تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » الأرشيف » علامات تميز الكنيسة 3-3: الشهادة

علامات تميز الكنيسة 3-3: الشهادة

الكاتب

 القس عيد صلاح

راعى الكنيسة الإنجيلية بعين شمس

سنودس النيل الإنجيلي 

الكنيسة الإنجيلية المشيخية بمصر  

علامات تميز الكنيسة

(3-3)

الشهادة

يوحنا 1: 47-51؛ أعمال الرسل 1: 8؛ متى 5: 13-16

       نواصل معًا ما بدأناه حول العلامات التي تميز الكنيسة، ونأتي إلى العلامة الثالثة وهي الشهادة، وهي تمثل أهمية خاصة في حياة الكنيسة مثلها مثل الشركة والخدمة، فالكنيسة التي تحيا حياة الشركة، وتقوم بالخدمة في جوهرها ومظهرها، تقدم الشهادة على تميزها وتفردها، الثلاثة معًا (دياكونيّا، كينونيّا، مِرتوريّا، أي (الخدمة، الشركة، الشهادة)، وكل هذه العلاقات تحتاج عادة للآخر لتخدمه، لتحيا معًا في شركة، لتقدم شهادة عن عمل نعمة الله في الحياة من خلال كنيسة متعبدة لا تنظر إلى العبادة كفقرة في اليوم ولكن كل الحياة. هذه العلامات الثلاث ليست رفاهية، أو أعمال في هيئة أنشطة، بل تعبر عن لب وكيان وجوهر وجود الكنيسة في العالم.

       تحدثنا عن الشركة، والخدمة، واليوم نتحدث عن حياة الشهادة، وهي حياة الكنيسة، والشهادة معناها: يُعلن، يؤكّد، يتحدث حسنًا، يشهد حتى الموت، حُسن أخلاقيّ، مواقف طيبة. كان تكليف الرب يسوع للتلاميذ قبل الصعود: “لَكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ” (أعمال الرسل 1: 8). وضع الرب يسوع أمام الكنيسة النطاق الجغرافيّ والإطار الفكريّ.

وتعبير شهود هو استدعاء للصورة التي كلف بها شعبه في العهد القديم بالقول: “أَنْتُمْ شُهُودِي يَقُولُ الرَّبُّ وَعَبْدِي الَّذِي اخْتَرْتُهُ لِكَيْ تَعْرِفُوا وَتُؤْمِنُوا بِي وَتَفْهَمُوا أَنِّي أَنَا هُوَ. قَبْلِي لَمْ يُصَوَّرْ إِلَهٌ وَبَعْدِي لاَ يَكُونُ.” (إش 43: 10). وقد ورد أيضًا تعبير “أَنْتُمْ شُهُودِي” في إش 34: 12، إش 44: 8.

والسؤال الذي يتحدانا دائمًا هو ما الذي يميز الكنيسة عن المؤسّسات الأخرى في المجتمع؟ على النطاق الجغرافيّ في مصر مثلًا ترى ما الشيء الذي تقوم به الكنيسة لتعلن عن ذاتها في مصر وفي المجتمعات المحليّة في الريف والمدن؟ كيف تشهد الكنيسة عن نفسها في وعظها وتعليمها وكرازتها وحتى في صمتها؟

كيف يقدم الشخص ذاته للمجتمع المحيط به؟ خير مثال على هذا التميز والاختلاف هو موقف المسيح مع نثنائيل الوارد في: “وَرَأَى يَسُوعُ نَثَنَائِيلَ مُقْبِلًا إِلَيْهِ فَقَالَ عَنْهُ: هُوَذَا إِسْرَائِيلِيٌّ حَقًّا لاَ غِشَّ فِيهِ. قَالَ لَهُ نَثَنَائِيلُ: مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُنِي؟ أَجَابَ يَسُوعُ: قَبْلَ أَنْ دَعَاكَ فِيلُبُّسُ وَأَنْتَ تَحْتَ التِّينَةِ رَأَيْتُكَ. فَقَالَ نَثَنَائِيلُ: يَا مُعَلِّمُ أَنْتَ ابْنُ اللَّهِ! أَنْتَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ! أَجَابَ يَسُوعُ: هَلْ آمَنْتَ لأَنِّي قُلْتُ لَكَ إِنِّي رَأَيْتُكَ تَحْتَ التِّينَةِ؟ سَوْفَ تَرَى أَعْظَمَ مِنْ هَذَا! وَقَالَ لَهُ: الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ الآنَ تَرَوْنَ السَّمَاءَ مَفْتُوحَةً وَملاَئِكَةَ اللَّهِ يَصْعَدُونَ وَيَنْزِلُونَ عَلَى ابْنِ الإِنْسَانِ.” (يوحنا 1: 47-51).

كما نادى المسيح نثنائيل “إسرائيليّ حقا لا غش فيه”، يتوقع من أنْ يكون كل واحد منا “مسيحيّ حقًا لا غش فيه”، وقد دُعِيَّ التلاميذ مسيحيين أولًا في إنطاكية ومصدر هذا الاختلاف هو الدعوة المتجددة لحياة القداسة لحياة التميز. “لِذَلِكَ مَنْطِقُوا أَحْقَاءَ ذِهْنِكُمْ صَاحِينَ، فَأَلْقُوا رَجَاءَكُمْ بِالتَّمَامِ عَلَى النِّعْمَةِ الَّتِي يُؤْتَى بِهَا إِلَيْكُمْ عِنْدَ اسْتِعْلاَنِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. كَأَوْلاَدِ الطَّاعَةِ لاَ تُشَاكِلُوا شَهَوَاتِكُمُ السَّابِقَةَ فِي جَهَالَتِكُمْ، بَلْ نَظِيرَ الْقُدُّوسِ الَّذِي دَعَاكُمْ، كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا قِدِّيسِينَ فِي كُلِّ سِيرَةٍ.  لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: كُونُوا قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ.” (1 بطرس 1: 13-16).

ارتباطنا بالله، وعلاقتنا به تضع علينا التزامًا أخلاقيًا لكي نتصرف وفق دعوتنا ومكانتنا ووضعنا في المسيح. عندما نتكلم عن الشهادة نحن لا نتكلم عن ثقافة الموت أو الاستشهاد ولكننا نتكلم عن ثقافة الحياة في غناها وفاعليتها. كيف أكون وأنا حيّ فاعل ومؤثر؟ كيف أخبر؟ كيف أحيا؟ كيف أعلن؟ كيف أعيش؟ لذلك نحن نتناول الشهادة من جانب أنَّها أسلوب حياة، وعلامة نضج، ومصدر تشجيع. أسلوب حياة فهي عمل مستمر لا يتوقف، وعلامة نضج تتخطى كل الحواجز الدينيَّة والعرقيَّة، مصدر تشجيع للمؤمنين.

كيف تكون الشهادة؟

تكون الشهادة من خلال الآتي: شهادة بالإقناع من خلال الفكر، وشهادة بالإتباع من خلال الانتماء، وشهادة بالامتناع من خلال السلوك، شهادة بالاندماج من خلال التواجد والحضور، ثم شهادة بالخبرة الإنسانية من خلال الحياة والمعايشة.

أولًا: شهادة بالإقناع من خلال الفكر

       الشهادة هنا تكون من خلال لحوار والاقتناع الفكريّ الهادئ والمتزن، وفيه يقدم للإنسان خلاصة إيمانه، وما يميز هذا الإيمان عن الآخرين، بمعنى أخر وهو أن يعرف الإنسان لماذا هو مسيحيّ، وعلى أي أرضية يقف، وفي أي اتجاه يسير. وكيف يطبق ذلك عمليًا في الحياة.

       يعرف الشخص أسس الإيمان المسيحيّ، فنكون مستعدين لمجاوبة أي شخص يسألنا عن سبب الرجاء الذي فينا يقول الرسول بطرس “بَلْ قَدِّسُوا الرَّبَّ الإِلَهَ فِي قُلُوبِكُمْ، مُسْتَعِدِّينَ دَائِمًا لِمُجَاوَبَةِ كُلِّ مَنْ يَسْأَلُكُمْ عَنْ سَبَبِ الرَّجَاءِ الَّذِي فِيكُمْ بِوَدَاعَةٍ وَخَوْفٍ” (1 بطرس 3: 15) تكون هذه الشهادة عن إدراك، وفهم، ووعي. لماذا أؤمن؟ وبمن أعتقد؟ الإقناع يحتاج إلى حوار هادئ هادف، والسؤال هنا كيف أشهد وأنا أعرف تميز إيماني؟ التعبير عن الإيمان لا يتطلب هدم معتقدات الأخر بقدر ما يكون لدية معقولية وحجة ليعبر عن ذاته. في أعمالنا ومن خلال من نعرفهم تأتينا أسئلة كثيرة عن إيماننا المسيحي ومن خلال قناعتنا وإيماننا نجيب، وهي فرصة طيبة لإقامة حوارات حول الإيمان المسيحي، وفي حوارنا نكون مقنعين.

ثانيًا: شهادة بالإتباع من خلال الانتماء

       لمن أنا؟ وفي اتجاه أسير، قال الرب يسوع: “وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا” (أع 1: 8) أي شهود للرب يسوع المسيح، وهذا ما جعل التلاميذ يدعون مسيحيين في إنطاكية أولًا “فَحَدَثَ أَنَّهُمَا اجْتَمَعَا فِي الْكَنِيسَةِ سَنَةً كَامِلَةً وَعَلَّمَا جَمْعًا غَفِيرًا. وَدُعِيَ التَّلاَمِيذُ مَسِيحِيِّينَ فِي أَنْطَاكِيَةَ أَوَّلًا.” (أع 11: 26). وذلك لأنهم يتبعون المسيح، فالمسيح هو أساس دعوتنا، وأساس شهادتنا، المسيح هو مركز الدائرة، وكلنا ندور في فلكه هو، وتبعيتنا له تفرض علينا التزامًا روحيًا وأخلاقيًا يقودنا بالطبع إلى حياة التميز في الفكر والسلوك.

       موقف الفتية الثلاثة حسب رواية كلمة الله في سفر دانيال كيف عاشوا حياة التميز، وأعلنوا عن تبعية حقيقية لله، في رفضهم لكافة المظاهر التي تبعدهم عن الله سبحانه وتعالى، في الأكل والشرب ومن جهة السجود للآلهة أو التماثيل. “أَمَّا دَانِيآلُ فَجَعَلَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لاَ يَتَنَجَّسُ بِأَطَايِبِ الْمَلِكِ وَلاَ بِخَمْرِ مَشْرُوبِهِ فَطَلَبَ مِنْ رَئِيسِ الْخِصْيَانِ أَنْ لاَ يَتَنَجَّسَ.” (دانيال 1: 8).  فَأَجَابَ شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنَغُو: يَا نَبُوخَذْنَصَّرُ لاَ يَلْزَمُنَا أَنْ نُجِيبَكَ عَنْ هَذَا الأَمْرِ. هُوَذَا يُوجَدُ إِلَهُنَا الَّذِي نَعْبُدُهُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنَجِّيَنَا مِنْ أَتُونِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ وَأَنْ يُنْقِذَنَا مِنْ يَدِكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ. وَإِلاَّ فَلْيَكُنْ مَعْلُومًا لَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ أَنَّنَا لاَ نَعْبُدُ آلِهَتَكَ وَلاَ نَسْجُدُ لِتِمْثَالِ الذَّهَبِ الَّذِي نَصَبْتَهُ. (دانيال 3: 16-18).

ثالثًا: شهادة بالامتناع من خلال السلوك

       تميز أخر لحياة الشهادة، هذا التميز ينبع من خلال مفهوم القداسة التي تطلب من الإنسان إذا سار في هذا النهج (نهج القداسة) والقداسة في أبسط صورها هي نقاوة الأحشاء وطهارة الأعضاء فهي تشمل كل كيان الإنسان داخليًا وخارجيًا، وهذا الموقف يتطلب من الإنسان أن يمتنع عن أمور لا تتوافق مع فكرة أو اتجاهاته ولعل الموقف الذي عبَّر عنه الرسول بولس في رسالته إلى أهل كورنثوس توضح ذلك:  “كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي لَكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تُوافِقُ. كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي لَكِنْ لاَ يَتَسَلَّطُ عَلَيَّ شَيْءٌ. اَلأَطْعِمَةُ لِلْجَوْفِ وَالْجَوْفُ لِلأَطْعِمَةِ وَاللهُ سَيُبِيدُ هَذَا وَتِلْكَ. وَلَكِنَّ الْجَسَدَ لَيْسَ لِلزِّنَا بَلْ لِلرَّبِّ وَالرَّبُّ لِلْجَسَدِ. وَاللَّهُ قَدْ أَقَامَ الرَّبَّ وَسَيُقِيمُنَا نَحْنُ أَيْضًا بِقُوَّتِهِ. أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ أَجْسَادَكُمْ هِيَ أَعْضَاءُ الْمَسِيحِ؟ أَفَآخُذُ أَعْضَاءَ الْمَسِيحِ وَأَجْعَلُهَا أَعْضَاءَ زَانِيَةٍ؟ حَاشَا! أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ مَنِ الْتَصَقَ بِزَانِيَةٍ هُوَ جَسَدٌ وَاحِدٌ لأَنَّهُ يَقُولُ: يَكُونُ الِاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا. وَأَمَّا مَنِ الْتَصَقَ بِالرَّبِّ فَهُوَ رُوحٌ وَاحِدٌ. اُهْرُبُوا مِنَ الزِّنَا. كُلُّ خَطِيَّةٍ يَفْعَلُهَا الإِنْسَانُ هِيَ خَارِجَةٌ عَنِ الْجَسَدِ لَكِنَّ الَّذِي يَزْنِي يُخْطِئُ إِلَى جَسَدِهِ. أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟ لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيَ لِلَّهِ.” (1 كورنثوس 6: 12-20).  “كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي لَكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تُوافِقُ. كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي وَلَكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تَبْنِي.” (1 كو 10: 23).

       الأمور الضابطة والحاكمة التي وضعها الرسول بولس لكنيسة كورنثوس هي أنه ليست كل الأمور توافق، لا يتسلط عليَّ شيء، ليست كل الأمور تبني، هناك أشياء توافق، وأشياء أخرى لا توافق، وعليَّ ان أختار ما يتناسب مع قيميّ ومبادئ وحياتيّ وأفكاريّ.

       والعيش في فكر القداسة يتطلب من الإنسان أن يميز، يصفي، يغربل، يحلل، ينتقي، يصارع، وفي النهاية يختار ما يتوافق معه. يمتنع الإنسان عن كل ما يخالف فكره وحياته وكتابه ومسيحه. يستطيع أن يقول لا هذا الأمر لا يوافقني وهنا يتخلص الإنسان من خطر الشعبيَّة، والعموميَّة، وتخدير الضمير، وركوب الموجة، ومجاراة العصر، إنَّ الإقناع المبنيّ على فكر الكتاب أن نكون قديسين. قد يضعنا هذا في مواقف صعبة، ولكن نهايتها مفرحة، إذ يكفي أن يحترم الإنسان ذاته وإلهه وفكره.

رابعًا: شهادة بالاندماج من خلال التواجد والحضور

       الكنيسة وهي تقوم بالشهادة تحيا في المجتمع، فهي ليست منعزلة عنه، وتعيش كما علمها سيدها: رسالة الملح، ورسالة النور قال المسيح: “أَنْتُمْ مِلْحُ الأَرْضِ وَلَكِنْ إِنْ فَسَدَ الْمِلْحُ فَبِمَاذَا يُمَلَّحُ؟ لاَ يَصْلُحُ بَعْدُ لِشَيْءٍ إِلاَّ لأَنْ يُطْرَحَ خَارِجًا وَيُدَاسَ مِنَ النَّاسِ. أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ. لاَ يُمْكِنُ أَنْ تُخْفَى مَدِينَةٌ مَوْضُوعَةٌ عَلَى جَبَلٍ وَلاَ يُوقِدُونَ سِرَاجًا وَيَضَعُونَهُ تَحْتَ الْمِكْيَالِ بَلْ عَلَى الْمَنَارَةِ فَيُضِيءُ لِجَمِيعِ الَّذِينَ فِي الْبَيْتِ.  فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هَكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.” (متى 5: 13-16).

الفاعليّة والتأثير قوي للغاية مع أن الملح أقلية ولكنه يعطي للطعام مذاق خاص. المسيحيون الحقيقيون يعطون للعالم طعمًا ومذاقًا خاصًا وهي تبين علاقة الأقليَّة بالأغلبيَّة. تندمج الكنيسة في المجتمع لتقوده، قال المسيح: “فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هَكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.” كلمة “قدام” الناس معناه القيادة للأمام، تحمل الكنيسة المشعل والمصباح أمام الجميع، وتسير والمجتمع يمشي خلفها، الكنيسة تقود المجتمع. وقد سبقت الكنيسة المجتمع في أمور كثيرة منها: تحرير العبيد، تعليم المرأة، المناداة بالمساواة، وحقوق الإنسان، شرارة التنمية في العالم.  

       الحضور المسيحيّ في مصر والشرق الأوسط أمر هام لا نتكلم عن العدد ولكن عن التواجد، التميز ليس في (جيتّو) منعزل عن الناس ولكن في حضور قوي فاعل. إبراهيم كان أقلية، ويوسف في أرض مصر كان أقلية، والفتية الثلاثة في بابل كانوا أقلية، العبرة ليست في العدد ولكن في الفاعلية والتأثير، إن العالم العربيّ ومصر أكثر احتياجًا اليوم إلى الحضور المسيحي الفاعل وهذا يأتي من خلال التواجد بالشهادة المسيحيّة.

خامسًا: شهادة بالخبرة الإنسانية من خلال الحياة

       كان كل إنسان يتقابل مع الله وتتغير حياته كان يسرع في الحال ويخبر الآخرين بكم صنع به الرب ورحمه، فالخبرة الإنسانية الحياتية متعددة ومتنوعة وغنية. ونستطيع أن نشهد عن المسيح ونعبر عن محبته لنا من خلال تعامل الله معنا، كل إنسان له حكاية مختلفة، أو قصة مختلفة، عندما نشارك بعضنا البعض بها ربما نتشجع.

       رحلة العمر وقصة الحياة هي شهادة حية يذكر كاتب الرسالة إلى العبرانيين هذه الكلمات المشجعة لنا أيضًا:  “لِذَلِكَ نَحْنُ أَيْضًا إِذْ لَنَا سَحَابَةٌ مِنَ الشُّهُودِ مِقْدَارُ هَذِهِ مُحِيطَةٌ بِنَا، لِنَطْرَحْ كُلَّ ثِقْلٍ وَالْخَطِيَّةَ الْمُحِيطَةَ بِنَا بِسُهُولَةٍ، وَلْنُحَاضِرْ بِالصَّبْرِ فِي الْجِهَادِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَنَا، نَاظِرِينَ إِلَى رَئِيسِ الإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ، الَّذِي مِنْ أَجْلِ السُّرُورِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَهُ احْتَمَلَ الصَّلِيبَ مُسْتَهِينًا بِالْخِزْيِ، فَجَلَسَ فِي يَمِينِ عَرْشِ اللهِ. فَتَفَكَّرُوا فِي الَّذِي احْتَمَلَ مِنَ الْخُطَاةِ مُقَاوَمَةً لِنَفْسِهِ مِثْلَ هَذِهِ لِئَلاَّ تَكِلُّوا وَتَخُورُوا فِي نُفُوسِكُمْ.” (عبرانيين 12: 1-3). الخبرات الإيمانيَّة-بالقصص والتاريخ الواقعيّ المكتوب بحياة الإيمان في إصحاح 11-تشجع الكنيسة والمجتمع أن تجاهد وتصبر.

       إنَّ الشهادة أسلوب حياة، ومنهج تفكير، وعلامة نضج، إن رسالتنا في الحياة هي الشهادة للمسيح في كل مكان وفي أي عمل نقوم به، يمكن أن نعيش حياة الشهادة من خلال الإقناع، والامتناع، والإتباع، والاندماج، والخبرات الإنسانيَّة المتميزة. “ظَاهِرِينَ أَنَّكُمْ رِسَالَةُ الْمَسِيحِ، مَخْدُومَةً مِنَّا، مَكْتُوبَةً لاَ بِحِبْرٍ بَلْ بِرُوحِ اللهِ الْحَيِّ، لاَ فِي أَلْوَاحٍ حَجَرِيَّةٍ بَلْ فِي أَلْوَاحِ قَلْبٍ لَحْمِيَّةٍ.” (2كو 3: 3).

أختم بهذه الكلمات التي قالها بيلي جراهام:

       “المسيحيّ هو الكتاب المقدس الذي يقرأه الناس،

       المسيحيّ هو العقيدة التي يحتاجها الناس،

       المسيحيّ هو العظة التي يصغي إليها الناس.”

 

خدمة صباح الأحد 2 أكتوبر 2022م

القسّ عيد صلاح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *