فهرس الموضوع

الكاتب
القس عيد صلاح
راعى الكنيسة الإنجيلية بعين شمس
سنودس النيل الإنجيلي
الكنيسة الإنجيلية المشيخية بمصر
علامات تميز الكنيسة
١-٣
الشركة
مزمور 133، 1 كورنثوس 10-22، 1 كورنثوس 11: 17-34.
بادئ ذي بدء يجب التأكيد على أنَّ أساس الكنيسة هو شخص المسيح، وعليه تبنى الكنيسة، في قيصرية فيلبس سأل المسيح: “مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا ابْنُ الإِنْسَانِ؟ فَقَالُوا: قَوْمٌ: يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ، وَآخَرُونَ: إِيلِيَّا، وَآخَرُونَ: إِرْمِيَا أَوْ وَاحِدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ. قَالَ لَهُمْ: وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟ فَأَجَابَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ وَقَالَ: أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ! فَأجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. وَأَنَا أَقُولُ لَكَ أَيْضًا: أَنْتَ بُطْرُسُ، وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا. (مت 16: 14-18) فالكنيسة تبنى على الاعتراف والإيمان بشخص المسيح أنه ابن الله الحي، لا تبنى الكنيسة على أشخاص ولكن على الرب يسوع المسيح وحده.
أما عن طبيعة الكنيسة في كما عبرَّ عنها قانون الإيمان بالقول: ونعترف بكنيسة واحدة مقدسة جامعة رسولية. فمهما تنوعت الكنيسة في كنائس محلية أو مذهبية أو طائفية ستظل كنيسة مسكونية متحدة وواحدة في الإيمان والشركة والمحبة، وهي جامعة للكل، ومقدسة بطبيعة اتحادها بالمسيح، ومرسلة للعالم الذي يصرخ باستمرار: اعْبُرْ إِلَى مَكِدُونِيَّةَ وَأَعِنَّا! (أع 16: 9).
وانطلاقًا من الحديث عن أساس وطبيعة الكنيسة نتحدث هنا عن العلامات التي تميز الكنيسة من خلال ثلاث علامات هامة: الشركة، الخدمة، الشهادة. ولذلك لا تقاس الكنيسة بغناها أو فقرها المادي ولكن بأمانتها، ولا تقاس بكثرة عددها أو قلته ولكن بشهادتها ومعايشتها لهذه العلامات، ولا تُقَيَّم من خلال الموقع أو المكانة التي تعيش فيها ريف حضر مدينة ولكن من خلال إرساليتها للمجتمع المحيط بها.
الشركة من أهم العلامات التي تميز الكنيسة مثلها مثل الخدمة والشهادة، والثلاثة معًا هم علامات تميز الكنيسة عبر عصورها المختلفة (الشركة، الخدمة، الشهادة). هذه العلامات متداخلة معًا، وكل واحدة تقوي وتسند الأخرى.
تستخدم الشركة (الكينونيا) في العهد الجديد بقوة كعلامة تميز الكنيسة المحليّة والعامة. أستخدم الرسول بولس الفعل خمس مرات من ثماني مرات في العهد الجديد، ولفظ شركة كاسم 13 مرةً من مجموع 19 مرة في العهد الجديد. وتستخدم الشركة في أشكال عامة كثيرة مثل: الزواج، والصداقة، والعلاقات …إلخ.
إنَّ ما يميز الكنيسة إنّها تبنى على الشركة، لذلك لا تستطيع الكنيسة أن تحيا بدون الشركة، والشركة معناها “الوجود معًا” بكل ما تحوي الكلمة من معنى وقد وضع المرنم هذه الصورة الجميلة وهي “هُوَذَا مَا أَحْسَنَ وَمَا أَجْمَلَ أَنْ يَسْكُنَ الإِخْوَةُ مَعًا! …لأَنَّهُ هُنَاكَ أَمَرَ الرَّبُّ بِالْبَرَكَةِ حَيَاةٍ إِلَى الأَبَدِ.” (مزمور 133: 1-3).
الوجود معًا هو معنى أصيل للشركة فنحن نشترك معًا في العبادة، في الإيمان، في الأفراح، في الأحزان، وهناك أمور كثيرة تنمي الشركة معًا عندما نركز على أبعادها ومفاهيمها بحسب كلمة الله، لذلك نتناول معًا الشركة كعلامة مميزة للكنيسة في ثلاثة مواقف: أساس الشركة، ومجالات الشركة، ثم أهمية الشركة.
أولًا: أساس الشركة
كل التجمعات البشريَّة لها أفكار تجتمع حولها، وهذا ما نراه مثلًا في تكوين الأحزاب السياسية والنقابات الاجتماعية، فهناك فكرة تجتمع الجماعة حولها، وما يميز الشركة في الكنيسة أنها تبنى على عمل الله المثلث الأقانيم (الاب، والابن، والروح القدس).
فليست الشركة داخل الكنيسة فكرة معرضة للزوال ولكنها حقيقة دائمة وأكيدة لأنها مبنية على: الشركة في المسيح، “أَمِينٌ هُوَ اللهُ الَّذِي بِهِ دُعِيتُمْ إِلَى شَرِكَةِ ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا.” (1 كورنثوس 1: 9). الشركة في الروح، “إِنْ كَانَتْ شَرِكَةٌ مَا فِي الرُّوحِ.” (فيلبي 2: 1). الشركة في الكنيسة، “فَوَضَعَ اللهُ أُنَاسًا فِي الْكَنِيسَةِ …” (1 كورنثوس 12: 28).
حسب رؤية العهد الجديد للشركة نجد أنَّ المسيح، والروح القدس، والكنيسة، هم الذين يوحدون المؤمنين في شركة حية، وكثيرًا ما يستعمل الرسول بولس هذا التداخل في فكرة الشركة، فالذين يحيون في المسيح، هم في الروح، وبالتالي هم في الكنيسة. والذين هم في الكنيسة هو في الروح وفي المسيح، والذين هم في الروح هم في الكنيسة وهو في المسيح. وهذا عكس من ينادون طالما إنني في المسيح فلا علاقة لي بالكنيسة، أو طالما كنت في الروح فلا علاقة لي بالمسيح أو الكنيسة.
السؤال هو: ماذا تعني الشركة في المسيح؟ الشركة تدل على المدلول الروحيّ فالذين هم في المسيح هم خليقة جديدة، يقول الرسول بولس: “إِذًا إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ. الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ. هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا.” (2 كورنثوس 5: 17). مع المسيح صلبت “مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي.” (غلاطية 2: 20). دفنا معه في المعمودية “مَدْفُونِينَ مَعَهُ فِي الْمَعْمُودِيَّةِ، الَّتِي فِيهَا اقِمْتُمْ أَيْضًا مَعَهُ بِإِيمَانِ عَمَلِ اللهِ، الَّذِي اقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ.” (كولوسي 2: 12). ثم أقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات “وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ” (أفسس 2: 6).
تأثير أساس ومفهوم الشركة على الأعضاء:
هذا جعل الأعضاء المختلفون في نواحٍ كثيرة يشتركون في كيان الجسد الواحد “بَلْ صَادِقِينَ فِي الْمَحَبَّةِ، نَنْمُو فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَى ذَاكَ الَّذِي هُوَ الرَّأْسُ: الْمَسِيحُ، الَّذِي مِنْهُ كُلُّ الْجَسَدِ مُرَكَّبًا مَعًا، وَمُقْتَرِنًا بِمُؤَازَرَةِ كُلِّ مَفْصِلٍ، حَسَبَ عَمَلٍ، عَلَى قِيَاسِ كُلِّ جُزْءٍ، يُحَصِّلُ نُمُوَّ الْجَسَدِ لِبُنْيَانِهِ فِي الْمَحَبَّةِ.” (أفسس 4: 15-16). جاءت هذه الأية في الترجمة اليسوعيّة كالتالي: “وإذا عملنا للحق بالمحبة نَمَونا وتقدَّمنا في جميع الوجوه نحو ذاك الذي هو الرأس، نحو المسيح: فإن به إحكام الجسد كله والتحامه، والفضل لجميع الأوصال التي تقوم بحاجته، ليتابع نموه بالعمل الملائم لكل من الأجزاء ويبني نفسه بالمحبة”. وبناء عليه الوجود في المسيح حطَّم كل الحواجز الموجودة التي بإمكانياتها تعطل الشركة “لأَنَّنَا جَمِيعَنَا بِرُوحٍ وَاحِدٍ أَيْضًا اعْتَمَدْنَا إِلَى جَسَدٍ وَاحِدٍ، يَهُودًا كُنَّا أَمْ يُونَانِيِّينَ، عَبِيدًا أَمْ أَحْرَارًا. وَجَمِيعُنَا سُقِينَا رُوحًا وَاحِدًا.” (1 كورنثوس 12: 13). “لاَ تَكْذِبُوا بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ، اذْ خَلَعْتُمُ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ مَعَ اعْمَالِهِ، وَلَبِسْتُمُ الْجَدِيدَ الَّذِي يَتَجَدَّدُ لِلْمَعْرِفَةِ حَسَبَ صُورَةِ خَالِقِهِ، حَيْثُ لَيْسَ يُونَانِيٌّ وَيَهُودِيٌّ، خِتَانٌ وَغُرْلَةٌ، بَرْبَرِيٌّ سِكِّيثِيٌّ، عَبْدٌ حُرٌّ، بَلِ الْمَسِيحُ الْكُلُّ وَفِي الْكُلِّ.” (كولوسي 3: 9-11)
وهو نفس ما أكده في غلاطية بالقول: “لأَنَّ كُلَّكُمُ الَّذِينَ اعْتَمَدْتُمْ بِالْمَسِيحِ قَدْ لَبِسْتُمُ الْمَسِيحَ. لَيْسَ يَهُودِيٌّ وَلاَ يُونَانِيٌّ. لَيْسَ عَبْدٌ وَلاَ حُرٌّ. لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعًا وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ.” (غلاطية 3: 27-28).
نحن في المسيح، ومع المسيح، وفي الروح، وفي الكنيسة. كلمة (في) تعطي معنى الانتماء والولاء. هذا هو المدلول الروحيّ واللاهوتيّ لكينونتا ولوجودنا معًا في حياة الشركة.
إنَّ ما يجمعنا، أو يوحدنا ليست فكرة، أو رؤية بشرية، قابلة للزوال بل وجود حقيقي في جسد المسيح، وهذا ما يضمن استمراريتها ونضجها ونموها. وهذا معناه أن يدرك جميع المؤمنين أنهم جسد واحد: “هَكَذَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ: جَسَدٌ وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ وَأَعْضَاءٌ بَعْضًا لِبَعْضٍ كُلُّ وَاحِدٍ لِلآخَرِ.” (رومية 12: 5). الشركة في جسد المسيح كسَّرت كل الحواجز المكانيَّة والعرقيَّة (العنصريَّة)، والثقافيَّة، والجنسيَّة (النوع). “لَيْسَ يَهُودِيٌّ وَلاَ يُونَانِيٌّ. لَيْسَ عَبْدٌ وَلاَ حُرٌّ. لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعًا وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ.” (غل 3: 28).
ثانيًا: مجالات الشركة
هناك مجالات كثيرة تظهر فيها الشركة مثل: العشاء الربانيّ، وعضوية الكنيسة، والخدمة، والعطاء، ثم الشركة في الألم، والمشاركة في أمور الحياة.
أولًا: العشاء الربانيّ
يقول الرسول بولس: “كَأْسُ الْبَرَكَةِ الَّتِي نُبَارِكُهَا أَلَيْسَتْ هِيَ شَرِكَةَ دَمِ الْمَسِيحِ؟ الْخُبْزُ الَّذِي نَكْسِرُهُ أَلَيْسَ هُوَ شَرِكَةَ جَسَدِ الْمَسِيحِ؟ فَإِنَّنَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ خُبْزٌ وَاحِدٌ جَسَدٌ وَاحِدٌ لأَنَّنَا جَمِيعَنَا نَشْتَرِكُ فِي الْخُبْزِ الْوَاحِدِ. انْظُرُوا إِسْرَائِيلَ حَسَبَ الْجَسَدِ. أَلَيْسَ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الذَّبَائِحَ هُمْ شُرَكَاءَ الْمَذْبَحِ؟ فَمَاذَا أَقُولُ؟ أَإِنَّ الْوَثَنَ شَيْءٌ أَوْ إِنَّ مَا ذُبِحَ لِلْوَثَنِ شَيْءٌ؟ بَلْ إِنَّ مَا يَذْبَحُهُ الأُمَمُ فَإِنَّمَا يَذْبَحُونَهُ لِلشَّيَاطِينِ لاَ لِلَّهِ. فَلَسْتُ أُرِيدُ أَنْ تَكُونُوا أَنْتُمْ شُرَكَاءَ الشَّيَاطِينِ. لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَشْرَبُوا كَأْسَ الرَّبِّ وَكَأْسَ شَيَاطِينَ. لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَشْتَرِكُوا فِي مَائِدَةِ الرَّبِّ وَفِي مَائِدَةِ شَيَاطِينَ.” (1 كورنثوس 10: 16-21)
ويقول أيضًا: “وَلَكِنَّنِي إِذْ أُوصِي بِهَذَا لَسْتُ أَمْدَحُ كَوْنَكُمْ تَجْتَمِعُونَ لَيْسَ لِلأَفْضَلِ بَلْ لِلأَرْدَإِ. لأَنِّي أَوَّلًا حِينَ تَجْتَمِعُونَ فِي الْكَنِيسَةِ أَسْمَعُ أَنَّ بَيْنَكُمُ انْشِقَاقَاتٍ وَأُصَدِّقُ بَعْضَ التَّصْدِيقِ. لأَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَكُمْ بِدَعٌ أَيْضًا لِيَكُونَ الْمُزَكَّوْنَ ظَاهِرِينَ بَيْنَكُمْ. فَحِينَ تَجْتَمِعُونَ مَعًا لَيْسَ هُوَ لأَكْلِ عَشَاءِ الرَّبِّ. لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَسْبِقُ فَيَأْخُذُ عَشَاءَ نَفْسِهِ فِي الأَكْلِ فَالْوَاحِدُ يَجُوعُ وَالآخَرُ يَسْكَرُ. أَفَلَيْسَ لَكُمْ بُيُوتٌ لِتَأْكُلُوا فِيهَا وَتَشْرَبُوا؟ أَمْ تَسْتَهِينُونَ بِكَنِيسَةِ اللهِ وَتُخْجِلُونَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ؟ مَاذَا أَقُولُ لَكُمْ! أَأَمْدَحُكُمْ عَلَى هَذَا؟ لَسْتُ أَمْدَحُكُمْ! لأَنَّنِي تَسَلَّمْتُ مِنَ الرَّبِّ مَا سَلَّمْتُكُمْ أَيْضًا: إِنَّ الرَّبَّ يَسُوعَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي أُسْلِمَ فِيهَا أَخَذَ خُبْزًا وَشَكَرَ فَكَسَّرَ وَقَالَ: خُذُوا كُلُوا هَذَا هُوَ جَسَدِي الْمَكْسُورُ لأَجْلِكُمُ. اصْنَعُوا هَذَا لِذِكْرِي. كَذَلِكَ الْكَأْسَ أَيْضًا بَعْدَمَا تَعَشَّوْا قَائِلًا: هَذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي. اصْنَعُوا هَذَا كُلَّمَا شَرِبْتُمْ لِذِكْرِي. فَإِنَّكُمْ كُلَّمَا أَكَلْتُمْ هَذَا الْخُبْزَ وَشَرِبْتُمْ هَذِهِ الْكَأْسَ تُخْبِرُونَ بِمَوْتِ الرَّبِّ إِلَى أَنْ يَجِيءَ. إِذًا أَيُّ مَنْ أَكَلَ هَذَا الْخُبْزَ أَوْ شَرِبَ كَأْسَ الرَّبِّ بِدُونِ اسْتِحْقَاقٍ يَكُونُ مُجْرِمًا فِي جَسَدِ الرَّبِّ وَدَمِهِ. وَلَكِنْ لِيَمْتَحِنِ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ وَهَكَذَا يَأْكُلُ مِنَ الْخُبْزِ وَيَشْرَبُ مِنَ الْكَأْسِ. لأَنَّ الَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ بِدُونِ اسْتِحْقَاقٍ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ دَيْنُونَةً لِنَفْسِهِ غَيْرَ مُمَيِّزٍ جَسَدَ الرَّبِّ. مِنْ أَجْلِ هَذَا فِيكُمْ كَثِيرُونَ ضُعَفَاءُ وَمَرْضَى وَكَثِيرُونَ يَرْقُدُونَ. لأَنَّنَا لَوْ كُنَّا حَكَمْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا لَمَا حُكِمَ عَلَيْنَا” (1 كورنثوس 11: 17-31).
ومن خلال هذه النصوص الكتابية يتبين لنا أهمية الاشتراك في مائدة الرب، العشاء الرباني:
- العشاء الربانيّ هو إعلان شركة، إعلان وحدة (خبز واحد، كاس واحد).
- الاعتراف بذبيحة المسيح الكفاريّة على الصليب.
- من خلاله الكنيسة تذكر وتشكر.
- فرصة للإخبار والكرازة.
- فرصة لامتحان النفس وصحوة الضمير.
ثانيًا: عضوية الكنيسة
ورد في إنجيل البشير متى قول الرب يسوع: “وَأَنَا أَقُولُ لَكَ أَيْضًا: أَنْتَ بُطْرُسُ وَعَلَى هَذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْنِي كَنِيسَتِي وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا.”(متى 16: 16)، ويكون البناء عن طريق ضم أعضاء جدد للكنيسة، ويسجل لنا سفر أعمال الرسل هذا القول وهو يعد تقريرًا عن الكنيسة في سفر: “وَكَانَ الرَّبُّ كُلَّ يَوْمٍ يَضُمُّ إِلَى الْكَنِيسَةِ الَّذِينَ يَخْلُصُونَ.” (أعمال الرسل 2: 47). بناء ونمو الكنيسة الروحيّ من خلال ضم أعضاء جدد يعلنون عن إيمانهم علنيًا بالمسيح، ويحيون حياة الشركة في الكنيسة بكل مسؤولياتها والتزاماتها.
ثالثًا: العطاء
المقصود به هنا تقديم العطاء بصورة منتظمة للمشاركة في احتياجات الكنيسة أو احتياجات القديسين، في سفر أعمال الرسل نجد أنَّ الكنائس عضدت كنيسة أورشليم لأنَّها كانت فقيرة، وفي الوضع الداخليّ فهمت الكنيسة الشركة بأن كان بينهم كل شيء مشتركًا.
الشركة تحترم الملكية الفرديَّة، ولكنها تحفز على العطاء من أجل الخدمة ومن هنا تظهر قوة الشركة بدافع وحب العطاء داخل الكنيسة. ويلمع في الفكر المسيحيّ فكرة الوكالة المسيحية كصورة رائعة في العطاء، إننا لا نمتلك شيئًا، ولكن نحن وكلاء على ما نمتلك، ويجب أن نقدم حسابًا عن وكالتنا. “فَدَعَاهُ وَقَالَ لَهُ: مَا هذَا الَّذِي أَسْمَعُ عَنْكَ؟ أَعْطِ حِسَابَ وَكَالَتِكَ لأَنَّكَ لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَكُونَ وَكِيلًا بَعْدُ.” (لو 16: 2).
رابعًا: شركة الألم
يقول الرسول بولس: “لأَعْرِفَهُ، وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ، وَشَرِكَةَ آلاَمِهِ، مُتَشَبِّهًا بِمَوْتِهِ” (فيلبي 3: 10) ويشير في موضع أخر عن شركة آلام المسيح: “فَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يَتَأَلَّمُ فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَتَأَلَّمُ مَعَهُ. وَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يُكَرَّمُ فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَفْرَحُ مَعَهُ. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجَسَدُ الْمَسِيحِ وَأَعْضَاؤُهُ أَفْرَادًا.” (1 كورنثوس 12: 26-27).
وفي فيلبي يقول الرسول بولس: “لأَنَّهُ قَدْ وُهِبَ لَكُمْ لأَجْلِ الْمَسِيحِ لاَ أَنْ تُؤْمِنُوا بِهِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا أَنْ تَتَأَلَّمُوا لأَجْلِهِ.” (فيلبي 1: 29). ويضيف الرسول بطرس مفهومًا أخر معاكسًا بالقول: “فَلاَ يَتَأَلَّمْ أَحَدُكُمْ كَقَاتِلٍ، أَوْ سَارِقٍ، أَوْ فَاعِلِ شَرٍّ، أَوْ مُتَدَاخِلٍ فِي أُمُورِ غَيْرِهِ.” (1 بطرس 4: 15). أي أنَّ هناك أنواعًا من الآلام نكون نحن سببًا فيها. ولكن يصبح المفهوم الحقيقي للألم هو: “بَلْ كَمَا اشْتَرَكْتُمْ فِي آلاَمِ الْمَسِيحِ افْرَحُوا لِكَيْ تَفْرَحُوا فِي اسْتِعْلاَنِ مَجْدِهِ أَيْضًا مُبْتَهِجِينَ.” (1 بطرس 4: 13).
خامسًا: المواقف الحياتيّة
من خلال فهمنا للشركة يمكن أن نحيا “فَرَحًا مَعَ الْفَرِحِينَ وَبُكَاءً مَعَ الْبَاكِينَ. مُهْتَمِّينَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ اهْتِمَامًا وَاحِدًا غَيْرَ مُهْتَمِّينَ بِالأُمُورِ الْعَالِيَةِ بَلْ مُنْقَادِينَ إِلَى الْمُتَّضِعِينَ. لاَ تَكُونُوا حُكَمَاءَ عِنْدَ أَنْفُسِكُمْ.” (رومية 12: 15-16). وذلك ليس من مفهوم اجتماعي ولكن من خلال فعل روحي. وتصبح المشاركة لها قيمة فالأفراح حين توزع تزيد، والاحزان حين تقسم تزال. فلنحرص على حياة الشركة في كافة المواقف الحياتية ولا سيما في الأفراخ والأحزان.
ثالثًا: أهمية الشركة داخل الكنيسة
ترجع أهمية الشركة داخل الكنيسة إلى عدة أمور هامة من بينها الآتي:
أولًا: الشركة توضح العلاقة بين الفرد والجماعة
في حياة الشركة الفرد له قيمة، والجماعة أيضًا، وهذا يقود الكنيسة إلى أن تحيا معًا حياة الانسجام ليس في القولبة أو النمطية ولكن في التفرد والتميز والإبداع. لا يذوب الفرد داخل الجماعة، ولا تختزل الجماعة في فرد. ولكن الجميع معًا حسب خبرة أعمال الرسل “وَكَانَ لِجُمْهُورِ الَّذِينَ آمَنُوا قَلْبٌ وَاحِدٌ وَنَفْسٌ وَاحِدَةٌ” (أعمال الرسل 4: 32) الفرد يتقوى بالجماعة والجماعة أساسها الفرد. اتحاد الجماعة معًا مصدر القوة.
كنا في المرحلة الابتدائية نستمع للقصة التي تدور حول رب البيت الذي أراد أن يعلم أبنائه درسًا حين جلب عصاةً واحدةً فكانت سهلة الكسر، ولكن حين وضع أكثر من عصاة معًا في حزمة واحدة كانت عصية على الكسر، فتعلمنا من القصة أنه في الاتحاد قوة وفي التفرق ضعف.
ثانيًا: الشركة تدعو إلى قبول الآخر كما هو وليس كما أريد أنا
في العلاقات داخل إطار الشركة يقبل كل واحد من الآخر كما هو (الإيجابيات والسلبيات) كما هو وليس على تفصيلي الشخصي، والأخر أيضًا يقبلني كما أنا وليس على مقاسه هو، هذا الأمر يزيد من فرص القبول والشفاء الجماعي بعضهم لبعض. القبول رغم الاختلاف أمر هام في حياة الشركة. يقول الرسول بولس: “لِذلِكَ اقْبَلُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا كَمَا أَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا قَبِلَنَا، لِمَجْدِ اللهِ.” (رو 15: 7).
ثالثًا: الشركة تقوي الوحدة والانتماء
الشركة الحقيقية في أساسها ومجالاتها تقودنا إلى التأكيد على الانتماء، إنَّ الشخص الذي ينتمي للكنيسة المحلية، أو إلى الكنيسة العامة فهو يشترك مع المؤمنين الذين يؤمنون بالآب والابن والروح القدس، ويحققون طلب المسيح: “وَأَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ الْمَجْدَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا أَنَّنَا نَحْنُ وَاحِدٌ.” (يوحنا 17: 22).
الوحدة المقصودة هنا وحدة في الشركة وليس وحدة في التنظيم وهناك فارق كبير بين الإثنين، فالوحدة في النظام أن تكون كل الكنائس تحت نظام أو رئاسة واحدة هذه الوحدة لن تكون بين الكنائس، وصعب تحقيقها، ولكن الوحدة في الشركة والمحبة والشهادة ممكنة وتقبل التنوع في وحدة والوحدة في تنوع.
رابعًا: تبادل الخبرات
الشركة تحدد موقفي الإيجابي من الآخر، في الإعداد والتعليم وتبادل الخبرات، وبذلك تصبح الكنيسة مجتمع خبرة يساعد فيه الكبير الصغير، ويتعلَّم الجميع من بعضهم البعض من خلال المعايشة والسلوك ويعطي صاحب الخبرة من لا خبرة له، ولعل الصورة الموجودة في (مزمور 133: 3) توضح هذه الفكرة “مِثْلُ نَدَى حَرْمُونَ النَّازِلِ عَلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ. لأَنَّهُ هُنَاكَ أَمَرَ الرَّبُّ بِالْبَرَكَةِ حَيَاةٍ إِلَى الأَبَدِ.” فالجبل العالي حرمون يعطى الندى للجبل المنخفض منه صهيون، وهكذا يعطي الكبير الصغير.
خامسًا: الخروج من دائرة الذات إلى الآخر
الشركة تعلمني أن أخرج من نطاق الأنا والذات إلى الآخر، فالآخر ليس عدوًا لي ولكنه أخ وصديق نتعبد معًا، ونتعلم معًا، ونخدم معًا، هذه الصورة تساعدني ألا أعيش لذاتي ولكن معي آخرين أيضًا، الوجود معًا، المشاركة، التعاون، الرخاء المشترك، الجدية، إتقان العمل. هذه صورة رائعة لحياة الشركة المسيحية.
نصلي أن تتحقق هذه العلاقة والعلامة المميزة فينا، تزداد شركتنا، ويزداد إيمانا، وتتعمق محبتنا، فنقبل بعضنا البعض، بدون قيد أو شرط. “شَاكِرِينَ الآبَ الَّذِي اهَّلَنَا لِشَرِكَةِ مِيرَاثِ الْقِدِّيسِينَ فِي النُّورِ.” (كو 1: 12).
“هُوَذَا مَا أَحْسَنَ وَمَا أَجْمَلَ أَنْ يَسْكُنَ الإِخْوَةُ مَعًا!
لأَنَّهُ هُنَاكَ أَمَرَ الرَّبُّ بِالْبَرَكَةِ حَيَاةٍ إِلَى الأَبَدِ.”
(مزمور 133: 1، 3)
خدمة صباح الأحد 4 سبتمبر 2022م
القس عيد صلاح
- المسيح مثالنا الأعظم: مواقف ما قبل الصليب
- يوحنا المعمدان: وقف مع الحق ضد القوة
- عندما جاء المسيح إلى أرضنا: ماذا فعل؟
- فرحين فى الرجاء: كيف؟
- فَرِحِينَ فِي الرَّجَاءِ: لماذا؟
- هوية يسوع في قصة الميلاد
- يوسف البار الصامت المؤثر ومبادئ من حياته
- قصة الميلاد تعلن: كفاية شخص المسيح
- علامات تميز الكنيسة 3-3: الشهادة
- علامات تميز الكنيسة 2-3: الخدمة