. جاء في النص: ” الأحياء والأموات المتحدون في المسيح، ينعمون بشركة روحية من المحبة مع بعضهم البعض، ويشتركون مع بعضهم البعض في هبات ونعم الله”.
- حيرة العقل أمام الصليب – المصلح مارتن لوثر
- النظر الى الألم بمنظار أبدي- المصلح جون كالفن
- تفسير المصلح جان كلفن لظاهرة محيّرة رافقت موت المسيح
- المعلم الانجيلي بطرس البستاني: أبّ النهضة العربية
- ماذا قصد كاتبو قانون ايمان الرسل: أن المسيح نزل الى الهاوية؟
- أسلحة الموت: القلق واليأس والشعور بالذنب – المصلح مارتن لوثر
- هل هناك من تراتبية روحية بين القسوس وباقي المؤمنين بالمسيح؟ المصلح الانجيلي مارتن لوثر
- من اجمل ما كتب عن الموسيقى – المصلح مارتن لوثر
- المصلح فيليب ميلنكثون – دور التربية في اعداد مواطنين صالحين للكنيسة والمجتمع
- نقل مسؤولية التعليم من الأهل والكنيسة، الى الدولة ليكون متوفرا للجميع