
الكاتب
القس عيد صلاح
راعى الكنيسة الإنجيلية بعين شمس
سنودس النيل الإنجيلي
الكنيسة الإنجيلية المشيخية بمصر
فَرِحِينَ فِي الرَّجَاءِ
لماذا؟
في كتاب: “عار الجوع الغذاء والعدالة والمال في القرن العشرين” الصادر عن سلسلة عالم المعرفة بالكويت نوفمبر 2022م يقول الكاتب في مقدمة الكتاب: “ما شهده العالم كان يعزى إلى تلك الأزمة التي لم يكن من المفترض أن تحدث، فلو أنك طلبت من معظم خبراء التنمية داخل التيار السائد في العام 2000م تسمية تلك العوامل التي كان يعتقدون أنها ستعرض جهودهم الرامية إلى الحد من الفقر القدر الأكبر للخطر، على الصعيد العالمي في الألفيّة الجديدة فإن من غير الراجح أنهم كانوا سيأتون على ذكر صعود جذريّ مفاجئ في أسعار السلع الغذائيّة والأطعمة الأساسيّة والتي اعتمد فقراء العالم حرفيًا من أجل البقاء.”. الكتاب يرصد للأزمة الماليّة في ظل ارتفاع الأسعار التي وصلت في بعض الأمور منها كما يذكر الكاتب وصلت إلى 40%، السؤال إذًا، ما هو المستقبل؟
المستقبل وفق الرؤى والأطروحات قد يكون صعبًا، أو مجهولاً، أو قاتمًا، والدلائل قد لا تبشر بالخير. ولكن الكتاب المقدَّس يستخدم كلمة في غاية الأهمية وهي كلمة “الرجاء” ومعناها “التوقع الواثق” المشفوعة بلغة اليقين وليست لغة الاحتمالات.
الرجاء الذي يغير الواقع أو يعطي معونة لفهم الواقع، يقول المرنم: ” لِمَاذَا أَنْتِ مُنْحَنِيَةٌ يَا نَفْسِي؟ وَلِمَاذَا تَئِنِّينَ فِيَّ؟ ارْتَجِي اللهَ، لأَنِّي بَعْدُ أَحْمَدُهُ، لأَجْلِ خَلاَصِ وَجْهِهِ.” (مز 42: 5). ويكرر المرنم نفس السؤال بالقول: لِمَاذَا أَنْتِ مُنْحَنِيَةٌ يَا نَفْسِي؟ وَلِمَاذَا تَئِنِّينَ فِيَّ؟ تَرَجَّيِ اللهَ، لأَنِّي بَعْدُ أَحْمَدُهُ، خَلاَصَ وَجْهِي وَإِلهِي. (مز 42: 13). الرجاء يتعامل مع انحناء النفس والأنين. في أيوب نقرأ عن فعل الرجاء بالقول: “وَتَطْمَئِنُّ لأَنَّهُ يُوجَدُ رَجَاءٌ. تَتَجَسَّسُ حَوْلَكَ وَتَضْطَجِعُ آمِنًا.” (أي 11: 18). وأيضًا “فَيَكُونُ لِلذَّلِيلِ رَجَاءٌ وَتَسُدُّ الْخَطِيَّةُ فَاهَا.” (أي 5: 16). ويعلّم المرنم في مزمور 39: “وَالآنَ، مَاذَا انْتَظَرْتُ يَا رَبُّ؟ رَجَائِي فِيكَ هُوَ.” (مز 39: 7).
يتفاعل الرجاء مع كل ظروف الإنسان الصعبة والمرة، والتوقع الواثق بأن الله حسب سلطانه وعنايته سيغير الواقع، أو يعطي معونة لتغييرنا نحن، أو نجتاز الظروف الصعبة بسلام. لذلك علم الرسول بولس: “أَمَّا الآنَ فَيَثْبُتُ: الإِيمَانُ وَالرَّجَاءُ وَالْمَحَبَّةُ، هذِهِ الثَّلاَثَةُ وَلكِنَّ أَعْظَمَهُنَّ الْمَحَبَّةُ.” (1 كو 13: 13).
بعد أن علم الرسول بولس في رومية عن قضية التبرير بالإيمان من خلال بر المسيح من رومية 1-11، يعطي البعد العمليّ بناء على هذا التبرير بالإيمان بداية من رومية 12-16 يقول في رومية 12: “فَرِحِينَ فِي الرَّجَاءِ، صَابِرِينَ فِي الضِّيْقِ، مُواظِبِينَ عَلَى الصَّلاَةِ” (رو 12: 12).
فرحين في الرجاء تعبر بالزمن من المستقبل إلى الحاضر فهي تعلّم أن نكون الآن فرحين من خلال الرجاء الموضوع دائمًا على المستقبل، الحاضر فرح طالما المستقبل رجاء. وبما أنَّ فرحين في الرجاء وردت في رسالة رومية فلنتتبع الكلمة في رسالة رومية وكيف نفهمها لكي نكون فرحين في الرجاء؟
- العلاقة بين الإيمان والرجاء: يقدم الرسول بولس إبراهيم كنموذج على التبرير بالإيمان في الإصحاح الرابع بالقول: “فَهُوَ عَلَى خِلاَفِ الرَّجَاءِ، آمَنَ عَلَى الرَّجَاءِ، لِكَيْ يَصِيرَ أَبًا لأُمَمٍ كَثِيرَةٍ، كَمَا قِيلَ: هكَذَا يَكُونُ نَسْلُكَ.” (رو 4: 18). يرتبط الإيمان هنا بالرجاء، والرجاء في تحقيق المواعيد الإلهية، وفي كلمة الله الثابتة الباقية إلى الأبد.
- الرجاء يقود للافتخار: “الَّذِي بِهِ أَيْضًا قَدْ صَارَ لَنَا الدُّخُولُ بِالإِيمَانِ، إِلَى هذِهِ النِّعْمَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا مُقِيمُونَ، وَنَفْتَخِرُ عَلَى رَجَاءِ مَجْدِ اللهِ.” (رو 5: 2).
- الفخر في الضيقات من خلال الرجاء: “وَلَيْسَ ذلِكَ فَقَطْ، بَلْ نَفْتَخِرُ أَيْضًا فِي الضِّيقَاتِ، عَالِمِينَ أَنَّ الضِّيقَ يُنْشِئُ صَبْرًا، وَالصَّبْرُ تَزْكِيَةً، وَالتَّزْكِيَةُ رَجَاءً وَالرَّجَاءُ لاَ يُخْزِي، لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا” (رو 5: 3-5).
- بالرجاء خلصنا: “لأَنَّنَا بِالرَّجَاءِ خَلَصْنَا. وَلكِنَّ الرَّجَاءَ الْمَنْظُورَ لَيْسَ رَجَاءً، لأَنَّ مَا يَنْظُرُهُ أَحَدٌ كَيْفَ يَرْجُوهُ أَيْضًا؟” (رو 8: 24).
- الرجاء في كلمة الله: “لأَنَّ كُلَّ مَا سَبَقَ فَكُتِبَ كُتِبَ لأَجْلِ تَعْلِيمِنَا، حَتَّى بِالصَّبْرِ وَالتَّعْزِيَةِ بِمَا فِي الْكُتُبِ يَكُونُ لَنَا رَجَاءٌ.” (رو 15: 4).
- الرجاء في المسيح: “وَأَيْضًا يَقُولُ إِشَعْيَاءُ: سَيَكُونُ أَصْلُ يَسَّى وَالْقَائِمُ لِيَسُودَ عَلَى الأُمَمِ، عَلَيْهِ سَيَكُونُ رَجَاءُ الأُمَمِ.” (رو 15: 12). وهو ما قاله البشير متى: “وَعَلَى اسْمِهِ يَكُونُ رَجَاءُ الأُمَمِ.” (مت 12: 21). والمسيح نفسه هو رجائنا 1 تي 1: 1، وهو فينا رجاء المجد كو 1: 27.
- الله هو إله الرجاء: “وَلْيَمْلأْكُمْ إِلهُ الرَّجَاءِ كُلَّ سُرُورٍ وَسَلاَمٍ فِي الإِيمَانِ، لِتَزْدَادُوا فِي الرَّجَاءِ بِقُوَّةِ الرُّوحِ الْقُدُسِ.” (رو 15: 13). “الَّذِي نَجَّانَا مِنْ مَوْتٍ مِثْلِ هذَا، وَهُوَ يُنَجِّي. الَّذِي لَنَا رَجَاءٌ فِيهِ أَنَّهُ سَيُنَجِّي أَيْضًا فِيمَا بَعْدُ.” (2 كو 1: 10).
- الروح القدس بقوته يمنحنا الرجاء: لِتَزْدَادُوا فِي الرَّجَاءِ بِقُوَّةِ الرُّوحِ الْقُدُسِ.” (رو 15: 13).
من خلال ما سبق يكون السؤال لماذا نفرح في الرجاء؟ يكون الرجاء ثابت على ثلاثة اساسيات هامة في الحياة الروحية، وهي:
- لأن الرجاء ثابت لأنه مبني على عمل الثالوث القدوس الآب والابن والروح القدس.
- هذا الرجاء هو مضمون في كلمة الله وصدق المواعيد والذي من خلاله يكون لنا التعزية، فالتعزية من خلال الكلمة، كلما فهمنا الكلمة ازدادت تعزيتنا.
- نحيا هذا الرجاء من خلال الإيمان الذي يدخل بنا إلى المستقبل ويستدعي المستقبل للحاضر فنفرح.
نماذج عاشت على رجاء:
توجد نماذج حية في الكتاب المقدس عاشت هذا الرجاء فيونان عاش الرجاء وهو في بطن الحوت حين قال: “فَقُلْتُ: قَدْ طُرِدْتُ مِنْ أَمَامِ عَيْنَيْكَ. وَلكِنَّنِي أَعُودُ أَنْظُرُ إِلَى هَيْكَلِ قُدْسِكَ” (يونان 3: 4). والفتية الثلاثة في أتون النار بوجود الشبيه بابن الآلهة “أَجَابَ وَقَالَ: «هَا أَنَا نَاظِرٌ أَرْبَعَةَ رِجَال مَحْلُولِينَ يَتَمَشَّوْنَ فِي وَسَطِ النَّارِ وَمَا بِهِمْ ضَرَرٌ، وَمَنْظَرُ الرَّابعِ شَبِيهٌ بِابْنِ الآلِهَةِ».” (دا 3: 25). ودانيال في جب الأسود “إِلهِي أَرْسَلَ مَلاَكَهُ وَسَدَّ أَفْوَاهَ الأُسُودِ فَلَمْ تَضُرَّنِي، لأَنِّي وُجِدْتُ بَرِيئًا قُدَّامَهُ، وَقُدَّامَكَ أَيْضًا أَيُّهَا الْمَلِكُ، لَمْ أَفْعَلْ ذَنْبًا».” (دا 6: 22). وحبقوق في ظل الظروف الاقتصادية انشد هذه الأنشودة: فَمَعَ أَنَّهُ لاَ يُزْهِرُ التِّينُ، وَلاَ يَكُونُ حَمْلٌ فِي الْكُرُومِ. يَكْذِبُ عَمَلُ الزَّيْتُونَةِ، وَالْحُقُولُ لاَ تَصْنَعُ طَعَامًا. يَنْقَطِعُ الْغَنَمُ مِنَ الْحَظِيرَةِ، وَلاَ بَقَرَ فِي الْمَذَاوِدِ، فَإِنِّي أَبْتَهِجُ بِالرَّبِّ وَأَفْرَحُ بِإِلهِ خَلاَصِي. اَلرَّبُّ السَّيِّدُ قُوَّتِي، وَيَجْعَلُ قَدَمَيَّ كَالأَيَائِلِ، وَيُمَشِّينِي عَلَى مُرْتَفَعَاتِي. (حب 3: 13-15). وبولس ينشد بالقول: “الَّذِي نَجَّانَا مِنْ مَوْتٍ مِثْلِ هذَا، وَهُوَ يُنَجِّي. الَّذِي لَنَا رَجَاءٌ فِيهِ أَنَّهُ سَيُنَجِّي أَيْضًا فِيمَا بَعْدُ.” (2 كو 1: 10).
فمهما ابتعلنا حوت اليأس أو القلق، أو دخلنا فيما يشبه أتون النار، أو مخاوف من أسود حولنا في الحياة، أو ظروف اقتصادية صعبة أو حتى العرض لموت فلنا رجاء أن المستقبل أفضل في المسيح ومع المسيح.
أن نسبح ضد التيار مهما كانت الظروف صعبة: “فَرِحِينَ فِي الرَّجَاءِ، صَابِرِينَ فِي الضِّيْقِ، مُواظِبِينَ عَلَى الصَّلاَةِ” (رو 12: 12). وسب الفرح هو بالرب وفي الرب: “اِفْرَحُوا فِي الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ، وَأَقُولُ أَيْضًا: افْرَحُوا.” (في 4: 4). “فَرَحًا أَفْرَحُ بِالرَّبِّ. تَبْتَهِجُ نَفْسِي بِإِلهِي، لأَنَّهُ قَدْ أَلْبَسَنِي ثِيَابَ الْخَلاَصِ. كَسَانِي رِدَاءَ الْبِرِّ، مِثْلَ عَرِيسٍ يَتَزَيَّنُ بِعِمَامَةٍ، وَمِثْلَ عَرُوسٍ تَتَزَيَّنُ بِحُلِيِّهَا.” (إش 61: 10).
الرجاء مرتبط بشخص وليس بشيء، الرجاء مرتبط بالمستقبل وليس بالحاضر، في الرجاء المستقبل يشمل الحاضر وبالتالي يتعامل مع الواقع. “وَرَبُّنَا نَفْسُهُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ، وَاللهُ أَبُونَا الَّذِي أَحَبَّنَا وَأَعْطَانَا عَزَاءً أَبَدِيًّا وَرَجَاءً صَالِحًا بِالنِّعْمَةِ، يُعَزِّي قُلُوبَكُمْ وَيُثَبِّتُكُمْ فِي كُلِّ كَلاَمٍ وَعَمَل صَالِحٍ.” (2 تس 2: 16-17).
أتمنى لكم 12 شهرًا من الرجاء، و52 أسبوعًا من السلام، و365 يومًا من الانسجام، و8760 ساعة من الفرح، و525600 دقيقة من الصحة، و31،536،000 ثانية من السعادة.
كلمة رأس السنة 31 ديسمبر 2022م
القس عيد صلاح
- المسيح مثالنا الأعظم: مواقف ما قبل الصليب
- يوحنا المعمدان: وقف مع الحق ضد القوة
- عندما جاء المسيح إلى أرضنا: ماذا فعل؟
- فرحين فى الرجاء: كيف؟
- فَرِحِينَ فِي الرَّجَاءِ: لماذا؟
- هوية يسوع في قصة الميلاد
- يوسف البار الصامت المؤثر ومبادئ من حياته
- قصة الميلاد تعلن: كفاية شخص المسيح
- علامات تميز الكنيسة 3-3: الشهادة
- علامات تميز الكنيسة 2-3: الخدمة