
بقلم
مينا عبدالله أنس
طالب بكلية اللاهوت الإنجيلية بالقاهرة
تَتعدّد مَقاييس النَّجاح داخل المجتمع بصورة عامة: فمنا مَن يَرى معيار النَّجاح فِي السُلَّطة والمكانة، ومنا مَن يَرى معيار النَّجاح فِي الشعور بالسلام والأمان، ومنا مَن يرى معيار النجاح في الغنى المادي، ومنا مَن يرى معيار النَّجاح في تصفيق الحشد له، ومنا مَن يرى معيار النجاح في كثرة الأعمال الصالحة……… وإلخ. ولكن هذه قد تكون معايير العالم للنَّجاح والشعور بالرضاء ولا يمكن إنكار دورها، ولكن معايير نجاح الخدمة (الكنيسة) تَختلف تمامًا عن هذه المعايير العالمية، فمعايير نجاح الخدمة هي معايير كتابية ثابتة موجودة بالفعل داخل الكلمة المقدسة؛ كل ما علينا هو أنّ نكتشفها ونُعيد صياغتها داخل احتياج سياقنا الحالي. فمقياس نجاح الخدمة لا يخضع لتقييم الجمع ولا لهذه المقاييس العالمية. وتكمن المشكلة في أنَّ هذه المقاييس العالمية قد تَسللت إلَى المُجتمع الدينيّ الكنسيّ (خادم/متعبد)، فأصبح نجاح الخدمة في السواد الأعظم مِن المجتمع المسيحيّ يخضع لمقاييس ليست هي مِن الكتاب ولا نعرف لها طريقًا إلى الكلمة! والأصعب أنها أصبحت معيار ثابت للنجاح لدينا! وهذه بعض مقاييس النجاح الوهمية اليوم التي نظن إنها أساس ومعيار لنا، التي استبدلت المعايير الكتابية الأساسية، على سبيل المثال لا الحصر. أولًا: يظن البعض معيار نجاح الخدمة هو في غنى المبنى والعدد فقط. فأصبح المجتمع يَقيس نجاح الخدمة والخادم والمُتعبد بمدى جمال ومدى تكلفة المبنى الكنسيّ، فمَن تعبدُوا وخدموا في كنائس مُغطاةً بالألوان البديعة ذي مساحات شاسعة، هُم مَن نجحوا وأعزهم الله _ وأصبحوا معيار للنجاح ندفع بعضنا بعض للسعى لهُ. أيضًا الاعتقاد بأن النجاح في كثرة العدد (القدرة على الحشد)، في هذه الحالة يصبح مجد الكنيسة وقوة الخادم يُقاس بعدد مَن يَخدمهُم! فكُلما كثر العدد كثر المجد للخادم والمخدوم، وكُلما قل العدد قل في وجهة نظرنا قوة الخادم وزاد ضعف حالة المُتعبدين. ثانيًا: يظن البعض معيار النجاح في الإشباع المادي فقط. تَفشى في مجتمعنا اليوم الباحثين عن الشبع المادي دون جوانب أُخرى، فالكنيسة (الخادم والمتعبد) التي تنجح في إطعام أكبر عدد من الناس، وتوفر الكثير من الماديات والتقدمات للشعب، يُصبح الخادم والمتعبد لا مثيل لهم ونموذج لا يمكن تعويضه، ويقاس عليه باقي النماذج الراغبة في النجاح. وهنا أتسأل هل يُمكن أنّ يكون مقياس نجاح الكنيسة الحقيقية (الخادم والمتعبد) بجمال المبنى وكثرة العدد وحدهما؟! هل يمكن أنّ تكون الكنيسة الحقيقية التي يرغبها الله (خُدام ومتعبدين) جوهرها تسديد الاحتياج المادي فقط؟! هل يتمثل جوهر رسالة الكنيسة في البحث عن إرضاء الجمع وإشباع الرغبات الشخصية؟! وفي هذا المقال أُقدم مقياس من مقاييس النجاح الكتابية التي أراها متجذرة في النص الكتابيّ وتعد احتياج حالي لنا، والتي تقودنا لعلاقة صحية صحيحة مع الله والنفس والآخرين، وتعد مطلب رئيسي لكل خدمة حقيقية أمينة. المِعْيَار الأول: التحديات.
أولًا: مِعْيَار التحديات.
أعتقد أنَّ جزء كبير من نجاح الكنيسة الأُولى وتفكر الآباء في القرون الأُولى هو خوضهم التحدي أمام ثقافة المجتمع والمهرطقين في ذلك الوقت: فظهور المدافعين مِن الآباء كان بسبب قرار خوض التحدي أمام نُقاد الكتاب المقدس، وإعلان القانونية كان سلاح اتخذته الكنيسة لمحاربة الهراطقة، وقوانين الإيمان خوض التحدي لمواجهه الأفكار المغلوطة المنتشرة عن الإيمان المسيحيّ. فمقياس نجاح الخدمة يكون بالتحديات التي تتخذها الكنيسة، وبالتحديات القائمة بالفعل. فالنجاح في العزلة هُو نجاح وهمي! فلا ينجح المحارب دون أنّ يخوض الحرب، ولا ينجح الطبيب دون أنّ يخوض التحدي أمام مرض ما؛ وكذلك لا تنج الخدمة بلا أن تخوض التحدي للتغيير وإرثاء العدل والحق. فالخدمة الناجحة تُقاس بكمية وحجم التحديات التي نتخذها في مواجهة الثقافة المعادية للملكوت، الأفكار والمبادئ التي تحتاج إلى تقويم، والحق الذي يحتاج أن ننطق به في وجه الباطل. فخاض الرسول بطرس (التلاميذ) بالروح القدس تحديات عديدة في وسط ثقافة معادية، مجاهرًا بلا خوف بالمسيح يسوع، محتملًا نتيجة هذا التحدي من اضطهاد _ عظة بطرس يوم الخمسين (أعمال الرسل 2: 22 _ 23): «أيها الرجال الإسرائيليون اسمعوا هذه الأقوال: يسوع الناصري رجل قد تبرهن لكم من قبل الله بقوات وعجائب وآيات صنعها الله بيده في وسطكم، كما أنتم أيضا تعلمون. هذا أخذتموه مسلما بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق، وبأيدي أثمة صلبتموه وقتلتموه. وأيضًا بولس الرسول قرر أنّ يخوض التحدي في أريُوس باغُوس فقال لهُم متحديًا فلسفتهم وتساؤلاتهم (أعمال الرسل 17: 23): لأنني بينما كنت أجتاز وأنظر إلى معبوداتكم، وجدت أيضا مذبحًا مكتوبًا عليه: «لإله مجهول». فالذي تتقونه وأنتم تجهلونه، هذا أنا أنادي لكم به. ليسَ هؤلاء فقط! ولكن خاض من قبلهم يسوع المسيح التحدي الاجتماعي والثقافي والديني؛ باحثًا بقوة عن زرع وترسيخ مبادئ الملكوت على الأرض: فجاء يُنادي بالغفران في وسط مجتمع يسود فيه الانتقام العين بالعين، خاض التحدي ضِدَّ قادة اليهود بتوبيخهم على أعمالهم لتركهم الرحمة والاهتمام بالطقوس الشكلية فقط. من جهة الخُطَاة اتخذ التحدي أمام المُتدينين بالجلوس معهم وقبولهم غير مبالي بنظرتهم النقدية له، من جهة المرأة اتخذ التحدي بأن يجعلها مُساوية للرجل في تعليمه وفي حقها في الخدمة والملكوت في ظل مجتمع يرفض هذا، من جهة الأمم أعلن أنّ لهُم ميراث في ملكوت الله وليسَ اليهود فقط. فيُقاس نجاح الخدمة بالتحديات التي نخوضها في المجتمع لنغير ونُعلّم ونثور. ليسَ فقط التحديات التي نخوضها ولكن أيضًا التحديات التي نواجها بالفعل التي لا نحتاج أنّ نذهب لها. فنجاح الخدمة يُقاس بالتحديات التي نواجها سواء تحديات مادية أو روحية أو اجتماعية أو ثقافية، وإلى أين استطعت في خدمتك أنّ تُحرك جبال هذه التحديات للأمام تبعًا للمبادئ الكتابية؛ وليسَ لأين وصلت بالمقارنة مع الآخرين. فمعيار من معايير نجاح الخدمة هو التحديات التي نُقرر أنّ نخوضها، هو مقدار التحديات التي استطعنا أنّ نُصلح ونُغير فيها بُناءً على الفكر الكتابيّ.