فهرس الموضوع

بقلم
مينا عبدالله أنس
السياسية الثورية لعيد الميلاد الأول
ن. ت. رايت
وَقفت في الجزء الخلفي من الكاتدرائية الساعة الواحدة والنصف صباح عيد الميلاد، أُصافح المتعبدين وهُم في طريقهم إلى المنزل. فَقد كُنت أعظّ عن دخول الله إلى حياتنا في عيد الميلاد، خاصتًا في صورة الضعفاء. كان معظم المتعبدين سعداء، ولكن رجل واحد كان لديه ما يريد أنَّ يقوله بقوة، فقال ليّ: ينبغي عليكَ الالتزام بالنص الكتابيّ؛ فعيد الميلاد ليسَ له علاقة بطالبيّ اللجوء! ثم سار قبل أنّ أتمكن من الرد بوضوح عليه.
قصة عيد الميلاد في إنجيل لوقا بلغت ذروتها مع يسوع في المزود، لأن كل مكان آخر كان مُمتلئًا في المكان الذي لجأوا إليه. فتنتهي رواية متى ويوسف ومريم بالانتقال بالطفل يسوع إلى دولة أُخرى، لأن السُلطّات أرادّت قتله. وبتجميع هذه الأشياء معًا، فإننا نجد أنَّ جوهر القصة الكتابية هو بالتحديد يسوع طالب اللجوء الّذي بلا مأوى. فأيّ شخص يعرف تاريخ وثقافة العالم اليهودي في القرن الأول سوف يرى هذه الفكرة بوضوح. فيُقدم متى قصة عيد الميلاد من خلال سرد أسلاف يسوع، وصولًا إلى إبراهيم، وإبراز الملك داود في الطريق في سلسة الأنساب. فمن الواضح والمُهدف إلى أين كان يتجه هذا السرد: كان إلى أنَّ يسوع هو ملك اليهود الحقيقي، في وقت كان فيه أحد هؤلاء الحُكام بالفعل “هيرودس الكبير” ملكًا على اليهود. لهذا السبب كان على يوسف أنّ يأخذ يسوع ومريم بعيدًا في عُجالة من أمره. ينطبق الشيء نفسه على قصة لوقا، حيث أصدر الإمبراطور الروماني أغسطس قيصر “ابن الله” كما أطلق عليه أمرًا في روما. وفي ذات الوقت ولادة “ابن الله” المختلف تمامًا في مَلكية مختلفة تمامًا في مدينة بيت لحم. إذًا تدور قصص وأحداث عيد الميلاد الأصلية والتاريخية حول القوة! إنها تدور حول ملكوت الله الذي يقتحم بشكل خطير وغير متوقع ممالك العالم.
ينشأ سوء الفهم من مشكلة أكبر! وضعت الثقافة الغربية المسيحية في صندوق يسمى “الدين”، معزولًا بحكم التعريف عن بقية “الحياة العملية”. فتحاول بعض ترنيمات الكريسماس كسر هذا القالب مثل: فكر في “It came upon a midnight clear,”، والتي تقارن ترنيمة الملائكة مع “two thousand years of wrong” لكن معظم الترانيم تدعم مفهوم schmaltzy “تهدف أغنية أو كتاب أو فيلم إلى جعل الناس يشعرون بالرومانسية أو الحزن ولكن ليسَ له قيمة حقيقية”. فبمجرد تفكيك النسيج السلس للقصة الأصلية، هذا كل ما تبقى لك. لقد قللت ثقافتنا من قصص عيد الميلاد إلى أغاني صغيرة حلوة ومسرحيات. لكن ولادة طفل يرث “عرش داود” كما قال الملاك لمريم في لوقا 1:32 “هذا يكون عظيما، وابن العلي يدعى، ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه.” يعلن بدء ثورة. فلا شيء سيكون كما كان فيما مضى، في الكتب المقدسة لإسرائيل حكم داود بالفعل على الأسباط الاثني عشر؛ لكن المزامير والأنبياء أصروا على أنَّ التتويج النهائي بالمسيح الذي سيحكم العالم بأسره. لذلك أيّ شخص يدعي بأنه الملك المنتظر هو تحديًا مباشرًا لحُكام العالم، سواء في القرن الأول أو القرن الحادي والعشرين.
لكن أيّ نوع من التحديّ؟ نحنُ خائفون جدًا من “الثيوقراطية” لدرجة أن فكرة يسوع وأتباعه الذين يشكلون “تحديًا” في الحياة العملية تكفي لإعادة الناس إلى ترانيم عيد الميلاد المسكنة المغيبة لنا. ومع ذلك، فإن مسألة “الثيوقراطية” (حرفياً: حكم الله) تدور عن أيّ إله نتحدث. هنا واضحًا متى ولوقا بدءا بقصتي عيد الميلاد، فتقول رواياتهم عن يسوع وصولاً إلى موته القاسي على يد القوة الإمبراطورية الرومانية من مئات الزوايا المختلفة، هذا ما يبدو عليه الأمر عندما يأتي الإله الحقيقي ليخلص. إنهم يرددون القصص القديمة في الكتاب المقدس عن إله إسرائيل: الله الذي خلق العالم في المقام الأول؛ الذي سمع صراخ شعبه فجاء على يد موسى لينقذهم. من أراد دائمًا أن يأتي ويعيش بين شعبه ومن خلالهم يجدد ويعيد خليقته بأكملها هذا هو الإله. القصص التي تبدأ في نهاية عيد الميلاد بإرسال أتباع يسوع إلى العالم لإطلاق طريقة جديدة لحياة الإنسان. نوع جديد من القوة: القوة الإلهية (المحبة، العطاء). بمجرد إعادة عيد الميلاد إلى سياقه التاريخي المناسب، سنجد أنّ عيد الميلاد يمكن أنّ يعيد تشكيل سياقنا التاريخي.
BY N.T. WRIGHT DECEMBER 23, 2019 10:08 AM EST
https://time.com/5754054/first-christmas-politics/
ترجمة: مينا عبدالله أنس
طالب بكلية اللاهوت الإنجيلية بالقاهرة
السياسة الثورية لعيد الميلاد الأول: مقالي في جريدة الطريق والحق، عدد 196، يناير 2022م
painting by Johann Rottenhammer (1564-1625).