تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » الأرشيف » عندما جاء المسيح إلى أرضنا: ماذا فعل؟

عندما جاء المسيح إلى أرضنا: ماذا فعل؟

jesus christ, religion, jesus-898330.jpg

الكاتب

 القس عيد صلاح

راعى الكنيسة الإنجيلية بعين شمس

سنودس النيل الإنجيلي 

الكنيسة الإنجيلية المشيخية بمصر  

عندما جاء المسيح إلى أرضنا:

ماذا فعل؟

الحدث الأهم في تاريخ البشرية الذي يوازي قصة الخلق هو قصة الميلاد، الله صار إنسانًا ليرفع الإنسان إليه. السؤال هو كيف عبر الكتاب المقدس في الكتابة في مرحلة ما بعد الأناجيل الأربعة عن مجيء المسيح إلى العالم؟ أو بالأحرى ماذا فعل المسيح ليشرح لنا موضوع التجسد، والرسالة التي أتى من أجلها؟ يضع الكتاب المقدس سبع أفعال توضح العمل والرسالة المسيح، وهي:

  • أخلى نفسه (في 2: 5-7)
  • وضع نفسه (في 2: 8)
  • لم يرض نفسه (رو 15: 3)
  • أسلم نفسه (غل 2: 20)
  • بذل نفسه (تي 2: 14)
  • قدَّم نفسه (عب 9: 13، 14)
  • سكب للموت نفسه (إش 53: 12).

أولاً: أخلى نفسه (في 2: 5-7)

نظرية الإخلاء تبين كيف تمَّ التجسد بلغة يحاول أن يصيغها الرسول بولس بالقول: “فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هذَا الْفِكْرُ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيْضًا: الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلًا للهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ.” (في 2: 5-7).

فالمسيخ أخلى نفسه أخذًا صورة عبد صائرًا في شبه الناس، وفي كونه معادلاً لله أخذ صورة إنسان، صورة عبد، ظهر غير محاط بمجد كمان كان يظهر في العهد القديم. فاللامحدود صار بالتجسّد محدودًا، وصاحب السلطان صار خاضعًا بالتجسد للقوانين.

قرينة أنشودة التجسّد الواردة في فيلبي كان الهدف منها وما زال أن يكون المسيح هو النموذج لكي تعيش الكنيسة فكرة الوحدة من خلال التواضع، فيقول: “فَتَمِّمُوا فَرَحِي حَتَّى تَفْتَكِرُوا فِكْرًا وَاحِدًا وَلَكُمْ مَحَبَّةٌ وَاحِدَةٌ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، مُفْتَكِرِينَ شَيْئًا وَاحِدًا، لاَ شَيْئًا بِتَحَزُّبٍ أَوْ بِعُجْبٍ، بَلْ بِتَوَاضُعٍ، حَاسِبِينَ بَعْضُكُمُ الْبَعْضَ أَفْضَلَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ. لاَ تَنْظُرُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لِنَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لآخَرِينَ أَيْضًا.” (في 2: 2-4). فهم عمل المسيح من خلال التجسّد عبر نظرية الإخلاء تساعد الكنيسة على كيفيّة عيش الوحدة والمحبة والاهتمام الواحد.

ثانيًا: وضع نفسه (في 2: 8-9)

يواصل الرسول بولس في أنشودته حول التجسّد باستخدام كلمة وضع بالقول: “وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ. لِذلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضًا، وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ” (في 2: 8-9). المقارنة هنا بين آدم الأول في العصيان وآدم الأخير (المسيح) في الطاعة.

ويربط الرسول بولس في الأنشودة بين التجسد والصليب في ارتباط وثيق الصلة، جين لا يمكننا فهم الصليب إلا من خلال التجسد، والتجسد من خلال الصليب. وهنا يتحقق كلام الملاك ليوسف “فَسَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ. لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ».” (مت 1: 21). في مقابل وضع نفسه نجد كلمة أخرى هي رفعه الله، فالله يقاوم المستكبرين: “يُقَاوِمُ اللهُ الْمُسْتَكْبِرِينَ، وَأَمَّا الْمُتَوَاضِعُونَ فَيُعْطِيهِمْ نِعْمَةً.” (يع 4: 6).

ثالثًا: لم يرض نفسه (رو 15: 3)

في الجانب التطبيقي لرسالة رومية يضع الرسول بولس مجموعة من القضايا العملية نتيجة التبرير بالإيمان من خلال عمل المسيح، وعلى رأس هذه القضايا قضية العلاقات بين أعضاء الجسد الواحد: “فَيَجِبُ عَلَيْنَا نَحْنُ الأَقْوِيَاءَ أَنْ نَحْتَمِلَ أَضْعَافَ الضُّعَفَاءِ، وَلاَ نُرْضِيَ أَنْفُسَنَا. فَلْيُرْضِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا قَرِيبَهُ لِلْخَيْرِ، لأَجْلِ الْبُنْيَانِ. لأَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا لَمْ يُرْضِ نَفْسَهُ، بَلْ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: تَعْيِيرَاتُ مُعَيِّرِيكَ وَقَعَتْ عَلَيَّ.” (رو 15: 1-3). وأيضًا: “لِذلِكَ اقْبَلُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا كَمَا أَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا قَبِلَنَا، لِمَجْدِ اللهِ.” (رو 15: 7).

القبول والاحتمال هما عاملان أساسيان في التعامل ولكيلا يكون الأمر بجهد بشري يضع الرسول بولس المسيح كمركز للدائرة فنحتمل بعضنا البعض كما احتمل المسيح، ونقبل بعضنا البعض كما قبلنا المسيح. والمسيح لم يرض نفسه، لم يعمل شيئًا لذاته، ولكن كل حياته كانت في خدمة الآخرين.

رابعًا: أسلم نفسه (غل 2: 20)

يستخدم الرسول بولس في علاقته بالمسيح، عبارات مثل في المسيح، ومع المسيح، وعن المسيح، فيقول: “مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ، فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي.” (غل 2: 20). وأساس العلاقة هي المحبة التي قدمها المسيح، فبلغة المفرد يقول “أحبني” وفي اللغة العامة يقول: “وَمِنْ يَسُوعَ الْمَسِيحِ الشَّاهِدِ الأَمِينِ، الْبِكْرِ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَرَئِيسِ مُلُوكِ الأَرْضِ: الَّذِي أَحَبَّنَا، وَقَدْ غَسَّلَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ،” (رؤ 1: 5). فالمسيح أسلم نفسه لأجلي، وهذا هو أعظم مقياس للحب والعطاء.

خامسًا: بذل نفسه (تي 2: 14)

يستخدم الرسول بولس صورة أخرى لعمل المسيح، بالقول: “الَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، لِكَيْ يَفْدِيَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ، وَيُطَهِّرَ لِنَفْسِهِ شَعْبًا خَاصًّا غَيُورًا فِي أَعْمَال حَسَنَةٍ.” (تي 2: 14). فعلان مهمان في هذه الآية: يفدينا، ويطهر. صورة الفداء والطهارة ويعمل لنفسه شعبًا خاصًا غيورًا في أعمال حسنة. وهنا عمل المسيح من أجلنا يطهر الداخل من خلال الفداء بدم المسيح، وفي نفس الوقت ينعكس هذا على الأعمال الحسنة، وهنا يتطابق الداخل مع الخارج، الفكر مع السلوك.

سادسًا: قدَّم نفسه (عب 9: 13، 14)

الرسالة إلى العبرانيين هي أغنى الرسائل التي تتحدث عن المسيح ومكانته وأفضليته وعمله، يقول كاتب الرسالة إلى العبرانيين: “لأَنَّهُ إِنْ كَانَ دَمُ ثِيرَانٍ وَتُيُوسٍ وَرَمَادُ عِجْلَةٍ مَرْشُوشٌ عَلَى الْمُنَجَّسِينَ، يُقَدِّسُ إِلَى طَهَارَةِ الْجَسَدِ، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ يَكُونُ دَمُ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ للهِ بِلاَ عَيْبٍ، يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُمْ مِنْ أَعْمَالٍ مَيِّتَةٍ لِتَخْدِمُوا اللهَ الْحَيَّ!” (عب 9: 13-14).

يتحدث عن المسيح على أساس أنه منذ الأزل قدم نفسه لله بلا عيب، لكي يطهر الضمائر لنخدم الله الحي. المسيح يطهر الضمائر الميتة “فِي رِيَاءِ أَقْوَال كَاذِبَةٍ، مَوْسُومَةً ضَمَائِرُهُمْ” (1 تي 4: 2). “لِنَتَقَدَّمْ بِقَلْبٍ صَادِق فِي يَقِينِ الإِيمَانِ، مَرْشُوشَةً قُلُوبُنَا مِنْ ضَمِيرٍ شِرِّيرٍ، وَمُغْتَسِلَةً أَجْسَادُنَا بِمَاءٍ نَقِيٍّ.” (عب 10: 22). من ضمير شرير إلى ضمير صالح: “وَأَمَّا غَايَةُ الْوَصِيَّةِ فَهِيَ الْمَحَبَّةُ مِنْ قَلْبٍ طَاهِرٍ، وَضَمِيرٍ صَالِحٍ، وَإِيمَانٍ بِلاَ رِيَاءٍ.” (1 تي 1: 5). ويكون هدف الحياة هو: “لِذلِكَ أَنَا أَيْضًا أُدَرِّبُ نَفْسِي لِيَكُونَ لِي دَائِمًا ضَمِيرٌ بِلاَ عَثْرَةٍ مِنْ نَحْوِ اللهِ وَالنَّاسِ.” (أع 24: 16).

سابعًا: سكب للموت نفسه (إش 53: 12)

بروح النبوة يكتب إشعياء عن المسيح بالقول: “لِذلِكَ أَقْسِمُ لَهُ بَيْنَ الأَعِزَّاءِ وَمَعَ الْعُظَمَاءِ يَقْسِمُ غَنِيمَةً، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سَكَبَ لِلْمَوْتِ نَفْسَهُ وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ، وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ وَشَفَعَ فِي الْمُذْنِبِينَ.” (إش 53: 12). وقد تمَّ ذلك على الصليب حين قال: “فَلَمَّا أَخَذَ يَسُوعُ الْخَلَّ قَالَ: قَدْ أُكْمِلَ. وَنَكَّسَ رَأْسَهُ وَأَسْلَمَ الرُّوحَ.” (يو 19: 30). من أخلى نفسه إلى سكب للموت نفسه نجده حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين، ويبقى هو باب الرجاء أمام كل خاطئ وبائس ومسكين.

ملاحظات ختامية:

  • كل الأفعال ذاتية إرادية قام المسيح بها غير مضطر عليها، فيها نوع من الإرادة والسيادة والسلطان، فيها إعلان المحبة الفائقة الوصف.
  • كل الأفعال التي حاولت تفسر كيف كان التجسد، فالمسيح أخلى نفسه، ووضع نفسه، لم يرض نفسه، أسلم نفسه، بذل نفسه، قدَّم نفسه، سكب للموت نفسه، لكي نحيا حياة الوحدة والمحبة ولا نتفاخر بعضنا على بعض، نخدم الآخرين، نتمتع بالغفران، نطهر أنفسنا من الداخل ونثمر أعمال صالحة من الخارج، يكون لنا ضمير حي.
  • كل الأفعال التي قام بها المسيح تفسر بطريقة أو بأخرى الأمر الذي أعلنه الملاك ليوسف: “فَسَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ. لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ».” (مت 1: 21).

خدمة صباح الأحد 8 يناير 2023م

القس عيد صلاح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *